الثلاثاء، 13 يونيو 2017

"البحر" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



البحر
بقلم: طلال حسن

   السمكة الصغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
   خرجت السمكة الصغيرة من مخبئها ، ومضت تشق المياه نحو مجموعة من النباتات البحرية المتشابكة ، لتتناول غذاءها .
ومرت بجارتها السمكة العجوز ، التي كانت تقف في مدخل مخبئها ، فحيتها قائلة : صباح الخير .
وتطلعت جارتها العجوز إليها بعينيها الكليلتين ، وردت قائلة : صباح النور .
ثم تساءلت بصوت شائخ : إلى أين تذهبين ، يا عزيزتي؟
فقالت السمكة الصغيرة : إنني جائعة ، سأذهب إلى تلك النباتات البحرية ، وأتناول غذائي .
وابتسمت السمكة العجوز ، وقالت : أنت سمكة صغيرة ، تمتعي بحياتك ، هيا اذهبي ، صحبتك السلامة .
وذهبت السمكة الصغيرة مسرعة ، فلوحت لها السمكة العجوز ، وقالت : تعالي في أي وقت ، يا عزيزتي ، إذا احتجتني في شيء ، فأنا أحبك ، وأرتاح إليك .

   أبو سيف
ـــــــــــــــــ
   لم تتوغل السمكة الصغيرة بين النباتان البحرية ، بل راحت تسبح ببطء على حافاتها ، قاضمة نتفة من هنا ، ونتفة من هناك ، حتى كادت تشبع .
وحانت منها نظرة إلى الجهة المقابلة ، فلمحت من بعيد ، فوجاً من أسماك الرنجة ، تسبح متراصة كأنها كتلة واحدة .
وفجأة ظهرت سمكة ضخمة ، لها سيف طويل في مقدمة رأسها ، واندفعت وسط هذه الأسماك ، وعملت فيها سيفها يميناً ويساراً ، فمزقت أعداداً كبيرة منها ، ولاذ الناجون بالفرار .
ومن مكانها ، رأت السمكة الصغيرة ، وقلبها يخفق رعباً ، سمكة " أبو سيف " تأكل القليل من تلك الأسماك الممزقة ، ثم تترك الباقي ، وتمضي مبتعدة ، لا تلوي على شيء .

   القرش
ـــــــــــــــ
   تركت السمكة الصغيرة النباتات البحرية ، رغم أنها لم تشبع بعد ، وقفلت راجعة إلى مخبئها ، ولاحت على البعد مجموعة من الأسماك الصغيرة ، تسبح معاً في هدوء واطمئنان .
وأرادت السمكة الصغيرة أن تسرع نحوها ، وتحذرها من " أبو سيف " ، وما يمكن أن يلحق بها ، لو ظهر ثانية ، واندفع وسطها بسيفه الطويل الرهيب .
وبدل " أبو سيف " ظهر قرش طويل ، ضخم ، أخذ يهاجم الأسماك الصغيرة ، ضارباً إياها بذيله في عنف ، حتى صعقها ، وراح يلتهمها مجموعة بعد مجموعة .

   الإخطبوط
ـــــــــــــــــــــــ
   مضت السمكة الصغيرة ، تشق المياه مسرعة نحو مخبئها ، فقد ضاق صدرها بما رأت من العنف والمجازر .
ومن بعيد ، رأت سلطعوناً يخرج من بين الأعشاب البحرية ، ويسير ببطء وحذر في قاع البحر ، وفتحت فمها ، وهمت أن تهتف به ، وتحذره من " أبو سيف " والقرش ، لكنها وقفت مترددة ، ثم لاذت بالصمت ، لقد خشيت أن يسمعها " أبو سيف " أو القرش ، أو أي كائن متوحش مثلهما ، ويفتك بها .
ولم يطل صمتها ، فقد تغلبت على ترددها ، وهتفت محذرة : أيها السلطعون ..
وقبل أن تكمل هتافها ، اندفع إخطبوط من بين الصخور ، وانقض على السلطعون ، ناشراً حوله أذرعه الثمانية ، وقبض عليه بمنقاره ، وحمله مسرعاً إلى مخبئه .
   
   الحوت القاتل
ـــــــــــــــــــــــــ
   جمدت السمكة الصغيرة في مكانها ، وقد شلها ما رأت ، وتلفتت متسائلة : ما العمل ؟
وتذكرت جارتها السمكة العجوز ، فقررت أن تذهب أليها ، وتبثها همومها ، وهنا ارتج الماء بعنف ، وأقبل كائن ضخم يشبه الدولفين ، وأخذ يحوم حولها ، فصاحت متوسلة : أرجوك ، لا تأكلني ، إنني ـ كما ترى ـ سمكة صغيرة جداً .
وتوقف الكائن الضخم على مقربة منها ، وقال : اطمئني ، إنني حوت رضيع ، وغذائي هو حليب أمي .
وسكت لحظة محدقاً فيها ، ثم قال : أراك حزينة ، خائفة ، ما الأمر ؟
فردت السمكة الصغيرة قائلة : خرجت اليوم من مخبئي لأتناول طعامي ، فرأيت الأهوال من كائنات بحرية مثل " أبوسيف " والقرش والإخطبوط .
وحكت بالتفصيل ما رأت ، فاحتد الحوت الصغير ، وقال غاضباً : الويل للقتلة ، أعدك بأني سأقتلهم جميعاً حين أكبر .
وتناهى صوت من بعيد ، فانطلق الحوت الصغير ، وهو يقول : هذه أمي ، إنها تناديني ، إلى اللقاء .

  السمكة العجوز
ـــــــــــــــــــــــــــ
   أسرعت السمكة الصغيرة إلى جارتها السمكة العجوز ، وقد أراحها قليلاً ما وعدها به الحوت الصغير ، وحدثتها عن " أبوسيف " والقرش والأخطبوط ، وكذلك الحوت الصغير ، ووعده له بالانتقام من أولئك القتلة ، فقالت السمكة العجوز : صفي لي ، يا بنيتي ، هذا الحوت المنقذ .
لم ترتح السمكة الصغيرة لنبرة صوتها ، لكنها قالت : إنه حوت جميل ، طيب ، يشبه الدولفين ، له لونان أسود وأبيض .
وهزت السمكة العجوز رأسها ، فصمتت السمكة الصغيرة ، ثم تساءلت : ما الأمر ؟
فردت السمكة العجوز قائلة : بنيتي ، هذا الحوت الجميل ، الطيب ، هو .. الحوت القاتل .
وتمتمت السمكة الصغيرة : الحوت القاتل !
وتابعت السمكة العجوز قائلة : وهو أكثر قتلة البحار قوة ، وشراسة ، ودموية ، تخافه حتى الحيتان الضخمة القوية .
وأطرقت السمكة الصغيرة رأسها ، وقد استبد بها الحزن واليأس ، فاقتربت منها جارتها السمك العجوز ، وأشارت إلى ما حولها ، وقالت بصوت هادىء : عزيزتي ، أنظري .
ونظرت السمكة الصغيرة حولها ، دون أن تتفوه بكلمة ، فتساءلت السمكة العجوز : ماذا ترين ؟
لم تجب السمكة الصغيرة ، فتابعت السمكة العجوز قائلة : أسماك كثيرة وكائنات مختلفة ، ونباتات كثيفة ومتنوعة ، وقواقع ، ومرجان ، ورمال ، وصخور .. و .. و .. صحيح هناك أبو سيف والقرش والإخطبوط والحوت القاتل وغيرهم كثيرون ، لكن الحياة أقوى منهم .. ولهذا فأنها مستمرة ، وستبقى مستمرة ، وسنبقى نحن أيضاً ، مهما كنا صغاراً ، إذا التزمنا الحذر .
     
 السمكة الصغيرة
ـــــــــــــــــــــــــــ
   في اليوم التالي ، خرجت السمكة الصغيرة من مخبئها مبكرة ، ومضت تشق المياه نحو مجموعة من النباتات البحرية المتشابكة ، لتتناول غذاءها  .
ومرت بجارتها السمكة العجوز ، التي كانت تقف كالعادة في مدخل مخبئها ، فحيتها قائلة : صباح الخير .
وتطلعت إليها السمكة العجوز مبتسمة ، وقالت : صباح النور ، تذكري ما قلته لك .
واندفعت السمكة الصغيرة فرحة ، نحو النباتات البحرية ، وهي تلوح للسمكة العجوز ، وتقول : لن أنساه ، يا جدتي ، لن أنساه ، إلى اللقاء .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق