السبت، 29 أبريل 2017

"من أنا ؟" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



من أنا ؟
بقلم: طلال حسن

     1
ــــــــــــــ
    خرجت الديناصورة العجوز من وكرها ، إنها متعبة جدا ، ولا غرابة فهي متقدمة في العمر ، ولكن مهما كان الأمر، فلابد أن تتناول بعض الطعام .
ورأت فسحة بين الأشجار ، مليئة بالأعشاب اللذيذة ، فسارت نحوها بخطى بطيئة ، ثم راحت تقضم ما تستطيع قضمه من تلك الأعشاب .
وتناهى إليها وقع أقدام مرتبكة ، متراكضة ، وسمعت ديناصورة تصيح : أيها اللعين ، أترك البيضة ، ليس لي غيرها ، إنها بيضتي الوحيدة .
وابتعد وقع الأقدام ، وساد السكون ، فعادت الديناصورة العجوز تقضم الأعشاب حتى شبعت ، واستدارت متأوهة ، متعبة ، ثم مضت تجر خطاها ، بعد أن امتلأت معدتها من الأعشاب اللذيذة .
وتوقفت الديناصورة العجوز ، وقد وقعت عيناها  المتعبتان على شيء يلمع بين الأعشاب ، فانحنت قليلا لتدقق النظر ، ثم اعتدلت متمتمة بدهشة : بيضة !
وأرادت أن تواصل سيرها ، وتمضي إلى وكرها ، لكنها توقفت محتارة ، ربما هذه بيضة الديناصورة ، فلآخذها عندي ، حتى أعثر على صاحبتها .
وانحنت ثانية ، وأخذت البيضة بين يديها ، وسارت بها بخطواتها  البطيئة  ، إلى وكرها ، حريصة أشدّ الحرص عليها ، وكأنها بيضتها الوحيدة .

     2
ــــــــــــــ
    بقيت البيضة في عش الديناصورة العجوز أياما ، على أمل أن تأتي الديناصورة الأم ، وتأخذها ، لكن أحدا لم يأت ، فخرجت الديناصورة العجوز ، ذات يوم ، لعلها تعثر على الديناصورة الأم ، لكن دون جدوى .
وفي اليوم التالي ، خرجت ثانية بحثا عن الديناصورة الأم ، وتوغلت بعيدا في الغابة ، ومرت ساعات ، وغابت الشمس ، وحل الليل لكن الديناصورة العجوز لم تعد إلى وكرها .
ومرت أيام عديدة ، دون أن تعود الديناصورة العجوز إلى الوكر ، ترى أين مضت ؟ ماذا جرى لها ؟ ربما سقطت في حفرة عميقة ، أو أوت إلى شجرة متعبة ، وفارقت الحياة ، قبل أن تشرق شمس اليوم التالي .
ولم تمر سوى أيام قلائل ، على غياب الديناصورة العجوز ، حتى تصدعت البيضة ، ثم خرج منها كائن غريب الشكل ، نحيل جدا ، ذو عينين واسعتين ، ومنقار طويل مليء بالأسنان ، ظل يتحرك في مكانه ، حتى غابت الشمس ، وهو يتمتم شاكيا ، ودون جدوى : ماما .. ماما .. ماما .
وحلّ الليل ، وساد الظلام ، لكن الكائن الغريب ظل يرى ما حوله بشكل واضح ، دون أن يعي بأنه من القلة ، التي ترى في الليل ، أفضل مما ترى في النهار .

     3
ـــــــــــــ
    خرج المخلوق الغريب ، في اليوم التالي ، من الوكر ، يسير متعثرا ، ووقع أكثر من مرة على الأرض ، وهو يردد : ماما .. ماما .
قبل منتصف النهار ، مرت به ديناصورة ، وقالت : هذا الصغير ابتعد عن الوكر ، دون علم أمه .
ورفع الكائن الغريب عينيه الكبيرتين إلى الديناصورة ، وقال : ماما .
وقطعت الديناصورة بعض الأعشاب ، ووضعتها أمام المخلوق الغريب ، وقالت : كل هذه الأعشاب ريثما تعود أمك ، لابد أنها تبحث لك عن طعام .
وانهمك الكائن الغريب بأكل الأعشاب اللذيذة ، وحين انتهى منها ، لم يجد أثرا للديناصورة ، فراح يصيح شاكيا : ماما .. ماما .
ولما لم يرد عليه أحد ، سار دائرا في المكان ، وعثر على أرض معشبة ، فتوغل فيها ، وراح يأكل من الأعشاب ، حتى شبع ، ولم يفكر أن يعود إلى الوكر ، بل رقد في مكانه ، واستغرق في نوم عميق .
في اليوم التالي ، رآه غراب أسود ، يدور بين الأعشاب ، ويأكل دون توقف ، وحدق فيه مفكرا .. هذا الديناصور اللعين غريب الشكل ، انه يأكل الأعشاب ، وآكلو الأعشاب كلهم طيبون مسالمون ، لكن هذا الكائن يبدو طيبا ، ومسالما ، فلأجربه .
وطار مبتعدا ، وعاد بعد قليل ، وفي منقاره قطعة لحم ، فهبط على مقربة من الديناصور الغريب ، ووضع أمامه قطعة اللحم .
وتوقف الكائن الغريب عن أكل العشب ، وحدق في قطعة اللحم ، ثم اقترب منها ، وتشممها ، ثم تذوقها مترددا ، وشعر أنها أعجبته ، فانقض عليها بأسنانه ، وراح يلتهمها حتى أتى عليها .
وهز الغراب رأسه متعجبا ، أمر غريب ، انه يأكل الأعشاب وكذلك اللحم ، هذا اللعين ، لو كنت طائرا جارحا لافترسته .

     4    
ـــــــــــــ
  مرت أيام وأيام ، والكائن الغريب ينمو ويكبر ، ويشتد عوده ، وبين حين وآخر كان الغراب يمر به ، ويزداد تعجبه منه كلما رآه مجددا ، هذا الكائن الغريب ، أهو ديناصور حقا ؟
وذات يوم ، حط على مقربة منه ، وراح يتأمله ، فتوقف الكائن الغريب عن قضم الأعشاب ، محدقا في الغراب ، فتساءل الغراب : أخبرني ، أيها الكائن الغريب ، فأنت تحيرني ، من أنت ؟
واقترب الكائن الغريب منه ، وتشممه مليا ، ثم قال له  : أنت لست ماما ، نعم ، لست ماما ، وتبدو لذيذا جداً ، بل ربما ألذّ من العشب  .
وتراجع الغراب خائفا ، فلاحقه الكائن الغريب ، وقال : تبتعد ، دعني أتذوقك ، وأتمتع بأكلك .
وهب الغراب فاتحا جناحيه ، وطار مبتعدا ، وهو يقول : انه يكبر هذا الكائن الغريب اللعين ، لن اقترب منه ثانية ، وإلا أكلني .
وتوقف الكائن الغريب ، وقال : ذلك اللحم الطائر ، لن أدعه يفلت مني مرة أخرى ، سأنقض عليه ، وأباغته ، وافترسه هو وريشه الأسود .

     5
ـــــــــــــ
    بقي الكائن الغريب ، يتجول هنا وهناك يقضم الأعشاب ، ويشرب  الماء من البرك القريبة ، وعند حوالي منتصف الليل ، عاد إلى وكره .
لم ينم ، رغم شعوره بالتعب ، وتراءى له الغراب يحدق فيه ، ويسأله : من أنت ؟
وفكر ، حقا من أنا ؟
لقد مرت عدة أشهر ، منذ أن خرج من البيضة ، لكنه لم يجد أحدا إلى جانبه ، وحتى عندما يصيح ماما ، يجبه أحد ، انه يعرف بالضبط من هي أمه ، بل ولا يعرف من هو بالضبط ؟
واستغرق في النوم ، وقد قرر أن الأوان قد حان لأن يعرف من هو ، وفي اليوم التالي ، وبعد شروق الشمس ، خرج من الوكر ، ومضى متوغلا في الغابة ، لعله يرى من يدله على حقيقته .
ورأى طيورا مختلفة ، وهو يعرف أن الطيور تبيض ، وقد خرج هو نفسه من بيضة ، ولكنه بالتأكيد ليس طائرا ، ولو كان طائرا لطار مثل الطيور .
ورأى غزلانا وأرانب وثعالب ، ومعها صغارها ، ترضع من أثدائها ، وهي تبيض ، إذن هو ليس واحدا من هذه الكائنات ، التي تلد وترضع صغارها .
وسمع وقع أقدام ثقيلة ، وبرز من بين الأشجار دب ضخم ، ومعه صغيره ، وراقبهما جيدا ، رأى الدب يأكل العشب والجذور ، لكنه في نفس الوقت يأكل كائنات صغيرة ، انه مثله عشبي وحم ، لكنه يبيض ، من الواضح انه ليس دبا .
ومضى يواصل تجوله ، مراقبا الكائنات الحية ، لعله يجد ما يماثله ، ليعرف حقيقته ، أهو ديناصور أم كائن آخر غير الديناصور ، هذا ما يريد أن يعرفه ، وفي أسرع وقت ممكن ، مهما كان الثمن .

     6
ـــــــــــــــ
    توقف الكائن الغريب مرعوبا ، عندما سمع وقع أقدام ثقيلة ، تهز الغابة ، وتبدو وكأنها متجهة إليه ، وعلى الفور ، أسرع واختفى وراء شجرة ضخمة .
 وأطل برأسه من وراء الشجرة ، وإذا بديناصورين كأنهما جبلان ، يدخل كل منهما من جهة ويقف احدهما في مواجهة اخر وسط تلك الفسحة .
قال احدهما ، وهو اكثر ضخامة ، ولكن اكثر هدوء أيضا : تي ـ ركس .
ففتح الثاني فمه المليء بأسنان كالخناجر ، وقال : نعم ، أنا تي ـ ركس .
وحدق ا ول في الثاني ، وقال : رغم أنني أضخم الديناصورات في الغابة إلا  أننا متناقضان .
وطقطق الثاني الذي اسمه تي ـ ركس أسنانه ، وقال : نعم ، أنا وأنت متناقضان جدا ، فانا آكل اللحوم وأنت رغم ضخامتك تأكل الأعشاب .
وقال اول : إنني لا أؤذي أحدا بأكلي للأعشاب ليتك أنت تأكل الأعشاب ، وتكون مثلي .
وزمجر الثاني الذي اسمه تي ـ ركس ، وقال : أنت تعرف لذة اللحم ، ولهذا فأنت تقول ما تقول .
وابتسم الثاني وتراجع قليلاً، ثم عاد من حيث أتى ، وقال : وسأبقى آكل الأعشاب  ما دمت أراها لذيذة ، ومادام أكلي لها يؤذي أحدا .
واستدار الثاني الذي اسمه تي ـ ركس ، وعاد من حيث آتى وهو يقول ديناصور أحمق ، لو كان اصغر حجما لهاجمته وفتكت به ، وافترسته
   7
ــــــــــ
    من اعلى هبط طائر ، يحمل في منقاره الطويل الشكل سمكة كبيرة ، وحدق الكائن الغريب فيه مندهشا ، أي طائر هذا ، الذي يغطي الريش جسمه .
وانتبه الطائر ، وهو يهم بأكل السمكة ، إلى وجود الكائن الغريب ، على مقربة منه ، فقال له : تفضل كل معي أيها الديناصور .
وحدق الكائن الغريب فيه وتساءل : ديناصور ؟
فقال الطائر ، وهو يقتطع قطعة من السمكة بمنقاره : لقد رأيت الكثيرين من أمثالك ، أنت ديناصور عشبي ، وكذلك لحمي ولهذا قلت لك تفضل .
وأقترب الكائن الغريب منه محدقا في السمكة ، فقال الطائر : يبدو انك لم تذق سمكة من قبل ، تفضل كل معي ، فهذه سمكة لذيذة .
ومد الكائن الغريب فمه وتذوق السمكة مترددا ، فقال الطائر : انتم تفضلون لحم الغزن ، ونحن الديناصورات الطائرة نفضل السمك .
وتوقف عن تناول السمكة ونظر إلى الطائر ، وقال : مازلت ديناصوراً صغيراً ، ليتني استطيع أن التقي بنوعي من الديناصورات .
فقال الطائر : إنها تتجول على قلتها قرب النهر ، ابحث عنها وستراها .
واستدار الكائن الغريب بعد أن دله الطائر على موقع النهر وسار مسرعا إلى حيث تتواجد أنواعه من الديناصورات .

   8
ــــــــــ
    على مقربة من الجدول رأى الديناصور ، ديناصورا ضخما لكنه ليس بضخامة الديناصورين اللذين رآهما في الغابة قبل قليل ، تي ـ ركس واخر العشبي .
وهذا الديناصور غريب الشكل رأسه صغير جدا بالنسبة إلى جسمه الضخم ، وله زوائد على ظهره ، وذيله طويل وشائك ، يستخدمه للدفاع عن نفسه .
وما أن أحس بوجوده ، هذا الديناصور ذو الرأس الصغير حتى رفع عينيه إليه محملقا فيه ، ثم قال : آه ديناصور ترودون  .
واقترب الديناصور الصغير منه مطمئنا ، وقال : يبدو انك تعرفني .
فقال الديناصور ذو الرأس الصغير وهو يقضم العشب النديّ : مرت بي صباح اليوم ديناصورة ترودون  من نوعك ، وقالت إنني ابحث عن ديناصور صغير ، قيل انه في هذه الأنحاء .
وشعر الديناصور الصغير بالفرح ، وقال : يقال أن الديناصورات ، التي من نوعي تتواجد بكثرة وراء الجدول .
فقال الديناصور ذو الرأس الصغير وهو ما زال يقضم الأعشاب : نعم إنهم عادة يرعون في هذه الأنحاء ، اذهب إليهم لعلك تجد تلك الديناصورة التي تبحث ربما عنك ، في كلّ مكان .
وعلى الفور انحدر الديناصور الصغير بجسمه الضعيف ، وعينيه الكبيرتين ، وعبر الجدول بخطوات سريعة ، لقد عرف بأنه ديناصور ، من نوع ترودون ، وانطلق متلهفا يبحث عن الديناصورات التي من نوعه .

   9
ــــــــــ
    دار الديناصور في المنطقة طويلاً، باحثا عن الديناصورات التي من نوعه والتي قيل له إنها قد تتواجد في ما وراء الجدول ، لكن دون جدوى .
والتقى في تجواله العديد من الديناصورات ، وميز بينها حتى ديناصورا من نوع تي ـ ركس ، لكن أياً منها لم يكن يشبهه .
وعندما بدأت الشمس تميل للغروب توقف الديناصور الصغير ، وخاف أن يدهمه الليل ، وهو في هذه ارض الغريبة فاستدار وعاد من حيث آتى .
وعندما عبر الجدول رآه الديناصور ذو الرأس الصغير ، فحدق فيه مفكرا ، ثم قال : صحيح إن راسي صغير لكني أتذكر إنني رايتك اليوم .
وتنهد الديناصور الصغير ، هذا الديناصور الطيب ، حقا ان رأسه صغير وذكاءه محدود ، فنظر إليه وقال : نعم ، لقد رأيتني اليوم .
وتوقف الديناصور ذو الرأس الصغير ، عن قضم الأعشاب ، وهذا نادرا ما يحدث ، وقال : آه تذكرتك ان جيدا ، أنت الديناصور الصغير ترودون ، الذي سألت عنه تلك الديناصورة التي من نوعك .
 ونظر الديناصور الصغير إلى الشمس التي بدأت تنحدر نحو افق وقال : بحثت طويلاً وراء الجدول ، لكني لم أرها ولم أرَ ديناصورا من نوعي .
وسار مبتعدا ، فصاح الديناصور ذو الرأس الصغير : مهلاً ، إلى أين ؟
فقال الديناصور الصغير ، دون أن يتمهل : الشمس تغرب سأذهب إلى وكري ، انه قرب البحيرة الصغيرة ، وأخشى أن يداهمني الليل قبل أن أصل إليه .


   10
ــــــــــــ
    تمدد الديناصور الصغير في مكانه داخل الوكر ، لكنه لم ينم رغم مرور ساعات على غروب الشمس ،  ربما لأنه متعب ، أم لأنه كان يفكر في تلك الديناصورة التي تبحث عنه في كلّ مكان ؟
ترى من هي ؟ ولماذا تسأل عنه ؟ إن الديناصور ذا الرأس الصغير ، لم يوضح له السبب إنه .. صغير الرأس ، ولا يبدو أنه ذكيّ .
وحوالي منتصف الليل سمع وقع أقدام خارج الوكر واعتدل في مكانه ، ترى من يكون ؟ ونظر إلى مدخل الوكر ، وعلى ضوء القمر الشاحب رأى ديناصورة من نوعه ، تقف محدقة فيه ، وقد بدا التأثر على ملامحها المتعبة ، الرقيقة .
ونهض الديناصور الصغير واقترب منها عند مدخل الوكر وقال : علمت انك تسألين عني .
فهزت الديناصورة رأسها والتمعت الدموع في عينيها الواسعتين ،  فتساءل : كيف عرفت مكان وكري ؟
فردت الديناصورة قائلة : رأيت الديناصور ذا الرأس الصغير عند المغرب فأخبرني بمكان الوكر .
وصمتت لحظة ثم قالت : ومنذ المساء وأنا ابحث عنك حتى وجدتك .
وقال الديناصور الصغير : بحثت عنكم نهار اليوم ، وراء الجدول فلم أرَ احد منكم .
فقالت الديناصورة : ربما صدفة وان كنا غالبا نخرج إلا في الليل .
ومدت يدها وراحت تمسد على رأسه ، ثم قالت : أين أمك ، أيها الصغير .
فردّ قائلاً : لم أعرف لي أماً .
وحدقت فيه من خلال دموعها ، وقالت : لقد سرق احدهم بيضتي ، ولم اعرف مصيرها ، ولو فقست في وقتها لكان لي صغير في عمرك .
وذ الديناصور الصغير بالصمت ، فقالت الديناصورة ، وهي تكاد تجهش بالبكاء : من يدري ، لعلك صغيري الذي فقدته .
ومد الديناصور الصغير يده وامسك بيدها وقال : إنني وحيد في هذا الوكر ابقي معي فيه .
فقالت الديناصورة ، ودموعها تسيل على خديها : بل تعال أنت معي وسنعيش معا في وكري ، يا عزيزي ، أنت منذ اليوم صغيري .
وانحنت عليه وضمته إلى صدرها ، وقالت : أنت صغيري ، وقد عدت لي ، هيا نذهب إلى وكرنا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق