السبت، 17 فبراير 2018

" أدب الأطفال والمعينات التعليمية ودورهما فى التنمية البشرية " بقلم: هالة الشارونى



" أدب الأطفال والمعينات التعليمية
ودورهما فى التنمية البشرية "
بقلم:هالة الشارونى

جاء فى تقرير التنمية البشرية الذى يُصْدِره البرنامج الإنمائى التابع للأمم المتحدة ، أن الربع قرن الأخير ( قبل عام 2016 ) ، شهد حياة أطول للإنسان ، وساهمت التنمية البشرية فى إنقاذ أعداد كبيرة من الفقر الشديد ، لينخفض عدد المعدمين من 35 % إلى 11 % من تعداد سكان    العالم . كما انخفض عدد الذين كانوا يعانون من سوء التغذية.
لكن الفائدة لم تكن متساوية لجميع الناس ، لذلك فإن البرنامج الجديد لعام 2016 ، رفع فى السنوات القادمة شعار " التنمية بمشاركة الجميع ولصالح الجميع " .
وسجل التقرير أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية ، منها تحسن حصول الإنسان على الخدمات الأساسية ، مثل انخفاض نسبة المحرومين من الصرف الصحى ، والحصول على المياه النقية ، كما ارتفعت حصة النساء فى مقاعد البرلمانات من 11 % إلى 22 % .
لكن من السلبيات ، التوسع العمرانى غير المخطط وهو ما نسميه " العشوائيات " ، وزيادة اللاجئين إلى خارج بلادهم ، وظهور المنازعات ، والتطرف ، والزواج المبكر ، والتمييز بين البشر .
ويركز التقرير على أن حقوق الإنسان هى حجر الأساس على طريق التنمية البشرية ، ومن بين هذه الحقوق ، الحق فى مكافحة الارهاب ، إضافة إلى الحق فى التعليم والصحة والحرية والعيش فى سلام ، والممارسة الديمقراطية ، والحصول على المأكل والملبس . وأيضًا مساعدة الأطفال على الاستعداد للمستقبل .
وكشف البنك الدولى للإنشاء والتعمير ، أن كل دولار يتم انفاقه على التعليم ، يحقق عائدًا يتراوح ما بين 6 و 17 دولار . كذلك ارتفعت مطالبات برفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ، والتعرف على الاحتياجات الأساسية لكل مواطن والوفاء بها .
*          *          *
وقد وجدتُ ، من خلال تجربتى الطويلة مع الأطفال من مختلف الأعمار ، أنه عندما ترتبط قراءة القصص ، بالوسائل التى تساهم كل الحواس ، عن طريقها ، فى استيعاب القصة ، فإننا نترك أقوى الآثار فى عقول وخيال وسلوك الأطفال ، وبالتالى نُعَمِّق ما نريد تنميته فى نفوس الأطفال من التمسك بحقوقهم ، وهو أهم سبيل لتحقيق التنمية البشرية المستدامة ، عندما نجعلهم أصحاب قدرة على تنمية مختلف جوانب شخصياتهم العقلية والجسدية والسلوكية .
*          *          *
* وفيما يلى بعض القصص التى استخدمنا لحكايتها للأطفال مختلف الوسائل ، مثل المجسمات، والعرائس ، واللوحة الوبرية ، وصور الفانوس السحرى والأقنعة ، وهى قصص تساعد على التنمية البشرية المستدامة ، فى سبيل أن يقدم كل مواطن أقصى ما يستطيع لنفسه ووطنه .



* التعاون والعمل الجماعى :

الواحد للمجموع

            فى أحدِ الأيامِ ، كنْتُ أقفُ بجوارِ مبنًى منخفضِ السقفِ ، ورأيتُ نملةً حمراءَ كبيرةً تقتربُ من حافَةِ السقْفِ . كانت أوراقُ شجرةِ فاكهةٍ محملة بثمارها الشهية تنمو قريبًا من المبنى ، وتهتزُّ على بعدِ سنتيمترات من النملةِ التى كانت تحاولُ أن تمسكَ ورقةٍ منها .
وتشبثت النملةُ بحافة السقفِ بقدميها الخلفيتين ، ثم ألقَتْ بقيةَ جسمِها فى الهواءِ، وبدأت تتخبَّطُ وهى متدليةٌ من حافة المبنى .
            سرعانَ ما هبَّتْ نسمةٌ هواءِ ، دفعَتْ ورقةً من الشجرةِ قريبًا من النملةِ ، فاستطاعَتْ أن تتعلَّقَ بها .
لكنَّ النملةَ لم تقفزْ على الورقةِ كما تصوَّرْتُ ، بل ظلَّتْ بغيرِ حركةٍ ، معلقةً مشدودةَ الجسمِ بين ورقةِ الشجر وحافة سقفِ المبنى .
            فى لمحِ البصرِ ، رأيتُ عشراتٍ من النمل الذى كان يجول على السقفِ ، يُسرِعُ نحو القنطرةِ التى بنَتْها النملةُ بجسمِها ، وأخذَتْ تعبرُ الواحدةُ بعدَ الأخرى من السقفِ إلى الشجرةِ، عن طريقِ الجسمِ المُمدَّدِ الذى يقومُ مقامَ القنطرةِ .
وعندما انتهَتْ آخرُ نملةٍ من العبور ، أفلتَتِ النملةُ قدميها الخلفيتين المثبتتين بالسقفِ، وقفزَتْ إلى ورقةِ الشجرةِ .
            ثم انطلقَتْ قوافلُ النملِ تسيرُ على الأوراقِ الخضراءِ ، لتصلَ إلى فاكهةِ الشجرةِ ، لتفوز بثمارها الغنية بالعصارة الحلوةِ .

* حل الخلافات بالتفاوض ، بدلاً من الاكتفاء بالاهتمام فقط بالمصلحة الشخصية وما يترتب على ذلك من فشل للجميع :

طعام للحمارين

        حمار أسمر اللون ، ربطه صاحبه الفلاح من رقبته بحبل ، وربط الطرف الآخر للحبل حول رقبة حمار لونه بنى .
            قال الفلاح لنفسه : " بهذه الطريقة ، لن يقدر أى واحد منهما أن يبتعد كثيرًا عن مكانه ، وبذلك لن يستطيعا الوصول إلى البرسيم الذى وضعته فى كومتين بالقرب     منهما " . ذلك أن الفلاح كان قد ترك كومتين من البرسيم ، واحدة على يمين   الحمارين ، والثانية على يسارهما .
            الحمار أسمر اللون شعر بالجوع ، فحاول الاقتراب من كومة البرسيم التى إلى يساره. وعند اتجاهه ناحيتها ، حاول أن يجذب معه الحمار الآخر المربوط معه فى نفس الحبل .
            فى نفس الوقت ، شعر أيضًا الحمار صاحب اللون البنى بالجوع ، فحاول الاقتراب من كومة البرسيم التى كانت إلى يمينه ، وحاول هو أيضًا أن يجذب معه الحمار أسمر اللون .
            ولأن الحبل الذى يربط الحمارين كان قصيرًا ، وكل واحد من الحمارين يحاول جذب الحمار الآخر ناحيته ، تعذر أن يصل واحد من الحمارين إلى أى كومة من كومتى البرسيم .
هنا انطلقت الشمس تضحك من غفلة الحمارين ، وهى تقول لنفسها : " لن ينجح واحد منهما فى الوصول إلى الطعام .. لقد أراد كلٌ منهما الوصول وحده إلى هدفه ، بغير أن يفكر فى مصلحة زميله " .
عندئذ كف كل الأسمر والبنى عن جذب زميله ، واقتربا من بعضهما ، يفكران فى حل لهذه المشكلة ، التى تسببت فى تعذر أن يتناول أى واحد منهما ما يتغلب به على جوعه .
وبعد قليل اتفقا على حل ...
اتجه الاثنان ، الأسمر والبنى معًا ، ناحية كومة البرسيم على الشمال ، وأكلا برسيمها - ثم اتجه الاثنان فى هدوء إلى الكومة الأخرى إلى اليمين ، وتناولا معًا ما يكفيهما من طعام ، هذا الطعام الذى لم يكن الفلاح يتصور أن أى واحد منهما يمكن أن يصل إليه .
* الإحساس بالمسئولية عن الغير :

الحَمَامَةُ والنَّمْلَةُ

            فِى يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الصَّيْفِ الحَارَّةِ ، كَانَتْ نَمْلَةٌ تَسِيرُ عَائِدَةً إلَى بَيْتِهَا ، فَمَرَّتْ بجوَارِ نَهْرٍ صَغِيرٍ ، يَلْمَعُ مَاؤُهُ تَحْتَ ضَوْءِ الشَّمْسِ .
            قَالَتْ النَّمْلَةُ لِنَفَسِهَا : " يَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ جَمِيلٍ " .
واقْتَرَبَتْ لِتَتَأَمَّلَ المَاءَ عَنْ قُرْبٍ .
            فَجْأَةً انْزَلَقَتِ النَّمْلَةُ ، وتَدَحْرَجَتْ فَوْقَ الحَافةِ ، وسَقَطَتْ فِى المَاءِ ، ولَمْ تَسْتَطِعِ الخُرُوجَ مِنْهُ .
            فِى تِلْكَ اللَحْظَةِ كَانَتْ حَمَامَةٌ تَطِيرُ فَوْقَ النَّهْرِ ، ورَأَتْ مَا تَتَعَرَّضُ لَهُ النَّمْلَةُ مِنْ خَطَرٍ ، فَقَالَتْ : " لاَبُدَّ أنْ أسَاعِدَهَا " .
أسْرَعَتِ الحَمَامَةُ إلَى شَجَرَةٍ قَريبَةٍ ، وحَمَلَتْ مِنْهَا وَرَقَةً بمِنْقَارِهَا ، ثـُمَّ ألْقَتِ الوَرَقَةَ عَلَى سَطْحِ المَاءِ قُرْبَ النَّمْلَةِ الَّتِى كَانَتْ تُصَارِعُ المَوْتَ ، وصَاحَتْ بهَا :
" اصْعَدِى فَوْقَهَا يَا عَزِيزَتِى النَّمْلةَ ، فَتُصْبحُ لَكِ كَأَنَّهَا قَارِبُ نَجَاةٍ صَغِيرٍ ".
            تَسَلَّقَتِ النَّمْلَةُ فَوْقَ الوَرَقَةِ بَعْدَ جَهْدٍ كَبيرٍ .
ودَفَعَ الهَوَاءُ الوَرَقَةَ فَوْقَ سَطْحِ المَاءِ ، إلَى أنْ وَصَلَتْ بسَلاَمٍ إلَى شَاطِئِ النَّهْرِ .
قَالَتِ النَّمْلَةُ وقَدْ نَجَتْ مِنَ الغَرَقِ :
" شُـكْـرًا لَكِ يَا سَيِّدتَىِ الحَمَامَة .. أرْجُو أنْ أُسَاعِدَكِ ذَاتَ يَوْمٍ " .
            بَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ صَيَّادٌ يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّتَهُ ، ورَأَىَ الحَمَامَةَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ ، فَتَأَهَّبَ لِصَيْدِهَا وهِىَ غَيْرُ مُتَنَبِّهَةٍ إلَيْهِ .
شَاهَدَتِ النَّمْلَةُ الرَّجُلَ ، فَأَسْرَعَتْ وتَسَلَّقَتْ سَاقَهُ ، وعَضَّتْهُ بشِدَّةٍ ، فقَفَزَ الرَّجُلُ مِنَ الأَلَمِ ، وطَاشَتْ رَصَاصَتُهُ بَعِيدًا عَنِ الحَمَامَةِ والرَّجُلُ يَصِيحُ :
" عَضَّتْنِى نَمْلَةٌ .. أضَاعَتْ مِنِّى الصَّيْدَ " .
            طَارَتِ الحَمَامَةُ مُبْتَعِدَةً عَنِ الخَطَرِ وهِـىَ تَقُـولُ لِلنَّمْلَةِ :
" أشْكُــرُكِ أيَّتُهَــا النَّمَلَةُ الصَّغِيرَةُ .. لَقَدِ اسْتَطَعْتِ مُسَاعَدَتِى حَقـًّـا .. ومَهْمَا كُنْتِ صَغِيرَةَ الحَجْمِ ، فَقَدِ اسْتَطَعْتِ تَقْدِيمَ مُسَاعَدَةٍ غَالِيَةٍ وثـَمِينَةٍ " .
            أجَابَتِ النَّمْلَةُ :
" سَيِّدَتِى الحَمَامَة .. مَنْ يَصْنَعُ الخَيْرَ ، لاَبُدَّ أنْ يَجدَ الخَيْرَ " .
* القدرة على حل ما يواجهنا من عقبات ومشكلات :

النملة وعود القش

            كانَ هناك رجلٌ ، رغم نجاحِهِ فى الحياةِ ، يشكو دائمًا من المتاعبِ والمصاعبِ التى يُقابلُها .
            ذاتَ يومٍ شاهَدَ نملةً تحملُ فى مشقةٍ عودًا من القشِّ . وأثناءَ سَيْرِها ، وصَلَتْ إلى حفرةٍ كانَ من الصعبِ عليها أن تعبرَها وهى تحملُ حملَها الثقيلَ ، فوقفَتْ ، وأخذَتْ تتلفت حولَها تبحثُ عن طريقةٍ للخروجِ من هذه المشكلةِ .
أخيرًا وصَلتِ النملةُ إلى الحلِّ المُناسبِ ، إذ وضعَتْ عودَ القشِّ فوق الحفرةِ ، وصنعَتْ منه قنطرةً عبرَتْ فوقَها .
ولما وصلَتْ إلى الناحيةِ الأخرى ، رفَعَتِ العودَ ، وواصلَتْ طريقَها فى أمانٍ .
            قالَ الرجلُ لنفسه :
            " إن المتاعبَ والمصاعبَ التى تُقابلُنا فى حياتِنا ، كثيرًا ما تكونُ قناطرَ نعبرُ عليها، لنتقدَّمَ فى طريقِنا " .

* التماسك المجتمعى :

الدِّيكْ وحَبة الفوُلْ

            يحكى أنه كان هناك ديك ودجاجة . وكان الديك يتعجل دائمًا فى أكله .. كانت الدجاجة تقول له : " لا تتعجل فى الأكل يا بيتو ! تمهل !! "
ذات مرة التقط الديك بمنقاره حبات من الفول فى عَجَلَةٍ ، فوقفت إحدى الحبات فى حلقه ولم يستطع أن يبتلعها ، ولم يستطع التنفس إلا بصعوبة ، وكاد يفقد حياته ..
فزعت الدجاجة ، وأسرعت إلى ربة البيت وهى تصيح : " أدركينا يا سيدتى ! أسعفينا ببعض الزبد لكى أعطيه للديك .. عندما يبتلع الزبد ، سيساعد ذلك حبة الفول على الانزلاق إلى حوصلته " .
قالت ربة البيت : " اذهبى بسرعة إلى البقرة ، واطلبى منها بعض  اللبن ، وسأقوم بمخضه واستخراج الزبد منه ، فأعطيك ما تريدين من الزبد " .
جرت الدجاجة بسرعة إلى البقرة وقالت لها : " عزيزتى البقرة ، أرجو أن تعطينى بعض اللبن ، لكى تصنع منه ربة البيت زبدًا ، أعطيه للديك ، لكى يبتلعه ، فيساعد ذلك حبة الفول التى وقفت فى حلقه على النزول بسهولة إلى حوصلته " .
قالت البقرة : " اذهبى بسرعة إلى صاحب المزرعة ، ودعيه يحضر لى عشبًا طازجًا، لكى آكله ، فيدر لى لبنًا كثيرًا أعطيه لك " .
جرت الدجاجة إلى صاحب المزرعة ، وقالت له : " سيدى صاحب المزرعة ! أرجوك أن تعطى البقرة عشبًا طازجًا ، لكى تأكله ، وتعطينى لبنًا تصنع منه ربة البيت زبدًا، نعطيه للديك ، فيساعد حبة الفول على النزول من حلقه إلى حوصلته " .
قال صاحب المزرعة : " أسرعى إلى الحداد ، لكى تحضرى لى منه منجلاً " .
جرت الدجاجة بأقصى سرعة إلى الحداد ، وقالت له : " عزيزى الحداد ، أرجوك أن تعطى صاحب المزرعة بسرعة منجلاً جيدًا ، حتى يمكنه أن يعطى البقرة عشبًا ، فتعطى البقرة لنا لبنًا ، تصنع منه ربة البيت زبدًا ، يبتلعه الديك ، فيساعد حبة الفول المحشورة فى حلقه على النزول إلى حوصلته " .
أعطى الحداد لصاحب المزرعة منجلاً حادًّا ، فأعطى صاحب المزرعة للبقرة عشبًا طازجًا فأكلته ، فأعطت لربة البيت اللبن ، فمخضته ربة البيت واستخرجت منه الزبد ، ثم أعطت الزبد للدجاجة .
أسرعت الدجاجة وأعطت للديك قطعة كبيرة من الزبد ، فابتلعها ، وعلى الفور انزلقت حبة الفول من حلقه ، فهب واقفًا ، وصاح بأعلى صوته : " كو - كو - كو !! لن ألتهم أكلى بسرعة بعد اليوم - كو - كو - كو !! "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق