الأربعاء، 28 فبراير 2018

"المعلمة الجديدة" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



المعلمة الجديدة

بقلم : طلال حسن


    استيقظتُ مبكراً ، على غير عادتي ، وجلستُ لأتناول طعام الفطور ، بعد أن اغتسلتُ ، وارتديتُ ملابس المدرسة .
وهمهمت ماما ، وهي تضع كوب الحليب أمامي ، وقالت بنبرة فرح : هم.م ..م . لقد كبر حسوني .
ورشفتُ شيئاً من الحليب ، وقلت : جاءتنا البارحة معلمة جديدة .
ونظرت إليّ ماما ، فقلتُ وأنا أتشاغل بتناول الطعام : قبلتني حين قلتُ لها ، أنت تشبهين أختي رباب ، التي تزوجت ، وذهبت مع زوجها إلى البصرة .
وابتسمت ماما ، وقالت : لابد أنها جميلة ، مثل أختك رباب .
ونظرتُ إليها ، دون أن أجيب ، ثم نهضتُ ، وأخذتُ حقيبتي ، وقلتُ : حان وقت المدرسة ، فلأذهب .
وتبعتني ماما حتى الباب الخارجي ، وهي تقول : انتبه يا عزيزي ، وأنت تسير ، وإذا سمعت صوت اطلاقة ، اختبيء في أقرب مكان آمن .
وسرتُ قلقاً ، فالانفجارات ، وإطلاق الرصاص ، وحتى الاختطاف ازداد هذه الأيام .
وحثثتُ خطاي ، حين لاحت المدرسة ، وعشرات التلاميذ يدخلونها تباعاً ، ومن بعيد ، ارتفعت أصوات زخات من الرصاص ، لم تتوقف ، حتى بعد أن أسرعتُ ، ولذتُ بالمدرسة .
ودق الجرس ، ودخلتُ الصف متلهفاً ، هذا هو الدرس الأول ، والمعلمة الجديدة ، التي تشبه أختي رباب ، ستأتي بعد قليل .
وبدل المعلمة الجديدة ، جاءتنا بعد حين ، مديرة المدرسة ، وتطلعت إلينا بعينين يغشاهما حزن عميق ، ثم قالت بصوت تخنقه الدموع : أولادي .. يُؤسفني أن أخبركم .. أن المعلمة الجديدة .. لن تأتي .
لم يسأل أحد منا ، ماذا جرى ؟ لكن المعلمة الجديدة لم تأتي ،  وأدركتُ فيما بعد ، أنها كما قالت المديرة ، لن تأتي ، نعم ، لن تأتي أبداً .

"عبوة ناسفة" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



عبوة ناسفة

بقلم : طلال حسن


    انتفضتُ من نومي صارخاً ، على دويّ انفجار ، هزّ العالم كله من حولي ، وتطلعت أم حازم إليّ، وقالت تطمئنني : لا عليك ، إنه كابوس ، انهضْ .
ونهضتُ متلفتاً حولي ، العالم كما هو ، لم يتغير فيه شيء ، حقاً إنه كابوس ، ونظرتُ إلى  أم حازم ، وتساءلتُ : عوعوعو ؟
 وأدركت أم حازم ما أريده ، فردت قائلة : ذهب حازم إلى المخبز .
وأسرعتُ نحو باب البيت ، وأنا أنبح ، ففتحت أم حازم لي الباب ، وقالت : اذهب إليه ، إذا أردت .
ورغم خوفي من بعض الصبيان الأشرار ، انطلقت نحو الساحة ، حيث يقع المخبز .
ولاحت الساحة ، تغص بالناس والسيارات وعربات الباعة و .. وفجأة انتفضتُ على دويّ انفجار ، هزّ العالم ، وجمدتُ مذهولاً في مكاني ، يا للهول ، أهذا كابوس أيضا ؟
وأفقتُ من ذهولي على الناس ، يفرون مولولين من الساحة ، والرعب والدماء تغطي وجوههم ، وجنّ جنوني ، يا ويلي ، أين حازم ؟
وأسرعتُ إلى مكان المخبز ، وتوقفتُ مصعوقاً ، لا شيء غير مبان مدمرة ، وسيارات وعربات تلتهمها النيران ، وعشرات الأشخاص يرقدون على الأرض ، بدون حراك .
ورحتُ أركض ، وأنا أنادي حازم : عوعوعو .
وعلى غير العادة ، لم يردّ حازم عليّ ، وتوقفتُ متلفتاً ، لابد أن حازم قد عاد إلى البيت ، بعد أن أخذ الخبز من الخباز ، وإلا فأين هو ؟
وجحظت عيناي ، حين لمحته على الأرض ، وأرغفة الخبز حوله ، وقد تعفرت بالدم ، فأسرعتُ إليه ، وناديته بأعلى صوتي : عوعوعو .
لم يرد حازم عليّ ، بل ولم يتحرك ، حازم ، أمك تنتظرك ، وتريد أن تأتيها بالخبز ، فسيأتي أبوك ، بعد قليل من المعمل ، ولابد أنه سيكون جائعاً ، هيا انهض ، هيا ، هيا يا حازم .
ومرة أخرى لم يردّ حازم ، بل ولم يتحرك أيضاً ، وملتُ عليه ، وأخذتُ ألحس وجهه بلساني الدافيء ، كما أفعل دائماً ، كلما أردتُ أن أوقظه ، لكنه هذه المرة لم يستيقظ ، ورفعتُ رأسي ، ورحتُ أناديه ، وسأظل أناديه حتى يستيقظ .

الثلاثاء، 27 فبراير 2018

"حبة رمل " قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



حبة  رمل
بقلم : طلال حسن

      " 1 "
ــــــــــــــــــــــ
    اعتادت السمكة الصغيرة ، أن تلعب مع المحارة ، في قاع البحر ، وذات يوم ، ضربت السمكة الصغيرة القاع بزعنفتها ، فتطايرت بضعة حبات من الرمال ، ودخلت حبة منها في جوف المحارة .
وتأوهت المحارة متألمة : آه .
فاقتربت السمكة الصغيرة منها ، وتساءلت : ما الأمر ؟
وردت المحارة ، وهي مازالت تتألم : حبة رمل ، دخلت جوفي ، أخرجيها .
وحاولت السمكة الصغيرة جهدها لإخراج  حبة الرمل ، من جوف المحارة ، لكن دون جدوى .

      " 2 "
ــــــــــــــــــــــ
   ابتعدت السمكة الصغيرة ، منذ ذلك اليوم ، عن المحارة ، وقد تملكها شعور بالذنب ، ورغم أنها كانت تلهو أحياناً مع رفيقاتها ، إلا أنها ظلت تحن إلى اللعب مع المحارة ، في قاع البحر .
ومن جهتها ، انشغلت المحارة بالبحث عن علاج لمصابها ، وقصدت الكثير من الأسماك والمحارات ، لكنها لم تصل إلى نتيجة مرضية ، وذات يوم ، رأتها سلحفاة مسنة ، فتوقفت على مقربة منها ، وقالت : بنيتي، أراك حزينة ، ماذا بك ؟
وردت المحارة قائلة : دخلت حبة رمل جوفي ، أرجوك خلصيني منها .
وهزت السلحفاة العجوز رأسها ، وقالت : للأسف لا أستطيع ذلك ، اذهبي إلى السمكة المنظفة ، لعلها تخلصك من حبة الرمل هذه .

      " 3 "
ــــــــــــــــــــــ
    بعد أيام ، جاءتها السمكة المنظفة ، وحيتها قائلة : أسعدت صباحاً ، يا عزيزتي المحارة .
وردت المحارة بصوت واهن : أهلاً ومرحباً بك .
وتطلعت السمكة المنظفة إليها ، وقالت : يبدو أن ما سمعته كان مبالغاً فيه ، فها أنت بخير وعافية .
فقالت المحارة : إنني مريضة ، لقد دخلت جوفي حبة رمل و ..
وقاطعتها السمكة المنظفة مبتسمة : وهذا ما يحبه صياد اللؤلؤ .
ونظرت المحارة إليها ، فقالت : حبة الرمل هذه ، التي دخلت جوفك ، ستصير بمرور الأيام لؤلؤة ثمينة .
وتأهبت السمكة المنظفة للعودة من حيث أتت ، وقالت : أرجو أن لا يراك أي صياد من صيادي اللؤلؤ ، إلى اللقاء .

"شيرين" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن


شيرين

بقلم : طلال حسن

    منذ الفجر ، أفاق الحطاب ، ومعه أفاقت ابنته الصغيرة .. شيرين ، وأخذ فأسه ، وتهيأ للذهاب إلى الغابة ، ليحتطب .
واعترضته شيرين قائلة : بابا ، الجو بارد جداً ، وقد يسقط الثلج بعد قليل .
ونظر الحطاب إليها ، وقال : بنيتي ، لابد أن أحتطب ، وأبيع ما أحتطبه في السوق ، لأشتري ما نحتاج إليه .
ولاذت شيرين بالصمت ، فقال الحطاب : شيرين ، أنت الآن ربة البيت .
وهزت شيرين رأسها ، والدموع تكاد تطفر من عينيها ، واتجه الحطاب نحو الباب ، وهو يقول : إذا شعرت بالبرد ، أشعلي النار ، لكن كوني حذرة .
ولحقت شيرين به ، وقالت : بابا ، لا تتأخر .
وفتح الحطاب الباب ، وقال : اطمئني ، سأكون عندك ، قبيل المساء .
ثم مضى مسرعاً ، وهو يقول : أغلقي الباب جيداً ، حتى أعود .
وأغلقت شيرين الباب ، وحاولت أن تتشاغل ، رغم شعورها بالبرد ، فأخذت تنظف الكوخ ، وترتب الفرش ، كما كانت تفعل أمها ، وتوقفت لحظة ، آه يا لأمها ، لقد رحلت قبل الأوان ، وتركتها وحيدة .
واشتد شعورها بالبرد ، بعد منتصف النهار ، فقد بدأ الثلج يتساقط ، ويغطي الغابة بغلالته الباردة الناصعة البياض ، ووقفت وسط الكوخ ، ترتجف حائرة ، ما العمل ؟
وارتدت معطفاً سميكاً ، فوق ملابسها ، لا فائدة ، وتكورت في فراشها ، ملتفة ببطانية صوفية ، لا فائدة أيضاً ، وأخيراً .. وكما كانت تفعل أمها .. وضعت بعض الخشب في المدفأة .. ثم أشعلت النار .
وارتفعت ألسنة اللهب ، وراح الخشب يطقطق وسط النار ، كأنه يستغيث ، ويحاول الهرب ، دون جدوى .
وجلست شيرين ، أمام المدفأة ، وقد التفت بالبطانية الصوفية ، وسرعان ما سرى الدفء في أوصالها ، ومعه سرى فيها النعاس ، ومن بعيد ، تناهى إليها صوت يصيح : شيرين .
وتململت شيرين ، من ! أهي أمها ؟ نعم ، إنها أمها ، وهاهي ، وسط النيران ، تصيح : شيرين ، شيرين .
وأفاقت شيرين ، وإذا النار ، تشتعل في أطراف البطانية، التي كانت تلتف بها ، فهبت من مكانها مذعورة ، ورمت عنها البطانية ، ثم أسرعت إلى الجردل ، وصبت ما فيه من ماء فوق النار ، وأطفأتها .
وتهاوت جاثية ، بعيداً عن المدفأة ، رغم زوال الخطر . وتلفتت حولها ، وقد تندت عيناها بالدموع ، لولا أمها لاحترق الكوخ ، واحترقت هي معه أيضاً .
وتنفست الصعداء ، حين سمعت وقع أقدام في الخارج ، إنه أبوها ، آه هاهو كالعادة ، عند وعده ، جاء قبيل المساء .