الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

"عروس البحرورحلة الملك شمس الدين" قصة للناشئة بقلم: حسين منصور



عروس البحرورحلة الملك شمس الدين
من  كتاب ( الرمانة الذهبية )
 حسين منصور
- 1-
     بعد وفاة الملك "حمزة بن شمس الدين" أصبح أخوه "محمد " - الذى عاش فى مملكة الجن وقتل المارد وأنقذ الرمان الذهبى - ملكا  وفى عهده أتسعت الدولة جداً باتساع ساحل البحر كله من الشـرق إلى الغرب وتغير اسم المملكة من مملكة الشرق الى مملكة الشرق والغرب . 
بارك الله فى عمر الملك " محمد بن شمس الدين " حتى بلغ عمره مائة سنه, وأنجب ولدين الأكبر سماه " شمس الدين " على أسم والده, والثانى سماه " بدر الدين " ولما كبرت المملكة لقب الشعب الملك محمد بملك الملوك ولكن الملك جاءه هاتف فى منامه وقال له ( لا تسم نفسك ملك الملوك لأن ملك الملوك هو الله وإن كل من سمى نفسه ملك الملوك انهدمت دولته وانتصر عليه أعداؤه) تشائم الملك من اللقب الجديد وأرسل المنادين فى المملكة كلها ينادون (إن الملك محمد بن شمس الدين ملك مملكة الشرق والغرب وملك ساحل البحر يأمركم: لا تلقبوه بعد اليوم بملك الملوك لأن ملك الملوك هو الله وأن المُلك لله , فأسمعوا وأطيعوا)

سمع الشعب نداء الملك وأطاعه وأحب الناس تواضع الملك وساروا على طريقه"لا ظلم, ولا اعتداء, لا سجن إلا للأشرار والسُراق,من لا يملك بيتاً نبنى له واحداً, ومن لديه صنعة نقيم له مصنعاً, ومن كان لديه علم نبنى له مدرسة ليعلم الصغار , من كان له شكوى فليرفعها للملك بلا واسطة "
وفى عهد الملك" محمد بن شمس الدين" زاد الرخاء وعم الخير البلاد والعباد.
       لما أتم الملك محمد بن شمس الدين عامه المائه شعر بأنه قد حان أجله فنادى على ولديه وقال لهما ( إنى بلغت مائة عام وأشعر أنه قد حان أجلى فعاهداني على أن تسيروا فى المملكة على طريقى: لا ظلم, ولا سجن إلا للأشرار، للفقير حق حتى يشبع، و للصغير نفقة حتى يكبر  وقف الولدان   "شمس الدين" و"بدر الدين" أمام والدهما صامتين حتى أنهي كلامه, كان الملك يتحدث بصعوبة ؛ لأنه عجوز طالت لحيته وابيضت , ولما خلع تاج المملكة ووضعه أمامه ؛ ظهر وهنه ، و  شعره الأبيض قال شمس الدين( أطال الله عمر والدى الملك وزاده عزاً وكرامة ) وقال بدر الدين( أعاهدك يا والدى أن أحكم بالعدل) لما سمع الملك كلام ولديه أطمئن قلبه وقال لهما ( تعاهدا على أن يساعد كل منكما أخاه إذا صار ملكا) قال بدر الدين وشمس الدين( نعاهدك يا أبى)
     لما أعطى الولدان العهد لوالدهما مد  الملك العجوز يديه ورفع تاج المملكة ووضعه على رأس ابنه الكبير " شمس الدين"  وقال له (أنت من اليوم ملك فتصرف فى حياتك تصرف الملوك , لا تصاحب السفهاء , ولا تجامل الجهال ، واحفظ شعبك ؛  يحميك ويكون معك على الأعداء ) مال شمس الدين على رأس والده وقبلها وقبل يديه ورجليه وبكى لأنه تأكد أن والده راحل للعالم الآخر, كان بدر الدين مازال صامتاً فقال له والده( قدم التحيه لأخيك الملك , وكن له وزيراً أميناً) اقترب بدر الدين من أخيه وأحتضنه وقبل جبينه وشد على يديه . فى تلك الليلة نام الملك العجوز نوماً هادءاً لم ينم مثله من قبل ؛ اطمئن على ولديه وعلى المملكة وعلى الشعب وفى الصباح وجدوه مغمض العينين وهو يبتسم لشئ يراه أمامه وقد  ومات.

-2-
    هذا ما كان من شأن الملك محمد بن شمس الدين , أما الملك شمس الدين الثانى فقد حكم المملكة كما عاهد والده, وسار سير الملوك : لا يصاحب السفهاء ولا يجعلهم يقعدون فى مجلسه , لا يجامل الجهال , وأخوه ووزيره" بدر الدين" يعاونه ويعطيه المشورة , لا يطمع فى الملك ولا يعاون الأعداء ضده .
   أحب شعب المملكة الملك الجديد وحارب معه الأعداء لحماية المملكة , والدفاع عن المظلومين فى كل مكان حتى اشتهر الملك وعرف اسمه كل إنسان على وجه الأرض .
    الملك شمس الدين الثانى يحب العدل , ويحب الناس إلا أنه يميل الى العزلة ، كان يحب أن يبقى وحده مدة ، يجلس أمام البحر من وسط النهار الى الوقت الذى تكون فيه الشمس مثل برتقالة نزلت فى البحر لتشرب منه وتطفئ حرارتها ، ويأتى الليل بهوائه اللطيف المنعش , وقتها يترك الملك مكانه ويعود الى القصر هو وخادمه "مرجان" خادم واحد يقدم له الطعام إذا جاع ويقدم له الشراب إذا عطش ,لا حرس, ولا جيش, ولا حاجب , ولا حاشية . كان يحب أن يبقى وحده, وكان الخادم مرجان يبتعد عنه مسافة تسمح له بسماعه إذا ناداه, إنها صفة التأمل والخيال التى ورثها عن جده شمس الدين الأول .

-3-

      فى جلوسه الدائم أمام البحر كان الملك شمس الدين ينتظر شيئاً يدور فى خياله لا يعرفه ولا يعرف متى يراه شئ يناديه نحو البحر فيأخذ القارب الصغير ويسير هو ومرجان الى وسط البحر , كل يوم،  يدبر شئون المملكة فى الصباح , وبعد الظهر يذهب هو وخادمه الى البحر وفى المساء يعود, يجلس مع زوجته الملكة " زمردة" وبنتيه الصغيرتين " فجر" "ولؤلؤة ".
      استمر الملك على حاله هكذا  حتى جاء يوم قال الملك للخادم (أحضر القارب يا مرجان ) فأحضر القارب , جذبه, ودفعه نحو البحر , ركب الملك وركب مرجان بعده, ورغم أن مرجان خاف على الملك لأن البحر كان هائجاً والأمواج عالية , والقارب الصغير لا يقوى على مواجهتها،  إلا أنه أطاع الملك ، واطمأن بعض الشئ لأنه سيكون بجواره .
   جدف مرجان جدف, جدف حتى أبتعد الشاطئ عن عينى الملك والملك ساكن لا يتحرك مهما دفعت الأمواج القارب , والخادم مرجان خائف يجدف ، وكلما توقف أمره الملك بصوت مطمئن  (جدف يا مرجان جدف) ولما أختفى الشاطئ قال الملك ( توقف يا مرجان توقف) القارب فى وسط البحر ومرجان لا يجدف , والأمواج عالية , والقارب صغير والملك مطمئن ساكت, بعد مدة قليلة سكن البحر وهدأت الأمواج والملك ينظرالى البحر , وفجأة قام الملك فاضطرب القارب وكاد ينقلب لولا أن الخادم مرجان ألقى بجسمه على حافته فانعدل  , لقد رأى الملك شيئاً مر أمام عينيه ثم أختفى , هاج البحر , وفجأة سكن،  فى ذلك الوقت كانت الشمس مثل برتقالة نزل نصفها فى الماء ونصفها الآخر ظاهر يراه الجميع , قال الملك لمرجان ( ا رجع يا مرجان .. جدف.. ارجع بنا) .

-4-
   لما قال الملك للخادم مرجان (ارجع بنا) جدف مرجان عكس اتجاه الذهاب جدف,جدف يدفعه الخوف على الملك ،  والخوف من هياج البحر مرة أخرى ،  حتى وصل الى الشط , نزل مرجان وجذب القارب حتى رسا على الرمل ونزل الملك وعاد الى القصر , كان يمشى هادءاً ينظر الى الأرض، يفكر فى شئ , فهم مرجان ذلك من خطوة الملك ونظرته الى الأرض ، ولما دخل الملك القصر لم ينتظر حتى الصباح ونادى أخاه الوزير "بدر الدين"  ( يا أخى : أنت وزيرى وأمين  سرى وأريد مشورتك) بدت على وجه الوزير "بدر الدين" علامات القلق ؛ لأنها المرة الأولى التى يدعوه فيها الملك فى المساء, ظن  أن أمراً أصاب المملكة ، أو أن أخاه الملك يريد إعداد الجيش للحرب , لم يفكر بدر الدين فى أبعد من ذلك , ولكن الملك شمس الدين أخبره عن النداء الذى يجذبه الى البحر,وعن الكائن الذى رآه وهو فى القارب فقال بدر الدين, لا لم يقل بل حاول أن يبحث عن كلمات يريح بها الملك وفكر أن الملك مرهق ويحتاج الى الراحة ( يا أخى سأحضر لك الطبيب , وعندما  ترتاح نتحدث فى الأمر ) لكن الملك شمس الدين كان أكثر صرامة هذه المرة ( أرسل من يأتى لى بعلماء المدينة وحكمائها ) وأمام إصرار الملك على طلبه لم يجد الوزير مفراً من تلبيته على الفور .

-5-
    انتظر الملك وهو مشغول حتى حضر الحكماء , وكلهم مشغولون بسبب استدعاء الملك ( لابد أنه أمر خطير) قال كل حكيم فى نفسه دون أن يسمعه الآخرون . ولما دخلوا على الملك حيوه تحية لائقة به ورد هو التحية بأحسن منها وقال ( يا حكماء المدينة رأيت اليوم شيئاً أريدكم أن تفسروه لى) ازداد قلق الحكماء لما سمعوا أول كلام الملك ولكنهم انتظرو حتى ينهى كلامه(كنت فى البحر ورأيت شيئاً أدهشنى ) كان يحاول أن يستعيد صورة ما رآه فى البحر فقال أحد الحاضرين (صف لنا ما رأيت يا مولاى الملك ) (لقد رأيت فتاه , وجهها مستدير كأنه بدر التمام , عيونها زرقاء مثل البحر وشعرها مثل الذهب الصافى ينزل الماء منه كأنه ينزل من شلال فى أعلى الجبل ، تصفها السفلى جسم سمكة عليه أصداف تشع بألوان عديدة ، فى آخره ذيل عريض ،  ثم غابت عنى ، هيجَتْ البحر واختفت داخله ) نظر الحكماء بعضهم إلى بعض وتهامسوا حتى سمع همسهم الملك فقال ( يا حكماء , من منكم يعرف حقيقة ما رأيت ؟)

  أختلف العلماء فمنهم من قال إنها سمكة كبيرة وأثرت أشعة الشمس على عينى الملك, ومنهم من ذهب الى أبعد من ذلك فقال ( إن أعداء الملك سحروه وجعلوه يرى أشياء لا وجود لها ) لم يتفق الحكام على ما رآه الملك فى البحر، ولكنهم اتفقوا على أن الملك مريض،  وإذا أستمر على ذلك سيصير مجنوناً.
    لم يستطع حكماء المدينة إقناع الملك بكلامهم , ولم يعرفوا حقيقة الأمر , فخرجوا من عنده وهم يتحدثون عن جنون الملك وشرود عقله , ورغم أن الملك لم يكن مريضاً وأن ما رآه فى البحر كان حقيقة , إلا أن الخدم صدقوا, ولكنهم لم يخبروا أحداً من الناس .

-6-
    لما فكر الخدم أن الملك مريض حرصوا على أن لا يزعجوه فى خلوته التى بقى فيها عدة أيام , أما مرجان فكان ينام واقفاً أمام الباب , يأكل وهو واقف ولا يترك مكانه, كان ينتظر أن يناديه الملك ويخرج معه الى البحر كعادته ,ولا أحد يعرف لماذا يتعب نفسه هكذا , وكان الملك من داخل الخلوة يشعر بمرجان ؛  فينظر من ثقب الباب فيراه نائماً , أو يراه يخرج الخبز من جيبه يأكله وهو واقف , وذات ليلة فتح الملك الباب وطبطب على كتف مرجان فأستيقظ فزعاً ( نعم نعم يا مولاى) قال الملك ( ما الذى دفعك الى ذلك يا مرجان ) سكت مرجان وتردد فقال الملك( قل ولك الأمان) قال مرجان( أنها وصية معلمى إنه حكيم يعيش فى الجبل عمره مائة وخمسون عاماً ،  أرسلنى أبى لأخدمه وأتعلم منه , لقد قضى عمره يقرأ الكتب , ويطالع النجوم , ويكتب ما يراه حتى ضعف بصره وقد أرسلنى لأرعاك , نظر الى النجوم , وقرأ فى كتاب قديم عنده وقال لى تطوع فى خدمة الملك وأوصانى أن ألازمك حتى لا يحدث مكروه لا قدر الله ) قال الملك لمرجان الخادم ( خذنى الى معلمك أريد أن أراه ) وبلهجة المستعطف قال  (هل تبخل على صديقك الملك يا مرجان ؟) قبل مرجان يد الملك وقال الأمر لله ساّخك اليه عند الفجر)

-7-
لما أدى الملك فرض الفجرخرج هو ومرجان , الملك يركب مهراً أبيضاً بلجام من الحرير المذهب وسرج من جلد الحوت مزين بالذهب والفضة والياقوت وفى جانبه سيف الملك - ركوبة ملوك- وخلفه مرجان يركب حصانا أسود،  بلجام من جلد الثعابين ،  وسرج من جلد متين ،  وعلى جانبيه خرج به طعام وما وفاكهة ، ثم خرجا من القصر متجهين الى الجبل
     صار الملك وخلفه مرجان , ولما طلعت الشمس واشتدت حرارتها وصلا  الى الجبل وقتها قال الخادم مرجان ( إن طريق الكوخ صعب  ولا تستطيع الخيل السير فيه , علينا أن نمشى ) لم يعارض الملك لأنه يعرف أمانة مرجان وحبه له فنزل عن حصانه ، أخذ مرجان لجام الحصانين وربطهما فى جزع شجرة يابسة ، وحمل الخرج بما فيه  وانطلق هو والملك الى أعلى الجبل , فى البداية أراد مرجان أن يمشى الملك فى الأمام كعادة الملوك ولكن الملك قال له ( تقدم يا مرجان ، أنت الدليل،  وأنا تابع ، أنت تعرف أكثر منى ) صعد مرجان وخلفه الملك ومن حين لآخر ينظر خلفه؛  ليطمئن ؛ فيبتسم الملك ويشير له( تابع السير يامرجان) بعد مشقة وطريق طويل ظهر الكوخ, كوخ صغير من الخشب والقش يحيط به الفراغ من كل جانب , بابه قصير , وله شباك يستطيع منه الإنسان ليلاً أن يرى الفضاء كله : النجوم , والقمر، وفى الأسفل بانت مدينة شمس الدين صغيرة جداً تستطيع أن تمسكها كلها فى قبضة يد واحدة .
   كان باب الكوخ مفتوحاً , اقترب مرجان , وقبل أن ينادى على معلمه سمع صوته يأتى من الداخل (ألم أحذرك يا مرجان أن تخبر الملك ؟ لم تسمع كلامى ، وجئت به الى هنا ) سكت المعلم لحظة وقال ( قدر الله وما شاء فعل.. ادخلا.. قدر الله وما شاء فعل )
   لما كان الملك فى خارج الكوخ سمع كلام الحكيم فدخل , ودخل مرجان بعده, سلم الملك على الحكيم , حاول الحكيم القيام لتحية الملك فلم يقدر, طبطب الملك على ظهره،  وأجلسه،  ولما جلس المعلم قال الملك (جئت إليك يا حكيم الزمان أسأل..) وقبل أن يكمل الملك كلامه قال المعلم (أعرف يا ولدى.. أعرف .. ذلك الذى رأيته فى البحر .. لن أكثر الكلام ولكنى أخاف عليك المجهول . يا ولدى الطريق طويل والخاتمة مجهولة , لا تجعل فضولك يقودك , إن محبة الرمانة أحزنت جدك زمناً حتى جاء أبوك بالفرح , ومهما كان فأرض الجن قريبة ، أما البحر فبعيد يا ولدى بعيد)
أستمع الملك لكلام الحكيم بأهتمام شديد , ولكنه لم يستطع فهمه فسأل ( يا حكيم الزمان : هل سيأخذنى البحر كما أخذت مملكة الجن أبى ؟ ) لم يزد الحكيم  عن قوله( الأمر بيدك لا بيدى ، إن التى رأيتها عروس البحر ، ومن يجاريها ويتبعها عليه أن يتحمل النتائج, احذر يا ولدى احذر ، لا أملك لك غير هذا ولله الأمر ) أنهى الحكيم كلامه فقام الملك وأشار إلى مرجان؛  فأعطى المعلم الطعام، والماء، والفاكهة ، وأبقى القليل زاداً لرحلة العودة , وقد اشتد الحر ، وبينما يخرجان من الكوخ سمعا الحكيم يقول ( لله الأمر .. المكتوب ليس منه هروب ).
    لما عاد الملك شمس الدين والخادم مرجان الى القصر ، لم يجلس الملك أمام البحر ، وإنما دخل خلوته وأغلق الباب ، وجلس يفكر، "عروس البحر" أخيراً وجد من يفسر له الهاتف الذى يناديه ويجذبه الى البحر منذ صباه ، لقد أخبره الحكيم المعلم , ولكن لماذا حذره؟إن الحكيم كلامه قليل ، وهو لا يفهمه كله.

-8-
     ( إذا كانت المملكة تحتاج الى عقلى , فإنا أحب خيالى وليذهب بى إلى حيث يريد) هذا آخر ما قاله الملك شمس الدين يوم رجع من عند حكيم الزمان ، ورغم الطريق الطويل الشاق ، استراح الملك بعد أن عرف السر الذى يجذبه الى البحر، اطمئن فألقى بنفسه على السرير وراح فى نوم عميق, أما الخادم مرجان فقد أذن له الملك أن يذهب لينام ، ولما تأكد مرجان من سلامة الملك ذهب ،  إلا أنه نوى أن يصحوا مبكراً, ويعود للوقوف أمام باب الخلوة .

      فى الصباح قام الملك, اطمئن على فجر ، ولؤلؤة وصّبح على الملكة زمردة ، جلس فى الديوان ودبر أمور المملكة هو وأخوه الوزير "بدر الدين"  اطمأن الوزير على أخيه , ورأى الجميع أن الملك شفى من مرضه ،الخادم مرجان فرح هو أيضاً بعودة الملك , وبعد انتهاء الديوان خرج الملك ومعه مرجان كالعادة , وصلا الى البحر الذى ليس بعيداًعن القصر وقف الملك ينظر الى البحر الساكن , ومرجان بعيد عن عينيه ، ولما سمع الملك ينادى (يا مرجان ) رد بسرعة (نعم يا مولاى )(عد الى القصر وأحضر لى ملابس جافة فقد بلل البحر ثيابى) مرجان يعرف أن القصر قريب سيركب حصانه, ويعود بسرعة , والملك فى أمان فأسرع, ولما عاد لم يجد لا الملك ولا القارب , نادى بأعلى صوته (مولاى الملك.. يا مولاى الملك ) فلم يرد, سار مرجان بعرض الشط فلم يجده ، ولم يعثر على القارب؛ فصرخ وبكى ووضع الرمال على رأسه ولما رجع الى القصر أغمى عليه , ولما أفاق حكى للوزير ما جرى ,
      خاف الوزير على أخيه الملك فاستدعى ربان البحر , والعوامين وركب معهم سفينة كبيرة، بحثوا عن الملك ؛  فلم يعثروا عليه , فقط وجدوا القارب وحده, والملك ليس فيه ، فعادوا وهم حزانى , لا يعرفون أين اختفى الملك ولا متى يعود , أما الخادم مرجان فقعد يبكى، ويأنب نفسه ثم صعد الى الجبل ولم يعرف أحد مكانه حتى الآن .

-9-
     نعود الى الملك "شمس الدين"  فإنه لما قال للخادم مرجان : اذهب وأحضر ثياباً جافة, ذهب مرجان فوراً، ولما ابتعد أخذ الملك القارب, وجدف بقوة ملك ، جدف حتى وصل الى وسط البحر ،كان البحر هادءاً والشمس مثل برتقالة غاص نصفها فى الماء, أما نصفها الآخر فكان ظاهراً للعيون ، وفجأة هاج البحر، ثم هدأ , نظر الملك فى أتجاه الشمس فرأى عروس البحر تستلقى على الماء نصفها العلوى فتاة تضع على رأسها تاجاً يضوى,ونصفها السفلى سمكة, وسمع الملك نداءً  يقول (انزل لا تخف سترى عجائب البحر) كان الصوت من داخله هو, ورأى عروس البحر تشير إليه وتناديه فألقى بنفسه فى الماء، مدت عروس البحر ذيلها فأمسك به ،عامت وعام الملك معها , غطست فى الماء فغطس معها , تعلو ؛ يعلو, تهبط يهبط , وهى تضحك ضحكة رنانة أخرجت الأسماك من مخابئها ، والملك شمس الدين ماسك فى ذيلها،  يلهو نسى المملكة غاصت عروس البحر والملك فى ذيلها حتى قاع البحر، كان نصف الشمس الغارق فى البحر ينير القاع , هناك جدار من الثلج أخترقته عروس البحر , وأخترقه الملك معها ,هنا تحول نصف السمكة الى ساقين رشيقتين وقدمين جميلتين, أندهش الملك مما رأى وسألها (أين نحن) قالت ( فى مملكة البحور )   ( وهل للبحور مملكة ؟) ( نعم..وأنا ابنة ملكها ) ( ولماذا تبدين مثل السمكة )( وهل أنا الآن سمكة؟) قال الملك(لا) فقالت ( للبحر قانونه فلا تهتم) وسألته(هل ستبقى معى ؟) لم يجب الملك شمس الدين لأنه كان ينظر الى ألوان البحر ، إنه لا يصدق , هو تحت قاع البحر يمشى , ويتكلم , ويتنفس والأسماك التى يراها , غابات المرجان , الحيتان , القروش يراها أمامه ( لماذا حذرنى الحكيم من هذا الجمال؟ ، رحلة لطيفة لماذا يخوفنى منها ؟) مر الوقت والملك يسأل نفسه ،  وعروس البحر تقف بجواره بفستان برتقالى حريرى ، تتماوج أطرافه كزعانف الأسماك ، ولكنه لما سمع صوتها يقول( اقض فى ضيافتى يوماً واحداً ثم عد الى أرضك) قال لها (أشكرك) .أبتسمت عروس البحر , وبانت أسنانها براقة مثل اللؤلؤ, أخذت يد "الملك شمس الدين"  مشى معها , رأي حوريات البحر الصغيرات تلعبن بأسماك ملونه , ويلوحون له بأجنحتهم, جلست عروس البحر وجلس الملك بجوارها , مدت يدها وشربت وسقت الملك , لم يصدق ما يرى , ماء عذب تحت قاع البحرالمالح !! حسب أن الأمر فيه سحر أو خداع ؛  فمد يده وشرب ولما وجد الماء عذباً سقى عروس البحر التى لمعت أسنانها ،  وخرجت من فمها روائح منعشة ،شمها الملك  , لما ارتوى الملك قالت عروس البحر ( أنت جائع بالتأكيد) وقبل أن يرد وجد أمامه صينية من الصدف الملون عليها محارات , وأسماك  ، وبيض السمك وطعام لم يأكل مثله،  وكلما فرغ طبق امتلأ ثانية ، أكل الملك حتى شبع وشعر بامتلاء بطنه فأخذ يد عروس البحر يتمشى معها , رأى الملك شرق البحر , وغربه , الماء البارد والماء الدافئ , سار على الثلج, غاص فى وسط البحر وقاعه, ركب الحوت هو وعروس البحر ، دخل كهوف المرجان , تذوق لحم الحوت ولحم الأخطبوط ، وكلما تعب نام , البحر ينير ويظلم , والملك لا يدرى ولا يحسب الزمن ،  نام ، وقام ، وقام،  ونام لا يدرى كم مرة ؛ أنسته عجائب البحر الزمن , وبينما الملك وعروس البحر يمشيان توقفت عروس البحر أمام قصر كبير وعلى بابه حراس شعورهم طويلة مضفرة , وتتماوج أجسامهم مثل الأسماك تماما ً قالت عروس البحر ( هذا قصر أبى ملك البحور الأكبر) لم ينس شمس الدين أنه ملك وأن تحية الملك الأكبر واجبة , دخلت عروس البحر ودخل شمس الدين بعدها،  كان الملك الأكبر يجلس على عرش بلورى , حياه شمس الدين وانحنى له , وقبلت عروس البحر رأس والدها فقبل جبينها وقال لشمس الدين ( متى سترجع إلى أهلك ؟) قال شمس الدين ( هل يسمح ملك البحور الأكبر بيوم آخر أقضيه فى ضيافته؟) قال الملك الأكبر (عد يا ولدى الى أرضك يوم واحد يكفى لقد رأيت المملكة كلها ) كانت عروس البحر تريد أن تستسمح أباها فى يوم آخر لكنه أمرها (خذيه إلى أرضه وارجعى ،  هذا يكفى ) حيا الملك "شمس الدين" ملك البحر الأكبر وخرج مع عروس البحر، مشيا مشيا ، حتى وصلا الى جدار الثلج ؛ فتغير شكلها ، تحول نصفها السفلى إلى سمكة وأخترقت الجدار،  والملك شمس الدين ماسك فى ذيلها وفعلت ما فعلت فى أول مرة , غاصت , وغاص معها ،  ارتفعت وارتفع معها غاصت حتى سطح الماء،  ولما خرج الملك شمس الدين من الماء شهق شهقة عميقة كأنه لم يتنفس منذ سنين،  وقبل أن يودع عروس البحر قالت له( هل ستعود الى بناتك بلا هدية ؟) وأخرجت من بين خصلات شعرها جوهرتين غاليتين وقالت ( هذه لبنتك الكبرى , وهذه لبنتك الصغرى ) أخذ الملك الجوهرتين ووضعها تحت حزامه،  ولما أراد أن يشكرها لم يجدها أمامه وهاج البحر ودفعه حتى الشاطئ .

-10-
     لما خرج الملك شمس الدين من البحر لم يجد الخادم مرجان , ولم يجد حصانه , نظر حوله وأستغرب كانت هناك بيوت جنب الشاطئ ح  هز الملك رأسه،  وظن أنها أثار دوار البحر؛  فأبتعد حتى وجد الطريق،  ومشى فيه، مشى ، مشى حتى وصل الى القصر , كان شعره طويل مبلل , وملابسه مبللة ولما أقترب لم يعرفه الحراس وقبضوا عليه, وأخذوه إلى الداخل , ولما رآه بدر الدين عرفه , وحياه ونادى ( يا خدام هاتوا ملابس للملك شمس الدين )
    لما رأى "شمس الدين" أخاه "بدر الدين" يجلس على العرش قال فى نفسه ( لقد خان أخى عهد أبينا ) ثم صرخ فى وجهه ( استوليت على الملك وخنت عهد والدنا !) قال بدر الدين وقد ظهرت على وجهه الدهشة والاستغراب ( ومن يحكم المملكة فى غيابك) يا أخى لقد غبت عاماً بالتمام, ولم نعرف أين كنت , بحثنا فى البحر , وفى الغابات , وفى الجبال ) قال شمس الدين وهو حزين (آه ! هذا ما حذرنى منه الحكيم معلم مرجان ,  آه !! كيف حال المملكة يا أخى؟ ) ولما أراد "بدر الدين" أن يخلع التاج  ويضعه على رأس أخيه قال  "شمس الدين" ( أنت تستحق التاج، أما أنا فاتبعت فضولى، وذهب بى خيالى, ولولا أنت لضاعت الدولة ) وأخذ يد بدر الدين وأجلسه على العرش , أما هو فبنى بيتاً على البحر سكن فيه هو وزوجته وابنتاه ،  يطل من شرفته كل غروب ويرى الشمس وهى مثل برتقالة نزل نصفها فى الماء , والنصف الثانى يراه الناظرون , ظل هكذا حتى مات فى أمان  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق