الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

"ملابس تحب الحياة.." قصة للأطفال بقلم: عبير حسن

  ملابس تحب الحياة..


قصة ورسوم: عبير حسن
تنهد "البالطو" الأزرق العتيق بصوت مرتفع داخل خزانة الملابس المظلمة وهو يلعن هذا الباب المغلق الذي لا يفتح إلا مرات قليلة في الأسبوع الواحد. ثم حدث نفسه متسائلاً: ألا يوجد حل؟ وسرعان ما ارتفع صوته في نبرة آمرة وهو يقول: فليستيقظ الجميع الآن ويصطف بجانبي.
كان الظلام كثيفاً داخل الخزانة، وبدأ الشعاع الخافت المتسلل من موضع ثقب المفتاح غير ذي فائدة. إلا أن الجميع استجاب، واعتدل كل واحد في موقعه.
تحدث "البالطو" موجهاً كلامه للآخرين في زعامة واضحة قائلاً: لقد جمعتكم في هذه اللحظة لأخبركم أن الضرر الواقع علينا قد بلغ أقصى مداه. وعلينا أن نقرر جميعاً.. هل نحن أحياء أم أموات؟ وما جدوى وجودنا هنا دون أن يستعملنا أحد؟ يا أصدقائى الحياة بالنسبة لنا لا تأتى إلا بالاستعمال، وإن لم نفعل شيئاً الآن فإننا نستحق ما نحن عليه من حال سيء. من حقنا أن نعيش حياة طبيعية مثل أقراننا. أن نخرج من هذه الخزانة، نُلبس ونتسخ، ثم نغسل بالماء والصابون
المعطر، أن ننشر على هذه الحبال الممتدة بطول الشرفة، فيحركنا
الهواء الجميل، فنتأرجح معاً، بينما تداعبنا الشمس الصديقة بأشعتها الذهبية فتعقمنا.
إننا أسرى لطمع ولد صغير مدلل، يُحب الاستحواذ على كل شيء.
تدخل "بنطلون الجينز" الأزرق قائلاً: عندك حق سيدي "البالطو" العتيق.. يجب ألا نرضى بهذا الوضع بعد الآن.. فإما أن يستعملنا هذا الولد، وإما أن يتركنا لآخرين يقدروننا ويشعرون بقيمتنا فى الحياة.
استيقظت "كوفية" الصوف الخضراء من نومها قائلة وهي تتثاءب: مهلاً أيها المزعجون مهلاً.. هل فقدتم عقولكم؟ إننا في داخل الخزانة ننعم بالهدوء والراحة.. ننام ونستيقظ، لنعود وننام مرة أخرى.. هل تكرهون الراحة والكسل! هيا اخفضوا اصواتكم لأكمل نومي.. فالنوم لذيذ.. لذيذ.
انزعج القميص الأحمر مما قالته كوفية الصوف، فقال: حتى لا تنتقل إلينا عدوى الكسل التي أثارتها زميلتنا العزيزة "كوفية" الصوف، أُحب أن أذكركم بمعاناتي. لقد غادرت مكاني على أرفف العرض في متجر شهير من نصف عام تقريباً، حين رغب في هذا الولد واشتراني. عندئذ، غمرتني أحلام الحرية السعيدة، وأنني سأنطلق معه في مغامراته، ولهوه، وركضه هنا وهناك. ولم لا؟ ولوني الأحمر يحبه كل الأطفال. والباقي أنتم بالطبع تعرفونه! فقد أصبحت حبيس هذه الخزانة معكم، بعد أن نسيني.
اهتزت التى شيرتات الملونة وهي تردد: قميص أحمر مسكين.. قميص أحمر مسكين.
حاول البلوفر الأصفر التخفيف من حزن القميص الأحمر فقال: ابتسم يا صديقي الأحمر. فهو لا يعرف جمال الأحمر، ولا سحر الأصفر! انظر إلي.. لقد تركني فجأة بعد أن كنت مفضلاً عنده! ومنذ فترة طويلة.. لم يفكر في ارتدائي ولو مرة واحدة. والآن.. أخشى أن يتذكرني بعد أن كبر، ولم يعد مقاسي مناسباً له. وصار يطاردني كابوس فظيع كل ليلة.. فأراه يقترب مني ببطء، ويحاول أن يرتديني عنوة بعد أن صغرت عليه! فتتطاير الأزرار في الهواء كلما حاول إدخالها في عروتها.. عندئذ يثور ويقذف بى من النافذة.. وينتهي بي الحال مُمزقاً، فوق الشجرة أسفل النافذة!
صاحت " التى شيرتات" الملونة من الرعب وهى تقول: يا للهول.. أسفل النافذة! أسفل النافذة!
تَدَخَلَ "حزامُ" الجلد الأسود قائلاً: بدون مقدمات.. واختصارا ًلوقتكم الغالي، عندي خطة لمواجهة الموقف، أحب أن أعرضها عليكم..
أرى أنه عندما يأتي الولد في المرة القادمة ليفتح الخزانة، سأفلت نفسي من مكاني، وأجعل جزءاً مني يتدلى خارج الخزانة، فلا ينغلق الباب كاملاً.. فيتسلل إلينا قليل من ضوء الغرفة. فنتمكن من رؤية بعضنا بوضوح، وتنتهى أيام الظلام، وسنعلم أيضاً بما يدور خارج الخزانة.
أخذت" التى شيرتات" الملونة تكرر بسعادة: سنرى بعضنا بوضوح! سنرى بعضنا بوضوح!
تنهد "البالطو" العتيق في أسى مرة ثانية وهو يقول: اسمعوني جيداً.. إن فكرة "الحزام" الأسود جديرة بالاحترام، لكنها لا تحل المشكلة الأساسية. نحن لا نبحث عن شعاع من الضوء، وإنما عن الضوء الكامل، عن قيمة لوجودنا فى الحياة. رددت التى شيرتات الملونة في دهشة: شعاع ضوء، حياة. شعاع ضوء، حياة.
استطرد البالطو العتيق وهو يقول: يا رفاقي، يجب أن نُجعل هذا الولد يتخذ قراراً بشأننا. إما أن يستخدمنا بالفعل، وإما أن يتركنا لآخرين يستخدموننا.
قال بنطلون الجينز الأزرق: عندي شعور بأن لديك خطة محددة؟
أومأ البالطو العتيق مؤمنا ًعلى مقولته وقال: هو يقول: نعم يا صديقي الأزرق. سنتعاون معاً جميعاً لنجعله يرغب في التخلص منا.. وسنبدأ الآن..
هيا يا أصدقائي..افلتوا أنفسكم من هذه الشماعات.. ارموا بأنفسكم إلى الأسفل حيث أرضية الخزانة.. تكوموا فوق بعضكم، صحيح ستفسد هيئاتكم وتتكسر، وهذا هو المطلوب. كما يجب أن تلتزموا بهذا الوضع بصبر وإرادة، حتى يأتي الولد ويرانا على هذه الحال. فيطلب من أمه أن تعيد فَرْد هيئاتنا بالمكواة الساخنة. وأنا أدعوكم ألا تستجيبوا لعمليات الفرد هذه بسهولة.. قاوموا حرارة المكواة، حتى ييأس من عودتنا إلى سابق عهدنا، ويتخلص مننا. عندئذ ستضعنا أمه داخل حقيبة، لتتبرع بنا إلى إحدى دور رعاية الأطفال المحتاجين من الفقراء، فتتغير حياتنا تماماً..
سيقوم مسئولوا الدار بغسلنا بالصابون والماء.. وسننتعش ونحن نتأرجح على الحبال في حديقة الدار. وسيعهدون بنا إلى متخصصين في فرد الملابس المتكسرة بالمكواة فنستجيب لهم. ونستعيد رونقنا وجمالنا السابق. قبل أن يوزعوننا على أصدقاء جدد يفرحون بنا، ويعاملوننا بلطف واحترام. وتكون لنا حياة جديدة مفيدة.. فنحن ملابس تحب الحياة.
استجاب الجميع لدعوة "البالطو" العتيق، وبسرعة تكدسوا فوق بعضهم البعض دون نظام، وهتفت " التى شيرتات" الملونة وهي تقذف بنفسها متطايرة داخل الخزانة قائلة: حياة جديدة مفيدة. نحن ملابس تحب الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق