الجمعة، 9 يونيو 2017

السمكة المنظفة قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



السمكة المنظفة   

  طلال حسن

      " 1 "
ـــــــــــــــــــــــ
    افتقدت السمكة المنظفة ابنتها الصغيرة ، وتملكها القلق لغيابها ، فقد خرجت منذ الصباح ، وهاهو النهار يكاد ينتصف ، وهي لم تعد بعد .
ورمقت ابنتها الأخرى بنظرة خاطفة ، وقالت : لقد تأخرت أختك .
فردت ابنتها قائلة : لا تخافي عليها ، إنها تلهو قرب الجدار المرجاني .
وهزت السمكة المنظفة رأسها ، وقالت : هذه الصغيرة اللعينة تحيرني ، إنها لا تتصرف أحياناً كالأسماك .
فقالت ابنتها بحدة : أنتِ تدللينها .
وكتمت السمكة المنظفة ابتسامتها ، وقالت : أختك مازالت صغيرة .
ثم تظاهرت بالغضب ، وأضافت قائلة : لكني سأعاقبها هذه المرة .

      " 2 "
ـــــــــــــــــــــــ
    أقبلت السمكة الصغيرة حزينة ، وقبل أن تتفوه السمكة المنظفة بكلمة ، صاحت ابنتها : هاهي الأميرة قد جاءت .
فردت السمكة الصغيرة قائلة : دعيني وشأني .
وبدل أن تعنفها السمكة المنظفة ، سألتها باهتمام : مالك ، يا صغيرتي ؟
وتنهدت ابنتها بغيظ ، وقالت : يا للعقاب الشديد .
وردت السمكة المنظفة ، دون أن ترفع عينيها عن السمكة الصغيرة : مهلاً يا بنيتي ، دعيني أعرف أولاً ما بالها .
وأقبلت من بعيد عدة سمكات ، فقالت ابنتها : لندع الأميرة الآن ، ونهتم بعملنا .
وتطلعت السمكة المنظفة إلى السمكات المقبلات ، وقالت : هيا يا صغيرتي ، لننظف هذه الأسماك ، ونخلصها مما تعانيه .


      " 3 "
ــــــــــــــــــــــ
    اصطفت الأسماك بانتظام ، وأخذت السمكة المنظفة وابنتاها بتنظيفها ، وذلك بالتقاط كل ما علق بجلودها وأفواهها وزعانفها من بكتريا وآفات وطفيليات .
وارتج الماء بعنف ، فسارعت الأسماك بالفرار ، واشتعلت عينا السمكة الصغيرة غضباً ، لكنها لم تتفوه بملمة ، ورمقت الابنة الأخرى أمها بنظرة خاطفة ، وقالت : جاء القرش .
فقالت السمكة المنظفة : لا عليك ، سأنظفه بنفسي .
ثم رفعت عينيها إلى القرش ، وقالت : تفضل هنا ، يا سيدي .
وتوقف القرش ، محدقاً في السمكة الصغيرة ، وقال : أريد أن تنظفني هذه الصغيرة .
وانحنت السمكة المنظفة ، وقالت : هذا شرف كبير ، يا سيدي .
وأشارت للسمكة الصغيرة ، أن تتقدم من القرش ، لكن السمكة الصغيرة ظلت واقفة في مكانها ، فأسرعت أمها إليها ، وقالت هامسة : هيا ، يا بنيتي ، السيد ينتظرك .
فردت السمكة الصغيرة قائلة : لينتظر .
وخرست السمكة المنظفة مرتاعة ، وحدق القرش في السمكة المنظفة ، وقال : تعالي نظفي .. الوحش .
فهزت السمكة الصغيرة رأسها ، وقالت : كلا .
وشهقت السمكة المنظفة متمتمة : أيتها المجنونة .
ثم اقتربت من القرش ، وقالت : سامحها ، يا سيدي ، إنها صغيرة ، سأنظفك بنفسي .
لم يلتفت القرش إليها ، وقال بحدة : لم يقل لي أحد من قبل .. كلا .
واستدار ضارباً الماء بذنبه ، وقال : حسن ، ستندمين .

      " 4 "
ـــــــــــــــــــــــ
    مضت السمكة الصغيرة تشق الماء باتجاه الجدار المرجاني ، وأسرعت السمكة المنظفة في إثرها ، فصاحت الابنة الأخرى متذمرة : سيأكلنا القرش الواحدة بعد الأخرى ، بسبب هذه الرعناء .
وأدركتها السمكة المنظفة ، واعترضتها قائلة : ماذا دهاك اليوم ؟ أخبريني .
وتوقفت السمكة الصغيرة ، وقالت : لا أدري ، يا ماما ، لم أتمالك نفسي أمام فعلته ، فصحتُ في وجهه ، أنت وحش .
وجحظت عينا السمكة المنظفة رعباً ، فتابعت السمكة الصغيرة قائلة : تصوري ، لقد هاجم سمكة ، يوشك بيضها أن يفقس ، والتهمها ، إن الأسماك الصغيرة ستهلك ، يا ماما .
وانطلقت السمكة الصغيرة ، وهي تنشج باكية ، وراحت أمها تنظر إليها من خلال دموعها ، دون أن تدري أنها تراها للمرة الأخيرة .


     " 5 "
ـــــــــــــــــــــ
   اختفت السمكة الصغيرة ، وبحثت السمكة المنظفة عنها أياماً طويلة ، دون أن تعثر لها على أثر .
وتراءى لها القرش ، يضرب الماء بذنبه ، ويقول متوعداً : ستندمين .
وخشيت أن يكون قد نفذ وعيده ، وفتك بها ، لكن سمكة جاءت من بعيد ، أخبرتها بأنها رأت السمكة الصغيرة ، تجتاز الجدار المرجاني ، وتمضي بعيداً ،  وتنهدت السمكة المنظفة ، فمن يدري ، لعل بنيتها الصغيرة مضت تبحث عن عالم خال من القروش .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق