السبت، 9 ديسمبر 2017

" رواية الخيال العلمى عند د. طالب عمران بين الواقع والمستقبل " بقلم: يعقوب الشارونى

" رواية الخيال العلمى عند د. طالب عمران بين الواقع والمستقبل "
 دراسة يقدمها: يعقوب الشارونى

تعرفت بالكاتب الكبير الدكتور طالب عمران ، المتخصص فى كتابة أدب الخيال العلمى ، منذ سنوات كثيرة ، أقابله أحيانـًا فى القاهرة فى منتدى نهاد شريف للخيال العلمى ، وفى كثير من الأحيان فى المعارض الدولية للكتاب التى تـُقام فى عواصم العالم العربى ، كانت آخرها معرض " مسقط " الدولى للكتاب بسلطنة عمان أوائل هذا العام 2017 ، فوجدته كعهدى به دائمًا ، متألقـًا ، حافلاً بالحيوية والنشاط والحماس . احتل الدكتور طالب عمران مكانته الأدبية الكبيرة بروياته المتميزة فى مجال الخيال العلمى ، وإخلاصه لهذا النوع من الأدب . كما يتميز بخلفيته العلمية الدقيقة التخصص ، فهو حاصل على درجة الدكتوراه فى الهندسة التفاضلية والفلك ، وعمل أستاذًا فى كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق . نشر عددًا كبيرًا من الأبحاث فى اختصاصه العلمى .. وهذا التخصص العلمى من أهم ما مَيـَّز كبار مؤلفى الخيال العلمى على مدى تاريخ الاهتمام بهذا النوع من الأدب - كما أنه من أهم الباحثين فى مجال العلوم عند العرب ، والمهتمين بثقافة الأطفال . أسس مجلة الخيال العلمى التى تصدر عن وزارة الثقافة السورية ويرأس تحريرها منذ عام 2008 حتى الآن ، كما أنه رئيس رابطة كتاب الخيال العلمى العرب التى تأسست عام 2007 . * يقول الدكتور طالب عمران فى حديث أدلى به " لدار الفكر " التى تنشر معظم أعماله : " الحضارة العربية حضارة مظلومة ، نسيها أهلها ، ونجد ثلاثة أرباعها فى الغرب . لقد حققتُ فى الكثير من المعلومات العلمية ، ووجدت أن العرب قدموا الكثير من الإبداعات استفاد منها الغرب ، ووضعوها ضمن رموز معدلة وأدّعوا أنـها من نتاجهم ، لأنه ليس هناك من عربى يستعيد ذاكرته ليدافع عن هذه الذاكرة " . كما يقول : " عشت مع دمشق 80 % من حياتى ، دمشق علمتنى الكثير ، إنها جزء منى ، أعتقد أنها مظلومة ولم تــُقدَّم للعالم بشكل حقيقى ، خـَرَّجَت علماء أفذاذ ، منهم أبولودور الدمشقى الذى يقول المؤرخون أنه بنى عمائر فى كل الأرض ، وقدمت الكثير من العمالقة مثل ابن النفيس الذى أكتشف الدورة الدموية الصغرى ووصف الدورة الكبرى ، ثم سُرقت أفكاره وأُلصقت بميشيل سيرفيه ووليم هارفى .. وعندما نقرأ فى مناهجنا نجدها تقول إن مَن اكتشف الدورة الدموية هو هارفى ... كما قـَـدّمتْ دمشق ابن الشاطر الدمشقى الذى اكتشف مسارات الكواكب ، وألصقوها بكوبرنيكوس " . * * * * وعندما بدأتُ فى كتابة هذه الدراسة ، أو " الإطلالة " على أدب الخيال العلمى عند د . طالب عمران ، استعدت قراءة ثلاث روايات ( أو كتب ) من تأليفه ، هى كتاب " دوامات الخوف " الصادر عام 2009 عن دار الفكر - دمشق .. ويضم هذا الكتاب أربع قصص - ثم كتاب : " ابن الغابة " ( 1999 ) ويضم رواية وقصة - و كتاب : " الزمن الصعب " ( 1999 ) ، وهما صادران عن " دار الفكر " بدمشق – وفضلت أن تقتصر دراستى هذه على الكتاب الصادر عام 2009 ، لأنه يلقى ضوءًا كاشفًا على مختلف إبداعات د . طارق عمران . ** كتاب : " دوامات الخوف " ( 2009 ) : يضم هذا الكتاب أربع قصص ، وإن أطلق المؤلف على كل قصة أنها " فصل " من فصول الكتاب ، هى : " وطاويط الكهف " ، و " عملاق الغابة " ، و " مخلوق بشـرى أشبــه بعنكبوت " ، و " نفق الزمن الصعب " . القصص الثلاث الأولى من قصص الرعب ، أو تدور حول شخصيات خارقة ، ومن الصعب تصنيفها ضمن " أدب الخيال العلمى " . والقصة الرابعة تنتمى إلى قصص الخيال العلمى . * القصة الأولى " وطاويط الكهف " : تبدأ بحوار بين مجموعة من الأصدقاء ، يدور حول بعض الظواهر الغريبة .. يقول أحدهم : " أحيانـًا نعجز عن تفسير حادثة وقعت يبدو وقوعها غير منطقى " .. فيرد عليه آخر قائلاً : " هذا صحيح .. ربما لأن معلوماتنا المتوافرة حتى الآن لا تستطيع إعطاء التفسير المنطقى لحدث يبدو بعيدًا عن المنطق " . ثم نقرأ قصة تدور حول شخص يَدَّعِى قدرته على " إبعاد السحر وشر الحاسدين " ، وذلك باستخدام دم وطاويط ( خفاش ) . ثم تحكى القصة مغامرة قام بها شاب لصيد الوطاويط من كهف تعشش فيه ، لكنه كهف حافل بعناصر الخطر والغموض . وقد ظن أهله أنه مات عندما تأخر فى الخروج من الكهف- لكنه استطاع أن ينجو ويعود لأهله . والقصة حافلة بمعلومات عن تلك الكهوف . * القصة الثانية " عملاق الغابة " : تدور حول عملاق كان يعيش فى البرارى المحيطة بإحدى القرى ، ولم يكن يظهر إلا لقليل من الناس ، لكنه كان يتصدى لرجال الاحتلال العثمانى عندما كانوا " يهجمون على الفلاحين ويسومونهم العذاب لدى أقل تأخير فى تأدية مدفوعاتهم " ، ويشير هذا إلى البُعد السياسى للقصة . وفى نهاية القصة تتضح حقيقة هذا العملاق ، عندما يحكى كيف كان " رجلاً رياضيـًّا بهلوانيـًّا ، شاهد ظلم رجال الأغا لأهل القرية ، فصنع خشبتين طويلتين ثبتهما فى رجليه ، وكذلك خشبتين طويلتين ثبتهما فى يديه ، وحشا رأسه وصدره باللفائف . ونظرًا لبنتيه القوية ومهارته كان يستطيع أن يتحرك برشاقة وخفه .... وكان يبدو عملاقـًا مخيفـًا، يضخم صوته ويتحرك سريعـًا وهذا ما زاد من الأساطير حوله وحول أعماله الجريئة " . * القصة الثالثة " مخلوق بشرى أشبه بعنكبوت " : وتدور حول أحاديث يتناقلها أهل قرية عن جنى بشع .. طويل عملاق بقرون وله عدة أرجل وأيد ، وأنه بعدِة رؤوس ، يهدد بتدمير القرية . ثم يتضح فى النهاية أنه إنسان لطيف ، مشوه ، لكنه توأم سيامى ملتصق الصدر ، له رأسين وأيدى ، ورجلان ملتصقتان فى الصدر ، كانت أمه تعيش فى قرية بعيدة مع والده ، وحين ولدته أمه أراد والده قتله للخلاص من شكله المشوه ، لكن والدته هربت به إلى القرية التى تدور فيها الأحداث ، وخبأته فى مغارة جبلية ، وظلت تمنعه من الخروج من المغارة حتى لا يراه الناس فيكتشفوا علاقتها به ، وربما طردوها من القرية . وتنتهى القصة بعبارة يقول فيها المؤلف : " وحكت لهم أم طارق حكاية جديدة من تلك الحكايات الحقيقية التى لا تصدق " . * ومن الواضح أن هذه القصص الثلاث هى من قصص الرعب أو الغرائب ، وتدور حول أحداث من الممكن أن تقع على الرغم مما فيها من غموض ، وهو ما أثار حولها خيال الناس ، ودهشتهم ، ورعبهم ، ومختلف تفسيراتهم ، لكن لم يستخدم أى شخص أساليب التفكير العلمى لتفسير ما أثار مخاوفهم ، كما حرص المؤلف التأكيد على أنها من " الحكايات الحقيقية " . ومع أنها لا تنتمى إلى " أدب الخيال العلمى " ، فإن القصة الثالثة ، وإشارتها إلى " التوأم السيامى " إنما تستند إلى ظاهرة معروفة ومتكررة ، والقصة الثانية لها أبعادها السياسية ، والقصة الأولى تعتمد على معلومات علمية ثابتة . * القصة الرابعة " نفق الزمن الصعب " : هذه القصة هى الأقرب إلى أدب الخيال العلمى ، إذ تتحدث عن " السفر فى الزمن إلى المستقبل " ، عن طريق ما تطلق عليه القصة " الدخول فى نفق الزمـن " ، باستخدام " عقاقير لمعالجة قضية الزمن " كما يقول نص الرواية . فهناك شاب اسمه " طارق " ، توفى والده الذى كان عالمًا . وذات يوم قادته والدته إلى غرفة والده التى لم يدخلها أحد غير الزوجة منذ وفاته ، فيجدها مليئة بالكتب والمخطوطات والمُرَكَّبات الكيميائية - وتشجع الأم ابنها طارق على متابعة أبحاث والده ، وترشده إلى آخر المخطوطات التى تركها ، وإلى العقاقير التى استنبطها . وتشرح الأم لولدها أنها " عقاقير لمعالجة قضية الزمن ، والخروج من دائرته ، عبر نفق يطل على كل الأزمنة " - وتقوم الأم بتجربة حية أمام ابنها ، فتضع بعض نقاط من العقار الذى توصل إليه الوالد فى فم فأر ، فيختفى ، وتقول الأم إنه " دخل فى نفق الزمن " . ويقرأ الابن مخطوط الأب " حامد " ، وفيه يتحدث عن امرأة دخلت حياته وهو صغير إسمها " علياء " ، من العلماء ، كانت صديقة لوالدته ، تقوده إلى مكتبة علمية فى كوخ ، فانهمك يقرأ معها ما فيها . وذات يوم اختفت علياء من الكوخ ، ووجد حامد ، بدلاً منها ، عجوزًا متقدمة فى السن . ويعرف حامد أن تلك المرأة هى والدة علياء جاءت لزيارتها . وتصرح العجوز : " لقد اختفت أمامنا ( تقصد علياء ) ، ولا نعرف أين ذهبت ، والباب والنوافذ مغلقة " . وتشرح الأم ما حدث قائلة : " إنه عقار جديد جربته على نفسها فاختفت .. ستعود .. هكذا أخبرتنى .. " وفجأة جاء بعض الناس بجسد علياء ملفوفًا ، وقالوا إنها سقطت من مكان مرتفع أمام عربة تجرها الخيل ، وكان يمكن أن تموت لولا يقظة السائق .. لكنها كانت كمن كبر فى السن لعدة سنوات . وعندما أفاقت شرحت ما حدث لها ، قالت : " حِين اختفيت ، دخلت فى نفق الزمن إلى ( 70 ) سنة فى المستقبل - وعندما استخدمت عقار العودة ، لم أستطع إرجاع خلايا جسمى إلى فتوتها .. توجد مشكلة فى تركيب العقار ... " يقول لها حامد : " لماذا طبقت التجربة على نفسك ؟ نحن لم نتفق أن نجرب العقار على الإنسان بعد " . قالت : " اعتقدت أن نجاحها على الفئران يعنى نجاحها على البشر " - فيجيب حامد : " يبدو أن قفزك فوق الزمن قد أَهْرَم خلاياك كثيرًا .. نحن نحتاج إلى إضافة مواد أخرى إلى العقار حتى يعمل جيدًا " . وأكمل طارق قراءة مخطوط والده " حامد " ، فوجد فى الصفحات التالية المعادلات الخاصة بالعقار ، وكتب عنها الوالد لابنه طارق : " أرجو أن تبحث فيها يا ولدى ، وتتابع دراستك على نتائجها . المطلوب عقار خالٍ من الشوائب يحقق نشاطًا خلويًّا متميزًا ، ينقل الإنسان عبر الزمن دون تأثير ( فى خلايا جسمه ) ، حتى لا يتكرر ما حدث لصديقتى علياء .. واعتقد أننى أوصلت التركيب لصيغته النهائية .. وقد أبدأ بتجريبه على نفسى .. " وعندما يسأل طارق والدته عما إذا كان والده يكتب قصصًا ، همست : " إنها قصة اختفائه يا ولدى " . ويتابع طارق قراءة ما كتبه والده : " ما الذى يمنع العقل البشرى من الحلم .. الحلم بالسيطرة على مفاصل حياته وخلايا دماغه المجهولة الأسرار ؟. هل هناك رابط بين الدماغ والزمن ؟ " . ثم يضيف الوالد فى المخطوط : " وأعطتنى علياء كثيرًا من الشجاعة لأجازف بالاختبارات الخطيرة على الدماغ " . ثم يتذكر الوالد اليوم الذى عادت فيه علياء من رحلتها المثيرة فى نفق الزمن ، ويسجل ما قالته .. قالت : " أنا لا أتألم لِهرم خلاياى .. لكن الذى يؤلمنى ما رأيت أنه سيحدث بعد ( 70 ) سنة " .. تقصد مستقبل الإنسان بعد ( 70 ) سنة . قالت : " أصبحت فى زمن آخر .. وسقطت كأننى قُذُفْت من أعلى وسقطت بين سيارات " .. قالت لها السائقة وزميلتها : " نحن فى عام ( 2023 ) ميلادية " . هتفت : " يبدو أننى انتقلت ( 70 ) عامًا فى المستقبل " . سألتانى : " مَن أنتِ ؟ وماذا تفعلين ؟ وكيف سقطت بين السيارات ؟ ...." فتضيف : " فجأة أحاطت بينا سيارات تطير ، وبعضها على الأرض ، ونزل منها رجال بلباس نظامى ( زى رسمى ) .. كانوا من رجال الشرطة ، واتهمونى بالجاسوسية لأننى غريبة ، وألقوا القبض علىَّ أنا والفتاتين .. وقاومت إحداهما فتلقت ضربة على رأسها وهم يصيحون بها فى وحشية : " لن نرحمك أيتها الفتاة .. هل تحاولين مقاومة تطبيق العدالة .. ؟ " " أى عدالة عمياء هذه ؟ " .. هذا ما همست به علياء لنفسها !! وتستمر مخطوط الوالد فتقول : " ورأت علياء نفسها تُساق مع الصبيتين إلى سجن معتم ، يتحكم فيه الإنسان الآلى .. وفى السجن عرفت علياء من الفتاتين أنهما تعيشان فى عصر تتحكم فيه القوة المسيطرة فى كل شئون الحياة ، حيث يتحول الإنسان إلى رقم يمارس عمله بآلية دون تذمر أو شكوى ، فالتذمر معناه معارضة النظام ، والتعب معناه أنه أصبح بلا فائدة لذلك يجب التخلص منه ... وعندما بدأ التحقيق مع علياء كان التحقيق وحشيًّا ، وأرغموها على الاعتراف بأشياء لم تسمع عنها من قبل .. وعندما أعادوها إلى سجنها ، قالت لزميلتيها : " كان عندى عقار آخر يُعيدنى إلى عصرى ، يبدو أننى فقدته وهم يستجوبوننى " .... وفى ذلك الزمن القادم ، أدركت علياء أنه لا مكان للاعتراض على أحكام المحققين .. إنهم ينتشرون كالجراد بين الناس يستعبدونهم ويذلونهم ، والناس لا حول لهم ولا قوة " .. لكنها وهى تتحسس أرضية الزنزانة ، عثرت على زجاجة العقار . وتكمل علياء قائلة : " عدت بالطريقة نفسها .. وجدتنى أمام عربة كادت تدهسنى " . ويضيف حامد والد طارق فى مخطوطه : " وبعد عدة أشهر من عودتها من ذلك الزمن العجيب.. اختفت بطريقة غير مفهومة .. فهل تناولت العقار ؟ " . ويضيف والد طارق: " أعتقد أننى وصلت إلى العقار الذى لا خطأ فيه .. سأبدأ بنقطة منه " . وعندما عاد الوالد سليمًا من رحلته فى الزمن ، تأكد أن القفز فوق الزمن ساعات قد نجح بدقة شديدة .. لكنه وجد أمامه مشكلة السقوط الخطير والموجع بعد العودة ، وقرر أن يبدأ تجارب جديدة ليتغلب على هذه المشكلة . وعندما كان طارق يقرأ الصفحات الأخيرة من المخطوط الذى كتبه والده ، يستمع إلى سؤال من زميل له : " وكيف أنهى والدك القصة ؟ " فيجيب بأنه : " جعل بطله ( د. حامد ) يقفز فوق الزمن ولا يعود إلى زمنه " . عندئذ يقول هذا الذى يستمع إليه : " هذه قصة غريبة ، أشبه بقصص الخيال العلمى المُجَنَّحة " . * ونلاحظ هنا أن النقاد سبق أن لاحظوا ، بعد قراءة رواية هـ. ج. ولز : " آلة الزمن " ، أن اختفاء المسافر فى الزمن وعدم عودته مرة أخرى ، يثبت ، فى إطار القصة ، حقيقة السفر فى الزمن ، وأن الراوى كان متنبئًا . وبهذا تساهم قصة د. طالب عمران فى تأكيد فكرة التنبؤ بالسفر عبر الزمن . ونور النبوءة هنا هو أيضًا نور العلم وسط الجهل بالمستقبل ، كما يقول مؤلف كتاب " ظلال المستقبل " . وفى قصتنا هذه ( نفق الزمن الصعب ) ، يقدم المؤلف رؤيته للمستقبل ، وذلك عن طريق شهادة " علياء " عَمَّا حدث لها عندما سافرت فى الزمن إلى عام 2023 ، فاكتشفت فقدان المواطن الإحساس بالأمان ، وامتهان حريته لحساب السلطة : " لا مكان للاعتراض على أحكام المحققين " .. حيث : " تتحكم القوة المسيطرة فى كل شئون الحياة ... التذمر يعنى معارضة النظام " . - ولعل قصة د. عمران تقترب فى هذه الرؤية للمستقبل من رؤية جورج أوروِل المتشائمة فى روايته " 1984 " – وعندما نلاحظ ما يحدث حاليًّا عام 2017 فى العالم كله، من تضييق على خصوصيات البشر فى عدد كبير من بلدان العالم ، متقدمة ومتخلفة ، بسبب المخاوف من الإرهاب ، فإن هذا يؤكد تحقق بعض هذه الرؤى المتشائمة للمستقبل التى يقدمها من أبدعوا أدب الخيال العلمى ، التى لخصها أوروِل فى عبارة : " الأخ الأكبر يراقبكم " !! * ومن الممكن أن نشير أيضًا إلى أن فكرة استخدام " عقار " للسفر عبر الزمن ، هى تطوير – يقدمه الخيال العلمى - للتصور الذى استخدمه " هـ . ج . ولز " فى روايته " الرجل الخفى " كسبب لاختفاء بطل قصته عن أنظار من حوله – مع التذكير بأن " حلم التخفى " هو حلم قديم جدًّا ، نجده فى صورة " طاقية الإخفاء " التى تحفل بها كثير من قصص الشُّطار والملاحم والقصص الشعبية العربية . * ونؤكد فى الختام ، أن أحسن قصص الخيال العلمى التى تترك تأثيرها على أجيال من القراء ، هى التى تدور حول الناس ، وقد يكون هؤلاء الناس من الكائنات الأخرى أو الروبوتات ، ولكنهم ناس ، بمعنى أن القارئ يشعر بهم ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم وأخطائهم ونجاحهم أو فشلهم النهائى . ولا يكفى – فى قصص الخيال العلمى – إظهار الحضارات على الكواكب الأخرى أو وصف المجتمعات التى قد تنشأ فى المستقبل ، فكاتب الخيال العلمى يحرص أن يوضح كيف تؤثر تلك الحضارات ومجتمعات المستقبل ، على الإنسان . وبهذا المفهوم يمكن للخيال العلمى أن يقدم أساليب التفكير العلمى والثقافة العلمية بأسلوب مشوق وفى إطار درامى أخاذ . وقد نجح الكاتب الكبير الدكتور طالب عمران فى أن يجعلنا ، كقراء لإبداعه الأدبى ، نتعايش مع أبطال رواياته وقصصه ، نشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، أخطائهم ونجاحاتهم ، لذلك احتلت أعماله الأدبية هذه المكانة الرفيعة فى عقولنا وخيالنا . 
                                                                                          
أهم المراجع
- " دوامات الخوف " - تأليف : د . طالب عمران - الناشر : دمشق : دار الفكر - 2009 - 136 ص -                      ( روايات من الخيال العلمى ، 30 ) .
- " الزمن الصعب " - تأليف : د . طالب عمران - الناشر : دمشق : دار الفكر - 1999 - 88 ص -                      ( روايات من الخيال العلمى ، 5 ) .
- " ابن الغابة " - تأليف : د . طالب عمران - الناشر : دمشق : دار الفكر - 1999 - 96 ص -                      ( روايات من الخيال العلمى ، 12 ) .
- " مجلة الخيال العلمى " - وزارة الثقافة السورية - العدد 39 - تشرين الأول 2011 - مقال " عندما يصبح الخيال العلمى مجنحًا " - ص 6 إلى 17 - د . طالب عمران .
- " ظلال المستقبل - هـ . ج . ويلز والقصص العلمى والنبوءة " - تأليف : باترك بارندر - ترجمة : بكر عباس - المشروع القومى للترجمة ، وزارة الثقافة المصرية ، 24 - 1997 .
- " ثلاث رؤى للمستقبل ، أدب الخيال العلمى الأمريكى والبريطانى والروسى السوفيتى " - المشروع القومى للترجمة ، وزارة الثقافة المصرية ، 793 - 2014 .
- " دار الفكر ، بنك القارئ الفهم " - د . طالب عمران فى حوار حول أدب الخيال العلمى -                 نوفمبر 2010 - كاتب المقالة : جميل الحمصى العطار - ويكيبديا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق