الأحد، 17 ديسمبر 2017

"مكابدات جحا " قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



مكابدات جحا
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن
     " 1 "
ـــــــــــــــــــ
    هزّته زوجته " أم جحيح " ، كما تهزّ قربة مليئة بالحليب ، وصاحت به : جحا .
فتح جحا عينيه ، لكنه لم ينظر إليها ، لسبب يعرفه هو ، وتساءل : ما الأمر ؟ إياكِ أن  تقولي لي ، إن الحمار قد مات .
فقالت " أم جحيح " : بل ينتظرك في الحوش ، وعلى ظهره كيس من الحنطة .
وتلفت جحا حوله ، حتى دون أن يعتدل ، ولاحظ أن الفجر لم يكد يطلّ بعد ، ثم قال بحنق : أيتها الحمقاء ، إن ديكنا المجنون نفسه ، لم ينهض بعد .
فمدت " أم جحيح " يدها ، وجرته بعنف من الفراش ، وقالت : الحمار في الحوش ينتظرك ، وكيس القمح على ظهره ، هيا اذهب إلى المطحنة ، لم يعد لدينا حفنة واحدة من الطحين . 


     " 2 "
ــــــــــــــــــ
   سار الحمار بتثاقل وبطء ، فكيس القمح على ظهره ، وفوق الكيس يجلس جحا ، وهو ينوس يميناً ويساراً دون توقف ، والنعاس لم يفارق عينيه بعد .
واعترضه في بعض الطريق ، شيخ ذو لحية بيضاء ، وقال له : أيها الكافر الظالم اللعين ، أنت والزمن على هذا الحمار المسكين .
وتأفف جحا منزعجاً ، فهو لا يرتاح لأصحاب اللحى البيضاء ، وقال : أعوذ بالله .
فتابع الشيخ ذو اللحية البيضاء قائلاً : ليكن في قلبك رحمة ، أنت وكيس القمح على ظهر الحمار ، لو كنتَ أنتَ الحمار ..
وأبعد جحا الشيخ ذا اللحية البيضاء بعصاه عن طريقه ، وهو يقول : لستُ أنا الحمار بل هو ، ابتعد .
وحثّ جحا حماره ، فسار متثاقلاً يئن ، ووسط السوق المزدحم ، استوقفت امرأة لعوب ، وقالت له : جحا ، أحزر ، لماذا يذهب بعض الناس إلى اليمين ، ويذهب البعض الآخر إلى اليسار ؟ ها ، أخبرني .
وفكر جحا ، ثم قال : الأمر واضح ، لو سار الناس في اتجاه واحد ، لفقدت الأرض توازنها .
وأطلقت المرأة ضحكة رنانة ، ومضت مبتعدة وهي تقول : حقاً أنتَ جحا .
والتفت الحمار ، ونظر إلى جحا ، فتساءل جحا : ترى ماذا تعني هذه المرأة ال .. ؟
لكن الحمار أشاح عنه بنظره ، دون أن يجيبه ، وواصل السير بتثاقل ، وهو يئن .

     " 3 "
ـــــــــــــــــــ
   دخل جحا إلى المطحنة ، بعد أن ربط حماره إلى شجرة في الخارج ، ووضع كيسه بين الأكياس ، وجلس جانباً ، ينتظر دوره .
وراح يراقب الطحان ، ولاحظ أنه منشغل في عمله ، دون أن يلتفت إليه ، فنهض بهدوء ، وتسلل إلى حيث ألأكياس ، وراح يأخذ القمح من أكياس الناس ، ويضعه في كيسه ، وسرعان ما جاءه صوت الطحان الغاضب يقول : ما هذا ، يا جحا ؟
واعتدل جحا محرجاً ، وقال : لا تؤاخذني ، إنني كما تعرف رجل أحمق .
فقال الطحان : لو كنتَ أحمق ، لأخذت من كيسك ، ووضعته في أكياس الناس .
فقال جحا : ويحك ، أنا أحمق واحد ، ولو صنعت ما تقول لكنتُ أحمقين .

    " 4  "
ــــــــــــــــ  
   مرّ جحا في السوق ببائع خيار ، بعد أن انتهى من طحن قمحه ، ووضع الكيس على ظهر الحمار ، وتوقف عند البائع ، واشترى خيارة ضخمة .
وقسمها بالعدل إلى نصفين ، قدم نصفها للحمار ، واحتفظ بالنصف الآخر لنفسه ، وجلس في ظل شجرة توت ضخمة ، وانهمك في أكل حصته من الخيارة ، والحمار يأكل حصته هو الآخر .
وتوقفت على مقربة منه امرأة ، وكانت جارة له ، وقالت  : جحا ، أنت هنا تأكل الخيار مع حمارك ، وامرأتاك تقطع إحداهما الأخرى .
ورفع جحا عينيه إليها ، دون أن يتوقف عن أكل حصته من الخيارة ، وقال : أقالت إحداهما للأخرى شيئاً يتعلق بالعمر .
فقالت المرأة : كلا .
واستمر جحا في أكل حصته من الخيارة ، وقال : إذن لا داعي للقلق ، فالأمر يسير .

   " 5 "
ـــــــــــــــ
   جحا وحماره دخلا البيت ، الحمار أولاً يحمل كيس الطحين ، يتبعه جحا ، وكالعادة استقبلتهما " أم جحيح " بسحنة عابسة متورمة ، محملة بالغيوم .
وألقى جحا العصا جانباً ، وقال : أنزلي الطحين عن ظهر الحمار ، وأعدي لنا شيئاً من الخبز .
ومن غير أن تنطق " أم جحيح " بكلمة ، أنزلت كيس الطحين عن ظهر الحمار ، وانهمكت في عجن بعض الطحين ، لتعد الخبز ، الذي أراده جحا .
وتوقف جحا وسط الفناء ، متلفتاً يميناً ويساراً ، ثم قال : إنني لا أرى البقرة ، ضرتك .
فقالت " أم جحيح " ، وهي منهمكة في عجن الطحين : أمها سقطت من السطح ، وانكسرت ساقها .
وحدق جحا في " أم جحيح " ة، وقال : ذهبت البقرة ، وبقيت ال ..
وتوقفت " أم جحيح " عن العجن غاضبة ، وقالت : إيكَ أن تقول .. الجاموسة .
ومضى جحا إلى غرفته ، وهو يقول : لا .. الغزالة .

  " 6 "
ــــــــــــــ
   تمدد جحا في فراشه ، وقد خيم الليل ، وقال لزوجته " أم جحيح " ، التي وقفت والمرآة في يدها : أطفئي القنديل ، دعيني أنام ، إنني متعب .
وبدل أن تطفىء " أم جحيح " القنديل ، رفعت المرآة ، وراحت تتأمل وجهها ، ويا له من وجه ، خاصة وأنها خاضت اليوم معركة حامية مع ضرتها .
آه وجه قاتم ، متورم ، مزرقّ ، من أثر لكمات ضرتها الشابة القوية ، وأبعدت المرآة بسرعة ، فقد تراءى لها فيها وجه قردة عجوز ، وتمتمت قائلة : يا ويلي ، لو أن جحا رآني في المرآة ..
وصمتت " أم جحيح " ، فقد خيل إليها أنها تسمع صوت بكاء ، والتفتت إلى جحا ، وإذا هو يبكي فعلاً ، فقالت متسائلة : ما الأمر ، يا جحا ؟
فقال جحا ، دون أن يكفكف دموعه : سمعتكِ تتحدثين عن وجهك ، وقد رأيته في المرآة ، ماذا أقول وأنا أراه حقيقة ليل نهار .     
                           
                                  9 / 11 / 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق