الأربعاء، 18 يناير 2017

"بذرة المحبة" قصة للأطفال بقلم: دليل زينب



بذرة المحبة
دليل زينب
يحكى انه كان لرجل حديقة جميلة زينها بأزهار مختلفة الألوان و أشجار خضراء متنوعة الثمار، كان الرجل يحب حديقته كثيرا، و يقضي معظم وقته بها، يقلم أشجارها ويسقي أزهارها، يزج العشب و يقتلع الأعشاب الضارة.. وإذا شعر ببعض التعب جلس على كرسيه الهزاز المقابل للحديقة يتأمل جمالها يقرأ كتابا أو يحتسي فنجان قهوة. 
كانت الحديقة مصدر سعادة له ولكثير من المخلوقات الصغيرة مثل الفراشات التي تزيد بألوانها الزاهية للمنظر رونقا و جمالا و النحلات النشطات تنتقل من زهرة إلى أخرا ترتشف رحيقها و تلقحها، واليعاسيب والنملات و غيرها وكانت العصافير هي أيضا تحب زيارة الحديقة تتنقل بين أغصان أشجارها تشدوا وتغرد،  وكان من بينها عصفورا صغيرا اخضر اللون مميزا من بين كل الطيور التي تزور الحديقة، كان هذا العصفور يراقب الرجل وهو يعمل فيشدو بصوت عذب شجي و يحوم حوله وبين الحين و الآخر يحط على كتفه أو يقف عند شرفة بيته كأنه يخصه بالتغريد دون سواه، و إذا أبطأ الرجل أو تأخر في الخروج من البيت راح ينقر زجاج النافذة كأنه يستعجل لقاءه، فألفه الرجل و تعلق به قلبه و استأنس بصحبته.
   مع اقتراب موسم هجرة الطيور، بدأ الرجل يشعر بحزن و ضيق في صدره كلما فكر في فراق العصفور ،وفي يوم من الأيام غلبت عليه أنانيته ففكر في حبس العصفور خوفا عليه من مشقة السفر الطويل و ليتجنب الم الفراق ونار الشوق، واشترى قفصا جميلا ووضع به الحبوب التي يفضلها العصفور الأخضر ليستدرجه ، وما إن دخل العصفور وهو يلتقم الحبوب واحدة تلو الأخر بفرح وسرور حتى اقفل الرجل باب القفص، فتفاجأ العصفور و ارتعب ثم حاول أن يرفرف بجناحيه لكن القضبان صدته، أخد يغرد بقوة لكن هذه المرة كان تغريده  أشبه بصيحات الاستغاثة، ظل يرفرف بجناحيه محاولا الطيران لكن دون جدوى حتى انهكه التعب
كان صوته مزعجا، لكن الرجل ظن انه لا بد له أن يهدأ و يتأقلم في بيته الجديد. لأنه كان متأكدا من محبة العصفور له، مرت أيام و العصفور على حاله يحاول الخروج من القفص وهو يطلق تغريدا مزعجا يصم الاذان، امتنع عن الطعام والشراب فشحب لونه وتبدد جماله.
ندم الرجل وعلم انه اقترف خطأ كبيرا في حق العصفور الذي وثق به، ففتح باب القفص وانتظر خروجه لكن العصفور لم يقوى على الحراك، رفع رأسه ورمق الرجل بنظرات حزينة، عاتبة، فأخذه بين يديه ووضعه على حافة النافذة المطلة على الحديقة ليسترد قوته، فأطلق زفرة لفظ على إثرها أنفاسه الأخيرة، أجهش الرجل بالبكاء و اغرورقت عيناه، ثم صاح فزعا: يا الهي ما الذي فعلته... يا الهي سامحني....أي رجل سيء أنا؟؟
ثم حمل جثة العصفور و دفنها في ركن من أركان الحديقة، ومن شدة حزنه أهمل حديقته فذبلت الأزهار واصفرت أوراق الأشجار من العطش و تكاثرت الأعشاب الضارة، و كان يجلس كل يوم عند القبر يبكي ويعتذر، حتى ظن الناس انه فقد عقله.
 في يوم من الأيام وبينما هو على حالته تلك لاحظ خروج نبتة غريبة في المكان الذي دفن فيه العصفور، أخذت النبتة تكبر يوما بعد يوم ويزداد طولها حتى صارت شجيرة خضراء جميلة ثم أزهرت فكانت كلما تفتحت أزهارها مع شروق الشمس انبعثت منها رائحة زكية عطرة و تغاريد عذبة  كالتي كان يصدره العصفور، في بداية الأمر استغرب الرجل ما سمع ، لكن الأمر تكرر فقصد احد الحكماء وقص عليه ما حدث له ، فأخبره الرجل الحكيم أن بذرة المحبة التي كان يحملها العصفور في قلبه قد ارتوت من دموع الندم التي ذرفها الرجل فانبتت تلكم النبتة ولا يستطيع احد غيره سماع تغريدها، لأن العصفور كان هدية من حديقته شكرا وامتنانا على ما يبذله لرعايتها، ثم طلب إليه أن يكتم سرّه و لا يحدث به أحدا فيطعن في صدقه.
عاد الرجل لحديقته فرحا مسرورا، واخذ يعتني بالنبتة ذات الأزهار المغردة، و باقي الأشجار والنباتات لتعود الحديقة كما كانت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق