الأحد، 14 يناير 2018

"دليل العسل الصغير" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



دليل العسل الصغير

قصة للأطفال

بقلم : طلال حسن
      " 1 "
ـــــــــــــــــــــــ
    منذ ساعات ، ودليل العسل الصغير ، ينتظر أمه في العش ، وعصافير بطنه تزقزق من الجوع ، لا بأس ، لينتظر قليلاً ، فأمه ستأتي بعد قليل ، وستأتيه بقطعة من الشمع ، ممزوجة بالعسل ، وسيلتهمها متلذذاً ، ويسكت بها جوعه ، لكن أين أمه ؟
وتلفت حوله قلقاً ، سيموت من الجوع ، إذا تأخرت أمه ، أو لم تأتِ ، أو .. وهبّ فرحاً ، خافقاً بجناحيه ، الصغيرين ، فها هي أمه تأتي مسرعة ، حاملة بمنقارها قطعة من الشمع الممزوج بالعسل .
وما إن حطت الأم في العش ، حتى انقض دليل العسل الصغير على قطعة الشمع ، وراح يلتهمها متلذذاً ، وهو يقول : ماما ، تأخرت كثيراً ، كدتُ أموت من الجوع .
وردت الأم ، دون أن تمدّ منقارها ، وتأكل لقمة واحدة : أنا أيضاً كدت أموت ، يا بنيّ .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : طاردني النحل ، بعد أن هاجم الغرير خليته ، ولو لم أهرب ، في الوقت المناسب ، للسعني بإبره السامة و ..
وتنهد دليل العسل الصغير بارتياح ، بعد أن انتهى من التهام قطعة الشمع ، وقال : آه ما ألذّ قطعة الشمع هذه .
وهزت الأم رأسها مبتسمة ، رغم أن صغيرها لم يحفل بما قالته ، بل ربما لم يسمع منه كلمة واحدة .

      " 2 "
ــــــــــــــــــــــ
    خلال الأيام التالية ، علمته أمه الطيران ، وسبل البحث عن خلايا النحل ، وبقي أن تعلمه ، كيفية التعامل مع الغرير .
وذات صباح ، استيقظت الأم مبكرة ، وهزت صغيرها ، وقالت : بنيّ ، أفق ، لابد أن الغرير ينتظرنا .
واعتدل صغيرها متضايقاً ، وتساءل : الغرير !
فردت الأم : لا يمكن أن تحصل على أية قطعة شنع بدون الغرير .
وقطب صغيرها ، وقال : لكننا لم نعثر بعد على خلية ..
وقاطعته أمه قائلة : عثرت عليها البارحة ، هيا يا بنيّ ، انهض .
وتلكأ صغيرها بالنهوض ، وهو يقول : إنني متعب ، ليتك تتركينني اليوم ..
ومرة ثانية ، قاطعته أمه قائلة : كلا ، سنذهب الآن معاً ، هيا .
وحلقت أمه ، وحلق صغيرها في إثرها على مضض ، وقادته بين الأشجار ، حتى انتهت به إلى شجرة جوز ضخمة ، وقالت : انظر ، يا ، بنيّ ، ذاك هو الغرير ، ينتظرنا تحت الشجرة .
وحطت الأم على غصن قريب ، والى جانبها ، حط صغيرها ، وتطلع الغرير إليه ، وقال : ازداد الأدلاء ، سنشبع اليوم من العسل والشمع .
وربتت الأم باسمة على رأس صغيرها ، وقالت : طبعاً ، فصغيري الباسل معي .
وضحك الغرير ، وقال : هيا ، دلاني إلى الخلية .
وحلقت الأم وصغيرها ، وقالت للغرير : اتبعنا .
وتبعهما الغرير ، من مكان إلى مكان ، ممنياً نفسه بوجبة عسل لذيذة .
وتباطأت الأم ، وتباطأ صغيرها ، وتوارى خلفها ، وأشارت الأم إلى شجرة ، ملقاة على الأرض ، وقالت : انظر ، الخلية هناك ، في تجويف تلك الشجرة .
واندفع الغرير إلى الشجرة ، مكشراً عن أنيابه ، وقالت الأم لصغيرها : بنيّ ، راقب ما يجري ، وعند أية بادرة لهجوم ، يقوم به النحل ، علينا أن نلوذ بالفرار .
وتابع صغيرها الغرير ، ورآه يحطم الخلية ، ويسحق معظم ما فيها من نحل وبيض وصغار .
وتراجع الصغير خائفاً مصدوماً ، ثم مضى مسرعاً فصاحت به أمه : بنيّ ، توقف ، سنأخذ حصتنا من الشمع .
لكن صغيرها لم يتوقف ، ومضى مسرعاً إلى العش .

      " 3 "
ـــــــــــــــــــــــ
    عادت الأم إلى العش ، قبيل منتصف النهار ، حاملة بمنقارها قطعة من الشمع الممزوجة بالعسل ، ورغم تأثرها وانزعاجها من صغيرها ، وضعت قطعة الشمع أمامه ، وقالت بصوت جاف : تعال نأكل .
وعلى غير عادته ، لم ينقض صغيرها على قطعة الشمع ، وإنما ظل جامداً ، مقطباً ، فقالت له : هيا ، أنت جائع .
وهنا ردّ بصوت متحشرج : لن آكل .
وصمت لحظة ، وقال بنبرة تغرقها بالدموع : رأيت ما فعله الغرير بالخلية .
وأمام دموعه ، تلاشى تأثر الأم وانزعاجها ، وقالت : بنيّ .
وتابع قائلاً : لقد حطمها ، وسحق ما فيها من نحل وبيض وصغار ، و ..
وقاطعته أمه : هذه هي حياتنا ..
 وصاح صغيرها بانفعال : كلا .
ولاذت الأم بالصمت ، وقد تراءى لها ، ما رأته من الغرير ، في المرة الأولى ، فهي كصغيرها لم ترتح للأمر ، بل وقالت لأمها ، ما قاله صغيرها لها : كلا .
ونظرت إليه بحنان ، ودفعت نحوه قطعة الشمع الممزوجة بالعسل ، وقالت : كل ، يا بنيّ ، كل .
واطرق صغيرها رأسه ، وقال : لا أشتهي أيّ شيء ، كلي أنت .
وانزوت الأم حزينة ، في طرف العش ، وقالت : لن آكل إذا لم تأكل .
وفي ذلك اليوم ، لم تأكل الأم ، ونامت حين حلّ الليل ، دون أن تقرب قطعة الشمع .
وعند الفجر أفاقت ، وصغيرها يغط في النوم ، ونظرت إلى قطعة الشمع ، ثم ابتسمت ، فقد لاحظت أن أكثر من نصفها قد اختفى ، وعندئذ مدت منقارها ، وأخذت تأكل حتى شبعت .

      " 4 "
ـــــــــــــــــــــــ
    غادرت الأم العش ، بعد أن فرغت من تناول قطعة الشمع ، وصغيرها مازال يغط في النوم ، ستبحث وحدها لفترة عن خلايا النحل ، والتعامل مع الغرير ، حتى يهدأ صغيرها ، وتخفّ آثار تجربته الأولى القاسية ، وبعدها ستدعوه لمرافقتها ، كي يعتاد حياة دليل العسل ، كما اعتادتها ، في بداية حياتها .
واستمرت على هذا المنوال عدة أيام ، كانت تعود خلالها ، بعد منتصف النهار ، حاملة بمنقارها قطعة من الشمع الممزوجة بالعسل ، فتضع القطعة أمام صغيرها ، وتقول : هيا يا بنيّ ، لنأكل معاً قطعة الشمع هذه . ويستجيب صغيرها ، ويأكلان معاً دون أن بنبس أحدهما بكلمة واحدة .
وذات يوم ، خرجت الأم مبكرة ، وصغيرها كالعادة مازال يغط في النوم ، وقررت بينها وبين نفسها ، وهي تدور بين الأشجار ، باحثة عن خلايا النحل ، أن تأخذ صغيرها ، غداً أو بعد غد ، لتدربه من جديد ، وتهيئه لحياة .. دليل العسل .
واستيقظ الصغير ، وقد ارتفعت الشمس ، وأحس بحوصلته تصرخ طلباً للطعام ، ولأن الوقت مازال مبكراً على عودة أمه ، فحلق مغادراً العش ، وراح يتجول بين الأشجار ، مراقباً العصافير والبلابل والحمام ، وهي تتنقل من مكان إلى مكان ، باحثة عن الطعام ، لها ولفراخها الصغار .
وعند منتصف النهار ، عاد إلى العش ، على أمل أن يرى أمه قد عادت ، ومعها قطعة الشمع الممزوجة بالعسل ، لكن أمه لم تكن قد عادت ، فجلس ينتظر في طرف العش ، وعصافير حوصلته تزقزق من الجوع ، ستأتي أمه كالعادة ، ومعها قطعة الشمع الممزوجة بالعسل ، قد تتأخر لسبب أو لآخر ، لكنها ستأتي ، ستأتي حتماً ، كما تأتي كلّ يوم .
ورغم شعوره الشديد بالجوع ، أغمض عينيه الناعستين  وأغفى ، وحين استيقظ ، كانت الشمس تغرب ، وتلفت حوله ، لكنه لم يجد أثراً لأمه ، ترى لماذا تأخرت ؟ وغابت الشمس ، وخيم الظلام شيئاً فشيئاً ، فانزوى في طرف العش ، ينتظر أمه ، التي لن تأتي أبداً .


      " 5 "
ـــــــــــــــــــــــ
    استيقظ الصغير مبكراً ، لم يجد أمه ، فانطلق يبحث عنها في كلّ مكان ، وقاده جناحاه ، في نهاية الأمر ، حيث رأى الغرير مع أمه ، لأول مرة .
وتحت شجرة الجوز نفسها ، رأى الغرير ، فاندفع نحوه صائحاً : أيها الغرير .
واعتدل الغرير ، وتطلع إله ، وقال : الدليل الصغير ؟
وحطّ الصغير على غصن قريب ، وقال متسائلاً : أين أمي ؟
وبدل أن يجيبه الغرير ، قال : لابد أنك جائع مثلي .
وتساءل الصغير ثانية : أين أمي ؟ أين هي ؟
وتابع الغرير كلامه قائلاً : ابحث في الجوار عن خلية نحل ، ودلني عليها ، وسأعطيك ما يشبعك من الشمع .
وصاح الصغير بانفعال : أخبرني ، أين أمي ؟
وتطلع الغرير إليه ثانية ، ثم قال : لا تبحث عنها ، لقد طاردها النحل ، ولم تفلت منه هذه المرة .
وأجهش الصغير في البكاء ، فاقترب الغرير منه ، وقال : جد لي خلية ، وسأنتقم لك من النحل .
وكفكف الصغير دموعه ، وحلق مبتعداً ، فهتف الغرير به : ابدأ البحث منذ الآن ، وإلا متّ من الجوع .
ومضى الصغير ، دون أن يلتفت إليه ، ودار في الغابة ، حتى أنهكه الجوع والتعب ، فقفل عائداً إلى العش .
وجلس حزيناً حائراً ، في طرف العش ، لقد رحلت أمه فجأة ، ولن يقدم له أحد الطعام ، كما لا يستطيع هو نفسه ، الحصول على ما يسد به رمقه ، فما العمل ؟
وهنا أقبل الغرير ، ومعه قطعة شمع ممزوجة بالعسل ، وقدمها للصغير ، وقال : خذ قطعة الشمع هذه ، إنها حصتكم من عملية البارحة .
ولاذ الصغير بالصمت ، وعيناه لا تفارقان قطعة الشمع، فاستدار الغرير ، وعاد من حيث أتى ، وهو يقول : كل واشبع ، أنتظرك غداً ، تحت شجرة الجوز .
وما إن ابتعد الغرير ، حتى نزل الصغير من العش ، وراح يلتهم قطعة الشمع الممزوجة بالعسل ، فهو لم يأكل أي شيء منذ البارحة .

                        
  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق