الأربعاء، 1 مارس 2017

"البركة المسحورة " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



البركة المسحورة
بقلم: طلال حسن
    1
ـــــــــــ
    في منامها سمعته يستغيث : ماما ..
وهبت من نومها ، وهي تفتح عينيها متمتمة : بنيّ .
وتلفتت حولها ، لا أحد ، لكن أين صغيرها ؟ وأرهفت السمع ، أيضاً لا أحد ، آه إنه حلم ، وكأنها تتمنى أن تسمع صغيرها ، وهو يستغيث من خطر ما .
وأرادت أن تعود إلى مضجعها ، فالشمس لم تشرق بعد ، لكنها لم تستطع أن تنام ، فهي تريد أن تعرف أين صغيرها ، لتطمئن عليه .
وابتسمت ، صغيرها الماموث نونو ؟ آه أصبح لا يحب هذه الكلمة ، وطالما صاح منفعلاً : لا تقولي نونو ، لم أعد نونو ، انظري ، لقد كبرت.
وكان ينفعل أكثر ، حين ترد عليه قائلة : أنتَ عندي نونو ، مهما كبرت .
والبارحة أراد أن يخرج من الوكر ، فسألته مترددة : إلى أين ، يا نوهنو؟
وبانفعال ردّ عليها : لا تسأليني إلى أين ، إنني لم أعد ماموثاً صغيراً .
فقالت : بنيّ : أنا أمكَ .
فتراجع مبتعداً ، وقال : جميع الأمهات عداكِ ، يتركن أبناءهن يشقون طريقهم في الحياة ، دون تدخل ، لقد كبرتُ ، صرتُ ماموثاً راشداً .
ومضى مبتعداً ، فهتفت به : سأنتظرك عند منتصف النهار ، لنتغدى معاً .
وانتظرته عند منتصف النهار ، لكنه لم يعد ، ولم يعد حتى عندما غابت الشمس ، وها هو يغيب عنها ليلاً ، لأول مرة في حياته ، دون أن تدري في أي مكان من الغابة ، يبات تلك الليلة .

   2
ـــــــــ
    انطلقت الماموثة الأم ، تبحث عنه في الجوار ، وإن كانت تخشى أن يكون قد توغل وحده ، أو مع مجموعة من أصحابه ، في أعماق الغابة .
إنها تخاف عليه من الأخطار ، التي يمكن أن تواجهه ، إذا خرج وحده من الوكر ، أو ابتعد عنها ، وهما يرعيان في المروج الخضراء اليانعة .
ولقد حذرته ، في حالة كهذه ، من الديناصورات اللاحمة ، وخاصة من الديناصور تي ـ ركس ، وكذلك من السمايلودون ، الذي يشبه النمر ، في ضخامته ورشاقته ، وعلى العكس من النمر ، كان له نابان ضخمان يبرزان من فمه كسيفين حادين قاطعين ، كما حذرته من البركة المسحورة ، التي تسحب كلّ من يخوض فيها إلى الأسفل ، وخاصة الحيوانات الثقيلة ، وتغيّبه بحيث لا يظهر له أثر مطلقاً بعد ذلك .
ولم تجده في الجوار ، وتوغلت في الغابة ، حتى وصلت البركة المسحورة ، وتوقفت عند حافتها ، تنظر إلى الماء الرقراق الذي يغطيها ، وتعجبت كيف يمكن أن تسحب الحيوانات إلى الأعماق .
وتناهى إليها ، من بين الأشجار ، حركات مريبة ، مضطربة ، فأسرعت وتوارت وراء إحدى الأشجار الضخمة ، وسرعان ما رأت غزالاً فتياً ، خفيف الوزن ، يركض مذعوراً ، وفي أثره يركض الوحش سمايلوزون ، وهو يكاد ينشب مخالبه فيه .
ويبدو أن الغزال الفتيّ ، شعر بأن الوحش يوشك أن يمسك به ، فأسرع يخوض في ماء البركة ، وأسرع الوحش وراءه ، واجتاز الغزال مسافة كبيرة ، لكن الوحش ما إن ركض وراءه ، حتى توقف مذهولاً ، خائفاً ، وراح يغوص في البركة ، حتى اختفى تماماً ، بينما اجتاز الغزال البركة ، وانطلق مبتعداً ، لا يلوي على شيء .      

   3
ــــــــ
    تركت الماموثة الأم البركة المسحورة ، ومضت تتوغل في الغابة ، مواصلة البحث عن صغيرها الحبيب ، وفكرت أنها ستجن إن لم تعثر عليه ، وهي ترى في أعماقها ، الديناصور اللاحم تي ـ ركس ، يهاجمه ويفتك به ، أو أنه ، وهذا ما لا تريد أن تتصوره ، يغوص في البركة المسحورة ، ولا يبقى له أثر .
وتوقفت مذهولة ، حين جاءها صوت صغيرها يستغيث من مكان قريب  : ماما .
أهو منام ؟ لكنها مستيقظة ، تسير بين الأشجار ، على مسافة ليست بعيدة عن البركة ، وثانية جاها الصوت المستغيث : ماما .. إنني أغرق .
وانتفضت بقوة ، الصوت مصدره البركة ، نعم ، البركة المسحورة ، وبسرعة البرق ، انطلقت الماموثة الأم عبر أشجار الغابة إلى البركة ، وخلال ركضها المجنون ، سمعت صغيرها يستغيث بصوت باكٍ خائف  : ماما .. ماما .. ماما .
وأشرفت على البركة المسحورة ، ورأت صغيرها فعلاً يغوص حتى ركبه في البحيرة ، فأسرعت تخوض الماء إليه ، ولم تلتفت إلى ماموث ضخم ، كان يقف عند حافة البركة ، ويصيح بها : توقفي ، ستبتلعك البركة ، كما تبتلع الصغير ، توقفي ، توقفي .
لكنها لم تتوقف ، وخاضت بدون حذر ، وأمسكت صغيرها بخرطومها ، لكنها كلما حاولت أن تسحبه غاصت هي الأخرى ، وفجأة شعرت بخرطوم قوي يمسك بها ، ويمنعها من الغوص داخل البركة ، ومن جهتها ظلت متمسكة بصغيرها ، وشعرت بأن الخرطوم القويّ يسحبها خطوة بعد خطوة ، هي وصغيرها ، حتى صارا معاً على الشاطىء الرملي للبركة . 
 والتفتت إلى منقذها ، وإذا هو الماموث الكبير ، فقالت له : أشكرك ، لقد أنقذتني ، وأنقذت صغيري ، من موت محقق في هذه البركة القاتلة .
وقبل أن يرد الماموث الكبير عليها ، شعرت بصغيرها يعانقها بقوة ، فمدت خرطومها ، ومسدت به على رأسه ، وقالت : بنيّ ، حبيبي ، اطمئن ، أنت بخير .
وقال الماموث الصغير : ماما ، إنني متعب ، هيا نعد معاً  إلى الوكر .
ومرة أخرى ،  شكرت الأم الماموث الكبير ، ثمّ مضت نحو الوكر ، ومعها مضى الماموث الصغير، وهو يقول لها : ماما ، لن أبتعد ثانية عنك أبدا.
وابتسمت الديناصورة الأم ، وقالت : بالعكس ، يا صغيري ، أنت تكبر ، ولك أن تغادرني ـ في الوقت المناسب ـ كما غادرتُ أبويّ .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : لقد أخطأت باقترابك من البحيرة المسحورة ، وما أريده منك ، أن لا ترتكب هذا الخطأ مرة أخرى ,



    ملاحظات
ـــــــــــــــــــــــ
× ـ البركة المسحورة : بركة مليئة بالقار ، تغطيها طبقة رقراقة من الماء ، تخوض الحيوانات المختلفة فيها ، لتشرب الماء ، فتغوص إلى أعماق القار .

× ـ الماموث   : نوع من الثدييات الفيلية المنقرضة ، ارتفاعه حوالي " 5 " أمتار ، وله نابان عاجيان أكبر من نابي الفيل الحالي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق