الجمعة، 29 يوليو 2016

"البحْرُ يضحَكُ مِنَ الأعْمَاقِ " قصة للأطفال بقلم: مالك الشويّخ

 البحْرُ يضحَكُ مِنَ الأعْمَاقِ


تأليف: مالك الشويّخ
 صفاقس / الجمهورية التونسية.
رسوم: إشراق عنودة
ـ 1 ـ
    هَرْوَلَ طارقٌ نحْوَ أصحابِهِ وهو يصيحُ بأعْلَى صوتِهِ:
" لقد سرقُوا البحْرَ... لقد سرقُوا البحرَ... "
    هَرَعَ الأطفالُ مُسْرعينَ نحْو طارق، وتساءلوا في حيْرَةٍ: " متـى ؟ "
" أين أخْفَوْا البحرَ ؟ "
" لماذا سَرَقُوا البحرَ ؟ "
" متـى وقَعَ ذلك ؟ "
"مَنْ فعلََََ ذلك ؟ ".
    قال طارقٌ بإصرارٍ:
 " لنْ نَسْمَحَ لهم بذلك."
    وصلَ الأطفالُ إلى الشاطئ لاهثين، وقفُوا مشْدُوهِين. رأوا المكانَ خرابًا يبابًا... أكْداسٌ من الحجارةِ وإسْفَلْتِ الشَّوارِعِ وأكْوَامٌ مِنْ بَقَايَا البِنَاءِ وأنابيبُ صدئةٌ وبقايا حديدٍ وآلاتٌ غيرُ صالحَةٍ للاستعمالِ. أزْكَمَتْهُمْ رائحةٌ خانِقَةٌ منْ سُحُبٍ سوداءَ مسمومةٍ تنْفُثُها مداخِنُ كريهةٌ مِنْ بعيدٍ.
    " منْ سَرَقَ البحْرَ ؟ "
    خرجَ من خِرْبَةٍ هناك رَجُلٌ أشْعَثُ أغْبَرُ يلْبَسُ أسْمالاً باليةً.
   قال أحمدُُ :  " لِنسْألْهُ.. "
ـ دعْكَ منهُ.
    نظرَ إليهم ببلاهَةٍ وضَحِكَ ضحكةً مَعْتُوهةً.
ـ أين البحرُ ؟
ـ ها .. ها .. ها .. ذهب إلى إيطاليا  ها .. ها .. ها..
    بعضُ الطيورِ السَّوْدَاءِ تُحَلِّقُ عَالِيًا، ثُمَّ تَحُطُّ على أَكْدَاسٍٍ ِمنَ الْفَضَلاتِ بَاحِثَةً بمَناقِيرِهَا الْخَشِنَةِ عن ديدانٍ وَسَطَ الْعَفَنِ والروائحِ العَطِنَةِ.
ـ إنّها رائِحَةُ جيفَةٍ.
ـ لِنذْهَبْ من هنا.
    قال طارق:
ـ لنْ نذْهَبَ ... البحْرُ يُنادينا، البحْرُ يستغيثُ... لن نتخلَّى عنهُ.
    سَمِعوا صوتًا هادِرًا .
ـ إنّهُ هديرُ ألأمواجِ
ـ البحرُ قريبٌ.
ـ 2 ـ
    عادَ الأطفالُ في الغَدِ، كانَ الحُزْنُ يُخيِّمُ علَى وُجُوههم الصَّغيرَِةِ.
    ـ لِنَحْفِرْ حُفْرَةً عَميقَةً.
    حَفَرُوا بأيديهم النّاعمةِ، اتّّّخذوا أخشابًا فؤوسًا. هذه قواريرُ مُهَشَّمةٌ وعُلَبٌ فارٍغَةٌ وأخْشابٌ. أصابَ ُزُجاجٌ يَدَ سالم فبكى مِنَ الألَمِ بِحُرْقَةٍ.
    جاءتْ رانيةُُُ ومعها أخوها الصّغيرُ، وقالتْ:
ـ ماذا وجَدْتُمْ ؟
ـ لا شيْءَ غيْرَ القُمامَةِ.
ـ لقد سألتُ جدّي عن الْبحْرِِ.
    نظرُوا إليها جميعًا بِفُضُولٍ وانتباهٍ.
ـ ضحِكَ جدّي وقالَ لي: قلتُ لهم مرارًا وتكرارًا إنّهم سيحوّلون البحَْرَ فلَمْ يُصَدِّقُوني...
    سألُوها بصوْتٍ وَاحِدٍ:
ـ هلْ يَعْرِفُ منْ سَرَقَ البَحْرَ ؟ أتَمَّتْ كلامَها:
ـ كانتْ الشواطِئُ نظيفَةً هادِئَةً مُزْدَحِمَةً بالعائِلاتِ تأتيها للاصْطِيافِ والسّباحَةِ... كانتْ الْمِياهُ نظيفَةً وعَميقَةً... وتدْفَعُ الأمْواجُ الضَّريعَ وتُلْقي به أكداسًا مع صناديقِ البَحْرِ الفارِغَة ...


عِيلَ صبْرُ الأطفَالِ، ونَهرُوا رانيَةَ:
ـ هلْ يَعْرِفُ منْ سَرَقَ البَحْرَ ؟
    تجَاهَلَتْ سُؤالَهُم وواصلَتْ:
ـ ... كانَتْ النَّوارِسُ تُحَلِّقُ بأجْنِحَتِها الْعَريضَةِ البيْضاءِ وهْي تَصيحُ وتقول: أحبّك أيّها البحرُ ...
وكانتْ الأسْماكُ تسْبَحُ في زرافاتٍ بيْضاءَ كالّلُجَيْنِ
وهي تُردِّدُ: أحبّكَ أيُّها البحْرُ... قوارْبُ الصيّادين تمْخُُرُ المياهَ نحْوَ الأعْماقِ لِتَعُودَ مُحَمَّلَةً بالأسْماكِ، ويقولُ الصيّادُون : اللَُّهُمَ أدِمْ عَلَيْنا هذه النِّعْمَةَ...
    قالَ طارق:
ـ كفَى رانية... كفى، هذا نعرفُهُ جيّدًا...
   قالَ قيْس:
ـ الشّّمسُ مُشرِقَةٌ والطّيورُ تُزَقْزِقُ...
    وَسَمِعُوا مُجَدَّدًا هَدِيرًا.
ـ الْبَحْرُ يَسْتَغِيثُ ويطْلُبُ النّجْدَةَ.

ـ 3 ـ
    أرْهَفُوا السَّمْعَ، قاَلَ حافظ:
" هذا الْهَديرُ لَيْسَ صَوْتَ الأمْواجِ. "
ـ نعم... إنّها شاحِناتٌ قادمةٌ وَصَلَتْ إلى الشاطئِ.
ـ شاحنات ؟
    اقْتَرَبَتْ ثلاثُ شاحِناتٍ عملاقَةٍ، ووَصلتْ إلى الشاطئِ. كانتْ مُحَمَّلَةً بِبََقَايا بِناءٍ.
    قَالتْ رانيةُ:
ـ إنَّهُم سَيَبْنُونَ جَبلاً شاهِقًا لِنرَى البَحَْرَ.
    وأطْلَقَتْ ضحْكةً سُرْعانَ ما كتمتْها عندما رأتْ
تكشيرَةَ الأطفالِ.
    قَالَ طارق :
ـ اِتْبَعُوني... عليْنا أنْ نمْنَعَها من إنزالِ حُمولَتِها.
    قامُوا جميعًا ثمّ تراجَعُوا عندما نزلَ من شاحنةٍ صغيرةٍ مُصاحبَةٍ سواعِدُ مفتولَةٌ، ثمّ سَمعُوا شتائِمَ نزلتْ على رُؤُوسِهم الصّغيرةِ كالصَّواعِقِ. عَلَتْ وراءَ الشاحِناتِ غَمامَةٌ مِنَ الغُبَارِ الأسْحَمِ، وتكوَّمتْ أكْدَاسٌ مِنَ الحِجَارَةِ والأتْرِبَةِ.
    تحوَّلَتْ ضحكةُ رانية إلى نحيبٍ، وقالتْ بِحُرْقَةٍ:
ـ لقدْ صًَدَقَ جَدِّي ... لقد طردُوا البحْرَ... إنَّهم يَكْرَهونَهُ.
    أخذ طارق يُواسِيها فكفْكَفَتْ دُمُوعَها ونظرَتْ
إليه، فقالَ:
ـ لنْ نسْكُتَ، إنّنَا نُحِبُّ البحْرَ ونَعْشَقُهُ... إنّهمْ لمْ يَسْرِقُوا البحْرَ، لا يُمْكِنُهُمْ سَرِقَةُ البَحْرِ... لِنَجْلِسْ ونُفَكِّر طويلاً...
    قال حافظ:
ـ إنّهم يُلَوِّثونَ البَحْرَََََ... نحْن نُريدُ أن نسْبَحَ وسَط مياهٍ صافِيَةٍ ونظيفةٍ.
قال الأطفالُ معًا : "سندافِعُ عن البحْرِِ، البحْرُ صديقُنا."
ـ موعِدُنا غَدًا...
ـ 4 ـ
    في الغَدِ ، جاء الأطفالُ بأعْدَادٍ غفيرةٍ، فاقتْ الخَيالَ.


 ـ ضََعْ الحجارةَ في الْنقَّالة.
ـ اِحْذَرُوا مِنَ الزُّجَاجِ المهشَّمِ.
ـ وجدتُ جسمًا أسْوَدََ.
ـ واصِلْ الحَفْرَ.
ـ ها ها ها... إنّها فردةُ حذاءٍٍ بالية.
ـ هذا الثّطْلُ ثغيرٌ جدًّا.
ـ السّطْلُ ستحتاجُهُ لِبناء قصورٍ مِنَ الرّمالِ.
قالَ وحيد:
" وعدني أبي أن يكونَ معنا في نهاية الأسبوعِ. "

ـ 5 ـ
    بَعْدَ أسابيعَ منَ العَملِ الشّاقِ ، ثبّتَ الرّجالُ شمسياتٍ على امتدادِ الشاطئِ.

    قالتْ رانية:
" قالَ لي جدّي: ستعُودُ النّوارسُ قريبا... النّوارسُ تُحِبُّ الشواطئَ النّظيفةَ."
    قال طارق:
" أنْصٍتُوا جَيِّدًا... البحْرُ يَضْحَكُ مِنَ الأعْماقِ..."

هناك تعليقان (2):

  1. أريد شراء قصة البحر يضحك من الأعمال لإبنتي فلم أجد أي نسخة في صفاقس
    كيف أتحصل على واحدة

    ردحذف
  2. أين نجد هذه النسخة

    ردحذف