تلك
الليلة كانت عاصفة، والبنات الثلاث الصغيرات في أسرتهن. الهواء يصفر كعواء
كلاب جائعة، وأغصان الشجر تصفق مهتاجة وكأنها تتقصف. لم يكن يشعرن بالبرد،
فالغرفة دافئة والأغطية صوفية ناعمة.
الأم التي يحلو لها في مثل هذه الليلة أن تستعيد حكايات جدتها تقول:
ـ كان ياما كان... في قديم الزمان..
تقاطعها الكبرى:
ـ عرفنا الحكاية.. كان هناك ثلاث بنات يغزلن... حتى يأكلن.
ترد الأم وهي تتنهد:
ـ لا... لم تحزري.. ليست هذه هي الحكاية.
تنبر الوسطى:
ـ ثلاث بنات خياطات... يشتغلن في قصر السلطان... والصغيرة اسمها (حب الرمان)..
وهي التي أضاعت (الكشتبان).
تضحك الأم وتقول:
ـ بل الوسطى التي اسمها حب الرمان... وهي التي عن قصد وعمد رمت في الماء الكشتبان.
تكمل الصغرى:
ـ ذلك لأنها كسولة... وملولة. لاتحب الإبرة والخيطان... وتتلهى مع أولاد الجيران.
الكبرى تسأل:
ـ وما اسم البنت الأولى إذن؟
تقول الأم:
ـ قمر الزمان...
ـ والثالثة؟ /تسأل الصغرى/
تجيب الأم:
ـ اسمها نيسان.
وبينما الأم ترد الأغطية فوق البنات صرخن محتجات:
ـ نريد حلماً... لاحكاية. نريد حلماً.. حلم... حلم.
ـ حسناً../تقول الأم/ ـ أغلقن النوافذ.. وأطفئن النور ولتطلب كل واحدة منكن حلماً لها.. وسأضعه قبل أن أنصرف تحت مخدتها.
قالت الكبرى:
- أنت اعطينا ياأمي .. أنت اعطينا . دائماً أنت تعطيننا أكثر من أحلامنا
ـ أعطيك مهراً أشقر جميلاً... بل أبيض.. تكبرين ويكبر معك، وتصبحين فارسة.
همست الكبرى لأختيها:
ـ
وكيف سأتصرف مع الحصان الصغير؟ كيف سأعتني به.. بطعامه وشرابه.. بنومه
وصحوه..بلهوه وجريه؟ لا.. لا أريد.. لماذا لاتعطيني أمي سيارة بيضاء ونظيفة
أدير محركها في لحظة فتحملني إلى حيث أشاء؟
قالت الأم للوسطى:
ـ وأنت أعطيك خمسة أرانب بيضاء جميلة... تلك التي في الحديقة. تلاعبينها كالقطط، وتتسلين بمنظرها... بتكاثرها وتوالدها.
همست الوسطى لأختيها:
ـ ولماذا لاتعطيني فراء هذه الأرانب؟ فأصنع منها قبعة وقفازات، وربما صنعت معطفاً.
قالت لها الكبرى وهي تضحك:
ـ والخياطات الثلاث سيساعدنك في ذلك.
أكملت الوسطى:
ـ بل هما اثنتان.. لأن الصغرى عاقبوها فطردوها من العمل.. وأنزلوها إلى المطبخ لتقشر الثوم والبصل.
وقبل أن تعطي الأم للصغرى أي شيء بادرتها هذه قائلة:
ـ
أما أنا فأريد فراشة ملونة... أجنحتها زرقاء ووردية... لابل صفراء
وبنفسجية.. تنتقل بين الزهور بلطف وحبور... تنشر الأحلام وتطويها. أليست
أميرة الطبيعة في جبالها وبساتينها وبراريها؟
وقبل أن تتم كلامها كانت قد استغرقت في النوم.
عند
الفجر اشتدت العاصفة أكثر وأكثر.. حطمت النوافذ والأبواب.. اقتلعت
الخزانات.. كسرت المرايا... بعثرت الثياب.. وأطارت كل شيء. وأفاق الجميع
خائفين مذعورين.
وقفت الأم مع بناتها الثلاث.. حائرات واجمات.. فلا بيت يأوين إليه.. ولاسيارة يركبنها.. وهن يرتجفن من البرد.
صهل حصان صغير عن بعد كأنما هو يعلن عن نفسه.
قالت الكبرى:
ـ هذا حصاني.. ماكان أغباني ظننت أن الحلم لن يتحقق.
وقالت الوسطى وهي تمد يديها الباردتين إلى قفص الأرانب:
ـ
ما أجملها.. ما أدفأها.. ماأنعمها... عددها أكثر من خمسة... سبعة... عشرة،
لاأدري ، كنت أحبها ولاأدري. تحتاج صغارها من يرعاها... وأنا سأرعاها.
أما الصغرى فقد نظرت حولها ولم تكن هناك فراشة واحدة بعد العاصفة فقد جرفتها كلها، قالت:
ـ لكنني أنا دوماً معي حلمي... فراشتي هنا في قلبي.. لا هنا في رأسي... لا هنا في عيني...
ودمعت عيناها وهي ترى أجنحة الفراش تتطاير في الهواء، وظلت تردد:
ـ آه... ما أجملها فراشة... فراشتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق