الاثنين، 26 يونيو 2017

"الحقيقة " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



الحقيقة
   طلال حسن

    تسللتُ مع الفجر ، نحو البركة ، التي كانت تعج بمختلف أنواع الأسماك ، وكمنتُ خلف شجرة ضخمة ، ورحتُ أراقب البركة .
منذ سبعة أيام ، لا ، ربما خمسة أيام ، أم إنها ستة أيام؟ لستُ متأكداً ، المهم منذ ذلك اليوم ، وأنا أتسلل إلى هذه الشجرة الضخمة ، وأكمن خلفها ، لأعرف الحقيقة ، فأنا .. أنا أريد الحقيقة .
لقد قالت لي ماما : السمك ، لا يعيش إلا في الماء .
هذا صحيح ، وقالت لي جدتي : السمك لا يتنفس إلا الهواء المذاب في الماء .
وهذا أيضاً صحيح ، أما جدي فقد قال لي : السمك إذا خرج من الماء يموت في الحال .
وهذا أيضاً صحيح ، لكن دبدوبة ، ودبدوبة لا تكذب ، قالت لي : هناك سمكة تعيش في البركة ، تخرج من الماء ، وتزحف على الشاطىء ، بل وتصعد إلى الشجرة ، وتأكل ما في الأعشاش من بيض أو فراخ صغيرة ، ثم تعود إلى البركة .
أهذا ممكن ؟ ربما ، مادامت دبدوبة تقول : " إنني رأيتها بنفسي ، على ضوء القمر ، تخرج من البركة ، و .. " يا لدبدوبة ، إنها تخاف من ظلها ، فما الذي أتى بها ليلاً ، إلى هذا المكان الموحش ؟
لابدّ أن دبدوبة قد جُنت ، فهي ترى أحياناً ما لا أراه ، فذات مرة ، قالت بأنها رأت بومة ، تطير في رابعة النهار ، بومة في النهار ؟ آه دبدوبة .
واتسعت عيناي فجأة ، وكاد قلبي أن يتوقف ، فقد رأيت سمكة تبرز من أعماق البركة ، وتقترب من الشاطىء  ، وكتمتُ أنفاسي ، ورحتُ أراقبها ، إنها سمكة حقيقية ، وليس شبحاً ، أيعقل هذا ؟
وخرجت السمكة من البركة ، وزحفت على الشاطىء ، ثم صعدت إحدى الأشجار ، وسرعان ما سمعتُ العصفورة تصيح بصوت باكٍ : ابتعدي عن بيضي ، ابتعدي ، ابتعدي .
ويبدو أن السمكة لم تبتعد عن البيض ، فقد راحت العصفورة تبكي وتصيح : أيتها المجرمة ، أكلتِ بيضي للمرة الثانية ، لن أبقى في هذه الشجرة ، سأهاجر ، سأهاجر ، سأهاجر .
ونزلت السمكة من الشجرة ، واتجهت نحو البركة ، فخرجتُ من مخبئي خلف الشجرة الضخمة ، واعترضتها غاضبة .
وفوجئت السمكة ، فتوقفت قائلة : دبدوب !
يا لي من أحمق ، لابدّ أن دبدوبة قد حدثتها عني ، لكن من يقول إنها سمكة حقيقية ، وليست شبحاً ؟ ومددت إصبعي نحوها ، فتراجعت قائلة : لا تلمسني .
وبدل أن ألمسها بإصبعي ، أمسكتها بكلتا يديّ ، وقلتُ : سآخذك إلى العمة دبة ، لتفحصكِ جيداً ، وتحدثني عنكِ ، وعن حقيقتكِ .
وانتفضت السمكة بعنف ، وانزلقت من بين يدي ، وسقطت فوق رمال الشاطىء ، وحاولت أن ألحق بها ، إلا أنها انسابت بسرعة في ماء البركة ، وسرعان ما غاصت إلى الأعماق .
وعدتُ مهموماً إلى البيت ، لابد لي أن ألتقي اليوم بالعمة دبة ، وأعرف منها الحقيقة ، فهي وحدها التي تعرف كلّ شيء عن الكائنات الحية ، و ..
وارتطمتُ بتل من اللحم الرجراج ، ورفعت عينيّ مندهشاً ، وهتفتُ : العمة دبة  !
وابتسمت العمة دبة ، وقالت : أراكَ مشغولاً ، يا دبدوب ، حدثني عما يشغلكَ .
وحدثتها ، حدثتها عما قالته ماما وجدتي وجدي ، وكذلك ما قالته دبدوبة ، ثم حدثتها عن السمكة الشبح ، وما جرى لي معها ، فقالت العمة دبة : دبدوب ، السمك فعلاً لا يعيش إلا في الماء ، ولا يتنفس إلا الهواء المذاب في الماء ، ويموت إذا خرج من الماء ، عدا ..
وتمتمت متسائلاً : عدا  !
وتابعت العمة دبة قائلة : نعم ، عدا الأسماك الرئوية ، فهي تخرج من الماء ، وتتنفس الهواء الطلق ، بل وتصعد إلى الأشجار ، كما قالت دبدوبة .
آه .. عدا ، لم يقل لي أحد .. عدا هذه ، لا أمي ، ولا جدتي ، ولا جدي ، ولا حتى دبدوبة ، لا .. دبدوبة قالت عن السمكة الغريبة ، لكنها لم تقل عدا ، مع هذا دبدوبة لم تكذب ، ولا تكذب ، وما قالته هو الحقيقة ، نعم ، هناك .. عدا .
                                   27 / 4 / 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق