"الفزاعة" مسرحية للاطفال بقلم: عبدالله جدعان



 ( الفزاعة  )
((مسرحية للاطفال))
تأليف عبدالله جدعان
ألشخصيات :
سالم/ طفل في العاشرة من العمر
سامي / طفل في العاشرة من العمر
صافية  / طفلة في العاشرة من العمر
الرجل  / متوسط العمر
(المسرح خالي - يسمع صوت جرس انتهاء الدرس )
سالم : (واقفا " ينظر خارج المسرح )
سامي : ( يقترب من سالم وهو يحمل حقيبته المدرسية ويكلمه على عجلة  )
هيا لنذهب  سويا " الى دكان البقال .
سالم  : (دون مبالاة ) لا ، لا شكرا "
سامي : (ممسك بذراع سالم بقوة ) هيا يا صديقي ،سأشتري لك عصير البرتقال .
سالم : اه ، كم أنت عنيد يا سامي انني انتظر أختي صافية لكي نذهب
                             الى المزرعة .
سامي : أية مزرعة ؟
سالم : مزرعة العم صالح ، ليست بعيدة وهي تقع على طريق مدرستنا،
                    فيها  الزرع والهواء اللطيف .
سامي : (باستهزاء ) وماذا تفعلون هناك ؟ تحصدون ام تزرعون ؟
سالم : نجلس في كوخ العم صالح ونتبادل الحكايات.
سامي : (بتوسل) ألا ينزعج العم صالح اذا رافقتكم اليوم ؟
سالم : كلا ، كلا فهو يحب اطفال ، وحينما تراه ستحبه كثيرا "
سامي : (على عجلة من امره ) هيا اذن  .
سالم : (ينظر الى الافق) انتظر (كأنه شاهد أخته ) هاهي لقد وصلت صافية .
صافية: (تدخل المسرح وهي تحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية ) كيف حالكم ؟
سالم : بخير .
سالم : هيا لنذهب الى مزرعة العم صالح
                        -- اظلام --
(انارة على جانب من مزرعة ، كوخ قد تهدم  ولم يبقى منه  ألا بقايا حائط الفزاعة قد سقطت على الارض بين احجار متناثرة هنا وهناك و جزء بسيط من سياج مصنوع من اغصان الاشجار لحماية المزرعة ، يدخل كل من سالم وسامي وصافية من جديد وهم يجوبون المكان باستغراب وذهول ويتفقدون المكان بين الاحجار والسياج المحطم )
سامي : (يضحك ساخرا ") هل هذه هي المزرعة ؟؟ انها خرابه !!
                      لابد انكم قد ضيعتم المكان .
صافية : كلا .لابد أن حدث شئ غريب .
سالم: أجل ، انظروا لقد تحطم كوخ العم صالح وتناثرت احجاره في المكان !! وتحطم السياج  أيضا(تقع عيناه على الفزاعة وهي ساقطة على الارض ليهرول نحوها ثم يحاول زرعها في الارض  مجدداً )
سامي : (باستغراب مقتربا منه) ما هذه يا سالم ؟؟
سالم : الفزاعة !!
سامي : (مرددا باستغراب ) الفزاعة!! ما هي ؟؟ وما فائدتها ؟؟
سالم : الفزاعة يا صديقي سامي ، هي دمية صنعها العم صالح من اجل
                   اخافة العصافير والطيور !
سامي : (يتفحص الفزاعة بكلتا يديه متعجبا !!) لقد اتقن العم صالح كيف
                   يهزم العصافير عن المزرعة.
سامي  : وكيف تخيف الفزاعه العصافير والطيور ؟؟
سالم : حينما تحركها الرياح  تصدر عنها صوتا "مخيفا "  وكلما حاولت العصافير الاقتراب من الارض  افزعها الصوت وبهذا لا تأكل الحبوب المنثورة في ارض المزرعة .
صافية : يا ترى اين ذهب العم صالح ليحدثنا عن ما حصل في المزرعة ؟؟!!
سالم :كان يقول : عليكم ان تزرعوا الخير في حياة الناس والاعتماد على النفس .
  صافية: " فعلا " وحينها قلت له : اليوم درسنا موضوع بعنوان الاعتماد على
           النفس . وقصصت له الموضوع :
      شاب ذهب للغابة ليعمل وشاهد ثعلبا جائعا كما سمع صوتا غريبا ثم اختبأ
      خلف صخرة وإذا بأسد يظهر وهو يجر فريسته فأكل منها حتى شبع
      ثم انصرف فزحف الثعلب ليأكل  من ما أبقاه الاسد ، وقال الشاب مع
      نفسه (لقد جاء للثعلب رزق بلا كد فلماذا أبتعد عن اهلي وأتحمل
      مشاق السفر والعمل لأجد رزقي . ثم عاد الى البيت وشرح لآبيه
      أسباب عودته وقال له أبوه :أريدك أن تكون ساعيا من اجل رزقك ،
      يأكل من رزقك اخرين  لا كسولا " يأكل من فضلات الاخرين ثم
       ابتسم العم صالح. 
سالم: وأتذكر حينما سألته عن سبب وجود السياج حول المزرعة فقال لي :
       لابد أن احافظ على  المزرعة من الغنم لأنها اذا جاءت بدون راعي
                     ستدخل المزرعة وتأكل الزرع .
سامي : فعلا مثلما اخذنا في القراءة درس الراعي الامين وعندما أقبل عليه
        احد المارة وسأله عن أقرب قرية من المزرعة فأجابه ستة اميال
      فقال الرجل لو اتيت يا بني لتدلني على  الطريق لمنحتك جائزة ثمينة
      فرفض الراعي لأنه اذا ترك  الغنم وحدها ستتيه في الحقل فتقع
     فريسة للذئاب وعرضه لان يسرقها اللصوص!
سالم: نعم فالحكمة من هذا الموضوع وسياج المزرعة مثلما حصل لعراقنا
صافية : وكان يقول عليكما الاهتمام بكتابي التاريخ والجغرافية لان في
              فيها نعرف قيمة ارض وحب  الوطن
(يدخل المسرح رجل وهو ينظر باستغراب للاطفال ) ماذا تفعلون هنا ؟؟
سالم : ننتظر العم صالح.
الرجل : تنتظرون العم صالح ؟؟
صافية : نعم . ولقد وعدني البارحة بأنه سيحكي لي اليوم حكاية جديدة
الرجل : (بألم عميق ) لقد رحل العم صالح.
صافية : الى اين؟
الرجل : الى دار الاخرة . للقاء ربه .ولان الموت حق .
سالم : (بارتباك ) تقصد لقد مات ؟
صافية (تبكي) أحقا " ما تقول يا عم ؟
الرجل : (يهز رأسه بالإيجاب)
سالم : بالجلطة الدماغية ؟؟
الرجل : كلا.
صافية : بالسكتة القلبية ؟؟
الرجل : كلا يا أطفال ، لقد مات شهيدا "!!
صافية: (وهي تبكي ثم تقترب من الرجل متوسلة به ) بالله عليك كيف مات ؟؟
الرجل :البارحه كان العم صالح رحمه الله يسقي المزرعة ليلا "  فسقط صاروخا
        من الغربان المحتلين وكما ترون فقد تحول الكوخ الى بقايا حطام
         رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
   (يترك الاطفال ويسير  بخطوات متثاقلة  ويخرج )
سامي : (بألم ) يا لسوء حظي ؟  كم كان يسعدني ان اراه بعد كل الذي
                          سمعته منكم عنه ؟!
سالم : انه حادث محزن. لم يكن متوقعا (يتجه مرة ثانية صوب الفزاعة
       الممدة على الارض و يحملها  بيده ويسير بمسير عسكري ثم تقف
       امامه صافية ).
صافية: الى اين تحمل الفزاعة ؟؟
سالم : هي خير صورة تذكرني بالعم صالح رحمه الله.
صافية : لكن اقواله ونصائحه هي التي كانت لنا احلى الصور.
سالم : كلام جميل ، لكنني سأزرعها فوق سطح دارنا.
صافية : ماذا تقول فهي صنعت لتخيف الطيور !!
سالم : لهذا سأخيف الغربان القادمة والمعشعشة فوق صدورنا ومدارسنا
صافية : كلا يا سالم الفزاعة  الحقيقية التي تخافها الغربان هي بتوحدنا!
           بصفاء قلوبنا ،، ضد الشر والسواد.
سامي : الله ما أحلى هذا الكلام يا صافية .
سالم : (يحمل الفزاعة ثم يسير في عمق المسرح بمسير عسكري على انغام النشيد الوطني[ أو انطلاق موسيقى النشيد فقط] ثم يتبعه كل من سامي وصافيه )
   النشيد :
موطني  موطني     الجلال والجمال     والسناء والبهاء     في رباك
الحياة والنجاة       والهناء والرجاء   في هواك
هل اراك سالما منعما وغانما مكرما   هل اراك في علاك تبلغ السماك
                       موطني    موطني

               ------ ستار ------


"الأسد" رواية للأطفال بقلم: طلال حسن



الأسد
رواية للأطفال
طلال حسن

     " 1 "
ــــــــــــــــــ
    قبيل الفجر ، أفاق الأسد على رائحة فريسة طازجة ، إنها زوجته اللبوة ، اصطادت له غزالة على الأغلب ، وهزّ رأسه ، الفجر لم يحلّ بعد ، لابد أنها خرجت للصيد في منتصف الليل .
وتناهى إليه وقع أقدام خفيفة ، لم يتحرك ، أو يفتح عينيه ، وشعر باللبوة تتمدد إلى جانبه ، فدمدم دون أن يفتح عينيه : الفجر لم يحلّ بعد .
فقالت اللبوة كأنها تعتذر : اصطدت غزالة ، ووضعتها خارج العرين ، لتفطر حالما تستيقظ .
وفتح الأسد عينيه ، وحدق فيها ، ثم قال : قلتُ لكِ مراراً ، لا تخرجي إلى الصيد ، قبل الفجر .
ولاذت اللبوة بالصمت ، وقد بدا عليها شيء من التأثر والحزن ، فمد يده ولامس وجهها برفق ، وقال : أنا أخاف عليكِ ، ولا أريد لك إلا الراحة .
ومالت اللبوة عليه ، وأسندت رأسها على كتفه ، وقالت بصوت دامع : جارتنا اللبوة ، التي تزوجت بعدنا وضعت ثلاثة أشبال .
وربت الأسد بيده على رأسها ، وقال مازحاً : أنا لا أريد ثلاثة أشبال ، يوقظونني قبل الفجر ، ويزعجونني طول النهار .
ولاذت اللبوة بالصمت ، والدموع تترقرق في عينيها ، فمال الأسد عليها بحنان ، وقال : أريد منكِ شبلاً واحداً ، أو لبوة تشبهكِ .

     " 2 "
ــــــــــــــــــــ
    عاد الأسد ، عند غروب الشمس ، إلى العرين ، وعلى غير العادة ، لم يجد اللبوة في انتظاره ، لا بالباب ، ولا في الداخل .
وبدل أن يتملكه الغضب لغيابها عن العرين ، حتى هذا الوقت ، فيهدد ويتوعد ، شعر بشيء من القلق ، هذه ليست عادتها ، ترى أين مضت ؟
وتناهى إليه من بعيد خوار غاضب ، فرفع رأسه ، ونظر إلى مصدر الصوت ، لابد أن قطيع الجاموس قريب ، ومن يدري ، لعل هذه الحمقاء ، أرادت أن تصطاد ..
ولاحت اللبوة قادمة ، وقد غربت الشمس ، وبدا على وجهها فرح غريب ، فتحول قلقه إلى شيء من الغضب ، وقبل أن ينفجر بها ، قالت اللبوة : تأخرت عليكَ قليلاً ، يا عزيزي .
فرد الأسد بغضب : قليلاً  ! نحن في الليل .
ومدت اللبوة يدها ، ولمست وجهه بحنان ، وهي تقول : سيطلع القمر بعد قليل ، ونجلس نتسامر ، خارج العرين ، حتى الفجر .
وأبعد الأسد يدها عن وجهه بخشونة ، وقال : أبعدي يدكِ ، يبدو أنكِ جننت .
وأبعدت اللبوة يدها قليلاً ، وقالت : نعم جننتُ ، جننت من الفرح ، وستفرح معي أنت أيضاً .
ولاذ الأسد بالصمت ، فقالت اللبوة مدارية خجلها وفرحها : كنتُ عند اللبوة العجوز ..
وخفق قلبه ، دون أن يتفوه بكلمة ، فتابعت اللبوة قائلة : إنني حامل .

     " 3 "
ـــــــــــــــــــــ
    مع الأيام ، تأكد للأسد أن لبوته حامل هذه المرة ، فبطنها راحت ترتفع شيئاً فشيئاً ، وهذا يعني أن شبله الأول على الأبواب ، وسرعان ما سيسمع صوته الحبيب يصيح : بابا .
ولاحظ مع مرور الزمن ، أنها بدأت تتعب ، وأن صيدها أصبح أقلّ ، وخامره شعور بالقلق عليها ، وعلى شبله المنتظر أيضاً .
وذات يوم ، اعترضها الأسد ، عند الفجر بباب العرين ، فقالت بصوت متعب : لابد أن أذهب للصيد ، يا عزيزي ، الشمس تكاد تشرق .
فحدق فيها مازحاً ، وقال : أيتها اللبوة ، من الأسد في هذا العرين ؟
فردت اللبوة مبتسمة : أنت قلتها ، أنا .. اللبوة .
وتساءل الأسد : وأنا ؟
فردت اللبوة قائلة : أنت الأسد طبعاً .
وقال الأسد : مادمتُ الأسد ، في هذا العرين ، فأمري يجب أن يُطاع .
وانحنت اللبوة أمامه مبتسمة ، وقالت : شبيك لبيك لبوتك بين يديك .
فقال الأسد بحزم : لن تخرجي للصيد ..
وصاحت اللبوة : ماذا !
فتابع الأسد قائلاً : ليس قبل أن تضعي الشبل .
وحاولت اللبوة أن تتملص منه ، لتخرج من العرين ، وهي تقول : لابد لنا مما نأكله .
فقال الأسد : لن نأكل بعد اليوم ، إلا مما أصطاده ، حتى يأتي الشبل .

     " 5 "
ــــــــــــــــــــ
    ذات ليلة ، وهما متمددان في العرين ، جنباً إلى جنب ، مالت اللبوة على الأسد ، وهمست له : يبدو أن الربيع قد اقترب .
والتفت الأسد إليها ، في العتمة الشفافة للعرين ، الذي تضيئه أشعة القمر ، القادم من الخارج ، وتساءل بلهفة وذهول : الربيع  !
وهزت اللبوة رأسها ، وقالت : نعم ، اقترب .
وابتسم الأسد فرحاً ، وقال : أهلاً به ، هذا الربيع الغالي المنتظر .
ونظرت اللبوة إليه ، وقالت : ولكي أتأكد من قرب قدومه ، ذهبت اليوم إلى اللبوة العجوز .
واعتدل الأسد فرحاً ، وقال : سأقدم لهذه اللبوة العجوز هدية ثمينة تستحقها .
ووضعت اللبوة يديها على بطنها متأوهة ، وقالت : وقد طمأنتني بأن الأمر سيكون سهلاً ، وبأنها ستحضر هي نفسها قدوم هذا الربيع .
ومع مجيء الربيع ، وقد حضرت اللبوة العجوز مجيئه ، واستقبلته بين يديها العجوزين الخبيرتين ، ووضعته برفق إلى جانب أمه اللبوة .
ونظرت اللبوة ، بعينين متعبتين فرحتين ، إلى الشبل الراقد جامداً بلا حراك إلى جانبها ، وقالت فرحة : سيفرح الأسد بقدومه .
وأسرعت اللبوة العجوز إلى خارج العرين ، وهي تقول : أنا من سيبشره بهذا الفرح .
وما إن رأى الأسد ، اللبوة العجوز ، وكان يتمشى قلقاً أمام العرين ، حتى توقف ، وقال متسائلاً : أخبريني ، كيف حال لبوتي ؟
فردت اللبوة العجوز مبتسمة : أبشر ، يا سيدي ، جاءتك بشبل ، وأي شبل .
وأسرع الأسد إلى العرين ، وإذا شبل صغير ، مغمض العينين ، لا حراك فيه ، يرقد إلى جانب اللبوة ، فقال مازحاً : أردتُ لبوة تشبهكِ .
فردت اللبوة فرحة : جئتك بشبل يشبهك .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : إنه جامد ، مغمض العينين ، انفخ في منخريه ، وابعث فيه الحياة .
وانحنى الأسد على الشبل ، ونفخ في منخريه ، فتحرك الشبل ، ثم فتح عينيه ، فقالت اللبوة : ضروعي ممتلئة بالحليب ، سأرضع الشبل ، وأعتني به ، وأرعاه ليل نهار ، حتى يصير أسداً مثلك .

     " 6 "
ـــــــــــــــــــ
    رغم اهتمامها بالأسد ، ورعايتها له ، إلا أن اللبوة انصرفت في الغالب للشبل ، ترضعه ، وترعاه ، حتى تكاد لا تدعه يغيب عنها لحظة واحدة .
وخلال الشهر الأول ، لمجيء الشبل ، اعتمدت اللبوة اعتماداً كلياً على الأسد ، في توفير الطعام ، فهو يخرج ليلاً ، أو عند الفجر ، ليأتي بفريسة طازجة ، يأكلاها معاً ، ثم تنصرف لإرضاع الشبل ورعايته .
وعند نهاية الشهر الأول ، وقد نما الشبل وكبر جسمه ، إلا أنه ظلّ لصيقاً بأمه ، أم أن أمه كانت لصيقة به ؟ مهما يكن ، فقد نبه الأسد اللبوة إلى ضرورة خروج الشبل من العرين ، ولو بين فترة وأخرى .
فتتحجج اللبوة قائلة : أخاف أن يمرض ، فالجو مازال بارداً .
فيردّ الأسد متضايقاً : نحن في منتصف الربيع ، والجو في الخارج لطيف منعش .
ولاذت اللبوة بالصمت ، ثم قالت : سأخرجه بعد أيام ، حين يعتدل الجو أكثر .
وازداد الجو دفئاً ، وانتهى أي أثر لبرد الشتاء ، وذات يوم ، أخذ الأسد صغيره الشبل ، من بين يدي اللبوة ، وهو يقول : سآخذه قليلاً إلى الخارج .
واعترضته اللبوة ، وكأنها فقدت شعورها ، وقالت : كلا ، سيمرض إذا أخذته .
وأبعد الأسد يديه بالشبل عنها ، وقال : بل سيمرض ، إذا بقي دائماً داخل العرين .
وأخذه إلى الخارج ، بينما بقيت اللبوة في الداخل ، ولكن ما إن وضعه على الأرض ، حتى أسرع إلى الداخل ، وهو يصيح باكياً : ماما .
وفي الليل ، نهضت اللبوة بهدوء من جوار الشبل ، الذي كان يغط في نوم عميق ، واقتربت بهدوء من الأسد ، ومالت عليه ، وقالت : عفوً يا عزيزي ، أنت محق ، سأعالج الأمر ، وسأنجح إذا ساعدتني .


      " 7 "
ــــــــــــــــــــ   
    وطوال الأسابيع والأشهر التالية ، استطاع الأسد أن يخرج بالشبل عدة مرات ، ويتجول معه في محيط العرين ، ومعهما اللبوة ، لكن الشبل طوال هذه الجولات ، كان يسير لصق اللبوة ، لا يكاد يبتعد عنها خطوة واحدة .
واقترح الأسد ، ذات يوم ، أن يخرج مع الشبل ، ويتجولا وحدهما فقط ، ورغم أن اللبوة لم ترتح لهذا الاقتراح ، إلا أنها رضخت ، وتوقف الشبل عند باب العرين ، وصاح : ماما .
وحاولت اللبوة أن تتمالك نفسها ، وتقاوم دموعها ، وهي ترد عليه : لن تستمر جولتكما طويلاً ، يا شبلي العزيز ،  سأنتظرك هنا .
وسار الشبل إلى جانب أبيه الأسد ، وهو يتلفت حوله بين حين وآخر ، فقال الأسد : بنيّ ، أنت الآن شبل ، وستكون أسداً بعد حين  ، لا أقول عليك أن تبتعد عن أمك ، ولكن ينبغي أن تتعلم كيف تعتمد على نفسك .
وتوقف الشبل ، وصاح بصوت دامع : ماما .
وعلى الفور ، أقبلت اللبوة ، ويبدو أنها كانت تتأثرهما حيثما يسيران ، وصاحت ملهوفة : بنيّ ، لا تخف ، إنني ها إلى جانبك .
وأمام أنظار الأسد الحانقة ، اندفع الشبل باكياً إلى أمه ، فأخذته بين ذراعيها الملهوفتين ، وقالت : تعال ، يا صغيري ، سنعود حالاً إلى العرين .
وحتى بعد مرور ستة أشهر على ولادته ، وهو العمر الذي يؤهله للخروج مع أمه اللبوة ، وتعلم الصيد ، كانت اللبوة تخرج وحدها ، وتبقي الشبل في العرين ، فتأتي بما تصطاده ، فيأكل الأسد من الفريسة أولاً ، ويخرج من العرين ، ويجلس تحت الشجرة ، ثم يأكل منها الشبل حتى يشبع .
وذات يوم ، قال الأسد للبوة : إن الآخرين ينتقدوننا ، لأننا لم نعلم شبلنا حتى الآن على الصيد .
فقالت اللبوة : شبلنا مازال صغيراً .
فقال الأسد : شبلنا تجاوز السنة من العمر .
فأخذت اللبوة الشبل بين ذراعيها ، وقالت : سآخذه منذ الغد معي ، وسأعلمه الصيد .

     " 8 "
ـــــــــــــــــــــ
    على مضض ، أخذت اللبوة الشبل معها ، عند خروجها إلى الصيد نهار اليوم التالي ، ولأنها لم تشأ أن يبتعد الشبل عنها ، فإنها لم تستطع أن تصطاد شيئاً ، طوال ذلك اليوم .
وعند المساء ، عادت متعبة إلى العرين ، والشبل يسير إلى جانبها متعباً جائعاً ، حتى أنها ، حين نظرت إليه على ذلك الحال ، تمنت لو أنها لم تفطمه .
وتحت الشجرة ، على مقربة من باب العرين ، لمحت الأسد رابضاً ، وحين مرت به ، قال لها ، دون أن يلتفت إليها : تأخرتِ .
فتباطأت في سيرها لحظة ، وقالت : حاولت أن أصطاد فريسة ..
ونظر الشبل إلى أبيه الأسد ، لكنه لم يتفوه بكلمة واحدة ، ودخلا العرين ، وسرعان ما شعرا بالارتياح ، فقد رأيا على الأرض ، غزالاً لم يُمس ، فصاح الشبل : ماما ، غزال .
وهمّ أن يأكل منه ، فقد كان في جوع شديد ، لكن اللبوة اعترضته ، وقالت : لا تأكل ، يا بنيّ ، أنت شبل ، أبوك الأسد يأكل أولاً .
وخرجت اللبوة إلى الأسد ، وقالت له : يبدو أنك لم تأكل بعد ، تعال لتأكل .
ودون أن يلتفت إليها ، قال الأسد : رأيتكِ بعد منتصف النهار ، مشغولة بابنك الشبل ، ولم تصطادي شيئاً ، فاصطدتُ لكما ذلك الغزال .
ولاذت اللبوة بالصمت لحظة ، ثم قالت : تعال كل أولاً ، ولو لقمة واحدة .
فرد الأسد قائلاً : إنني شبعان ، كلا أنتما .
في اليوم التالي ، حاولت اللبوة جهدها أن تصطاد شيئاً ، وطاردت حماراً وحشياً ، وكادت أن تمسك به ، وإذا بها تسمع الشبل يصيح مستغيثاً : ماما .
وتوقفت عن مطاردة الحمار ، لابد أن الشبل في خطر ، وأسرعت إليه ، فرأت ثلاثة ضباع تحيط به ، وتوشك أن تفتك به ، فانقضت عليهم ، وخاضت معهم معركة شرسة ، كادوا خلالها أن يتغلبون عليها ، ويخطفون الشبل ، لولا أن هزّ الغابة زئير غاضب : آآآآ .
وصاح الشبل فرحاً : هذا بابا .
وجمد الضباع الثلاثة في أماكنهم ، حتى قبل أن يظهر الأسد ، وتلفتوا حولهم خائفين ، ثم لاذوا بالفرار ، لا يلوون على شيء .
وأقبل الأسد مسرعاً ، وحام في المكان ، وهو يزمجر ، ثم قال : لنعد إلى العرين .
وقالت اللبوة لاهثة : لم أصطد شيئاً بعد .
واستدار الأسد ، ومضى صوب العرين ، وهو يقول : تعالي ، اصطدتُ غزالاً .
وأطرقت اللبوة رأسها ، وسارت صامتة وراء الأسد ، والشبل يسير إلى جانبها .

     " 9 "
ــــــــــــــــــــ 
    رغم أن اللبوة تعرف ، أنها والشبل ، حين يخرجان للصيد ، قلما يغيبان عن أنظار الأسد ، إلا أنها تخبره ، بين فترة وأخرى ، بما يفعله الشبل .
قالت له مرة : كاد الشبل اليوم ، أن يصطاد غزالاً .
فقال الأسد بشيء من السخرية : كاد !
فقالت اللبوة محتجة : إنه مازال صغيراً .
فردّ الأسد قائلاً : لقد تجوز الرابعة من عمره .
وفي مرة أخرى ، قالت اللبوة للأسد : الشبل اصطاد اليوم أرنباً .
فقال الأسد : رأيته ، ذلك الأرنب ، أعرفه ، كان هرماً مريضاً .
وهذه الليلة ، وبعد أن استغرق الشبل في النوم ، تسللت اللبوة إلى الأسد  ، حيث يربض تحت الشجرة ، والقمر يطل بدراً من الأفق .
وجلست صامتة إلى جانبه ، ثم رفعت رأسها ، ونظرت إلى القمر ، وقالت : القمر يطلّ علينا ، كما في أيامنا الأولى .
فقال الأسد : القمر ليس نفس القمر .
وتنهدت اللبوة ، وقالت : القمر نفس القمر ، لكن يبدو أننا كبرنا بعض الشيء .
وصمتت اللبوة ، فقال الأسد : لا أظن أنكِ جئت لتتحدثي عن القمر .
فقالت اللبوة : نعم .
وقال الأسد : حسن .
وقالت اللبوة : الشبل اصطاد اليوم غزالاً .
وعلق الأسد قائلاً : قولي خشفاً .
فأكدت اللبوة قائلة : بل غزالاً فتياً .
وصمتت ثانية ، ثم قالت : أنت تعامله بخشونة ، وكأنه ليس الخشف ، الذي انتظرناه طويلاً .
ونهض الأسد ، ومضى إلى العرين ، وهو يقول : أريده أن يكون أسداً .

     " 10 "
ـــــــــــــــــــــ
    في هدأتِ الليل ، ربما قبيل الفجر بقليل ، ارتفع من بعيد خوار مرتفع ، ظلّ صداه يتردد ، في جميع أرجاء الغابة ، لفترة ليست قصيرة .
وانتبهت اللبوة ، وقد أفاقت من نومها ، إلى الأسد ، يتململ في مضجعه منزعجاً ، وتراءى لها قطيع الجاموس ، ينحدر متدافعاً نحو بركة الماء ، وقد أثار حوله سحابة من الغبار .
وأفاق الشبل على صوت الخوار ، فأنصت ملياً ، ثم تكور في أحضان أمه ، دون أن يتفوه بكلمة واحدة ، فقالت اللبوة ، وهي تضمه بذراعيها : القطيع بعيد جداً ، نم يا بنيّ ، ولا تخف .
ورفع الشبل رأسه قليلاً ، وقال بصوت هامس لا يكاد يُسمع : ماما .
لم تردّ اللبوة عليه ، وربتت على رأسه أن نم ، لكنه لم ينم ، وإنما همس ثانية : تذوقت لحوماً كثيرة ، إلا أنني لم أذق حتى الآن لحم الجاموس .
وردت اللبوة ، دون أن تفتح عينيها : إياكَ أن تقترب من الجاموس ، إنه خطر جداً .
فقال الشبل ، وهو يندس في أحضانها : لن أقربه الآن ، ربما في المستقبل ، حين أصير أسداً .
وربتت اللبوة ثانية على رأسه ، وقالت : نم الآن ، ستتذوق لحم الجاموس قريباً .
وتململ الأسد ثانية ، ترى هل سمع ما دار بين اللبوة والشبل ؟ وضمت اللبوة الشبل إلى صدرها ، وقالت : كفى ، يا بنيّ ، بابا نائم .
في اليوم التالي ، نهضت اللبوة قبل الفجر ، وتسللت على أطراف أصابعها إلى الخارج ، وتململ الأسد في مضجعه ، ربما شعر بخروجها ، أما الشبل فقد كان مستغرقاً في نوم عميق .
وعند شروق الشمس ، في اليوم التالي استيقظ الأسد ، على الشبل يعتدل في مكانه ، ويتلفت حوله ، لابد أنه يبحث عن اللبوة ، ففي مثل هذا الوقت ، تكون قد عادت من الخارج ، ومعها ما اصطادته .
ونهض الأسد ، دون أن يلتفت إلى الشبل ، وخرج من العرين ، ووقف تحت الشجرة ، متلفتاً حوله ، ثم رفع رأسه ، وزأر بأعلى صوته : آآآآ .
وتردد صدى زئيره في جميع أرجاء الغابة ، وانتظر هنيهات ، لكن لا رد من اللبوة ، وخرج الشبل من العرين ، ووقف منكسراً إلى جانب أبيه الأسد ، وقال بصوت متردد : لم تعد ماما .
وقفل الأسد عائداً إلى العرين ، وهو يقول : انتظر ، ستعود قريباً .
لكن اللبوة لم تعد ، حتى بعد أن انتصف النهار ، وخرج الأسد من العرين ، ومضى متوغلاً في الغابة ، وهو يقول على مسمع من الشبل : أخشى ما أخشاه ، أن تكون قد قصدت قطيع الجاموس .
ولم يكن ما يخشاه الأسد ، في غير محله ، فبعد أن بحث عن اللبوة في كلّ مكان من الغابة ، دون أن يقف لها على أثر ، وجدها أخيراً مرمية ، على مقربة من البركة ، وقد سحقتها تماماً أقدام قطيع الجاموس .

     " 11 "
ـــــــــــــــــــــــ
    انزوى الشبل ليلاً ، في المكان الذي كان يأوي إليه مع أمه اللبوة ، ولم يجرؤ ، ولو مرة واحدة ، على النظر إلى أبيه الأسد ، واستغرق في النوم هكذا ، دون أن يحظى بشيء من الطعام .
وحين استيقظ ، صباح اليوم التالي ، والشمس تطل من مدخل العرين ، لم يجد أباه الأسد في مكانه ، ونهض متثاقلاً ، وبحث عما يأكله دون جدوى .
ومضى متردداً إلى الخارج ، وتوقف تحت الشجرة ، حيث يقف أبوه الأسد دائماً ، ونظر إلى البعيد ، ورفع رأسه ، وفتح فمه ، وأراد أن يصيح : ماما .
لكنه أطبق فمه ، ولاذ بالصمت ، فأمه لن تسمعه ، وبالتالي لن تردّ عليه ، لقد رحلت ، ولن تأتيه بالطعام مرة أخرى ، مهما اشتد به الجوع ، وفكر أنها لو علمته الصيد ، لربما كان ذلك أفضل . 
وقبيل منتصف النهار ، مضى يتجول في محيط العرين ، لعله يعثر على ما يمكن أن يصطاده ، مهما يكن ، ويسكت به جزعه .
وتوقف الشبل متحفزاً ، حين رأى ثعلباً عجوزاً ، يحمل بين أسنانه أرنباً صغيراً ، من الواضح أنه اصطاده قبل قليل ، فاعترضه دون أن يخاطبه بكلمة ، وبدا أن الثعلب العجوز فوجىء ، وتملكه خوف شديد ، فقد ترك الأرنب الصغير ، ولاذ بالفرار .
وعند المساء ، عاد الأسد متعباً إلى العرين ، وأوى إلى مضجعه ، دون أن يلتفت إلى الشبل ، أو يخاطبه بكلمة واحدة ، وسرعن ما استغرق في النوم .
وفي اليوم التالي ، عندما استيقظ الشبل ، كان الأسد قد غادر العرين ، فنهض من مكانه ، وخرج من العرين ، ولم يتوقف هذه المرة تحت الشجرة ، التي يقف أبوه الأسد تحتها دائماً ، بل مضى يبحث عما يأكله ، ويسكت به جوعه .
وعند منتصف النهار ، رأى خشفاً يتجول بعيداً عن أمه ، فانقض عليه ، وأمسك به ، وكم كانت فرحته شديدة بهذا الخشف ، فهو أول صيد له .
ولم يكد يأكل بضعة لقم من صيده الأول ، حتى أقبل الضباع الثلاثة ، وأحاطوا به من كلّ جانب ، وقد كشروا عن أنيابهم الحادة القاتلة ، فتراجع خائفاً ، ثم ترك لهم الخشف ، ومضى مبتعداً .
ولمح الشبل أباه الأسد ، يستدير بين الأشجار ، ويسير لا يلوي على شيء ، آه ربما كان أبوه يراقبه ، لكنه لسبب ما ، لم يشأ أن يتدخل .

     " 12 "
ــــــــــــــــــــــ
    ذات يوم ، لمح الشبل ، وقد صار أسداً فتياً ، لبوة فتية في عمره ، ولاحظ أنها رمقته من بعيد بنظرة خاطفة ، لها دلالتها .
وصادف وجود عدد من الغزلان ، ترعى بحذر على مقربة منهما ، ولعل الشبل أراد أن يستعرض سرعته ومهارته في الصيد ، أمام اللبوة الفتية ، فطارد إحدى تلك الغزلان ، وأمسك بها .
وبالفعل كانت اللبوة الفتية تتابعه بعينيها الجميلتين ، وقد أثارت سرعته ومهارته إعجابها ، لكنه عندما أشار لها أن تشاركه الطعام قائلاً : تفضلي .
أدارت رأسها بخجل ، وقالت : أشكرك .
ومضت مبتعدة .
وقبل أن يأكل لقمة واحدة من الغزال ، أحاط به الضباع الثلاثة ، وقد كشروا عن أنيابهم القاتلة ، ورفع الشبل رأسه نحوهم ، وحدق فيهم غاضباً ، لكنه لم يتراجع ، ولم يترك لهم ما اصطاده لطعامه .
وانقضوا عليه ، وحاولوا أن ينشبوا فيه مخالبهم وأنيابهم ، لكنه كان أسرع منهم ، إذ تصدى لهم ، وأثخنهم بالجراح ، ما اضطرهم إلى التراجع والانسحاب ، وقد أصاب أحدهم إصابة قاتلة .
وفي المساء ، عاد إلى العرين متعباً ، لكنه مرتاح ، وما إن اقترب من العرين ، حتى رأى أباه الأسد ، يقف تحت الشجرة ، وأمامه على الأرض ، غزال كبير لم يُمس ، وهمّ أن يتوجه إلى الداخل ، فناداه أبوه الأسد قائلاً : بنيّ ، تعال .
وتوقف الشبل ، ثم تقدم من أبيه ، وقال : نعم ، يا أبتي .
فنظر إليه أبوه الأسد بارتياح ، وقال : رأيتُ اليوم ما فعلته بالضباع الثلاثة ، الذين أرادوا اغتصاب الغزال منك ، كما اغتصبوا سابقاً الخشف .
وصمت لحظة ، وضع خلالها يده على كتف الشبل ، وقال : أنت الآن أسد ، وهذا ما أردتك دائماً أن تكونه ، آه كم كانت أمك ستفرح لو كانت موجودة .
وجلس الأسد تحت الشجرة ، وهو يقول : دعنا نحتفل اليوم ، بصيدك وانتصارك على الضباع الثلاثة .
وجلس الشبل إلى جانب أبيه الأسد ، وراحا يتناولان طعامهما معاً ، ولم تكن اللبوة غائبة عنهما ، وظلوا تحت الشجرة ، حتى ساعة متأخرة من الليل .
بعد أيام ، عاد الأسد مساء إلى العرين ، وبدل أن يمضي إلى الداخل ، ويأوي إلى مضجعه ، جلس تحت الشجرة ، وأسند رأسه إلى جذعها .
إنه فرح ، فرح جداً اليوم ، رغم أنه يرى ، أن شبله .. أسده الفتي ، لن يعود اليوم ، وربما لن يعود في الأيام القادمة أيضاً ، إلى العرين ، فقد رآه عصراً ، يسير متبختراً على مقربة من البركة ، وإلى جانبه تسير لبوة فتية في عمره .

                                   3 / 5 / 2016