الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

"بيكاسو العائلة " قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



بيكاسو العائلة
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن

    أوتْ زينب إلى فراشها مبكرة ، بعد أن أنجزتْ واجباتها المدرسية كالعادة ، وسرعان ما غطتْ في نوم عميق .
وجلس قيس إلى المنضدة ، وأخذ يرسم على ورقة خاصة بالرسم ، فقد طلبتْ معلمة الرسم ، من تلاميذ الصف ، أن يرسم كلً منهم حداداً يطرق قطعة حديد حامية بمطرقته .
وانهمك قيس في رسم العامل على طريقته ، وتذكر أن أباه قال عن بيكاسو مرة ، أنه ظلّ يرسم أربعين سنة ، حتى صار يرسم كالأطفال .
وابتسم قيس ، وهو يرى الحداد ، يظهر على الورقة شيئاً فشيئاً ، فقيس لا يحتاج أربعين سنة ليرسم مثل بيكاسو ، فهو نفسه طفل ، فليرسم إذن الحداد ومطرقته ، وسيعجب به الجميع .
واعتدل قيس منتشياً ، فها هو الحداد ، الذي أرادته معلمة الرسم ، يشع بملابسه الزرقاء على ورقة الرسم ، رافعاً يده بالمطرقة ، وأمامه على السندان قطعة حديد على شكل منجل .
والآن لابد أن يريه لأحدهم ، لعله يبدي إعجابه به ، وهمّ أن ينهض ، ويسرع إلى زينب ، لكنه توقف متردداً ، فزينب تفقد أعصابها ، حين يوقظها أحد ، ومن يدري ، فقد تمسك اللوحة ، وتمزقها إرباً .. إرباً .
وتناهى إليه من المطبخ ، صوت أمه ، إنها مازالت مستيقظة ، ترتب المطبخ ، بينما يجلس أبوه كالعادة ، يرشف شايه أمام التلفزيون .
وعلى الفور ، أمسك قيس بورقة الرسم ، ونزل مسرعاً إلى الطابق الأرضي ، ودخل المطبخ ، وهو يهتف : ماما ، أنظري إلى لوحتي .
وألقت الأم نظرة سريعة على ورقة الرسم ، دون أن تتوقف عن العمل ، وهزت رأسها مهمهمة ، وقالت : هذه أفكار أبيك .
وأرخى قيس يده باللوحة ، ماما امرأة ، قد تحب التطريز والخياطة ، وطبخ العدس ، أما الفن .. ، ومضى إلى الردهة ، ها هو أبوه ، وعلى شفتيه قدح خال من الشاي ، يحملق مبهور الأنفاس في شاشة التلفزيون ، فتوقف على مقربة منه هاتفاً : بابا ، رسمت لوحة ..
وأشار له أبوه بيده أن يصمت ، وعيناه المبهورتان تتابعان ما يجري في التلفزيون ، فقال قيس ، وهو يحاول أن يريه اللوحة : أنظر ، إنها شبيهة برسوم الرسام .. بيكاسو .
وأبعد أبوه الورقة عن وجهه ، وراح يتابع في التلفزيون ،المجرم يقترب من امرأة عجوز ، راقدة في فراشها ، والهراوة في يده ، وقال : دعني الآن .
وهنا انقطع التيار الكهربائي ، وانطفأ التلفزيون ، فصاح الأب غاضباً : اللعنة ، أهذا وقته ؟
وعاد التيار الكهربائي ، بعد عدة دقائق ، وأشعل الأب التلفزيون ، وحين ظهرت الصورة ، كانت المرأة العجوز ، تجلس في فراشها ، وإلى جانبها يقف  زوجها مندهشاً ، وهو يصغي إليها تقول : رأيتك في منامي ، تتسلل إلى غرفتي ، وفي يدك هراوة ضخمة .
وأقبلت الأم من المطبخ ، وجلست إلى جانبه ، فتلفت حوله ، وقال : قبل أن ينقطع التيار الكهربائي ، كان قيس هنا ، ولا أدري ماذا أراد أن يريني .
وابتسمت الأم ، وقالت : رسم لوحة ، وأراد أن يريك إياها ، ليعرف رأيك فيها .
ولاذ الأب بالصمت لحظة ، ثم قال : لا بأس ، سأراها غداً  ، قبل أن أذهب إلى الدائرة .
وفي اليوم التالي ، ذهب الأب إلى دائرته ، ونسي أن يرى لوحة قيس ، أما معلمة الرسم ، فقد رأت اللوحة ، وأعجبت بها ، وأشركتها في مسابقة الرسم السنوية في المدرسة ، وفازت بالجائزة الأولى ، وعندما سمع الأب بفوز قيس ، قال : منذ البداية ، عرفت أنه سيكون .. بيكاسو العائلة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق