شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
بقلم/ سالم محمود سالم
كَاَنَ الأُسْتَاذُ "مِحْرِزٍ" يَنْصَحُ
تَلاَمِيذَهُ بحُسْنِ مُعَاَمَلَةِ النَاسِ.
وَالأَمَانَة ِفِي الْمُعَاَمَلاَتِ وَحُسْنِ اَلآدَاءِ.
وَعَنْ تَهْذِيبِ النَفْسِ وَتَرْكِ الْمَعَاَصِي.
وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَلْتَزِمُوا بالأَمْرِ
بالْمَعْرُوفِ وَاَلنَهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَلَكِنَ
"مَحْمُودَ" قَاَطَعَهُ وَقَالَ بحِدَةٍ:
-
يَاأُسْتَاذُ. اَلْوَضْعُ سَىِءٌ لِلْغَايَةِ. لَقَدْ ذَهَبَ وَالِدِي إِلي
السُوقِ لابْتِيَاعِ بَعْضِ اَلأَغْرَاضِ، وَلَكِنَهُمْ سَرَقُوهُ وَغَشُوهُ فِي
الْمِيزَانِ وَرَجَعَ إِلَى اَلْبَيتِ غَاضِباً بشِدَةٍ.
كَاَنَ اَلْوَقْتُ ظُهْرًا.
وَاَلشَمْسُ
تُلْقِي بأَشِعَتِهَا اَللاَهِبَةُ عَلَى اَلأُسْتَاذِ وَعَلَى وُجُوهِ
النَاسِ.
وَاَلأُسْتَاذُ
يَمْسَحُ حَبَاتِ اَلْعَرَقِ اَلْفِضِيَةِ مِنْ عَلَى جَبْهَتِهِ.
وَالتَلاَمِيذُ مُتَرَاصُّونَ عَلَى مَقَاعِدَهُمْ.
وَلَكِنَ
كَلاَمَ "مَحْمُودَ" عَنْ أَبِيهِ جَعَلَهُمْ مَذْهُولِينَ.
غَيرَ
أَنَ "اَلأُستَاذَ" تَوَجَّهَ إِلَي قَاَبسِ الْمَرْوَحَة، وَقَامَ
بتَشْغِيلِهَا. مِمَا هَوَّنَ عَلَيْهِمُ شِدَةَ اَلْحَرَارَةِ.
ثُمَّ
وَقَفَ فِي مُوَاجَهَةِ التَلاَمِيذِ وَقَالَ:
-
مَاقَالَهُ زَمِيلُكُمْ "مَحْمُودٌ" هَذَاَ مَاَكَاَنَ يَفْعَلُهُ قَومُ
"مَدْيَنَ".
(( وَإِلَّى مَدْيَنَ أَخَاَهُمْ شُعَيْباً قَاَلَ يَاقَوْمُ اُعْبُدُو
اَللهَ مَاَلَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) (هود84)
سَأَلَتْ "هَدِيرُ":
-
مَنْ هُمْ قَوْمِ "مَدْيَنَ" يَا أُسْتَاذَ؟
قَاَلَ اَلأُسْتَاَذُ:
- "مَدْيَنَ" هَذِهِ مَدِيِنَةٌ فِي الأُرْدُنِ،
كَاَنَتْ مَشْهُورَةٌ بالتِجَارَةِ، وَاَلْبَيْعِ وَاَلشِرَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ
كَانُوا يَغُشُونَ وَيَقْطَعُونَ الطُرُقَ، وَيَسْرِقُونَ النَاسَ بِالإِكْرَاهِ،
وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الشَجَرَ، وَيُطَفِفُونَ اَلْكَيْلَ، وَيُخْسِرُونَ فِي
اِلْمِيزَانِ. حَتَّى بَلَغَتْ ذُنُوبُهُمُ عَنَانَ السَمَاءِ. فَأَرْسَلَ اَللهُ
"سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" سَيْدَنَا "شُعَيبَ" عَلَيْهِ
السَّلاَمُ يَدْعُوهُمْ إِلَي عِبَادَةِ اللهِ.
وَيَقُولُ لَهُمْ:
(( وَلاَ تُنْقِصُوا اِلْمِكْيَالَ وَاَلْمِيزَانَ إِنِي أَرَاكُمْ
بِخَيْرٍ )) (هود84)
وَكَاَنَ
"شُعَيْبٌ" يَنْهَاَهُمْ عَنْ فِعْلِ اَلْمُنْكَرَاتِ، وَيَنْهَاَهُمُ
عَنْ قَطْعِ الطُرِقِ عَلَى اَلنَاسِ. اَلْذِينَ كَاَنُوا يُرْهِبُونَهُمْ،
وَيَأْخُذُونَ أَمْوَاَلَهُمْ باَلْقُوَّةِ، وَدُونَ وَجْهِ حَقٍّ.
نَهَضَ
"مُحَمَدٌ" مِنْ مَكَانِهِ يَسْأَلُ:
-
وَهَلْ اسْتَجَابُوا لَهُ يَا أُسْتَاَذُ؟
رَدَّ
عَلَيْهِ "اَلأُسْتَاذُ":
- أَخَذَ يَدْعُوهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ عَاقِبَةِ
اَلْمُفْسِدِينَ، وَيَحُثُهُمْ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَةُ.
وَهُمْ
يَرُدُّونَ عَلَيْهِ باِسْتِهْزَاءٍ قَائلِينَ:
-
لاَتَتَدَخَلْ فِي شُئُونِنِا يَا "شُعَيبُ". اذْهَبْ إِلَي حَاَلِ
سَبيلِكَ!
(( قَاَلُوا يَاشُعَيبُ أَصَلاَتُكَ
تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا
مَا نَشَاءُ)) (هود87)
ثُمَ يَقُولُونَ لَهُ سَاَخِرِينَ:
- مَاَهَذَا اَلدِينُ اَلْغَرِيبُ اَلْذِي
يَتَدَخَلُ فِي شُئُونِنِا؟
(( إِنَكَ لأَنْتَ اَلْحَلِيمُ
اَلرَشِيدُ)) (هود87)
وَعِنْدَمَا
تَمَادُوا فِي سُخْرِيَتِهِمْ مِنْ نَبيِّ اللهِ "شُعَيبٍ".
قَاَلَ
لَهُمْ:
-
لَمْ أَنْهَكُمُ عَنْ شَيءٍ وَأَفْعَلُهُ أَنَا.
(( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَّى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ )) (هود88)
فَكَذَبُوهُ
أَيْضاً وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ:
- يَاقَوْمُ لاَ أُرِيدُ إِلاَ إِصْلاَحَ حَاَلِكُمْ،
وَمَاَ آمُرُكُمْ بهِ سَأَلْتَزِمُ بِهِ قَبْلَكُمْ. سَوْفَ أَلْتَزِمُ فِي
بَيْعِيِ وَِشِرَائِيِ وَتِجَارَتِيِ.
(( إِنْ أُرِيدُ إِلاَ اَلإِصْلاَحَ مَا
سْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَ باِللهِ )) (هود88)
وَماَزَاَلَ يَدْعُوهُمْ إِلَي تَرْكِ
الْمُحَرَمَاتِ.
وَهُمْ مُصِرُونَ عَلَي عِنَاَدِهِمْ لَهُ.
وَيَخْرُجُ مِنْهُمْ النَّاسُ إِلَي الطُرِقَاتِ
جَمَاعَاتٍ تَحْتَ سِتَارِ اَلْلَيلِ.
يَخْتَبِئُونَ فِي مَكَانٍ خَفِّيٍ. حَتَّى
إِذَا مَا مَرَ أَحَدٌ اِنْقَضُوُا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا مَاَ مَعَهُ مِنْ
نُقُوَدٍ وَأَغْرَاضٍ.
وَإِذَا عَارَضَهُمْ أَحَدٌ يْرَوْعُونَهُ،
وَيُهَدِدُونَهُ بالْقَتْلِ. بَلْ يَقْتُلُوهُ إِذَا عَارَضَهُمْ.
فَيَأْتِي أَحَدُهُمْ مِنْ خَلْفِهِ، وَيَضَعُ
عَلَى رَقَبَتِهِ خِنْجَراً حَاَداً أَوْ سَيْفاً بَتَّاراً،
وَيَقُولُ بصَوْتٍ جَهُوُرٍ:
- قِفْ مَكَانَكَ!
فَيَقِفُ
الرَجُلُ مَبْهُوتًا!
وَيَخْرُجُ
عَلَيهِ بَقِيَتُهُمْ. يُفَتِشُونَهُ، وَيَأْخُذُوا كُلَ مَاَ مَعَهُ، وَهُمْ
يَضْحَكُونَ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَبَعْدَ أَنْ يَأَخُذُوا كُلَ مَا مَعَهُ.
يَقُولُونَ لَهُ:
- هَيَّا اذْهَبْ أَيُهَا اَلأَبْلَهَ. إِذْهَبْ
وَإِلاَّ قَطَّعْنَاكَ إِرَباً إِرَباً!
وَقَاَلَ
اَلأُسْتَاذُ:
-
كَانُوا إِذَا اشْتَرُوا. يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِهِمْ، وَإِذَا بَاعُوا.
يُطَفِفِونَ اَلْكَيْلَ وَيُخْسِرُونَ اَلْمِيزَانِ، وَعِنْدَمَا
يَرَى"شُعَيْبٌ" ذَلِكَ. يَحْزَنُ وَيَنْهَاَهُمْ عَمَّا يَفْعَلُونَ،
وَلَكِنَهُمْ يَعْصُوُنَهُ.
نَهَضَ أَحَدُ التَلاَمِيذِ مِنْ مَكَانِهِ وَقَالَ
بصَوْتٍ فِيهِ حِدَّةٌ:
-
يَا أُسْتَاذُ مَاَحَدَثَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، يَحْدُثُ اَلآنَ فِي
مُجْتَمَعِنَا، وَيَحْدُثُ بشَرَاَسَةٍ. فَأَبِي ذَهَبَ إِلَى اَلسُوقِ لِشِرَاءِ
الْبَصَلَ، وَقَامَ اَلْبَاَئِعُ بوَزْنِ اَلْكِمْيَّةِ اَلْتِي طَلَبَهَا أَبِي،
وَعِنْدَمَا أَحْضَرَهَا إلَي اَلْبَيْتِ. قَاَمَتُ أُمِي بِوَزْنِهَا.
فَوَجَدَتْهَا نِصْفُ الْكِمْيَّةِ اَلْتِي دَفَعَ أَبِيِ ثَمَنَهَا لِلْتَاجِرِ.
أَي سَرَقَ اَلتَاجَرُ نِصْفَ اَلْكِمِيَّةِ.
نَظَرَ
اَلتَلاَمِيذُ إِلَي اَلأُسْتَاذِ وَهُمْ مُتَحَفِزُونَ، وَكُلٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ
أَنْ يَحْكِي حِكَايَةً. قَدْ حَدَثَتْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيهِ فِي السُوقِ، أَوْ
فِي إِحْدَىَ اَلْمَحَلاَتِ التِجَاَرَيةِ.
فَنَهَضَ تِلْمِيذٌ آخَرٌ وَقَالَ:
-
وَأَنَا يَاَ أُسْتَاذُ ذَهَبَ أَبِيِ إِلَي الْجَزَارِ لِشِرَاءِ "إِثْنَينِ
كِيْلُو" مِنَ اَلْلَحَمِ، وَعِنْدَمَا عَاَدَ إِلَي الْمَنْزِلِ شَكَّ فِي
أَنَ هَذِهِ اَلْلُحُومَ تَاَمَةٌ الْمِيزَانِ، قَاَمَ بوَزْنِهَا فَوَجَدَهَا
كِيلُو وَنِصْفِ اَلْكِيلُوَ. فَاَغْتَاَظَ
وَعِنْدَمَا عَاَدَ إِلَى اَلْجَزَارِ لِيُرَاَجِعَهُ فِي أَمْرِ
اَلْمِيَزاَنِ. نَهَرَهُ الْجَزَارُ، وَكَادَ يَفْتُكُ بهِ، وَرَفَضَ إِعَطَاءَ
أَبِيِ اَلْجُزْءَ اَلْذِيِ سَرَقَهُ مِنَ اَلْلَحْمِ، فَتَرَكَهُ أَبِيِ وَعَاَدَ
إِلَي اَلْمَنْزِلِ غَاَضِباً.
شَعَرَ
اَلأُسْتَاَذُ أَنَ مُعْظَمَ التَلاَمِيذِ يَتَأَهَّبُونَ. لأَنْ يُقَدِمُوا
حِكَاَيَاتٍ مِثْلَ هَذِهِِ اَلْحِكَاَيَاَتِ اَلْتِي حَدَثَتْ مَعَ ذَوِيهِمْ
وَأَقَارِبَهُمْ، مِنْ سَرِقَةٍ وَغِشٍ فِي اَلْمِيزَانِ وَنَصْبٍ، وَأَسَاَلِيبٍ
فِي اَلْغِشِ وَاَلْخِدَاعِ. يَتَفَنَنَ فِيِهَا النَصَّابُ. لِيَسْتَوْلِي عَلَى
أَمْوَاَلِ النَاَسِ بالْبَاَطِلِ.
قَاَلَ اَلأُسْتَاذُ:
-
يَاَ أَوْلاَدُ أَعْلَمُ أَنَ مَاَيَحْدُثُ اَلآنَ فِي الْبَيعِ وَاَلشِرَاءِ.
لاَطَاقَةَ لأَحَدٍ بهِ، وَلَكَنْ يَجِبُ عَلَينَا جَمِيعاً أَنْ نُوَاجِهَ
الظُلْمَ. فَالظَلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ.
سَأَلَ أَحَدُ اَلتَلاَمِيذِ:
- مَاَذَا نَفْعَلُ يَا أُسْتَاذُ؟
قَاَلَ
اَلأُسْتَاذُ:
- نَذْهَبُ إِلَي اَلْجِهَاتِ
اَلْمَسْئُولَةِ عَنْ مُقَاَوَمَةِ اَلْغِشِ وَنُخْبرُهُمْ بَأَمْرِ هَؤُلاَءِ
التُجَّاَرِ، وَبذَلِكَ يَتَطَهَرُ اَلْمُجْتَمَعُ مِنْ هَؤُلاَءِ اَلْغَشَاشِينَ،
وَيَجِبُ أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ مَاَ فَعَلَ
"شُعُيبُ" مَعَ قَوْمِهِ. عِنْدَمَا كَانَ يَأْمُرُهُمْ بعَدَمِ
اَلْغِشِ وَعَدَمِ اَلسَرِقَةِ.
وَيَقُولُ لَهُمْ:
- مَاَ آمُرُكُمْ بهِ سَأَلْتَزِمُ أَنَا بهِ.
سَأَلْتَزِمُ فِي بَيْعِي وَشِرَائِي.
وَلَكِنَ قَوْمَ "مَدْيَنَ" كَانُوا
يُصِرُّونَ عَلَى عِنَادِهِمْ لَهُ.
فَيَقُولُ لَهُمْ:
- أَخْشَى عَلَيكُمْ مِنْ عِقَابِ اللهُ. كَمَا حَدَثَ
لِقَومِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَاَلِحٍ وَلُوطٍ.
وَيَقُولُونَ لَهُ:
- يَاَ شُعَيْبُ أَنْتَ خَطِيبٌ مُفَوَهٌ تُحْسِنُ
الْكَلاَمَ. لاَ نَعْلَمُ شَيْئاً عَمَّا تَقُوُلُ.
وَيَقُوُلُ لُهُمْ:
- بَلْ أَنْتُمْ تَفْهَمُونَ مَا أَقُولُ.
قَاَلَ
أَحَدُ التَلاَمِيذِ:
-
لِمَاَذَاَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يَا أُسْتَاذُ؟
فَقَاَلَ اَلأُسْتَاَذُ:
- هُمْ يَفْهَمُونَ مَاَ يَقُوُلُهُ
"شُعَيْبُ" وَلَكْنَّهُمْ يُكَذِبُونَهُ وَيُجَاَدِلُونَهُ حَتَّى لاَ
يَلْتَزِمُونَ بتَنْفِيذِ كَلاَمِهُ لَهُمْ، بَلْ هَدَدُوهُ بشِدَةٍ. وَأَرَاَدُوا
أَنْ يَفْتِكُوا بهِ. لَوْلاَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخَاَفُونَ مِنْ أَهْلِه
وَعَاَئِلَتِهِ اَلْكَبيرَةِ.
((
وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بعَزِيزٍ )) (هود91)
وَصَاَرَ
"شُعَيْبٌ" يَقِفُ فِي وَجْهِ الِظُلْمِ بقُوَّةٍ، وَيَنْهَاَهُمْ عَنْ
سَرِقَةِ الَنَاسِ، وَأَكْلَِهمْ أَمْوَاَلَهُمْ باَلْبَاَطِلِ، وَعِنْدَمَاَ
كَاَدُوا لَهُ وَتَرَاَجَعُوا عَنْ اَلْفَتْكِ بهِ خَوْفَاً مِنْ أَهْلِهِ.
قَاَلَ لَهُمْ:
((
قَالَ يَاقَوْم أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اَللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا)) (هود92)
فَأَنَا أَقُولُ
لَكُمْ إِنَ اَللهَ يَنْهَى عَنِ الظُلْمِ، وَتَقُولُونَ لِي لَوْلاَ رَهْطُكَ
لَفَتَكْنَا بِكَ؟
قَاَلَ أَحَدُ
اَلْتَلاَمِيذِ:
-
كَيْفَ يَفْتِكُونَ بشُعَيْبٍ يَا أُسْتَاذُ؟
قَاَلَ
اَلأُسْتَاذُ:
-
هَدَّدُوهُ بأَنْهُ لَوْلاَ أَهْلُهُ وَقَوْمُهُ لَحَفَرُوا لَهُ حُفْرَةً لِكَي
يَضَََعُوُهُ فِيهَا. ثُمَّ يَرْجُمُوهُ بالْحِجَارَةِ.
وَيَقُوُلُونَ:
- أَنْتَ لَمْ تَكُنْ عَزِيزَاً عَلَينَا، وَلَوْلاَ
أَهْلُكَ لَعَذَبْنَاكَ.
وَمَاَزَالُوا
عَلَى عِنَاَدِهِمْ وَإِصْرَاَرِهِمْ عَلَى اَلْمَعْصِيَّةِ. حَتَّى ضَلُّوا عَنْ
الْحَقِيقَةِ اَلْتِي جَاَءَ بِها "شُعَيبُ"، وَأَرَاَدُو أَنْ
يُخْرِجُوهُ هُوَ وَأَوْلاَدَهُ مِنْ "مَدْيَنَ" وَأَخَذُوا يَكَيدُونُ
لَهُ.
وَهُوَ يَقُولُ:
((
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا باِلْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ
اِلْفَاتِحِينَ )) (الأعراف89)
وَهُمْ
يَتَرَبَصُونَ بهِ وَبِعَائِلَتِهِ وَيَقُوُمُونَ بمَُضَايَقَتِهِمْ. حَتَّى
يُخْرِجُوهُمْ مِنَ اَلْقَرْيَةِ.
وَهُوَ يُثَاَبرُ
مَعَهُمْ وَيَدْعُوْهُمْ إِلَي اَلْحَقِ، وَهُمْ كَاَرِهُوُنَ.
وَتَحَمَّلَ
مِنْهُمْ "شُعَيبٌ" ظُلْماً عَظِيماً، وَهُوَ يَصْبرُعَلَى ظُلْمِهِمْ.
حَتَّى جَاَءَ أَمْرُ اَللهِ.
سَأَلَ أَحَدُ اَلتَلاَمِيذِ:
- وَهَلْ خَرَجَ "شُعَيبُ" مِنَ اَلْقَرْيَةِ؟
قَاَلَ اَلأْسْتَاَذُ "مِحْرِزٍ":
-
نَعَمْ فَقَدْ أَدْرَكَتْهُ رَحْمَةُ اَللهِ، وَأَمَرُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ
اَلْقَرْيَةِ هُوَ وَأَهْلُهُ وَاَلْذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. فَعَلِمَ
"شُعَيبُ" أَنَ عَذَاَبَ اَللهِ لَهُمْ قَدْ حَاَنَ مَوْعِدُهُ.
(( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا
شُعَيْباً وَاَلْذِينَ آمَنُوا مَعَهُ برَحْمَةٍ مِنَّا )) (هود94)
قَاَلَ تِلْمِيذٌ
آخَرٌ:
- وَمَاَذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ يَاَ أُسْتَاَذُ؟
قَاَلَ اَلأْسْتَاَذُ:
- فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِمْ أَنَّهُ
سَيَأْتِي. اقْتَرَبَتُ الَشَمْسُ كَثِيرًا مِنْ قَرْيَتِهِمْ. بَلْ كَاَدَتْ
تَبْتَلِعُهَا، وَأَصَاَبَ النَّاَسُ حَرٌّ شَدِيدُ. كَاَدَتْ أَجْسَاَمُهُمْ
تَنْصَهِرُ مِنْ شِدَّةِ اَلْحَرِّ. أَصَاَبَهُمْ ذُعْرُ ُشَدِيدُ. فَخَرَجُوا
مِنَ اَلْقَرْيَةِ إِلَى اَلْخَلاَءِ. حَتَّى يَحْصُلُوا عَلَى قَدْرٍ وَلَوْ
قَلِيلٍ مِنَ اَلْهَوَاءِ. يُرَطِبُ أَجْسَاَمَهُمْ، وَأَخَذُوا يَتَخَبَطُونَ فِي اَلصَحْرَاَءِ. حَتَّى وَجَدُوا
مَكَاَناً ظَلِيلاً فَنَظَرُوا إِلَى اَلسَّمَاءِ. فَوَجَدُوا غَمَاَمَةً كَبيرَةً
قَدْ حَجَبَتْ ضَوْءَ الشَمْسِ. فَفَرِحُوا وَهَرْوَلُوا إِلَى هَذَاَ
اَلْمَكَانِ. حَتَّى يَحْتَمُوا فِيهِ مِنَ شِدَةِ اَلْحَرِّ. تَكَدَسُوا فَوْقَ
بَعْضِهمِ بَعْضاً، وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى اَلْغَمَامَةِ مِنْ فَوْقِهِمِ
مَذْعُوُرِينَ.
سَكَتَ اَلأُسْتَاَذُ قَلِيلاً ثُمَ قَاَلَ:
- وَبَيْنَمَا هُمْ تَحْتَ اَلْغَمَاَمَةِ. مِنْهُمْ مَنْ
هُوَ جَاَلِسُ ُعَلَى اَلرِمَالِ. لأَنَّهُ لَمْ تَقْوَ رِجْلاَهُ عَلَى حَمْلِهِ،
وَمِنَهُمْ مَنْ يَقِفُ مُنْتَصِباً، وَيَدَاهُ علََى رَأْسِهِ مَذْعُورًا،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْرُخُ وَيُصِيحُ مُسْتَغِيثاً. صَارَ صَخَباً لاَ يَخْمَدَ.
صَخَباً يَدُورُ مَعَ دَوَّامَاتِ اِلْغُبَارِ الْتِي أَحْدَثُوهَا فِي
اِلْمَدَىَ، وَبَيْنَمَا يَنْظُرُونَ جَمِيعاً صَوْبَ اَلْغَمَامَةِ، وَتَغْشَىَ
أَبْصَارَهُم الْمُفَاجَأَةُ. تَسَاقَطَ
عَلَيْهِمْ مِنْ جَوْفِ هَذِهِ اِلْغَمَامَةِ. شَرَرٌ كَالْحِمَمِ الْبُرْكَانِيَةِ.
تَقْضِيِ عَلَيْهِمْ، وَحَاصَرَتْهُمُ النِيرَانُ، وَأَلْهَبَتْهُمُ الصَوَاعِقُ،
وَانْتَشَرَتْ الْحَرَائِقُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اَلأَوْلاَدُ يَنْظُرُونَ إِلَى اَلأُسْتَاذِ.
مَذْهُولِينَ مِنْ هَوْلِ مَايُلاَقِيهِ أَهْلُ "مَدْيَنَ" مِنْ عَذَابٍ.
وَكَأَنَّهُ يَحْدُثُ أَمَاَمَهُمْ وَيَرَوْنَهُ بِأَعْيُنِهِمِ.
وَبالرَّغْمِ مِنْ أَنَهُمْ يَنْصُتُونَ إِلَى كَلاَمِ
اِلأُسْتَاذِ باِهْتِمَامٍ بَالِغٍ. إِلاَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدْ فِي
اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ شَىءٍ آخَرَ.
وَصَارُوا لاَ يَمْلِكُونَ إِلاَ أَنْ يُنْصِتُوا
فَقَطْ. وَاَلأُسْتَاذُ يَقُولُ:
- ارْتَفَعَ
صُرَاخُ أَهْلِ "مَدْيَنَ"، وَهَجَّتْ اِلطُيُورُ وَاَخْتَفَتْ فِي
اِلأُفْقِ، وَهَرَبَت اِلْحَيَوَانَاتُ فِي اِلْمَدَىَ الْبَعِيدِ. فَكَّرَ
اَلنَاسُ فِي مَكَانٍ يَحْتَمُونَ فِيهِ مِنَ اَلْحَرَائِقِ. فَلَمْ يَجِدُوا
أَمَامَهُمْ إِلاَ بُيُوتَهُمْ الْتِي تَرَكُوهَا مِنْ قَبْلُ، وَهَرَبُوا مِنْ
شِدَّةِ اِلْحَرِّ فِيهَا. لِيَحْتَمُوا باِلْغَمَامَةِ. اِلْتِي أَحْرَقَتْ
مِنْهُمْ قَدْرًا كَبِيرًا. فَرُّوا إِلَى دِيَارِهِمْ مَذْعُورِينَ. تَلْهَبُ
أَجْسَامَهُمُ النَّارُ، وَالرِمَالُ الْمُشْتَعِلَةُ تَلْهَبُ أَقْدَامَهُمْ،
وَهُمْ يَتَقَافَزُونَ فِي اِلْهَوَاءِ كَاَلْقِرَدَةِ.
شَعَرَ أَحَدُ التَّلاَمِيذِ أَنَّهُ قَدْ أَفَاقَ
قَلِيلاً. مِنْ هَوْلِ مَايَسْمَعُهُ مِنْ أُسْتَاذِهِ. فَفَكَرَ أَنْ يَتَكَلَمَ.
وَبَعْدَ تَرَدُّدٍ قَصِيرٍ قَالَ:
- لَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوا سَيِدِنَا
"شُعَيْباً" مَاكَانَ قَدْ حَدَثَ لَهُمْ هَذَا اَلْعَذَابَ.
تَبَسَمَ اَلأُسْتَاذُ وَقَالَ:
- نَعَمْ يَابُنَىَّ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْتَهِ عِقَابُ
اَللهِ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لَهُمْ عِنْدَ هَذَا اَلْحَدِّ. بَلْ
زُلْزِلَتُ اَلأَرْضُ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ، وَاَهْتَزَّتُ الْبُيُوتُ
وَتَهَدَّمَتْ عَلَى رُءُوسِهِمْ . ثُمَّ أَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ فَقَضَتْ
عَلَيْهِمْ جَمِيعاً.
سَأَلَ أَحَدُ التَلاَمِيذِ:
- وَمَاهِىَ
اَلصَّيْحَةُ يَا أُسْتَاذُ؟
قَالَ اَلأُسْتَاذُ:
- اَلصَّيْحَةُ..
تَعْنِي صَيْحَةُ سَيدُنَا جِبْرِيلُ "عَلَيْهِ السَّلاَمُ"
(( وَأَخَذَتْ اِلْذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةَ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ )) (هُود94)
وَأَصْبَحَتْ اَلْقَرْيَّةُ أَطْلاَلاً. لاَيُوجَدُ
فِيهَا أَيَّ حَيَاةٍ.
(( كَأَنْ لَمْ يَغْنُوا فِيهَا )) (الأعْراف92)
سَأَلَ أَحَدُ التَلاَمِيذِ:
- وَمَاذَا عَنْ سَيْدِنَا شُعَيْبٍ وَاَلْذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ؟
قَالَ اَلأُسْتَاذُ:
- كَاَنَ شُعَيْبٌ قَدْ تَرَكَ اَلْقَرْيَةَ. عِنْدَمَا
حَلَّ عَذَابُ اَللهِ علََى أَهْلِهَا، وَذَهَبَ هُوَ وَأَهْلُهُ وَاَلْذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ إِلَى مَكَانٍ آمِنٍ، وَقَدْ أَمَرَهُ اَللهُ سُبْحَانَهُ أَنْ
يَعُودَ ثَانِياً إِلَى اَلْقَرْيَةِ. فَوَقَفَ خَاشِعَاً أَمَامَ قُدْرَةِ
اِللهِ.لاَيَرَىَ إِلاَ اَلْجُثَثَ وَاَلْحَرَائِقَ.
سَكَتَ اَلأُسْتَاذُ قَلِيلاً ثُمَّ قَالَ:
- وَاخْتَفَىَ اَلنَاسُ، وَاَخْتَفَت
الأَسْوَاقُ، وَاَخْتَفَتْ التِجَارَةُ!
وَقَاَلَ شُعَيْبُ يُكَلِمُ اِلْمَوْتَىَ:
(( لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةُ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ
لاَتُحِبُونَ النَاصِحِينَ )) (الأعْرَاف79)
وَتَرَكَهُمْ وَاَنْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ وَاَلْذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ، وَمَكَثَ مَعَ أَهْلِهِ ثَانِياً فِي أَرْضِ مَدْيَنَ. حَتَىَ
جَاءَهُ "مُوسَىَ" عَلَيْهِ اِلسَّلاَمُ هَارِباً مِنْ مِصْرَ. بَعْدَ
ظُلْمِ النَّاسِ لَهُ، وَعِنْدَمَا وَجَدَ فِيهِ "شُعَيْبٌ"
اِلإِخْلاَصَ وَاَلتَقْوَىَ. عَرَضَ عَلَيْهِ
أَنْ يَتَزَوَجَ بإِحْدَىَ ابْنَتَيهِ. فَوَافَقَ
"مُوسَىَ"، وَعَاشَ مَعَ قَوْمِ مَدْيَنَ عَشْرَ سَنَوَاتٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق