الأحد، 9 أبريل 2017

"حيرة الترودون" قصة للأطفال بقلم : طلال حسن



حيرة الترودون
 بقلم : طلال حسن
      1  
ــــــــــــــــ
    منذ أن وعى ديناصور الترودون ، وهو حائر ، ورغم أن القنفذ العجوز ، قال له مرة : " أنت أذكى ديناصور في الغابة " إلا انه مازال حائرا .
لقد قدمت له أمه أعشابا ، فتذوقها ، رأى إنها لذيذة ، وبعد أيام قدمت له قطعة من اللحم ، فتناولها أيضا ، وأعجبته جدا ، إنها أيضا لذيذة .
وحذرته أمه ، حتى قبل أن يخرج من الوكر لأول مرة ، قائلة : احذر الديناصورات التي تأكل اللحوم .
ونظر إليها متسائلاً ، فهو نفسه يأكل اللحوم ، فقالت له : الديناصورات اللاحمة مفترسة ، وستفترسك إذا اقتربت منها ، رغم أنك تأكل اللحوم .
وتساءل الديناصور الترودون : هل جميع الديناصورات حمة ، يا ماما ؟
فردت أمه قائلة : لا ، هناك أيضا ديناصورات تأكل العشب ، وهي كلها طيبة مسالمة .
وفكر بينه وبين نفسه ، لكنه هو وكذلك أمه ، يأكلان الأعشاب واللحوم ، ولعل أمه خمنت ما يفكر فيه ، فهي مثله من أذكى الديناصورات ، فقالت : نحن الديناصورات الوحيدة ، في هذه الغابة ، التي تأكل الأعشاب واللحوم في نفس الوقت .
ونظر الديناصور ترودون إليها ، وقال : هذا يعني إننا مفترسون وطيبون في نفس الوقت .
وحدقت فيه أمه حائرة ، إنها رغم ذكائها ، لم تستطع أن تجيبه على تساؤله ، فاستدارت ، وخرجت من الوكر ، وهي تقول :تخرج من الوكر حتى أعود .

     2
ـــــــــــــــ
    هل الذكاء رحمة أم لعنة ؟
هذا ما راح الديناصور ترودون يفكر فيه ، وهو جالس وحده في الوكر ، بعد أن خرجت أمه إلى الغابة ، لتأتيه بالطعام ، سواء كان عشبا لذيذا أو لحما ، وهو أكثر لذة من العشب بكثير .
وهز رأسه متضايقا ، بد أن الديناصورات الأخرى ، اللاحمة أو العشبية ، تعاني ما يعانيه هو ، فالعشبية تخرج من أوكارها ، وتأكل الأعشاب اللذيذة ، وهي متوفرة في كل مكان من الغابة .
والديناصورات التي تأكل اللحوم فقط ، تخرج من أوكارها ، وتطارد فرائسها في أرجاء الغابة ، وتصطاد ما يمكنها اصطياده ، وتسكت به جوعها .
أما هو الديناصور ترودون ، فهو عشبي ولحمي ، و .. وهنا توقف عن الحوار مع نفسه ، عندما سمع القنفذ العجوز ، يهتف به من المدخل : أيتها الديناصورة .
ونهض الديناصور الصغير ، وأسرع إلى القنفذ العجوز ، وقال : ماما ليست هنا ، لقد مضت إلى الغابة .
وتراجع القنفذ العجوز ، وهو يقول : آه فاتني هذا ، انه وقت العمل .
فقال الديناصور الصغير : ربما لن تتأخر ، ابقَ معي حتى تأتي .
وتوقف القنفذ العجوز ، وقال : الحقيقة إنني ضجر ، وأردت أن أتبادل الحديث معها .
واقترب الديناصور الصغير منه ، وقال : ابقَ لنتبادل الحديث أنا وأنت .
وذ القنفذ العجوز بالصمت ، مغالباً ابتسامته ، فقال الديناصور الصغير : أنا عشبي وحم ، وأنت .. أنت ماذا ؟ أأنت عشبي أم .. ؟
وابتسم القنفذ العجوز ، وقال : أنا حم .
وحدق الديناصور الصغير فيه لحظة ، ثم قال : اللاحم يعني .. حيوان مفترس .
واتسعت ابتسامة القنفذ العجوز ، وقال : أنا  افترس غير الحشرات الصغيرة ، والزواحف الصغيرة .
وقبل أن يستأنف الديناصور حديثه ، استدار القنفذ العجوز ، وقال : سأذهب إلى بيتي ، تحياتي إلى أمك ، سأزورها في وقت قريب .

     3
ــــــــــــــ
    كبر الديناصور ترودون ، وصار يغادر الوكر ، ويتجول وحده في أرجاء الغابة ، وقد عمل بتحذير أمه ونصائحها ، لكنه تعلم هو أيضا مما حوله من الكائنات الحية ، الموجودة في كل مكان .
وقد التقى أثناء تجوله في الغابة ، بالعديد من الأحياء العشبية ، ومنها الديناصورات ، وعرف أن أغلبها طيبة ومسالمة فعلاً .
وعملاً بنصائح أمه ، وكذلك القنفذ العجوز ، وانتباهه الشديد ، كل الكائنات المتوحشة المفترسة ، ومنها الديناصورات التي تأكل اللحوم  .
وذات يوم ، التقى في مرج هادىء ، ومنعزل ، بديناصور غريب الشكل ، جسمه ضخم ، لكن رأسه صغير ، صغير جدا ، بالنسبة إلى رأسه ، وكان منهمكا في تناول العشب ، فاقترب منه وحياه قائلاً : طاب يومك ، أيها الديناصور .
ورفع الديناصور رأسه الصغير ، وحدق فيه ، ثم قال : أظن انك ديناصور عشبي مثلي .
فانحنى الديناصور ترودون ، وراح يأكل العشب ، فابتسم الديناصور ذو الرأس الصغير ، وقال : عرفت انك مثلي ، تأكل الأعشاب  .
ورفع الديناصور ترودون رأسه ، وقال :لايبدو انك تذوقت اللحوم .
فرد الديناصور ذو الرأس الصغير قائلاً :  طبعا ، فانا ديناصور ..
وتوقف عن الكلام ، فقال الديناصور ترودن :  اللحم لذيذ ، ولو تذوقته لربما أعجبك .
واتسعت عينا الديناصور ذو الرأس الصغير ، وقال : هل تذوقته أنت !
فرد الديناصور ترودون قائلاً : وأعجبني كما أعجبني العشب الندي .
وانتفض الديناصور ذو الرأس الصغير ، وأطلق سيقانه للريح ، وهو يصيح : ماما .. ماما



     4 
ــــــــــــــ
    مضى الديناصور ترودون ، يسير على غير هدى ، في أرجاء الغابة ، يحاور نفسه ، أكثر مما يحاور غيره من الديناصورات ، التي صادفها في طريقه .
انه ديناصور صغير ، جزء منه عشبي ، أي طيب ، ومسالم ، والجزء الآخر منه لحمي ، أي متوحش ، قاتل ، مفترس .
البعض ممن يعيشون في الغابة ، يقولون إن الديناصورات خاصة ، والحيوانات الأخرى عامة ، التي تأكل الأعشاب فقط ، كائنات طيبة ، ومسالمة ، وهؤء أنفسهم يقولون عن الديناصورات ، والكائنات الأخرى التي تأكل اللحوم فقط ، كائنات شرسة ، قاتلة ، مفترسة ، سفاكة للدماء .
ولكن البعض الأخر ، وهم قلة ، يقولون عن الديناصورات ، والكائنات الأخرى ، التي تأكل الأعشاب ، بأنهم ضعاف ، وجبناء ، ومهزومون ، بينما يقولون عن الذين يأكلون اللحوم ، بأنهم أقوياء ، وشجعان ، يهابهم الضعاف ، ويهربون من مواجهتهم .
أما هو ، الديناصور ترودون ، الذي يعرف الجميع بأنه أذكى الديناصورات على الإطلاق ، والذي ينطوي على الجنسين العشبي واللحمي ، فمع أي جانب يكون ؟
انه يريد أن يكون ضعيفا ، جبانا ، يخاف من التصدي للآخرين ، لكنه في نفس الوقت ، لن يكون قاتلاً ، مفترسا ، سفاكا للدماء .
يا للحيرة ..
يجب أن يصل إلى قرار ..
نعم ، هذا القرار صعب ، صعب للغاية ، لكنه ليس مستحيلاً .
وهكذا ظل يتوغل في أعماق الغابة ، وهو يحاور نفسه ، حول هذا الموضوع ، فهل ستنتصر الأعشاب على اللحوم فيه ، أم تنتصر اللحوم ؟
والآن لقد انقرضت الديناصورات ، منذ سبعين مليون سنة ، لكن قضية هذا الديناصور الصغير ترودون ، لم تنقرض ، وما زالت تنتظر من يضع حدا نهائيا لها .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق