الجمعة، 29 سبتمبر 2017

"الرجل القرش" قصة للفتيان بقلم: طلال حسن



الرجل القرش
قصة للفتيان
بقلم: طلال حسن  
     " 1 "
ــــــــــــــــــــ
    منذ صغرها ، أغرمت كالي بتناول المحار ، الذي كان أبوها ، صياد السمك الماهر ، يصطاده لها من شواطىء البحر .
وكبرت كالي ، وصاحبت أباها بين فترة وأخرى ، عند خروجه لصيد السمك في البحر ، ولم يكن يفوته أن يصطاد لها بعض المحار ، وهذا ما تعلمته منه ، وراحت تساعد أباها فيه .
وخرج أبوها وحده ، ذات يوم ، وتوغل في البحر ، حتى غاب قاربه عن الشاطىء ، وغابت الشمس ، في ذلك اليوم ، وعاد الصيادون بقواربهم من البحر ، لكن أباها لم يعد ، وسرعان ما عرفت بأنه لن يعود ، لقد فتك به أحد القروش .
لكن هذا لم يمنعها من الذهاب إلى الشاطىء ، واصطياد المحار ، فقد علمها أبوها صيد المحار ، وكذلك السباحة في البركة ، ذات المياه العذبة .
وقد انتبه الرجل القرش ، إلى الفتاة الفتية الجميلة ، كالي ، ذات البشرة البنية اللامعة ، وهي تتردد على البركة ، وتسبح فيها ، وكأنها سمكة نشيطة ، فراح يتردد هو الآخر على البركة .
وذات يوم ، أقبلت كالي على الحوض ، ووقفت كعادتها في أعلى الصخرة ، وقفزت برشاقة وخبرة إلى الماء ، ورآها الرجل القرش ، وهو عند مدخل الحوض المتصل بالبحر ، وتوقف مذهولاً .
لم يدخل الرجل القرش إلى الحوض ، بل دار حوله ، وعند الشاطىء ، تحول إلى شاب ، لا يقلّ وسامة عن كالي ، وبقي واقفاً هناك  .
وخرجت كالي من الحوض ، واتجهت إلى الشاطىء ، لتصطاد بعض المحار ، وفوجئت بشاب غريب ، وسيم ، بادي القوة ، يقف على الرمال .
وتوقفت كالي مترددة ، ثم قالت : يبدو أنك .. غريب .
فقال الشاب : نعم ، لست من هنا .
وصمت لحظة ، ثم قال : أنت وحدك على هذا الشاطىء المنعزل ، ألا تخافين ؟
وهزت كالي رأسها ، ثم قالت : إنني أحب المحار ، وآت لاصطياده من هنا .
وتقدم الشاب ، وخاض في المياه الرقراقة ، وهو يقول : تعالي ، سأساعدك في الصيد ، إذا سمحتِ .
لم تنطق كالي بكلمة ، لكنها سرعان ما راحت تصطاد المحار معه ، حتى تجمع عندها كمية كافية ، فتوقفت ، وقالت للشاب : هذا يكفي ، أشكرك .
وأخذت كالي المحار ، الذي جمعه لها الشاب ، ووقفت على الشاطىء ، فقال الشاب : تذكريني عندما تأكلين هذا المحار .
ابتسمت كالي ، وقد تورد خداها اللامعان ، لكنه لم ترد ، بل استدارت ، ومضت نحو القرية ، ولبث الشاب على الشاطىء ، ينظر إليها ، حتى غابت .

     " 2 "
ــــــــــــــــــــ
    في اليوم التالي ، ورغم شدة الريح ، قصدت كالي الحوض ، ووقفت متلفتة على الصخرة العالية ، ثم قفزت بخفة ورشاقة إلى الماء .
وحين أطلت برأسها من الماء ، فوجئت بالشاب يقف على حافة الحوض ، وعيناه الشابتان المحبتان ، تتطلعان بلهفة إليها .
وخرجت كالي من الحوض ، وقطرات الماء تتلألأ كاللؤلؤ على جسمها البنيّ اللامع ، فقال الشاب : الأمواج عالية اليوم ، يا كالي .
وابتسمت كالي ، وقالت : أنا سباحة ماهرة .
ونظرت إليه ، وقالت : أنت تعرف اسمي .
فقال الشاب : سمعت إحدى صديقاتك تناديكِ .
ثم سار أمامه باتجاه الشاطىء ، وهو يقول : تعالي نجمع بعض المحار .
ولحقت كالي به ، وسارت إلى جانبه صامتة ، وسرعان ما انهمكا في جمع المحار ، حتى توقفت كالي ، وقالت : هذا يكفي اليوم .
وخرج الشاب من الماء ، وقال : ربما لن يكفي ، لو أكلتُ معكِ .
ونظرت كالي إليه ، وهي تخرج من الماء ، وقالت : تعال إلى بيتنا ، وكل معي ، أمي سترحب بك .
ابتسم الشاب ، وقال : أشكرك .
ثم نظر إليها ، وقال بصوت هادىء : غداً نأكل معاً ، هنا على شاطىء البحر .

     " 3 "
ــــــــــــــــــــ
    على شاطىء البحر ، في اليوم التالي ، جلست كالي والشاب الغريب ، يلتهمان بشهية المحار ، الذي جمعاه معاً ، من جوف البحر ، حتى شبعا تماماً ، وضحكت كالي قائلة : لم ينتهِ المحار .
وضحك الشاب بدوره ، وقال : لقد شبعت .
ووقفت كالي ، وقالت : أنا أيضاً شبعت .
ونظرت إلى مياه الحوض العذبة الشفافة ، وقالت : لا أشهى من السباحة الآن .
وتقدمت كالي خطوات من الحوض ، وهي تقول : تعال نسبح معاً .
فردّ الشاب قائلاً : لا ، أنا متعب ، أسبحي أنت .
ولم تنتظر كالي ، أن ينتهي الشاب من كلامه ، فارتمت في الحوض ، وراحت تشق الماء العذب الشفاف ، وكأنها سمكة فتية نشيطة ، وهتف الشاب بها محذراً : كالي ، حذار من سمكة القرش .
وردت كالي ، دون أن تلتفت إليه : لا عليك ، لم أرَ سمكة قرش تدخل الحوض من قبل .
وقال الشاب ، وكأنه يحدث نفسه : رأيت سمكة قرش شرسة ، تحوم في الجوار ، قبل قليل .
ودارت كالي سابحة في الحوض ، وكأنها تستعرض مهارتها أمام الشاب ، وفجأة اختضّ الماء عند مدخل الحوض ، وهب الشاب ، وقلبه يخفق بشدة ، وصاح : كالي ، اخرجي ، إنه القرش .
وصرخت كالي مذعورة ، وسمكة القرش الشرسة ، تشق الماء بسرعة نحوها ، وقد كشرت عن أنيابها القاتلة ، وصاحت مستنجدة : النجدة .. النجدة .
وهبّ الشاب من مكانه ، وأمام أنظار كالي المصعوقة ، تحول إلى سمكة قرش ضخمة ، قطعت الطريق على سمكة القرش المهاجمة ، واشتبكت معها في معركة شرسة دامية .
وغاصت سمكتا القرش المشتبكتين إلى الأعماق ، ولم يطفُ منهما إلى سطح الماء ، غير بقع كثيرة وغزيرة وواسعة من الدماء القانية .
وهدأت مياه الحوض ، وعادت شفافة كما كانت من قبل ، ولمحت كالي ظلّ سمكة قرش ضخمة مدماة ، تصعد من الأعماق شيئاً فشيئاً ، أهي الشاب أم .. ؟
وظهرت سمكة القرش الضخمة ، فوق سطح الماء ، وقالت دون أن تنظر إلى كالي : اذهبي مطمئنة ، قتلت سمكة القرش .
وحدقت كالي في سمكة القرش الضخمة ، بعينين تغرقهما الدموع ، وقالت : تعال معي .
فاستدارت سمكة القرش الضخمة ، وراحت تشق المياه ببطء نحو الفتحة المؤدية إلى البحر ، وهي تقول بصوت حزين : وداعاً .. يا كالي .

                                29 / 6 / 2016




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق