الثلاثاء، 9 مايو 2017

"وادي السلام" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



وادي السلام
بقلم: طلال حسن
   1
ــــــــــ
لسبب لا تدريه ، ولم تحاول أن تدريه ، فقست للديناصورة ذات الرأس الصغير ، بيضة واحدة من بيضها الذي وضعته قبل فترة لا تدريها .
ورغم أن الديناصورات ، التي تأكل الأعشاب ، كانت تسميها الديناصورات الحمقاء ، إلا أنها كانت تهتم اهتماماً كبيراً بصغيرها ، وتوفر له ما تحتاجه وما يحبه من الأعشاب الطرية .
ومنذ أن بدأ صغيرها يعي قليلاً ، ويتعرف إلى بعض ما حوله من نباتات وحيوانات ، حرصت أمه أن تقول له : بنيّ ، أنت ديناصور عشبي .
فيهز رأسه الصغير ، الذي يشبه رأسها الصغير ، ويقول لها : أعرف ، يا ماما ، فأنا آكل كلّ يوم ما تأتيني به فقط من أعشاب طرية ولذيذة .
فقالت له أمه : أقول لك هذا ، لأن بعض الديناصورات لا تأكل الأعشاب .
ونظر إليها مندهشاً ، وقال : ماذا تأكل إذن ؟
فقالت له : تأكل اللحوم .
وفغر فاه مفكراً ، لم يعرف بالضبط ما تعنيه أمه ، وهذا ما أدركته أمه ، فأضافت قائلة : نحن لحوم .
وفغر فاه أكثر ، لم يفهم تماماً ما تعنيه ، فقالت بنفاد صبر : أي يأكلوننا نحن الديناصورات ، التي تأكل الأعشاب فقط .
ولاذ الديناصور ذو الرأس الصغير بالصمت ، ثم قال : آه ، أي أنهم يأكلون العشب من خلالنا ، إذن لماذا لا يأكلون الأعشاب مباشرة ؟
لم ترد الأم عليه ، وإنما استدارت ، ومضت مدمدمة وهي تقول : ابقَ هنا ، لا تخرج من الوكر ، حتى أعود ، واكتفِ بالعشب الذي تأكله .

   2
ـــــــــ
    غفا الديناصور ذو الرأس الصغير عدة مرات ، منذ أن خرجت أمه من الوكر ، وأدرك أن أمه لم تعد ، إذ شعر بالجوع ، فاعتدل قليلاً ، وتمتم : ماما .
ولو كانت أمه موجودة ، لأسرعت إليه ، ومسدت على رأسه الصغير ، وقدمت له العشب الندي ، الذي يحب أن يتناوله ، في جميع الأوقات .
ولأن أمه لم ترد عليه ، نهض متثائباً من مكانه ، وأطل من مدخل الوكر ، لعله يرى أمه قادمة ، وسار قليلاً مبتعداً عن المدخل ، ثم توقف ، وصاح : ماما .
انتظر ، مصيخاً السمع ، ولم يأته رد من أمه ، فرفع رأسه الصغير ، وصاح بأعلى صوته بنبرة مجروحة : ماما .. ماما .
وعلى صوته المجروح ، خرج قنفذ من بيته ، الذي حفره في أصل شجرة ضخمة ، وقال له : يبدو أن أمك ، لم تعد بعد ، أيها الصغير .
فرد الديناصور ذو الرأس الصغير ، دون أن ينظر إليه : أيها القنفذ ، إنني جائع .
فقال القنفذ : الأعشاب كثيرة في الجوار ، فتجول ، وكل منها حتى تشبع .
ونظر الديناصور ذو الرأس الصغير إليه ، وقال : لكن ماما قالت لي ، لا تبتعد عن الوكر .
فقال القنفذ : الأعشاب ليست بعيدة ، كل منها ، ريثما تعود أمك .
وتلفت الديناصور ذو الرأس الصغير حوله ، وقال وهو يسير متردداً : أشكرك ، كيف لم أفكر في هذا ، يا لي من ديناصور مغفل .
وهزّ القنفذ رأسه ، وصاح به مبتسماً : كن حذراً ، ولا تبتعد ، فأعداؤك كثيرون ، في هذه المنطقة .

   3
ــــــــ 
    سار متوغلاً بين الأشجار ، وهو يرهف السمع ، فأمه أوصته وكذلك القنفذ أن يكون حذراً ، فأعداؤه كثيرون ، ترى من هم أعداؤه ؟ هذا ما لا يعرفه بالضبط .
ورأى بعض الأعشاب ، التي نداها ندى الصباح ، فأحنى رأسه الصغير ، وراح يأكل بشهية ، وفكر أن يأتي إلى هنا ، كلما طال غياب أمه ، ويأكل حتى يشبع فهو كما قال القنفذ ، لم يعد صغيراً .
وانتقل من مكان إلى مكان ، دون أن يشعر بأنه يبتعد عن الوكر ، ورأسه الصغير قريب من الأعشاب التي راح يقضم منها بشراهة .
وتوقف حين شعر بأنه اصطدم بشيء صلب بعض الشيء ، أهو شجرة ضخمة ؟ أم ..؟ ورفع رأسه الصغير ، وإذا ديناصور ضخم جداً ، يحدق فيه غاضباً ، وقال : يبدو أنك أعمى .
ورد الديناصور قائلاً : لا ، لست أعمى ، وإنما كنت أكل ، إنني جائع .
وغالب الديناصور الضخم ابتسامته ، وقال : حقاً أنت ديناصور أبله .
وصمت لحظة ، ثم قال : أنت مازلت صغيراً ، عد إلى الوكر ، فهو أكثر أمناً لكَ .
ونظر الديناصور الصغير إليه ، وقال : لكن القنفذ قال لي ، إنني لم أعد صغيراً .
وارتفع صوت مخيف من بعيد ، فقال الديناصور : هذا ديناصور متوحش ، سفاك للدماء ، لعله تي ـ ركس ، عد إلى الوكر ، هيا بسرعة .
فقال الديناصور الصغير ، دون أن يتحرك من مكانه : أنت ألطف ديناصور رأيته في حياتي ، رغم أنك ديناصور كبير ، كبير جداً .
ودفعه الديناصور الضخم برفق ، وقال له : عد إلى وكرك ، أنا ديناصور عشبي مثلك .
وارتفع الصوت البشع ثانية ، وهذه المرة من مكان اقرب ، فتلفت الديناصور الضخم حوله خائفاً ، ثم أسرع مبتعداً بعكس مصدر الصوت ، عندئذ أسرع الديناصور الصغير عائداً إلى الوكر .


4 
ـــــــ
لم تعد أمه ذلك اليوم ، ولأول مرة في حياته ، ينام في الوكر وحيداً ، ولو لم يخرج إلى الغابة ، ويتناول بعض الأعشاب ، لتضور من الجوع تلك الليلة .
في اليوم التالي ، والأيام التي تلته ، اضطر الديناصور  للخروج من الوكر ، والبحث عما يأكله في الجوار ، وكلما تذكر أمه ، لامها لأنها تركته ، ومضت لتعيش وحدها ، ولم يخطر له ، أن أمه يمكن أن يكون قد فتك بها وحش قاتل من وحوش الغابة ، وافترسها .
ومع مرور الأيام والأسابيع والأشهر ، راح الديناصور الصغير ينمو بسرعة ، ولكن ، وكما قال له القنفذ ، فان رأسه لم ينمُ ، ولن ينمو ، ترى ماذا كان يعني ذلك القنفذ العجوز ؟  مهما يكن فهو جاره ، وصديق أمه ، وهو قنفذ عجوز طيب للغاية .
وذات أمسية ، وبعد أن امتلأت بطنه بالأعشاب ، التي تناولها طوال النهار ، أراد أن يعود إلى الوكر ، فسار متمهلاً بين الأشجار ، لكنه توقف ، حين سمع وقع أقدام ثقيلة ، تقترب منه ، ترى من يكون ؟
ورغم رأسه الصغير ، أدرك أن عليه أن يهرب ويختبئ وراء شجرة ريثما يبتعد هذا الوحش ، لكنه بدل أن يهرب ، اختبأ وراء شجرة ضخمة ، وقلبه يخفق بشدة من الخوف .
وكاد يصعق ، ويغمى عليه ، حين برز ديناصور ضخم جداً ، وتوقف على مقرب من الشجرة التي يختبئ وراءها ، وفتح فمه ، يا للهول ، أسنان كثيرة ، كثيرة جداً ، كأنها الخناجر ، وأغمض عينيه المرعوبتين ، فنهايته مؤكدة ، إذا أحس به هذا الوحش .
إلا أن الوحش ، وربما كان من نوع تي ـ ركس ، ولحسن الحظ ، لم ينتبه إلى وجوده  وراء الشجرة ، فسار مبتعداً ، وخطواته الثقيلة تهز الغابة .
وفتح عينيه الخائفتين ، نعم ، لقد ذهب الديناصور لكن  الشمس ذهبت معه أيضا ، وحل بدلها فوق الغابة ظلام كثيف ، آه انه الليل ، فكيف يستطيع أن يعود إلى وكره ، وفكر ، لا بأس ، انه لم يعد صغيراً ، فليبتْ ليلته هنا ، ويعود غداً إلى الوكر .

5
ـــــــ
    لأنه متعب ، والاهم لأنه شبعان تماماً ، فقد استغرق في النوم ، حالما اضطجع تحت إحدى الأشجار الضخمة ، وراح يغط بصوت مرتفع .
وفي منامه رأى أمه ، والقنفذ العجوز ، والديناصور العشبي ، وكذلك الديناصور الأخير ، أهو حقاً من نوع الديناصور القاتل تي ـ ركس ؟
وفزّ من نومه خائفاً ، وعلى ضوء القمر ، رأى ديناصوراً غريباً ، صغيراً حتى بالنسبة إليه ، له عينان كبيرتان ، ويدان صغيرتان ، وأسنان قوية ، خارقة ، ترى من يكون ؟
واعتدل الديناصور ، ونظر إليه ، وقال : فاجأني الليل ، ولم أستطع العودة إلى الوكر ، فنمت هنا .
وابتسم الديناصور الغريب ، وقال : لو لم يكن رأسك صغيراً ، لما فاجأك الليل .
وحدق الديناصور فيه ، ترى ماذا يعني ، فتابع الديناصور الغريب قائلاً : أنت ديناصور عشبي ، ووجودك هنا ، في الليل خطر .
وقال الديناصور : لكنك أنت أيضاً هنا في هذا المكان الخطر ، وأنت تشبهني .
وفتح الديناصور الغريب فمه ، وبدت أسنانه الحادة على ضوء القمر ، وطقطق بأسنانه ، وقال : أنا لا أشبهك تماماً ، فأنا أكل الأعشاب ، وكذلك أكل اللحوم .
ونهض الديناصور ، وتراجع إلى الوراء خائفاً وهو يتمتم : ماذا ! اللحوم .
واقترب الديناصور الغريب منه ، وقال : اطمئن ، لن أكلك ، فأنا أكل الطرائد الصغيرة ، ولكن هنا في الجوار ، من يتمنى أن يراك ، ويسد بك جوعه .
وتمتم الديناصور خائفاً : ماما .
وضحك الديناصور الغريب ، وقال : لن تسمعك ماما ، تعال ، سآخذك إلى وكرك .
وعلى ضوء القمر ، سار الديناصور ، والى جانبه سار الديناصور الغريب ، وعند مدخل الوكر ، توقف الديناصور الغريب ، وقال : أنصحك ، وانصح رأسك الصغير ، أن تكون حذراً ، وأن لا تبقى خلال الليل ، خارج الوكر .

  6
ــــــ
رغم خوفه الشديد من الديناصورات اللاحمة ،  وكذلك من الوحوش الأخرى وكلها لاحمة ، والتي لم يعرفها ، ولم يرها حتى الآن ، كان يغادر وكره ، صباح كل يوم ، وإلا كيف يأكل ، وأمه غابت ، وربما لن تعود ؟
لكنه عملاً بنصيحة أمه ، والقنفذ العجوز ، والديناصور الضخم العشبي ، وكذلك الديناصور الغريب ، كان حذراً ، يخفض رأسه ، ويأكل من العشب الندي ، لكن أذنيه المرهفتين تنصتان إلى ما يدور حوله .
وذات يوم ، فوجئ بديناصوره فتية من نوعه ، تقبل عليه ، وتقول : طاب يومك .
ورفع الديناصور رأسه الصغير إليها ، وقال : أهلاً ومرحباً .
وضحكت الديناصورة الفتية ، وقالت بصوت مرح : راقبتك فترة ، أنت من نوعي ، ولكن يبدو أن رأسك أصغر من رأسي .
وهمهم مفكراً ، أيغضب أم لا ، لماذا يغضب ؟ ولماذا لا يغضب ؟ فاقتربت منه الديناصورة ، وقالت : ادعني إلى الطعام ، أنا ضيفتك هنا .
وابتسم الديناصور ، وقال : تفضلي فلنأكل معاً ، الأعشاب كثيرة .
وأحنت رأسها الصغير إلى جانبه ، وراحت تأكل ، من العشب الندي ، وقالت : لكن للأسف ، الأعداء أيضاً هنا كثيرون ، وخطرون للغاية .
وطوال ساعات وساعات ، راحا يتجولان معاً في أرجاء الغابة ، وهما منهمكان في تناول الأعشاب الندية ، وتبادل الأحاديث المختلفة ، وانتبه الديناصور إلى أن الشمس تكاد تغرب ، فقال : يا ويلي ، جاء الليل ، ووكري بعيد عن هذا المكان .
فضحكت الديناصورة ، وقالت : لا عليك ، وكري قريب ، أنت ضيفي هذه الليلة
  7
ـــــــ
    جلسا في مدخل الوكر ، والقمر يطل عليهما من أعالي الأشجار ، وتطلع الديناصور حوله ، فقالت الديناصورة بصوت هادىء : أعتقد أنك ترى أن وكري جميل ومريح .
فنظر الديناصور إليها ، وقال : وكري لا يقل جمالاً عن وكرك هذا ، ثم إنه قريب من البحيرة .
وقالت الديناصورة بنبرة حيية ك: إذا أعجبك وكري ، فأنا أرحب بك فيه .
ونظر ثانية إليها ، وقال : سواء في وكري ، أو في وكرك ، المهم أن نعيش معاً .
وتنهدت الديناصورة ، وقالت : آه الحياة جميلة ، لولا هذه الوحوش القاتلة ، التي تتربص بنا دائماً .
فقال الديناصور : هذه حياتنا ، ويجب أن نقبل بها .
وصمتت الديناصورة ، ووضعت وجهها بين كفيها ، وقالت : حدثتني أمي الراحلة ذات مرة ، عن وادٍ واسع  وجميل ، يقع وراء هذه الجبال ، تعيش فيه ديناصورات عشبية فقط ، ولا ينغص عيشها أي وحش قاتل .
وقال الديناصور بصوت حالم : آه لو نعيش في مثل هذا الوادي الحلم .
وهنا ارتفعت ضجة بين الأشجار ، فهب الديناصور واقفاً ، وقال : لندخل الوكر ، هيا بسرعة .
وهبت الديناصورة بدورها ، وقالت : أخشى أن الوحش القاتل تي ـ ركس ، يعرف مكان الوكر ، فيقتحمه علينا ، ويفترسنا معاً .
ومدت يدها ، وأمسكت بيده ، وأسرعت مبتعدة به عن باب الوكر ، وهي تقول بصوت مضطرب خائف : تعال ، تعال نختبىء بين الأشجار .
ولم يكادا يبتعدان ، حتى أقبل ديناصور ضخم ، متوحش ، ذو فم واسع مدجج بأسنان كثيرة قاتلة ، ولما لم يجدهما عند المدخل ، اقتحم الوكر ، وهو يصيح بصوت رهيب ، وأطل الديناصور ذو الرأس الصغير ، من وراء إحدى الأشجار ، وقال : يا له من وحش رهيب .
ومدت الديناصورة يدها ، وسحبته بقوة ، وقالت : تعال ، لو رآك فسيفتك بنا معاً .
وبعد قليل ، خرج الديناصور الضخم من الوكر ، وتوقف على مقربة من الباب ، وراح يتلفت يميناً ويساراً ، ثم مضى مبتعداً ، وهو يطلق صيحاته الرهيبة .




   8
ـــــــــ
    تسللا من وراء الشجرة ، التي كانا يتواريا خلفها ، وسارا يتخبطان بين الأشجار ، يشل خطواتهما الخوف والقلق ، وكأن الغابة كلها صراخ ديناصورات ضخمة متوحشة ، تسعى للفتك بهما .
وتوقفا في أجمة كثيفة الأشجار ، وقالت الديناصورة : آه .. لقد تعبت ، لم أعد أقوى على السير .
وقال الديناصور لاهثاً : لنسترح هنا قليلاً .
وجلسا متعبين بين الأشجار ، وسرعان ما استولى عليهما النعاس ، فاستغرقا في النوم جنباً إلى جنب ، وقد هدأت أنفاسهما ، التي تقطعت من التعب .
وفزا ، وقد أشرقت الشمس ، على أصوات مضطربة ، خائفة ، تصدر من خارج الأجمة ، فأطلا برأسيهما من بين الأشجار ، وإذا غزال يركض مذعوراً ، وفي أثره يركض سمايلون شرس ، وناباه الخنجران القاتلان ، يبرزان من فمه .
وتراجع الديناصور إلى الوراء ، وقال : أرأيت هذا الوحش اللعين ، إنه سيقتل الغزال حتماً .
فانسحبت الديناصورة قليلاً ، وقالت : إنه السمايلدون ، وهو وحش لاحم .
وقبل أن تنهي كلامها ، تناهى إليها وقع أقدام ثقيلة ، فأصاخا السمع ، وقال الديناصور : اسمعي ، أخشى أن يكون ديناصوراً لاحماً .
وقالت الديناصورة ، وهي تطل برأسها من بين الأشجار : كلا ، لا أظنه ديناصوراً .
ونظرت عبر الأشجار ، وقالت : تعال انظر ، إنه طائر ، طائر التيتانيس .
ونظر الديناصور الفتيّ ، وإذا كائن هائل الحجم ، له جناحان صغيران ، فقال : هذا طائر !
فقالت الديناصورة الفتية : طائر لكنه لا يطير ، لأن جناحيه صغيران ، وهو شرس جداً ، ومفترس ، وخاصة الكائنات الصغيرة مثل الغزلان .
وتلفت الطائر الضخم حوله ، ثم استدار ، وعاد من حيث أتى ، فقال الديناصور الفتي : لقد ولى هذا الطائر الوحشيّ اللعين .
فقالت الديناصورة الفتية : الطريق آمن الآن ، لنذهب بسرعة إلى الوكر .





   9
ـــــــــ
    تمددا في الوكر جنباً إلى جنب ، وهما يشعران بالتعب ، فطوال نهار ذلك اليوم ، وحتى الآن ، لم يحظيا بقليل من النوم في مكان آمن ، يريحهما من التعب .
وتنهد الديناصور ، وقال : إنه الليل .
وقالت الديناصورة : تقول أمي ، إن القمر في وادي السلام قلما يغيب في الليل ، وإذا غاب ، فإن النجوم تضيء وكأنها القمر .
وارتفع من بعيد صوت أحد الديناصورات الفتية ، إنه الديناصور تي ـ ركس ، فقالت الديناصورة : على الأقل ، نخلص من تي ـ ركس والنمر السياف ، إذا ذهبنا إلى الوادي .
ولاذ الديناصور الفتي بالصمت ، فقالت الديناصورة الفتية : إذا كان ذلك الوادي ، يسمى وادي السلام ، فإن هذا الوادي هو وادي الجحيم .
والتفت الديناصور الفتيّ إليها ، وقال : لا تنسي إن آباءنا وأجدادنا عاشوا هنا .
وصمتت الديناصورة لحظة ، ثم قالت : إن بعضهم ، إن لم يكن أغلبهم ، افترستهم الحيوانات اللاحمة ، بعد أن عانوا طويلاً من الظلم ، والمطارداة القاتلة .
وتابع الديناصور قائلاً ، وكأنه لم يسمع ما قالته الديناصورة الفتية : لا أظن أن في العالم كله ، غابة أجمل من غابتنا ، وبحيرة أجمل من بحيرتنا ، وسماء أجمل من سمائنا ,
وصمت لحظة ، ثم قال : ويكفي أنني تعرفت عليك هنا ، في هذه الغابة .
ولاذت الديناصورة بالصمت ، فمد يده ، وأمسك بيدها ، فقالت : لقد حلمت أمي بالذهاب إلى وادي السلام ، قبل أن يهاجمها تي ـ ركس ، ويفتك بها .
فقال الديناصور الفتي : وسيبقى هذا حلمنا ، ولكن مادمنا هنا ، فلنكن حذرين ، ونتمتع بحياتنا ، مهما كانت صعبة ومحفوفة بالمخاطر .
وسكت الديناصور الفتيّ ، عندما هدأت الديناصورة الفتية ، وانتظمت أنفاسها ، فأدرك أنها استغرقت في النوم ، فقال في نفسه : لقد نامت ، فلأنم أنا أيضاً ، آه لا أجمل من غابتنا حقاً ، لولا ..
وهدأت أنفاسه هو الآخر ، وراح في سبات عميق ، وفي منامه ، كان هو والديناصورة الفتية ، يجلسان جنباً إلى جنب في باب الوكر ، والقمر يطل عليهما من فوق الأشجار .  
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق