الأحد، 6 أغسطس 2017

"الأميرة السنجابة " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



الأميرة السنجابة
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن  
     " 1 "
ـــــــــــــــــــــ
    لأني أحب السنجاب ، فأنا لا أحب القاقم ، صحيح إنني لا أكره القاقم ، فهو كائن جميل ، وخاصة في فصل الشتاء ، لكني لا أحبه ، لأنه يطارد السناجب ، ويفتك بها ،  ويفترسها .
واليوم ، عندما خرجتُ للصيد في الغابة ، شهدت المطاردة المصيرية بين سنجابة فتية والقاقم ، ربما كان هذا من حسن حظ السنجابة الفتية ، أو من سوء حظ القاقم ، فقد تدخلتُ وأنقذت السنجابة الفتية ، من بين براثن القاقم القاتلة .
غضب القاقم مني ، وصرخ بي ، قبل أن يستدير ، ويهمّ بالابتعاد : الويل لكَ .
فقلتُ له : اذهب وإلا ..
وقال وهو يذهب : لو كنتَ سنجاباً ، أو أرنباً ، لما تركتكَ تفلتُ مني .
وهززتُ رأسي ، وأنا أنظر إلى السنجابة الفتية ، التي أخذتها بين كفيّ ، فقالت بصوت لم يفارقه الخوف : أشكركَ ، لقد أنقذتَ حياتي .
واقتربتُ من ساق شجرة صنوبر ضخمة ، وقلتُ للسنجابة الفتية : اصعدي إلى شجرة الصنوبر هذه ، ولا تنزلي مادام القاقم في الجوار .
وقفزت السنجابة الفتية من بين يديّ ، وتسلقت ساق شجرة الصنوبر الضخمة ، ووقفت على غصن قريب ، وقالت : أبي وأمي سيكونان ممتنين ، إذا عرفا بما فعلته من أجلي .
فلوحتُ للسنجابة الفتية ، وسرت مبتعداً ، وأنا أقول : تحياتي إلى والديكِ .

     " 2 "
ــــــــــــــــــــ
    عند منتصف النهار ، وقد اشتدّ الحرّ في الغابة ، جلستُ أرتاح في ظلّ شجرة ضخمة وارفة ، تطل على النبع ، وفكرتُ بيني وبين نفسي ، لو أن هذه السنجابة الفتية فتاة ..
وهنا رأيت السنجابة الفتية تقف على غصن قريب ، وتهتف بي : أيها الصياد .
ونظرتُ إليها مبتسماً ، وقلت : أهلاً بسنجابتي الفتية الحلوة .
وبدت فرحة بما قلته لها ، وأرادت أن تقول لي شيئاً ، لكني قلت : ما كان لكِ أن تأتي الآن إلى هنا ، إن القاقم مازال في الجوار .
فردت السنجابة الفتية قائلة : لم أنزل إلى الأرض ، والقاقم كما تعرف ، لا يستطيع الصعود إلى الأشجار ، ومطاردتي فوقها .
والحق أن هذا طمأنني ، فابتسمت قائلاً : لابد أنكِ حدثتِ والديكِ عما جرى .
فمالت السنجابة الفتية عليّ من الغصن ، وقالت : حدثتهما ، وأبي الملك ، يريد أن يراكَ .
ونهضتُ من مكاني ، وقلت : ملك  ! لم أعرف إلا الآن ، أن للسناجب ملكاً .
فقالت السنجابة الفتية بصوت مرح : ولها ملكة أيضاً ، هي أمي .
وضحكتُ ، وقلت : أنتِ ، والحالة هذه ، أميرة ، وأية أميرة .
فابتسمت السنجابة الفتية ، وقالت : نعم ، أنا أميرة ، أميرة السناجب .
وحدقتُ فيها ، وقلت : آه ..  أميرة السناجب .
وضحكت السنجابة الفتية فرحة ، فأضفتُ قائلاً : محظوظ من يفوز بكِ .
وتطلعت السنجابة الفتية إليّ متنهدة ، وقالت : آه ليتك سنجاب .
ضحكت لأمنيتها الغريبة ، فقفزتْ من الغصن ، ووقفتْ فوق كتفي ، وقالت : لو كنتَ سنجاباً ، لما رضيتُ بغيركَ .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : سآخذك الآن إلى أبي ، الطريق ليس طويلاً ، أغمض عينيك ، ولا تفتحهما إلا حين أقول لك ذلك .

     "3 "
ـــــــــــــــــ
    سرتُ مغمض العينين ، والسنجابة الفتية فوق كتفي ، ومددتُ يديّ كأني أتحسس ما حولي ، وقلتُ : آه كم أخشى أن أتعثر ، أو أسقط في حفرة ، أو بركة ماء ، أو أرتطم بجذع شجرة ضخمة .
فردت السنجابة الفتية قائلة : لا تخشَ شيئاً ، أنا عيناك اللتان تبصر بهما ، واصل السير ، الطريق ممهد ، وسنصل بعد قليل .
وشعرت بشيء من الاطمئنان ، وقلت : إنني متشوق لمقابلة والديكِ الملك والملكة .
وقالت السنجابة الفتية : والأميرة ؟
فأجبتها قائلاً : إنني أحمل الأميرة فوق كتفي .
وقالت السنجابة الفتية : لكنك لم ترَ .. الأميرة .
فابتسمتُ ، وقلت : رأيتها ، وأخذتها بين كفيّ ، و ..
وقاطعتني قائلة : لم ترها على حقيقتها بعد .
لذتُ بالصمت مفكراً ، فقالت : سيكافئك أبي حتى يرضيك .
وكدت أقهقه ، وأنا أقول : ألف شكر ، لدي الكثير مما قد يعطيني .
وقالت السنجابة الفتية : سيعطيك ذهباً وفضة وجواهر و ..
وقاطعتها أنا هذه المرة : مهلاً ، مهلاً ، إن أباكِ سنجاب ، وليس ..
وهنا ربتت السنجابة الفتية على كتفي ، وقفزت إلى الأرض ، وقالت : لقد وصلنا ، افتح عينيكَ .
وفتحتُ عينيّ ، وإذا أنا في عالم آخر ، قاعة واسعة ، وعرش فخم ، وأمامي يقف ملك متقدم في السن ، وإلى جانبه الملكة ، وهي أصغر منه سناً ، وبينهما تقف فتاة شابة ، غاية في الجمال .
وتلفتُ حولي ، أين أنا ؟
وكأن الملك أراد أن يجيب على تساؤلي ، فقال : أهلاً وسهلاً بك في مملكة السناجب . 
فانحنيتُ للملكِ ، وقلت : أهلاً بكَ ، يا مولاي .
وحدقت في الفتاة الشابة ، فابتسمتْ لي ، وقالتْ : أنا .. الأميرة .. أميرة السناجب .
وبصورة لا إرادية ، قلتُ : أنتِ  !
فهزت رأسها ، وقالت : نعم أنا .
والتفت الملك إلى الأميرة ، وقال : بنيتي ، خذي ضيفنا إلى جناحه ، ليرتاح قليلاً .
ثم نظر إليّ ، وقال : سنقيم الليلة ، وليمة تليق بكَ .

     " 4 "
ـــــــــــــــــــ
    بعد انتهاء الوليمة ، التي أقامها الملك لي ، أخذتني الأميرة إلى حديقة القصر ، التي لم أرَ ما يماثلها ، حتى في الأحلام .
ومدت الأميرة يدها الرقيقة ، وأخذت يدي ، وقالت : أرجو أن تكون الوليمة قد أعجبتكَ .
فقلت بشيء من الحماس : جداً .
وهزت يدي بيدها ، وقالت : ابقَ عندنا ، وسنقيم لك ما يماثلها كلّ يوم .
ابتسمت ممتناً ، وقلت : أشكركِ .
وتركت يدي ، وسبقتني خطوات ، وهي تقول : أريد أن تبقى هنا معنا .
لذتُ بالصمت ، فتقدمت الأميرة إلى مصطبة ، قريبة من بحيرة اصطناعية ، تعج بالسمك الملون ، وجلست هناك ، وقالت : تعال اجلس بجانبي .
جلستُ إلى جانبها صامتاً ، أتأمل القمر ، الذي يطل ساطعاً من بين أسماك البحيرة ، كأنه يسبح بين النجوم ، في أعالي السماء .
ولاح من بعيد فتى وسيم ، يخطر بين الأشجار المزهرة ، ولمحته ينظر إلينا نظرة سريعة ، فأشارت إليه برأسها ، وقالت : انظر .
ونظرت إليه ثانية ، وقلتُ : أظنه في عمركِ .
فقالت الأميرة : هذا أمير .
ونظرت إليها ، وقلتُ : يليق بكِ .
وقالت الأميرة : هو يريدني .
وصمتت لحظة ، ثم قالت متسائلة : ماذا تقول أنت ؟
فأجبتها قائلاً : يبدو لي إنه يستحقكِ .
وتنهدت الأميرة ، وقالت : جميع الأميرات يتمنينه .
فقلتُ : إنني لا ألومهنّ .
وتابعت الأميرة قائلة ، وهي تلتفتُ إليّ ، وكأنها لم تسمع ما قلته : عداي .
ونظرتُ إليها صامتاً ، فقالت : أنا أريدك أنتَ .
ونهضتُ من مكاني ، وقلتُ : لكن .. أنا وأنتِ .. كما تعرفين .. مختلفان .
فارتمت الأميرة فوق صدري ، وهي تقول : لن آخذ غيرك .
وفتحتُ عينيّ ، وإذا أنا مازلتُ تحت الشجرة ، فنهضت بهدوء ، وتلفتُ حولي ، لا الملك موجود ، ولا الملكة ، ولا الأميرة أيضاً ، فمضيتُ مبتعداً ، وقفلتُ عائداً إلى البيت .

     " 5 "
ـــــــــــــــــــ
    عند مشارف الغابة ، سمعتُ سنجاباً يناديني : أيها الصياد .
وتوقفتُ مفكراً ، هذا الصوت أعرفه ، والتفتُ نحو مصدر الصوت ، نعم ، إنها هي ، هي نفسها ، الأميرة سنجابة .
ومالتْ عليّ من الغصن ، الذي كانت تقف عليه ، وقالت : أبي الملك ، يريد أن يراك .
واستأنفتُ سيري ، وأنا أقول : إنني مستعجل ، يجب أن أذهب إلى البيت .
وتباطأتُ قليلاً ، حين شعرت بها ، تهبط على كتفي ، وقالت : مهلاً ، لقد أنقذتني من القاقم ، وأبي يريد أن يكرمكَ .
وقبل أن أردّ عليها ، ربتت برفق على كتفي ، وإذا أنا في قاعة العرش الفخمة ، وأمامي يقف الملك والملكة ، وبينهما تقف الأميرة سنجابة مبتسمة .
ونظر الملك إليّ ، وقال : أهلاً بمنقذ ابنتي الأميرة ، في مملكة السناجب .
فانحنيتُ له ، وقلتُ : أشكركَ ، يا مولاي .
ونظر إلى الأميرة ، وقال : خذي ضيفنا إلى جناحه ، لابد أن يرتاح ، قبل الوليمة .
وبعد الوليمة ، كما في اليوم السابق ، أخذتني الأميرة إلى الحديقة ، حديقة الأحلام نفسها ، وجلست على المصطبة ، القريبة من البحيرة الاصطناعية ، التي تعج بالأسماك الملونة ، والتي يسطع في أعماقها القمر ، وقالت : تعال اجلس إلى جانبي .
وجلستُ إلى جانبها ، متأملاً القمر في قاع البحيرة ، وهو يسطع متحركاً ، كأنه يسبح في أعالي السماء ، المليئة بالنجوم .
ولاح من بعيد ، فتى يخطر بين الأشجار ، فأشارت إليه برأسها ، وقالت : انظر .
ونظرت ثانية إليه ، وقلت : أظنه في عمركِ .
فقالت الأميرة : هذا أمير .
والتفتُ إليها ، وقلتُ : وأنتِ أميرة .
وقالت الأميرة ، وهي تتطلع إليه : إنه يريدني .
تساءلتُ : أنتِ ؟
فردت قائلة : وأنا أريده أيضاً .
وتوقف الأمير الشاب ، وتوقفت الأميرة عن الكلام معي ، وغابت عني ، آه لابد أنها معه الآن ، بين الأشجار ، تحت ضوء القمر .

     " 6 "
ـــــــــــــــــــ
    أقام ملك السناجب ، في ليلة اليوم التالي ، وليمة ضخمة ، على شرفي ، حضرها عدد كبير من الأمراء والأميرات ، وكبار رجال المملكة ، من بينهم ، هذه المرة ، الأمير الفتيّ .
وجلس الملك على رأس المائدة ، وإلى جانبه جلست الملكة ، وعلى مقربة منهما جلستُ ، وجلست الأميرة إلى جانبي ، بينما جلس الأمير الفتيّ  ، بين مجموعة من الأمراء والأميرات .
ونظر الملك إليّ ، ثم إلى الأميرة ، وقال : بنيتي ، هذا مكانكِ الطبيعي ، فلولا ضيفنا الشجاع ، ما كنتِ الآن هنا بيننا .
ورمقت الأميرة الفتية ، الأمير الفتيّ ، بنظرة خاطفة ، ثم أطرقت رأسها ، فقالت الملكة : إن ضيفنا العزيز أمير ، وأي أمير .
ونهض الأمير الفتيّ ، وقد احتقن وجهه ، وبدا قلقاً وغير مرتاح ، ثم غيّر مكانه ، وجلس في مكان قريب منّا ، دون أن ينبس بكلمة .
ونهض الملك واقفاً ، فساد الصمت والترقب ، وتعلقت عيون الحاضرين به ، فأشار إليّ ، وقال : باسمكم جميعاً ، أرحب بضيفنا الشاب الشجاع .
ورمقتُ الأميرة بنظرة سريعة ، ثم رفعتُ رأسي إلى الملك ، وقلت : شكراً ، يا مولاي .
وربت الملك على كتفي مبتسماً ، ثم خاطب الآخرين : لقد أنقذ هذا الشاب ابنتي ، الأميرة وملكة المستقبل ، أنقذها من موت محقق .
وصمت لحظة ، ثم قال : إنه يستحق مكافأة ، في مستوى عمله ، كيف سأكافئه ؟ ماذا أقدم له ، لقاء عمله هذا ؟ فضة ؟ ذهباً ؟ جواهر ؟ لا ..
وصمت للحظة مرة أخرى ، ثم قال : سأقدم له ما هو أغلى من الفضة والذهب والجواهر ، سأقدم له أهمّ ما أملك ، وهل أغلى من الأميرة نفسها ؟  
واتسعت عينا الأميرة الفتية ، لكنها لم تتفوه بكلمة واحدة ، وهنا هبّ الأمير الفتيّ واقفاً ، وأمام عيون الجميع المذهولة صاح : كلا ، الأميرة ليست ملكك لتهبها لهذا الغريب ، إنها ملك لي أنا .


     " 7 "
ــــــــــــــــــــ
     فتحتُ عينيّ ، وإذا بي مازلتُ تحت الشجرة الوارفة ، فنهضتُ على الفور ، خشية أن أغفو مرة أخرى ، وأحضر وليمة ملك السناجب .
لم أصطد شيئاً ، والنهار قد تجاوز منتصفه ، وفترت رغبتي في الصيد ، بعد الذي عانيته من " الأميرة سنجابة " ، فقررتُ العودة إلى البيت .
وتراءت لي الأميرة الفتية ، والأمير الفتيّ ، والملك والملكة ، والوليمة الفخمة ، وحديقة الأحلام ، آه يبدو أنني سأصاب بالجنون .
سرت بعيداً عن الشجرة الوارفة ، وحاولت أن أبعد عني هذه الرؤى ، لكني لم أستطع ، ورأيت الأميرة تأخذني إلى حديقة الأحلام ، وتجلسني إلى جانبها على المصطبة ، و .. ورأيتها ترتمي على صدري ، وتقول لي : لن آخذ غيرك .
وتراءى لي ، متداخلاً مع قولها هذا ، الأمير الفتيّ ، وهو يهبّ واقفاً ، ويصيح : إنها لي .
وأفقتُ على القاقم يصيح : لن تفلتا مني ، أنتما لي .   
والتفتُ بسرعة إلى مصدر الصوت ، وإذا السنجابة الفتية ، تركض هاربة بأقصى سرعتها ، يتبعه السنجاب الفتيّ ، يطاردهما عن قرب .. القاقم .
ولاحت شجرة صنوبر ضخمة ، فدفع السنجاب الفتيّ ، السنجابة الفتية ، نحو جذع الشجرة ، وهو يستحثها قائلاً : تسلقي هذه الشجرة ، أسرعي .
وتسلقت السنجابة الفتية الشجرة بلمح البصر ، وهي تقول : لا تتأخر ، القاقم وراءنا .
ووصل السنجاب الفتيّ جذع الشجرة ، وبدأ يتسلقها ، حين وصل القاقم الهائج ، ووثب نحوه مكشراً عن أنيابه القاتلة ، لكنه بدل أن يصيب السنجاب الفتيّ ، أصاب جذع الشجرة ، فصاح غاضباً : الويل لهذه الشجرة ، التي تحميكما ، سأدعو القندس ليقطعها . 
والتفت القاقم نحوي ، وحدجني بنظرة حانقة ، ودمدم غاضباً ، لم أفهم دمدمته ، لكني خمنتُ أنه يحملني مسؤولية هرب السنجابين منه .
وتطلع السنجابان الفتيان إليّ ، من مكانهما فوق غصن الشجرة ، وتهامسا فيما بينهما ، ثم راحا يتقافزان من غصن إلى غصن ، حتى غابا .
واستدار القاقم ، وهو مازال غاضباً ، ثم مضى لا يلوي على شيء ، فاستأنفت سيري متوجهاً نحو البيت ، لا ، لن أخطىء ثانية ، وأتدخل في حياة الكائنات الحية ، مهما كانت الظروف .
لكن ، أخبروني ، ماذا لو رأيتُ أفعى ، تزحف خلسة ، نحو بلبل يقف مغرداً ، على غصن شجرة ؟ هل أقف متفرجاً ، أم .. أم ماذا ؟


هناك تعليق واحد: