الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

"الساحر جحا وتيمورلنك" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



الساحر جحا وتيمورلنك
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
     " 1 "
ــــــــــــــــــــ
    منذ أشهر ، وجحا يبحث عن عمل ، يناسب " عبقريته " ، لكن دون جدوى ، وذات يوم ، ربما عند منتصف الليل ، وزوجته أم جحيح ، تغط في النوم إلى جانبه ، هبّ من رقاده صارخاً : وجدته .
وفزّت أم جحيح ، وراحت تخبط بيديها الثقيلتين يميناً ويساراً ، متسائلة : ماذا .. ماذا ؟
وردّ جحا : العمل ، وجدته .
وحدقت أم جحيح فيه ، رغم ظلام الغرفة ، وقالت : لن يصلح لك إلا عمل واحد ، يا ..
وقاطعها جحا صارخاً : لن أعمل حمالاً ، أنا جحا ، وليس حمالاً .
وصمت لحظة ، ثم قال : عمل سهل ، ومربح ، سأعمل ساحراً ، وستكوني مساعدتي .
وفتحت أم جحيح عينيها في الظلام ، وقد طار النوم منهما ، وسرعان ما أغلقت عينيها خائفة ، حين سمعت جحا يقول : سيكون لي شيطان يخدمني .

    " 2 "
ــــــــــــــــــ
    أفاق جحا في صباح اليوم التالي ، ليس فقط على صياح ديك ملا قادر ، بل على مأمأة عنزة جارتهم العجوز عيوشة أيضاً .
وبحث ملا قادر عن ديكه ، لكنه لم يجد له أثراً ، وكيف يجد له أثراً ، والساحر جحا قال أمام العديد من الناس ، إن الثعلب قد اختطفه ؟
ودارت العجوز عيوشة في كلّ مكان ، باحثة عن عنزتها العزيزة ، لكن دون جدوى ، ترى أين اختفت العنزة ؟ هذا ما حيّر عيوشة ، وأحزنها .
وذات ليلة ، دُفع باب العجوز عيوشة ، ودخلت امرأة كأنها قطعة من الليل ، وخاطبت العجوز عيوشة قائلة : إذا أردتِ أن تعرفي مكان عنزتك ، اذهبي إلى الساحر العظيم جحا ، واسأليه .
ولم تتمالك العجوز عيوشة نفسها ، فتساءلت مستغربة ، ومستنكرة : جحا !
فردت قطعة الليل ، قبل أن تغادر الكوخ ، وتصفق الباب وراءها : لن تجدي عنزتك إذن .
ورغم ذلك ، أخذت عكازها ، وقصدت بيد جحا ، وطرقت باب بيته ، وسرعان ما أطلّ جحا ، وقال مغالباً فرحته : عيوشة ،  أهلاً ومرحباً ، تفضلي .
فقالت العجوز عيوشة بصوتها الحاد : قيل لي إنك تعرف مكان عنزتي .
فردّ جحا قائلاً : نعم ، أعرف مكانها .
ورقت ملامح العجوز عيوشة ، وقالت  : جحا ، سأموت إذا لم أعثر على عنزتي .
وحدق جحا في وجهها الشائخ ، كما يفعل السحرة المتمرسين عادة ، ثم قال : لا تخافي ، يا عيوشة ، ها هي عنزتك الرعناء ، ترعى العشب على ضوء القمر ، في بستان الشيخ صالح .
وفي فجر اليوم التالي ، ذهبت العجوز عيوشة إلى بستان الشيخ صالح ، ووجدت عنزتها العزيزة ، راقدة تحت إحدى أشجار البستان .
وشاع خبر عنزة العجوز عيوشة ، وكيف أنها ضاعت ، ولم تعثر لها على أثر ، حتى دلّ على مكانها ، الساحر العظيم جحا ، وانتشر الخبر من مكان إلى مكان ، حتى وصل إلى .. تيمورلنك .

     " 3 "
ــــــــــــــــــــ
    استدعى تيمورلنك جحا إلى قصره ، بعد  عدة أيام ، ومثل جحا بين يديه منهاراً ، فقال له : جحا ، عرفت بقدراتك السحرية ، وأريدك في أمر هام .
واتسعت عينا جحا ، وقلبه يخفق بشدة ، وقال متأتئاً : مو .. مو ..لاي .
وتابع تيمورلنك قائلاً : فقدتُ خاتماً ثميناً ، أهداه لي جدي ، أريد أن تجده لي .
واشتدت تأتأة جحا ، وهو يقول مضطرباً ، مرعوباً : لكن .. مو..  مو .. ومو .. لاي ..
فقاطعه تيمورلك ثانية ، وقال مهدداً بصوت حاسم : أريد هذا الخاتم غداً وإلا ..
ولكي يضمن تيمورلنك استرجاع الخاتم ، في الموعد المحدد ، ولكي لا يفكر جحا في الهرب ، أمر بإيداعه في إحدى غرف القصر المنعزلة .
وعند منتصف تلك الليلة ، جاءته جارية من جواري تيمورلنك ، وقالئ له متوسلة ، وهي تكاد تنهار : جحا ، استر عليّ وإلا هلكت .
وخمن جحا ما تريد الجارية أن تقوله ، فقال لها : قولي الحقيقة ، ولكِ الأمان .
فقالت الجارية ، وهي تتشبث بجحا ، ودموعها تغرق عينيها : أمي مريضة ، تكاد تموت ، وليس لدينا ما نعالجها به ، فسرقتُ الخاتم .
وتنفس جحا بشيء من الارتياح ، وقال لها : أين هو ، هذا الخاتم ؟
فردت الجارية قائلة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
وفي صباح اليوم التالي ، مثل جحا بين يدي تيمورلنك ، وكان مرتاحاً هذه المرة ، وقال : مولاي ، اطمئن ، لقد وجدنا خاتك الثمين .
وبدا الفرح على تيمورلنك ، وقال : أحسنت ، يا جحا ، سأجعلك ساحر القصر ، أين هو ؟   
فقال جحا بنفس الروح المطمئنة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
ونظر تيمورلنك إلى وزيره ، فقال الوزير : في نهاية الحديقة ، يا مولاي ، هناك شجرتا رمان ، الأولى رمانها حلو ، والثانية رمانها حامض .
والتفت تيمورلنك إلى جحا ، وقال : تحت أي الشجرتين ، خاتمي ، يا جحا ؟
وأسقط في يد جحا ، ووقف حائراً مرتبكاً ، فالجارية لم تخبره بوجود شجرتي رمان ، فما العمل ؟ فقال متردداً : الحلو .. لا .. نعم .. نعم .. الحلو .
وحدق تيمورلنك فيه مهدداً ، وقال : إذا لم يجدوا الخاتم ، تحت شجرة الرمان الحلو ، كما تقول ، يا جحا ، سأجلدك خمسين جلدة .

     " 4 "
ــــــــــــــــــــ
    من سوء حظ جحا ، إنهم لم يجدوا خاتم تيمورلنك ، تحت شجرة الرمان الحلو ، وإنما وجدوه تحت شجرة الرمان الحامض .
وأحضر جحا ، ووقف منهاراً أمام تيمورلنك ، وقال : عفو مولاي ، الخطأ ليس خطئي .
وتساءل تيمورلنك غاضباً : خطأ من إذن ؟
فردّ جحا قائلاً : خطأ شيطاني .
واتسعت عينا تيمورلنك ، وتمتم : شيطانك  !
فقال جحا : إنه غاضب مني ، هذا اللعين ، وأراد أن يعاقبني ، ف ..
وحدق فيه تيمورلنك ملياً ، ثم قال : لن أعاقبك ، يا جحا ، بل سأعاقب شيطانك .
ونظر جحا إلى تيمورلنك صامتاً ، مترقباً ، قلقاً ، فتابع تيمورلنك قائلاً : سأجلده ، سأجلد شيطانك ، وهو في داخلك ، خمسين جلدة .
وشهق جحا منهاراً ، فصاح تيمورلنك : أيها الجلاد ..
وانهار جحا ، راكعاً أمام تيمورلنك ، وقال : سأموت قبل الجلدة العاشرة ، لكن هذا لا يهمني ، يا مولاي ، فأنا أخاف عليك .
وحدق تيمورلنك في جحا متسائلاً ، فتابع جحا قائلاً : أخبرني شيطاني ، بأني  سأعيش طويلاً ، وإذا متّ فسيموت سيدي تيمورلنك بعدي بثلاثة أيام .
وتراجع تيمورلنك ، وقلبه يخفق بشدة ، والتفت إلى وزيره ، وقال : فليخصص قصر كبير لجحا وعائلته ، يحيط به الحرس المدججون بالسلاح ليل نهار ، وليعين له طبيب خاص يعنى بصحته ، فأنا لا أريده أن يمرض ، و .. ويموت .
وانحنى الوزير لتيمورلنك ، وقال : أمر مولاي .
 

                              29 / 8 / 2016




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق