الاثنين، 17 أبريل 2017

"إمبراطور السماء " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



إمبراطور السماء
طلال حسن

   1
ـــــــــ
    فتح الطائر " اورنيثوكايروس " جناحيه الهائلين ، اللذين يبلغ طولهما " 12 " متراً ، وخفق بهما قليلاً ، ثم اعتلى الهواء ، متوغلاً في المحيط .
وفيما هو طائر فوق المياه ، التقط بمنقاره الطويل ، وأسنانه الحادة ، عدة أسماك مختلفة ، وراح يزدردها  تباعاً حتى شبع  .
وقبل أن يستدير ، ليعود إلى عشه على الشاطىء ، لمح الوحش القاتل " داكوسوراس " ، وهو أشبه ما يكون  بالتمساح ، له ذيل سمكة ، ورأس ديناصور ، يشق الماء بقوة ، ويلتقط أضخم الأسماك بسهولة كبيرة ، فهو يتمتع بشهية مفتوحة دائماً .
ويبدو أن هذا الوحش قد رآه ، فتوقف عن مطاردة الأسماك ، ورفع رأسه الضخم إليه ، وبدت أسنانه الكبيرة المشرشرة ، فارتفع الطائر إلى أعلى ، وانطلق مبتعداً نحو الشاطىء ، فقد سمع مراراً ، أن هذا الوحش استطاع أن يوقع بأكثر من طائر من نوعه ، ويفتك به ، ويلتهمه في الحال .
وعلى مقربة من الشاطىء ، التقى بصديق من نوعه   فقال له ذلك الصديق : تعال معي نصطد .
فردّ قائلاً : اصطدتُ حتى شبعت ، اذهب أنت واصطد ، السمك هنا كثير .
وقال الطائر الصديق  : يُقال أن سمك السلمون ، ظهر الآن في مناطقنا .
فقال قبل أن يواصل طريقه : نعم ، لكن كن حذراً ، ففي نفس المنطقة رأيت الوحش " داكوسوراس " .
وقبل أن يبتعد ، سمع صديقه يصيح : كنت عند " الأنثى اورنيثوكايروس ، صباح اليوم ، وقد سألت عنكَ .

   2
ـــــــــ 
    قبيل المساء ، قصد الطائر عش الأنثى ، الذي أقامته في أعلى شجرة ضخمة ، تطل على المحيط ، ورآها من بعيد تجلس وسط عشها ، إنها حقاً إمبراطورة السماء ، بشكلها ، وعظمتها ، ونظرتها الجميلة الواثقة .
وحطّ إلى جانبها ، وقال : طاب مساؤكِ .
فنظرت إليه مبتسمة ، وقالت : أهلاً ومرحباً .
وقال الطائر : قيل لي أنكِ تسألين عني .
وردت قائلة : نعم ، فأنت لم تزرني منذ مدة .
وقال الطائر : إنني مشغول بصيد السمك .
وصمت لحظة ، ثم قال : هناك طائر عجوز ، لم يعد يقوى على الصيد ، أقدم له ما يحتاجه من طعام ، بين فترة وأخرى .
وتغاضت الأنثى عما قاله ، وقالت : يُقال إن سمك السلمون بدأ يظهر في محيط مناطق صيدنا .
فقال الطائر : نعم ، فهذا أوان صعوده من المحيط إلى أعلى النهر ، حيث يضع بيضه .
ونظرت الأنثى بعيداً ، وقالت : أنا أيضاً قد أضع البيض في وقت قريب .
ثم التفتت إلى الطائر ، وقالت ، وهي تنظر إليه : من سيشاركني العش عليه أن يقدم لي السمك طوال فترة احتضاني للبيض .
وقال الطائر : هذا أمر سهل .
وقالت الأنثى : أريد فقط سمك سلمون .
وصمت الطائر لحظة ، ثم قال : هذا السمك يوجد الآن قريباً من منطقة الوحش داكوسوراس .
لاذت الأنثى بالصمت ، فنهض الطائر ، وسرعان ما فتح جناحيه الهائلين ، ومضى نحو عشه ، والشمس المتعبة تغوص في أعماق المحيط .

     3
ـــــــــــــ
    قبل منتصف النهار ، كان الطائر اورينثوكايروس يحلق فوق الشاطىء ، وتوغل قليلاً في المحيط ، وإذا صديقه يناديه : تمهل ، يا صديقي .
وتباطأ الطائر ، حتى لحقه صديقه ، فقال له : تعال نذهب ، ونصطاد السمك  .
فقال صديقه : أنا ذاهب لاصطياد سمك السلمون .
فالتفت الطائر إليه ، دون أن يتفوه بكلمة ، فتابع الصديق قائلاً : هذا موسم مروره من هذه المنطقة .
فقال الطائر : أخشى أن تكون قد رأيت الأنثى .
فقال الصديق : إنني قادم من عشها الآن .
واقترب الطائر من صديقه ، وقال : لابد أنها طلبت منك سمك السلمون .
فقال الصديق : أنا عرفت بأنها تريد سمك السلمون ، فوعدتها بما تريد .
فقال الطائر : لكن هذا جنون .
وخفق صديقه بأجنحته الفتية ، ومضى مبتعداً ، متوغلاً في المحيط ، فهتف به الطائر : حذار يا صديقي ، فالوحش داكوسوراس موجود في المنطقة ، وهو يحب سمك السلمون ، ولن يسمح لأحد أن يقترب منه .
ولوح الصديق للطائر ، وهو يحلق مسرعاً ، وصاح : إلى اللقاء ، سأحقق أمنيتي .

   4
ــــــــ
    حاول الطائر اورنيثو كايروس ، أن يتشاغل بصيد السمك ، وعلى غير العادة ، أفلتت منه معظم الأسماك التي لاحقها ، فقد كان ذهنه منشغلاً بصديقه ، الذي توغل في أعماق المحيط ، ليصطاد للأنثى سمكة من أسماك السلمون .
وسرعان ما توقف عن ملاحقة الأسماك ، واستدار نحو أعماق المحيط ، ومضى مسرعاً في الطريق الذي سلكه صديقه قبل قليل ، هذا الأحمق ، إنه يرمي نفسه إلى التهلكة ، فالوحش القاتل يتجول في محيط المكان ، والويل لمن يقترب من سمك السلمون .
ومن بعيد ، لمح صديقه يحوم فوق سطح الماء ، لابد أنه يتربص بأسماك السلمون ، لعله يصطاد سمكة ، ويأخذها إلى الأنثى ، تحقيقاً لأمله .
فخفق بأجنحته الهائلة ، مندفعاً بقوة نحوه ، وصاح به : أيها الصديق .
لكن الصديق لم يلتفت إليه ، ربما لأن الريح كانت من الشدة بحيث بعثرت صوته ، الذي امتزج بصوت أمواج البحر ، وربما سمعه صديقه ، لكن انهماكه في انجاز مهمته ، جعله لا يلتفت إليه .
وبصوت أعلى ، صاح به ثانية : أيها الصديق .
وبدل أن يرد عليه هذه المرة ، اندفع كالسهم نحو الماء ، وبمنقاره الطويل ، وأسنانه الحادة ، أمسك بسمكة سلمون كبيرة ، وهمّ أن يحلق بها ، ويأخذها إلى الأنثى في عشها ، ويحقق ما تمناه .
في تلك اللحظة ، انشق ماء المحيط المتموج عن الوحش داكوسوراس ، الذي فتح فمه على سعته ، وبدت أسنانه الكبيرة المشرشرة ، وأطبق على الطائر ، وسمكة السلمون الكبيرة ، وغاص بهما إلى الأعماق .

   5
ـــــــــ
    غاب القمر تلك الليلة ، وساد الظلام والصمت أرجاء الغابة ، ربما حزناً على الطائر ، الذي قتله الوحش ، بين أمواج المحيط .
وحاول الطائر ، وهو مضطجع في عشه ، فوق الشجرة الضخمة ، أن يغفو ولو قليلاً ، لكن ما رآه وسط أمواج المحيط ، كان يحول بينه وبين النوم .
وكان كلما أغمض عينيه ، واقترب النعاس منهما ، يرى أمواج المحيط تنشق عن الوحش ، الذي يطبق على صديقه الطائر ، والسمكة في منقاره ، فيغوص به والسمكة إلى أعماق المحيط .
وأطلت الشمس من وراء الجبال البعيدة ، وتراءت له الأنثى في عشها ، آه  ، الإمبراطورة ، ترى ما الذي تفعله الآن ؟
البارحة مساء ، حين عاد من المحيط ، مثقل بذلك المنظر القاتل ، الذي أودى بصديقه ، لم يفكر أن يمر عليها ، وكيف يمرّ ، وصديقه انتهى تلك النهاية البشعة ، وهو يحاول أن يرضيها ، ويأتيها بسمكة سلمون ؟
من يدري ، ربما ما كانت لتهتم بنهايته كثيراً ، وربما لن تشعر بأنها وراء تلك النهاية ، فهي لم تجبره على  الذهاب إلى المحيط ، لعلها قالت أمام صديقه ما قالته أمامه ، فلماذا لم يذهب هو ، وذهب صديقه ؟
وارتفعت الشمس ، ودبت الحياة في الغابة ، وتعالت أصوات الديناصورات ، والكائنات الضخمة الأخرى ، وهي تسعى من أجل غذائها ، وتخوض المعارك القاتلة لسبب أو لآخر .
ونهض الطائر ، وفتح جناحيه الهائلين ، ومضى نحو عش الأنثى ، كان العش فارغاً ، والتفت حوله لعله يراها في مكان قريب ، وسمع أنثى من نوعه تخاطبه من أعلى شجرة قريبة : لقد غادرت عشها ، مساء البارحة ، بعد أن عرفت بما جرى للطائر في المحيط .
وقفل الطائر اورنيثو كايروس عائداً إلى عشه ، وفكر أنها قد تعود اليوم أو غداً ، أو بعد مدة ، لكن مرت الأيام ، يوماً بعد يوم ، ولم تعد الأنثى ، بل لم يقع له أحد على أثر ، حتى ذلك اليوم .


× ـ داكوسوراس  : وحش بحري ضخم ، ذو أسنان   
              مشرشرة ، عاش منذ حوالي " 135 " مليون    
               سنة .

× ـ اورنيثو كايروس  : ديناصور طائر ، طول جناحيه
              " 12 " متراً ، منقاره طويل ، وأسنانه حادة ،
              يمسك بها الأسماك بسهولة من المحيط .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق