الأحد، 19 يونيو 2016

"دبدوب والتمساح " قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



دبدوب والتمساح
طلال حسن
    الحكيم
ــــــــــــــــــ
    أويتُ إلى فراشي في وقت متأخر ، لعلها الشيخوخة ، نعم ، إن الشيوخ بهمومهم وأوجاعهم قلما ينامون .
ولم أكد أغفو ، حتى هزتني طرقات كقصف الرعد ، ونهضت ملسوعاً ، لا أحد يطرق الباب هكذا إلا .. ، لكن هذا مستحيل ، فالليل يكاد ينتصف .
وفتحتُ الباب ، يا إلهي ، إنه هو نفسه .. دبدوب ، وقبل أن أصرخ به ، بادرني قائلاً : جدي ، جاءني اليوم .
وانفجرت غيظاً : أيها الأحمق ، نحن في منتصف الليل .
وشهقت وقد جحظت عيناي ، وما إن التقطت أنفاسي ، حتى صحت : جدك ! يا لك من أبله ، إن جدك مات قبل أن تولد بثلاث سنوات .
وتطلع دبدوب إليّ ، وقال : أعرف ، أعرف ، لقد جاءني في المنام .
ومددت يدي ، أبحث عن عصاي ، فهي الرد الوحيد عليه ، أما دبدوب فقد تابع قائلاً : وطلب مني أن أكمل رسالته ، فأنا كما تعرف .. حفيده .
وتأوهت غيظاً ، فيدي لم تقع على عصاي ، وقال دبدوب : لقد حقق جدي الكثير ، لكنه مات وفي نفسه حسرة ، لقد أراد أن يعرف عدد اسنان التمساح ، دون جدوى .
ولم أتمالك نفسي ، فصحت بانفعال ، وأنا أشير بيدي نحو النهر : التمساح هناك ، اذهب وادخل رأسك في فمه ، مثلما فعل جدك ، وعد أسنانه .
وحدق دبدوب فيّ ملياً ، ثم استدار ، ومضى نحو النهر ، وهو يقول : لابد أن أكمل رسالة جدي ، مهما كلفني الأمر .
وصفقت الباب بعاف ، وعدت إلى فراشي ، وأغمضت عينيّ ، إنني متعب ، وأريد أن أرتاح ، وسأرتاح إذا نمت ، لكني لم أنم ، وكيف أنام ، وهذا المجنون دبدوب ، قد مضى إلى النهر ، ليعد أسنان التمساح ؟
وتقلبت في فراشي ، أيعقل أن يمضي دبدوب إلى .. ، لا ، لا يمكن ، مهما بلغ من الجنون فلا يمكن .. ، لكن جده فعلها ، ولم يخرج حيّاً من فم التمساح ، يا إلهي ، يبدو أنني لن أنام الليلة .

     الأم
ـــــــــــــــــ
    استيقظتُ مبكرة ، وكالعادة لم أجد دبدوب في فراشه ، لابد أنه الآن يلاحق الفراشات ، ليعد ألوانها وأنواع أجنحتها ، يا للجنون ، إنه لا يعرف العد لأكثر من خمسة ، ومع ذلك يريد أن يعد كل شيء ، إنها الوراثة ، فجده أيضاً كان مجنوناً بالعد ، وقد انتهى ، وهو يعد أسنان التمساح .
وانتصف النهار ، دون أن يعود دبدوب ، فساورني القلق عليه ، آه يبدو أن فراشة غريبة قد راوغته ، واستدرجته إلى أعماق الغابة ، ومن يدري ، لعله ضلّ الطريق .
ونهضتُ مسرعة ، وبحثت عنه في كل مكان ، دون جدوى ، وقصدت أصدقاءه سنجوب وأرنوب وسلحوفة ، وسألتهم عما إذا كانوا قد رأوه ، لكن عبثاً ، فإن أيّاً منهم لم يره اليوم .
ورجعت خائبة إلى البيت ، والشمس تميل إلى الغروب ، وإذا فكرة تلتمع في ذهني ، يا لحمقي ، كيف غاب هذا عني ؟ وكالسهم انطلقت نحو بيت .. الدب الحكيم .
ورأيت الحكيم بالباب ، يستند على عصاه ، مستغرقاً في التفكير ، فأسرعت إليه ، وصرخت : ابني ، ابني دبدوب .
وانتفض الحكيم ، وكاد يهوي على الأرض ، وما إن رآني حتى تمتم : دبدوب !
وصرخت ثانية : إنني أبحث عنه منذ الصباح .
واتسعت عينا الحكيم ، وتمتم برعب : يا إلهي ، التمساح .
وفغرت فمي مذهولة ، يبدو أن الحكيم قد خرف ، فمددت يدي إليه ، وقلت : أيها الحكيم ، إنني أسألك عن ابني .. دبدوب .
وشد الحكيم يده على عصاه ، ومضى يدب مسرعاً ، وهو يقول : هيا اتبعيني ، سنلحق بدبدوب ، هذا إذا لم يكن قد لحق بجده .

    دبدوب
ــــــــــــــــــ
    حلّ الليل ، فلأسرع ، لقد تأخرتُ كثيراً ، لابد أن أمي تبحث عني الآن ، آه لولا القمر لضللت طريقي ، ترى أين تذهب الشمس ليلاً ؟ سألحق بها مرة ، وأعرف سرّها ، وإلا كيف يمكن أن أكون عالماً مثل جدي ؟
يا لجدي العظيم ، لقد عبر النهر ، واكتشف قارة جديدة ، وتوغل في الغابة ، حتى وصل تخوم الصحراء ، وكاد يعرف عدد أسنان التمساح ، ولو لم يطبق اللعين فكيه ، و .. ، لكنه سيفرح ، حين سيجيؤني الليلة في المنام ، ويعلم أنني أكملت رسالته ، وعرفت عدد أسنان التمساح ، وسيأخذني في أحضانه ، ويهتف فرحاً .. ، وسمعت هاتفاً يصيح : دبدوب .
وخفق فلبي بشدة ، وتسمرت في مكاني ، وأجبت مرتعداً : نعم ، جدي .
وجحظت عيناي ، وكدت أتهاوى على الأرض ، فقد وقف أمامي شبحان ، وسمعت أحدهما يتمتم قائلاً : يا ويلي ، لقد جن .
يا إلهي ، إن صوته يشبه صوت الحكيم ، وقال الشبح الثاني : دبدوب ، إنني أمك .
يا لجبني ، إنهما ليسا شبحين ، هذه أمي ومعها الحكيم ، واندفعت إليهما قائلاً : لقد أكملت رسالة جدي ، وعرفت عدد أسنان التمساح .
وشهقت أمي صائحة : التمساح !
وفغر الحكيم فاه ، ثم تأتأ مرتعباً : لا تقل إنك أدخلت رأسك في ..
وابتسمت قائلاً : لا ، صديقي هو الذي دخل ..
وقاطعني الحكيم متسائلاً : وخرج !
فأجبته : طبعاً .
وتساءل الحكيم ثانية : من يكون صديقك الأحمق هذا ؟
فهتفت مبتسماً : الزقزاق .
وانفرجت أسارير الحكيم ، وأضاءت ابتسامة مطمئنة وجهه الشائخ ، وقال : أبشر ، يا بنيّ ، ستكون عالماً مجيداً مثل جدك .
ويبدو أن أمي ، لا تصدق بأني سأكون عالماً ، فقد أطبقت على يدي ، وشدتني بقوة ، وهي تقول : هيا وإلا انتهيت مثلما انتهى جدك .
ولذت بالصمت ، وسرت إلى جانب أمي ، منقاداً لقبضتها ، وراح الحكيم يدب متعثراً وراءنا ، مرتطماً بالأشجار ، فقد اختفى القمر خلف غيمة حالكة ، وساد الظلام ، وخطف طائر فوقنا ، فاحتضنتمي أمي ، وقالت : لا تخف ، إنه خفاش .
وتلفت حولي ، إنني لا أرى غير الظلام ، عجباً ، كيف يطير الخفاش ، دون أن يرتطم بالأشجار ؟ هناك سرّ ، ولابد أن أدرس الخفاش ، وأعرف هذا السرّ ، وإلا .. كيف سأكون عالماً مثل جدي ؟            



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق