الاثنين، 25 يوليو 2016

"الدنيا ليست قطة" قصة للأطفال بقلم: د.عمر صوفي



الدنيا ليست قطة
د.عمر صوفي
        مازن طفل جميل ،عيناه تلمعان بالذكاء،  شعره غزير ، تخطى العام الثالث بقليل، وهو طفل وحيد، يعيش مع أمه، حيث يسافر والده إلى الخارج للعمل ولا يعود كل عام إلا لبضعة أيام.
     تولت أمه تربيته بمفردها، اعتبرته كل دنياها، إذا ابتسم تشرق الدنيا ، وإذا حزن تكدرت حياتها،  أحاطته بكل وسائل العناية والراحة، توفر له أفضل اللبس والطعام واللعب، إلا أنها كانت تخشى عليه بشكل مبالغ فيه، حتى كادت تحجبه  عن الآخرين، بل عن كل شىء فى العالم خارج البيت، فلم تكن تسمح له باللعب مع أقرانه من الجيران أو فى النادى خوفا من أن يصيبه مكروه، ولم تكن تسمح له بمشاهدة التلفزيون أو ألعاب الكمبيوتر خشية على عينيه، ولم تصحبه يوما إلى منتزه أو حديقة حيوان ، بل كانت تغلق كل النوافذ وأبواب الشرفات فى البيت بشكل دائم ، فعاش مازن كأنه فى كوكب غير كوكب البشر.
    لم يعرف مازن من الكائنات الحية إلا قطته الجميلة ، كان يلعب معها كثيرا ، ويسعد بمشاهدتها وهى تتقافز حوله ، خاصة عندما رآها يوما تهاجم فأرا تسلل إلى المطبخ ، فكان يعتبرها أعظم الكائنات.
   كان مازن يكبر إلا أنه كان يبدو دائما أصفر الوجه، شاحب البشرة، فاقد الشهية، رغم أن أمه توفر له أفضل أنواع الغذاء، وعندما اصطحبته أمه يوما للطبيب قال لها :
- أستاذة منى ليس بالطعام الجيد وحده ينمو الأطفال أصحاء، مازن لا بد أن يخرج إلى الطبيعة حيث الشمس والهواء الطلق النقى ، كل ذلك مهم لبناء جسمه وتجديد حيويته.
      ومع ذلك ظلت الأم تعزله عن العالم.
   وصل مازن إلى سن الرابعة وكان يجب أن يلتحق بالروضة، لكن أمه ترددت طويلا فى تقديم أوراقه ، خوفا عليه من الخروج والبقاء فى الروضة بعيدا عنها ، ولم توافق إلا بعد إلحاح أبيه وصديقتها التى قالت لها:
- صديقتى منى ،  مازن أصبح كبيرا ،لا بد أن يلتحق بالروضة كبقية الأطفال.
    وافقت الأم واشترت له ملابس وأدوات الروضة واصطحبته فى اليوم الأول لبدء السنة الدراسية.
   بدا مازن وجلا مترددا يخشى الاندماج بالأطفال، لكن ابتسامة المعلمة ومعاملتها الطيبة شجعته تدريجيا على الاختلاط برفقائه .
     وفى أحد الأيام قدمت لهم المعلمة عدة أنشطة وسألت مازن:
- عزيزى مازن ، أيهما أكبر الأسد أم القطة؟
   رد مازن بلا تردد:
- القطة أكبر من الأسد.
  ضحك الأطفال ، واندهشت المعلمة ، إلا أنها زجرتهم وعادت تسأله :
- وأيهما أكبر يا مازن القطة أم الفيل؟
   أجاب مازن بكل ثقة:
- القطة طبعا،  القطة أعظم المخلوقات، القطة أكبر من الأسد والفيل.
   ضحك الأطفال مرة أخرى، وشعر مازن بالخجل وأحمر وجهه.
    احتارت المعلمة فى تفسير إجابة مازن وإصراره عليها رغم أنها أطلعته على عدة صور ومجسمات للحيوانات. اتصلت بوالدته وطلبت منها الحضور إلى الروضة .
   جاءت الأم إلى الروضة فى اليوم التالى فسألتها المعلمة:
-  ألم يذهب مازن يوما إلى حديقة الحيوان؟
أجابت الأم:
-  كلا .
سألتها المعلمة مرة أخرى :
- ألم يشاهد فيلما أو برنامجا عن عالم الحيوان؟
أجابت الأم :
- كلا ، أنا أخشى عليه من الذهاب إلى حديقة الحيوان، أو مشاهدة التلفزيون أو الكمبيوتر نهائيا.
  ردت المعلمة :
-  إذن أنا فهمت سبب إصرار مازن على أن القطة أكبر الحيوانات.
    نصحتها المعلمة بتغيير طريقة تربية ابنها، لأنها تحرمه من الاستمتاع بطفولته ، وتجعل تفكيره قاصرا محدودا لعزله عن عالمه المحيط الثرى بالأشياء والكائنات.
     اقتنعت الأم برأى المعلمة وبدأت تصحب مازن إلى النادى للعب مع الأطفال  ، والى المنتزهات حيث الهواء النقى والأزهار،  وسعد مازن كثيرا عندما ذهب إلى حديقة الحيوان، هناك شاهد الأسد والنمر والفيل والزراف والقرد والغزال وغيرهم، وأدرك أن الحياة غنية بالمخلوقات مختلفة الأشكال والأحجام، وأن الدنيا ليست قطة فقط، وإن كان هذا لم يقلل من حبه لقطته العزيزة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق