الاثنين، 15 مايو 2017

"الديناصور" رواية للأطفال بقلم: طلال حسن



الديناصور
رواية للأطفال
بقلم: طلال حسن

   1
ــــــــــ
       عادت الديناصورة العشبية إلى وكرها ، عند غروب الشمس ، بعد أن تجولت طوال النهار ، في المروج المحيطة بالبحيرة ، وأكلت من عشبها الريان حتى شبعت .
وخلال هذه الفترة ، صادفت الكثير من الديناصورات من نوعها ، وكذلك من الأنواع الأخرى ، آكلة الأعشاب ، وحاذرت الديناصورات المتوحشة ، المفترسة ، التي تأكل اللحوم ، وخاصة لحوم الديناصورات ، التي تقتات على الأعشاب فقط .
وحوالي منتصف ذلك النهار ، وعلى مقربة من حافة البحيرة ، حين همت أن تشرب الماء ، وتروي عطشها ، رأت جارتها الديناصورة ، فحيتها قائلة : طاب صباحكِ ، يا جارتي العزيزة .
وردت الجارة قائلة : وصباحك ، يا جارتي العزيزة ، أرجو لك دوام الصحة والعافية والأمان .
وبعد أن شربت كفايتها من ماء البحيرة ، وهي تنصت حذرة إلى ما يدور حولها ، سألتها قائلة : كيف حال بيضك ، يا عزيزتي ؟
وردت الجارة فرحة ، وهي تتلفت حولها : بخير ، أشكرك ، أظنها ستفقس قريباً .
وارتفع صياح بشع من بين الأشجار البعيدة ، فرفعت الجارة رأسها ، وقالت : حذار ، يا عزيزتي ، هذا الديناصور تي ـ ركس ، وهو ديناصور شرس ، متوحش ، مفترس لاحم .
فتراجعت الديناصورة خائفة ، وقالت : انتبهي إليه ، يا عزيزتي ، فأنت عندك بيض يوشك أن يفقس .
وأطل القمر من أعلى الأشجار ، فتنهدت الديناصورة ، فقد تذكرت صغيرتها التي كانت تحب القمر ، والتي فتك بها الديناصور تي ـ ركس ، كما فتك بغيرها من صغار الديناصورات العشبية .

   2
ـــــــــ
فزت الديناصورة   قبيل شروق الشمس ، على صرخات متوجعة ، مستغيثة ، تصاحبها أصوات متوحشة قاتلة ، يا للويل ، كم تخشى أن يكون الديناصور تي ـ ركس يهاجم الديناصورة جارتها .
وهبت من وكرها ، وقلبها يخفق بشدة خوفا ، وقلقا ، إنها جارتها فعلا ، وفعلاً كان الديناصور تي ـ ركس يهاجمها في وكرها ، فما كان منها إلا أن تطلق سيقانها للريح ، وتلوذ بالفرار .
وتأكدت من أكثر من ديناصور وديناصورة ، خلال الساعات التالية ، بأن الديناصور تي ـ ركس ، فتك ببجارتها ، وجرها بعيدا عن وكرها ، وافترسها .
وطافت حزينة ، قلقة ، خائفة ، بين الأشجار المحيطة بالبحيرة ، دون أن تغيب جارتها وبيضها ، الذي كانت تنتظره أن يفقس ، عن بالها.
وحوالي منتصف النهار ، اتجهت بخطوات مضطربة إلى وكرها ، وهي في الحقيقة تريد أن تعرف ما جرى لبيضات جارتها المسكينة ، التي فتك بها الديناصور المفترس تي ـ ركس .
وحين اقتربت من وكرها ، تطلعت إلى وكر جارتها الديناصورة ، وحتى من بعيد ، لاحظت الدمار الذي أصابه ، وآثار المعركة الشرسة التي دارت فيه ، ولم يمنعها خوفها من دخول الوكر ، وإذا بالبيض ، وكما توقعت ، محطم ومبعثر على الأرض .
وعاينت البيض جيداً ، ولاحظت أن إحدى البيضات ، لم تصب بأذى ، فانحنت عليها ، وأخذتها إلى صدرها ، وأسرعت بها مبتعدة عن الوكر المدمر .

   3
ــــــــــ
  اتخذت الديناصورة  وكرا جديدا لها ، وسط أجمة كثيفة الأشجار ، بعيدا بعض الشيء عن البحيرة ، ووضعت بيضة جارتها الراحلة في مكان آمن فيه .
وكما لو أن البيضة ، هي بيضتها وليس بيضة جارتها  الراحلة ، فقد حدبت عليها ، وراحت تراقبها ، وترعاها ليل نهار ، فهي ، على ما قالت أمها ، قبل أن يفتك بها الديناصور تي ـ ركس ، توشك أن تفقس ، ويخرج منها ديناصور صغير .
وذات ليلة ، رقدت في وكرها مبكرة ، فقد كانت متعبة ، وقلقة ، على حياتها من جهة ، وعلى بيضة جارتها الراحلة من جهة أخرى ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، أفاقت على حركة ، خفيفة ، متخبطة ، و شاكية  و .. وفتحت عينيها ، ونظرت حيث وضعت البيضة ، وإذا ديناصور صغير ، يخرج من البيضة ، ضعيفا ، مبللا ، جميلا ، وينظر إليها ، وكأنه يغمغم : ماما .
وبحنان الأم ، أسرعت إليه ، وأخذته بين كفيها ، وتندت عيناها بالدموع ، حين تذكرت صغيرتها ، وكذلك أم الديناصور الصغير ، اللتين فتك بهما الديناصور اللاحم المتوحش تي ـ ركس .
وظلت الديناصورة مستيقظة حتى شروق الشمس ، والديناصور الصغير بين كفيها ، كأنها تدفئه من برد الليل ، وتحميه من أي خطر يمكن أن يواجهه ، ولم لا ، أليس هو الآن صغيرها ؟

   4
ــــــــــ
    خلال الأيام ، والأسابيع ، والأشهر التالية ، راح الديناصور الصغير ينمو ، ويكبر ، ويشتد عوده ، وكل ذلك بفضل الديناصورة ، التي وفرت له ، كل ما يمكن أن يحتاجه ديناصور  في عمره .
ويوما بعد يوم ، راح يزحف إلى الأشجار ، القريبة من الوكر ، ويتجول فيها راكضا ، ضاحكا ، مسرعا ،  ويتم ذلك دائماً بمرافقة الديناصورة ، التي لم يكن يغيب عن نظرها لحظة واحدة .
وكانت كلما ابتعدت عن الوكر ، بين حين وآخر ، لسبب قاهر ما ، كانت توصيه قائلة : بنيّ ، ابقَ في الوكر ، ولا تغادره حتى أعود .   
ويمتليء قلبها فرحا ، حين يرد قائلا : نعم ، ماما .
صحيح إنه لا ينفذ توصيتها تماما ، إذ يخرج من الوكر ، ويتجول بين الأشجار ، لكنه لا يبتعد ، وما إن يسمع ما يريبه ، يعود مسرعا إلى الوكر ، ويبقى فيه ، حتى تعود الديناصورة من الغابة  .
وسواء شعر بالعطش ، أو لم يشعر ، فكان ينظر إلى الديناصورة ، ويقول لها : ماما ، عطشان .
ورغم أن الديناصورة تعرف مكره ، إلا أنها تأخذه إلى بركة صغيرة قريبا ، ويشرب منها الماء ، ولم تحاول مرة واحدة ـ خوفا عليه طبعا ـ أن تأخذه إلى البحيرة ، وهي ليست بعيدة كثيرا عن الوكر .
وذات يوم ، وكان وحيدا في الوكر ، سمع وقع أقدام خفيفة ، فأنصت مليا ، أهي الديناصورة ، أم كائن عدو ، أم .. وهنا أطلت عليه ديناصورة في عمره ، وكادت تلوذ بالفرار ، حين رأته ، لكنه ناداها مطمئنا : تعالي ، لا تخافي ، أنا مثلك ديناصور صغير .
ووقفت الديناصورة الصغيرة ، وراحت تنظر إليه صامتة ، فقال الديناصور : إنني هنا أعيش مع أمي ، لقد خرجت منذ الصباح وستعود بعد قليل .
فقالت الديناصورة الصغيرة : أنا أعيش مع أمي في وكر بين الأشجار ، وقد خرجت وحدي ، بعد أن ذهبت منذ الصباح إلى البحيرة .
وتساءل الديناصور : البحيرة !
فقالت الديناصورة الصغيرة : نعم ، إنها بحيرة كبيرة وجميلة ، وهي ليست بعيدة ، وقد أخذتني ماما إليها أكثر من مرة ، ألم تذهب أنت إليها ؟
فرد الديناصور الصغير : كلا ، بل لم أسمع حتى بوجود مثل هذه البحيرة .
وقالت الديناصورة الصغيرة : سآتي إليك ، خلال أيام ، ونذهب إليها معا .
ولاذ الديناصور الصغير بالصمت ، فقالت الديناصورة الصغيرة : لابد أن أذهب الآن ، أخشى أن تعود ماما ، ولا تراني في الوكر .

   5
ـــــــــ
لم يخبر الديناصور الصغير ، الديناصورة ، بأنه التقى بالديناصورة الصغيرة ، التي في عمره تقريبا ، ولم يقل لها طبعا ، بأنها وعدته أن تزوره ، وتأخذه معها إلى البحيرة ، التي لم يسمع حتى بها .
ورغم ذلك ، شعرت الديناصورة  ربما كأم بأن أمرا ما ، لم تستطع أن تحدده ، قد حدث ، ما هو ؟ متى حدث ؟ ومن كان وراءه ؟ هذا ما لم تعرفه .
وأوت الديناصورة  إلى مكانها ، لتنام ، وترتاح من عناء اليوم ، لكنها سمعت الديناصور الصغير يتململ في مكانه فقالت له : أراك لم تنم .
وبدل أن يرد الديناصور الصغير عليها ، تساءل : ماما ، أخبريني ، ما البحيرة ؟
لم تتمالك الديناصورة نفسها ، فالتفتت إليه ، وقالت مندهشة : البحيرة !
وهز الديناصور الصغير رأسه ، فقالت الديناصورة :  البحيرة بركة ، لكنها كبيرة .
فقال الديناصور الصغير : لم تأخذيني يوما إليها ، لأراها وأتذوق ماءها .
ونظرت الديناصورة إليه ، ثم قالت : ماء البحيرة لا يختلف عن ماء البركة ، التي نشرب أنا وأنت منه .
وتمدد الديناصور الصغير ، وقال كأنما يحدث نفسه : ليتني أتذوق هذا الماء .
وأغمضت الديناصورة  عينيها ، لكنها لم تنم ، فقد شغلها ، وأقلقها ، و أطار النوم من عينيها ، حديثه عن البحيرة ، ترى كيف عرف بأمر البحيرة ؟ لا بد أن أحدا حدثه عنها ، ترى من هو ؟ هذا ما تريد أن تعرفه .



     6
  ـــــــــ
    على أحرّ من الجمر ، انتظر الديناصور الصغير ، أن توافيه الديناصورة الصغيرة ، ليذهبا معاً إلى البحيرة ، ولعله أحس في داخله ، أنه مشتاق لرؤيتها ، بقدر تشوقه إلى رؤية البحيرة ، إن لم يكن أكثر .
وطال انتظاره ، هذا ما شعر به ، حتى خشي أن لا تأتي ، لكنها أتت في صباح اليوم الثالث ، أتت متحمسة ، فرحة ، فأسرع لاستقبالها باشاً ، وقال : ماذا جرى ؟ لقد تأخرتِ ، حتى خفت أن لا تأتي .
وضحكت الديناصورة الصغيرة ، حتى خيل إليه أن بلبلاً يغرد ، وقالت : أمي لم تخرج من الوكر إلا اليوم ، هيا نذهب إلى البحيرة .
وانطلقت الديناصورة مهرولة ، فانطلق الديناصور الصغير في أثرها قائلاً : هيا .. هيا .
وخلال هرولتهما جنباً إلى جنب ، قالت الديناصورة الصغيرة : ماما لا تعرف حتى الآن ، أنني أرتاد البحيرة بين حين وآخر .
وقال الديناصور الصغير : أما أنا ، فإن ماما لا تعرف حتى بزياراتكِ لي .
وقالت الديناصورة الصغيرة فرحة : سنرى البحيرة ، وسنفرح باللهو على شوطئها  .
فقال الديناصور الصغير : سألتُ ماما عن البحيرة ، فقالت ، إن البحيرة بركة كبيرة .
وضحكت الديناصورة الصغيرة ، وقالت وهي تركض ، وتشير بيدها إلى ما وراء الأشجار : انظر ، تلك هي البركة الكبيرة ، تعال ، أسرع .
وطوال ساعات ، تمتع الديناصور الصغير بمباهج البحيرة ، ألتي أسمتها أمه البركة الكبيرة ، ولكن ما أبهجه أكثر ، وأنساه مرور الساعات ، هو صحبة الديناصورة الصغيرة ، التي حولت رؤيته للبحيرة ، للمرة الأولى ، ذكرى لا يمكن نسيانها .

   7
ـــــــــ
    فوجىء الديناصور الصغير ، عند عودته من البحيرة ، قبيل العصر ، بالديناصورة تقف في مدخل الوكر ، فتوقف أمامها ، وآثار أشعة الشمس والبهجة على وجهه ، وقال : ماما ذهبنا إلى البحيرة .
وحاولت الديناصورة أن تظهر فرحتها بالأمر ، وقبل أن تقول شيئاً ، قال الديناصور الصغير : لم أكن وحدي ، كانت معي ديناصورة في عمري  .
وقالت الديناصورة : تعال ادخل ، جئتك بطعام .
ودخل الديناصور الصغير إلى الوكر ، مع الديناصورة  ، وهو يقول : إنني شبع ، لقد أكلت مع الديناصورة الصغيرة مما يوجد قرب البحيرة .
ووضعت الديناصورة الأم الطعام جانباً ، وقالت : لابد أنك تمتعت به ، أكثر مما تتمتع بالطعام الذي أجلبه لك من أعماق الغابة .
وتنهد الديناصور الصغير : آه .
فقالت الديناصورة الأم : طبعاً آه مادامت الديناصورة ، التي في عمرك ، كانت معك طوال الوقت .
وعلى غير عادته ، أوى الديناصور الصغير إلى مكانه ، بعد غروب الشمس مباشرة ، ولم تفارقه الساعات التي قضاها مع الديناصورة الصغيرة ، حتى بعد أن استغرق في نوم عميق ، ففي منامه ، رأى الديناصورة الصغيرة ، تركض إلى جانبه ، فرحة ، ضاحكة ، على شوطىء البحيرة ، الرملية ، الدافئة .

    8
ـــــــــــ
    مثلما تكبر العصافير ، وتكبر الأشجار ، كبر الديناصور الصغير ، وصار فتى ، وكذلك كبرت الديناصورة الصغيرة ، وصارت فتية ، وككل الفتيان صار العالم ، وكأنه كله ملكاً لهما ، يلهوان فيه ، ويتمتعان ، ويرسمان معاً آفاقاً واسعة للمستقبل .
ويوماً بعد يوم ، صارا حرين في الخروج من الوكر ، ويعودان إليه دون وصاية من الأم ، ولماذا لا ، وقد امتدا عرضاً وارتفاعاً حتى ضاهيا الديناصورات الأخرى ، أما قوتهما ـ في رأيهما طبعاً ـ فلا حدود لها .
ومع تقدمهما في النضج ، يوماً بعد يوم ، توثقت العلاقة بينهما ، أكثر وأكثر ، ولم يكن يعكرها إلا ديناصور في عمرهما تقريباً ، يراقبهما من بعيد أحياناً ، أو بالأحرى يراقب الديناصورة الفتية .
والحقيقة أن هذا كان يضايق الديناصور الفتيّ ، أكثر مما يضايق الديناصورة الفتية ، فهذا الديناصور معجب بها ، وربما يحسد الديناصور الفتيّ على علاقته بها ، وعبثاً حاولت الديناصورة الفتية ، أن تهون الأمر على الديناصور الفتيّ .
وأكثر من مرة ، تعرض هذا الديناصور للديناصورة الفتية ، والحق أنه أراد أن يتقرب منها ، لكنها كانت دائماً تصده ، وطالما قالت له صراحة : أرجوك لا تقترب مني .
وذات مرة ، قال لها الديناصور الغريب : لكن ذلك الديناصور ليس بأفضل مني .
لكنها ابتعدت عنه ، دون أن تردّ عليه ، وظل هذا الديناصور على عادته ، يراقبهما من بعيد ، أو يتقرب منها ، إذا كانت وحدها ، ويسلم عليها ، فكانت تبتعد عنه ، دون أن توجه له كلمة واحدة .
وطالما حذرته أمه ، من بعض الديناصورات المتوحشة ، القاتلة ، وخاصة الديناصور تي ـ ركس ، وفوجئا ذات يوم ، وهما يسيران بين الأشجار ، مستغرقين في الحديث ، بالديناصور تي ـ ركس ، يلوح من بعيد ، وكأنه يبحث عن فريسة ، يفتك بها ، ويلتهمها .
وتسمرت الديناصورة مرعوبة في مكانها ، وتمتمت : يا ويلي ، انظر ، إنه تي ـ ركس .
ومدّ الديناصور الفتيّ يده القوية ، وأمسك يدها المرتعشة ، وقال لها : لا تخافي .
فقالت الديناصورة الفتية : كيف لا أخاف ، إنه الديناصور متوحش ، قاتل  .
ونظر الديناصور الفتيّ إليه ، ورآه يتجه نحوهما ، دون أن ينتبه إلى وجودهما ، فسحب الديناصورة الفتية برفق ، وقال : تعالي نبتعد ، إنه لم يرنا .
وابتعد الديناصور الفتيّ ، بالديناصورة الفتية ، عن الديناصور القاتل تي ـ ركس ، ومضيا حتى صارا في مأمن ، فتوقفا لاهثين ، وقال الديناصور الفتيّ : لنرتح هنا قليلاً ، إنه بعيد الآن .
وحاولت الديناصورة الفتية أن تتمالك نفسها ، وقالت : من الأفضل أن نبتعد عن هذا المكان ، فأنا أخشى أن تي ـ ركس مازال في الجوار .

   9
ـــــــــ 
تواعد الديناصور الفتيّ ، والديناصورة الفتية ، أن يلتقيا ، عند منتصف النهار ، على مرتفع معشب يطل على البحيرة ، وغالباً ما كان الديناصور الفتي ، يسبقها في الحضور إلى مكان الموعد ، وقد قررت هذا اليوم بالذات ، أن تسبقه ، فتحضر إلى المرتفع ، حيث تواعدا ، قبل أن يحضر هو إليه .
وحضر الديناصور الفتي ، في الوقت المحدد ، على عادته ، وفوجئ بان الديناصورة الفتية ، لم تكن وحدها ، وإنما كان يقف إلى جانبها الديناصور الغريب ، ولاحظ  وهو يقترب منهما ، إنها منفعلة ، وسمعها تصيح فيه : قلت لك ألف مرة أن تبتعد عني .
وحين وصل إليها ، لم ينسحب الديناصور الغريب ، كما يحدث كل مرة ، وإنما وقف في مكانه ، كأنما يتحداه ، فانقض الديناصور الفتي عليه ، وضربه على وجهه عدة مرات ، حتى ألقاه على الأرض ، وهم أن يستمر في ضربه ، لكن الديناصورة الفتية ، اعترضته قائلة : توقف ، توقف أرجوك .
فقال الديناصور الفتي ، وهو ما يزال يريد ضربه : دعيني أؤدبه ، كي لا يتعرض لك ثانية .
وتحامل الديناصور الغريب على نفسه ، ونهض مترنحاً ، فصاح به الديناصور الفتي : اذهب بعيداً ، سأقتلك إذا رأيتك هنا ثانية .
وتراجع الديناصور الغريب قليلاً ، ثم وقف محدقاً فيه ، وقال : أنت ديناصور جبان ..
وهم أن ينقض عليه ، فأعترضته الديناصورة وقالت : دعه  يكفيه ما أنزلته به .
وقال الديناصور الغريب : ما دمت بهذه الحماسة ، فلماذا لا تواجه قاتل أمك ؟
وقطب الديناصور الفتي ، وقال : قاتل أمي ! أيها المجنون ، أنا أمي مازالت موجودة .
فقال الديناصور الغريب : هذه ليست أمك ، أمك الحقيقية قتلها الديناصور تي ـ ركس .





  10
ــــــــــ
    في طريق العودة إلى البيت ، لم ينبس الديناصور الفتي بكلمة واحدة ، وحتى حين افترقا ، وعلى غير العادة ، لم يتفقا على موعد جديد .
ووصل إلى الوكر ، كانت الديناصورة موجودة ، فنظرت إليه ، وقالت : يا للعجب ، جئت اليوم مبكراً ، هذه ليست عادتك .
وانزوى الديناصور الفتي في مكانه ، وقال بصوت مختنق : إنني متعب اليوم .
وحدقت الديناصورة فيه ، ثم قالت : لا يبدو أنّ هذا هو الأمر الحقيقي .
ولاذ الديناصور الفتي بالصمت ، دون أن ينظر إليها ، فأعدت سفرة الطعام ، وقالت : لدينا اليوم طعام لذيذ ، تعال نأكل معاً .
ورد الديناصور الفتي ، دون أن يرفع عينيه الغائمتين إليها : إنني شبعان .
ونحت الديناصورة  الطعام ، دون أن تأكل منه لقمة واحدة ، فترك الديناصور الفتي مكانه ، وجلس في مدخل الوكر ، وعيناه ثابتتان في البعيد .
ونهضت الديناصورة ، وجلست إلى جانبه ، ثم قالت : إنني أمك ، صارحني ، ما الأمر ؟
والتفت الديناصور الفتي إليها ، وحدق فيها ملياً ، ثم قال : من هي أمي ؟
وخفق قلبها بشدة ، وقالت : أنا ، أنا أمك ، يا بني . وتساءل ثانية : أمي الحقيقية ؟ من هي ؟
وتندت عيناها بالدموع ، وقالت : أنا أرعاك منذ أن كنت بيضة ، حتى صرت ما أنت عليه ألان .
وصمت لحظة ، ثم قال : أصدقيني ، يُقال أنّ أمي قتلها الديناصور تي ـ ركس .
ونهضت الديناصورة  ،  ومضت إلى الداخل والدموع تسيل من عينيها ، فنهض الديناصور الفتي ، ولحق بها ، وقال : هذه هي الحقيقة إذن .
وهزت رأسها باكية ، وقالت : وقتل مثلها صغيرتي ، كنزي ، الذي لم يعوضني عنه احد غيرك .
واحتضنها الديناصور الفتي ، وقال من بين أسنانه : هذا اللعين ، سيدفع الثمن .
وصاحت ملتاعة : لا ، انه وحش مفترس .
فقال : فليكن ما يكون ، لابد أن يدفع الثمن ، وسيدفع الثمن غالياً ، مهما كان الأمر .




   11
ــــــــــــ
    منذ أن علم الديناصور الفتي ، أن الديناصور تي ـ ركس هو قاتل أمه الحقيقية ، صار شغله الشاغل ، التفكير فيه ، وطوال ساعات النهار ، راح يبحث عنه ، لينزل فيه العقاب الذي يستحقه .
وحاولت أمه الديناصورة ، أن تثنيه عما عزم عليه ، لكن دون جدوى ، ودون جدوى ، حاولت الديناصورة الفتية ثنيه ، فلم يكن يشغله غير ديناصور واحد هو تي ـ ركس ،  الذي يسعى وراءه من مكان إلى مكان ، وما إن يسمع بوجوده في مكان ، حتى يسعى إليه .
وذات ليلة مقمرة ، شعرت الديناصورة ، بأن النوم قد جفا الديناصور الفتي ، وطالما جفاه منذ معركته الأخيرة مع الديناصور الغريب ، فنهضت من مكانها وجلست على مقربة منه .
وأحس بالديناصورة الحنونة ، تمسد رأسه ، وسمع صوتها تهمس له : بني ..
لم يرد عليها ، فمالت نحوه ، وقالت : من أمك ؟
انتظرت أن يجيبها ، لكنه ظل صامتاً ، فقالت : نعم ، من وضعت البيضة ، لها نصيب كبير فيك ، لكن أنا من حمى تلك البيضة حتى فقست ، وأنا من رعى ذلك الصغير الحبيب ، حتى صار أنت .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : وأنت كل شيء الآن في حياتي ، وكما عشت لك ، أريد أن تترك ملاحقة الديناصور القاتل تي ـ ركس ، وتسلم لي .
لم يجبها ، فنهضت من جانبه ، ورقدت في مكانها ، والدموع تسيل من عينيها ، لكنها لم تر الدموع التي سالت من عيني الديناصور الفتي .

   21
ــــــــــــ
    مرارا تحدثت إليه الديناصورة الفتية ، كما تحدثت إليه أمه ، في الساعات القليلة ، التي تراه فيها ، سواء في الغابة ، أو على شاطئ البحيرة ، وهو في سعيه الدائم ، وراء الديناصور تي ـ ركس .
وخلال بحثه هذا ، لاحظ أكثر من مرة ، الديناصور الغريب يحوم حول الديناصورة الفتية ، وكم همّ أن ينقض عليه ، ويبرحه ضربا ، إلا أن تي ـ ركس كان شغله الشاغل ، فيمضي للبحث عنه .
وذات أمسية ، جلس في المكان الذي كان يلتقي فيه كثيرا بالديناصورة الفتية ، بعد أن هدّه التعب في البحث عن الديناصور تي ـ ركس ، وإذا بالديناصورة الفتية تجلس إلى جانبه ، دون أن تنبس بكلمة .
وبعد حين ، بدأت الشمس تغطس في البحيرة ، فقال الديناصور الفتي : الشمس تغيب .
 تنهدت الديناصورة الفتية ، وقالت وكأنها تحدث نفسها : طالما تمنيت ، أن نبني وكرا ، واسعا بعض الشيء ، بين أشجار كثيفة ، يطل على البحيرة ، لكن هذا الحلم ، يبدو أنه سيغيب كما تغيب هذه الشمس .
ونهض الديناصور الفتي من مكانه ، وقال : ذلك الديناصور القاتل ، لابد أن أقتص منه .
ونهضت الديناصورة الفتية بدورها ، وقالت : إذا أردت أن تقتلني ، فاستمر بالبحث عنه ، وحاول قتله .
ولم تنتظر أن يرد الديناصور الفتي عليها ، فسارت مبتعدة حتى غابت بين الأشجار ، ومعها غابت الشمس في أعماق البحيرة ، وهبط الظلام كستارة سوداء .

   13
ـــــــــــ
    أخيرا عثر عليه ، في وكر خرب ، محشور في زاوية بعيدة ، موحشة ، من الغابة ، فدخل عليه الوكر ، وإذا هو يضطجع ، هزيلا ، مهدماً ، كأنه شبح ذلك الديناصور القاتل ، المفترس تي ـ ركس ، وليس هو تي ـ ركس حقيقة .
وتوقف على مقربة منه ، فرفع الديناصور تي ـ ركس عينيه المنطفئتين إليه ، وحدق فيه مليا ، ثم قال بصوت يحتضر : إنني .. جائع .
فقال الديناصور الفتي ، وهو يكتم غضبه : تعال كلني ، إنني موجود أمامك .
وهز الديناصور تي ـ ركس رأسه الضخم ، البشع ، وقال : ليتني .. أستطيع .
ومال عليه ، كأنه يريد أن يغرس فيه أسنانه ، وقال : أيها اللعين ، لقد أكلت أمي .
وتراجع الديناصور تي ـ ركس إلى الوراء قليلا ، وقال : أكلت من نوعك الكثير من الآباء والأمهات والصغار ، أنتم لذيذون ، لذيذون جدا .
وقال الديناصور الفتي ، من بين أسنانه : لقد بحثتُ عنكَ طويلاً ، وآن أن تدفع الثمن .
ونظر الديناصور تي ـ ركس إليه ، بعينيه المنطفئتين ، وقال : هذه فرصتك ، إنني ـ كما ترى ـ ديناصور مريض جدا ، وعاجز ، اقتلني .
وهمّ أن ينقض عليه ، ويكتم ما تبقى من أنفاسه ، لكنه توقف ، ثم تراجع ، حين تراءت له الديناصورة الفتية ، واستدار ببطء ، ثم غادر الوكر .

  
   14
ـــــــــــ
    منذ يومين و الديناصور الفتي ، منهمك في بناء الوكر ، وهو كما أراده ، واسعاً بعض الشيء ، بين أشجار عالية ، على مرتفع يطل على البحيرة .
وفوجئ في اليوم التالي ، بعد منتصف النهار ، بالديناصورة الفتية تطل عليه من مدخل الوكر ، وهي تهتف : نحن هنا .
وتوقف عن العمل مبتسما ، وقال : جئت بعد أن أوشكت على إكمال الوكر .
ودخلت الوكر ، وراحت تطوف فيه مهمهمة ، ثم قالت : إنه وكر واسع ، يتسع لأكثر من واحد .
ولاذ بالصمت ، وهو يتطلع إليها ، فقالت : لا أظن أنك ستعيش فيه وحدك.
فقال : طبعا لا .
وصمتت هي الأخرى ، ونظرت إليه بعينيها الفتيتين اللتين طالما قال أنهما تشبهان ماء البحيرة ، فقال : تي ـ ركس ، لم أقتله .
اقتربت منه ، وقالت : عرفت بذلك .
فقال : إن جراحه عميقة ، ومتقدم في السن ، وصار شبه عاجز ، فتركته لمصيره .
قالت : هذا أفضل .
نظر إليها ، وقال : قبل أن أتركه ، وأغادر وكره الخرب ، تذكرتكِ ، وتذكرت ماما ، نعم ، وكما قلت ، الأفضل أن نعيش بسلام .
ابتسمت ، وأشارت بيدها إلى الوكر ، وقالت : لقد كمل تقريبا ، هل ستكمله غدا .
قال : كلا .
ونظرت إليه متسائلة ، فقال : بل أكمله اليوم ، وأنت ستكملينه معي طبعا.













       ملاحظات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1.  امفيسيلياس : ديناصور هو الأضخم ، والأطول ، والأكثر وزنا ، يتراوح طوله بين 40 إلى 60 مترا ، ويصل وزنه 22 طنا .
2.  تي – ركس : ملك الدينصورات ، وأكثرها شراسة ، واثارة للرعب ، وزنه 7 أطنان وطوله 12 مترا ، وهو صياد ، وآكل للجيف .
3.    كامار اصوراس : ديناصور عملاق آكل للعشب ، طوله " 23 " مترا ، ووزنه " 50 " طنا .
4.  الديناصور : حيوان منقرض ، عاش قبل سبعين مليون سنة ، بعضه نباتي ، والبعض الآخر لاحم ، والبعض لاحم وعشبي في نفس الوقت .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق