الخميس، 23 أبريل 2015

عوامل تعثر أدب الطفل في عالمنا العربي بقلم : سهيل إبراهيم عيساوي



عوامل تعثر أدب  الطفل في  عالمنا  العربي
      بقلم : سهيل  إبراهيم  عيساوي

  هنالك العديد  من  العوامل  المتشابكة التي  تقف عائقا امام نجاح وازدهار  أدب  الطفل  في عالمنا العربي ، والأدب العربي بشكل عام  وهي :
- نقطة الانطلاق جاءت متأخرة : أدب الطفل دخل الى عالمنا العربي ، بعد قرون من  انتشاره في  الغرب ، وتلكأت الحكومات ، ودور النشر، ومدارس الفكرية  عن  دعم  هذا  التوجه ، وتقاعس الأدباء العرب عن طرق هذا  الباب ،ربما  ظن البعض ان  الكتابة للأطفال شارة ضعف ،ربما  نظرة استعلاء ، وعدم  اعتراف بمكانتهم في  المجتمع ، يمكن القول أيضا  نتيجة سوء تقدير بأهمية هذا الصنف من الأدب ، فقد  حرم أطفال العرب طويلا من هذه  النعمة التي كان  يتمتع بها  أترابهم في أوروبا ، الفضل يعود في نقل وترجمة وكتابة مئات القصص للأديب المصري كامل  الكيلاني الذي زار أوروبا  في بعثة دراسة وعاد الينا بحزمة من الأفكار والقصص ، وقدم خدمة جليلة لأطفال العرب وللكتاب وللمجتمع.
- انعدام الدعم الحكومي لقصص الطفل : معظم الدول  العربية لا  تقوم بدعم قصص الطفل ، مما يجعلها  تقتصر على فئة الميسورين وينحصر انتشارها ، لان  دور النشر ليس بمقدورها مجابهة كل الصعوبات وحدها .
-  التكلفة الباهضة للطباعة : ثمن طباعة الكتاب وتوزيعه يعيق عملية انتشاره  بشكل  شعبي.
- فشل في التوزيع :من عوامل نجاح  الكتاب، خطة مدروسة للتوزيع ، حسب مناطق ودول ، وفئات  عمرية ، من خلال مكتبات ، ومعارض كتاب ، وتسويق الكتروني ، ان  عائدات بيع  الكتب في  العالم  العربي  هزيلة ، لا  تقارن بعائدات متجر  كبير الكتروني غربي، او بعائدات بيع الكتب في  دولة أوروبية واحدة .
-  التربية  على القراءة أزمة عربية خانقة : الكبار لا يقبلون على الكتاب فكيف يبثون حب الكتاب الى صغارهم " فاقد الشيء لا يعطيه " انظر كم كتابا يقرأ كل انسان في اوروبا ، انظر الملايين من القراء التي اشترت سلسلة هاري بوتر ، هل لو كتب الكتاب أديب عربي ،  هل كان سوف يهتم به القارئ العربي نفسه ؟، في  الغرب يصل عدد النسخ لقصص الاطفال 40000 نسخة طبعة اولى ،اما في العالم العربي عادة تطبع القصة ب 1000 نسخة ، وفي لبنان 3000 نسخة يباع منها خلال 8 سنوات 2000 فقط !!.
- الأمية في العالم العربي : ما زالت  الأمية معضلة ومشكلة كبير تواجه  الشعوب والحكومات ، تعيق التنمية والاقتصاد ، وتؤثر على التعامل مع  الكتاب .
- جودة الكتب ومضامينها : لا شك ان  جودة  الكتاب ومضمونه ، اثر كبير على اقبال الأطفال على المطالعة  ، علينا  ان  نعترف  ان  هنالك العديد  من  القص في السوق  وبين  نتناول  ايد\ي الأطفال  اقل  ما  يقال عنها  انها  رديئة المضمون والإخراج ، وتنفر الطفل  القارئ ، تخسره كقارئ شفوف بالكتب .
- الاخراج الفني للقصص: له اثره ، معظم  القصص تصدر بحلة رديئة ، وورق  رخيص  واخراج بائس ،  ورسومات غير جذابة  مما  ينفر  القارئ .
- تحفيز الكتاب : دور النشر العربية لا تشجع الابداع والتميز ، عادة يتكفل الكاتب بالنشر والتوزيع ، معظم دور النشر  العربية هي دور  طباعة وليست نشر وتوزيع ، ..بينما  في الغرب يحصل الكاتب  على نسبة معقولة من  الأرباح ، تشجعه  على التفرغ والتميز والابداع
- قلة الدراسات حول أدب  الطفل :  الدراسات  في عالم  الطفل شحيحة ، معظم  الأعمال  لا  يشار  اليها ، كأنها  خارج  مرمى  النقد ،فان  النقد  الصحيح ، رافد هام  وحيوي للأدب ، يعالج النص بموضوعية ومهنية ، يبث  الحياة المتجددة بالنص كلما  نظر اليه  القارئ والباحث ، كما انه يقوم الكتابة ويوجه الكتاب ، يظهر مواطن  القوة والضعف في الأسلوب والمضمون ، ويعرف القراء بالكتاب ، ويغربل الأدب عن " غير الأدب "، يخلد الأدب الجيد بين حضن المادة   ، ويطور أسلوب  الكاتب والناقد على حد سواء .
- الكتب المترجمة  الى العربية  :   ظاهرة جيدة ، لكن هنالك العديد من القصص المترجمة العربية لا  تتناسب  مع ثقافتنا ومجتمعنا  وبعضها يبث ثقافة استعمارية هدامة ، او تنزع القيم ، او تخيف الطفل، أيضا قد تكون ارخص تنافس الأدب المحلي ، فتبقيه على الرفوف يبكي حظه.
- قلة الترجمة من العربية الى اللغات الاخرى :بهدف تعريف العالم بإبداعاتنا ، ما  ترجمه  العرب ضئيل منذ  العصور الوسطى  حتى اليوم ، من المفروض ان  تترجم الأعمال الإبداعية في مجال ادب الطفل الى شتى لغات العالم ، ليصل صوتنا الى بعيد ، الى الصين وأوروبا وافريقيا  واستراليا، الترجمة جسر محبة والفة بين  الشعوب ، تقبل للآخر ، ولفهم ونشر حضارتنا وثقافتنا ومخزوننا الحضاري ، وعلى عاتق دور النشر والحكومات ومراكز البحث تقع هذه  المهمة الشاقة  والشيقة ، الغربيب أن العرب كانوا  رواد الترجمة في  العصور  الوسطى ، ولهم فضل كبير على الغرب في هذا المضمار ، لانهم حفظوا الفلسفة اليونانية واسس الفكر القديم من طب وجبر ورياضيات ، من الضياع والتزييف والتحريف ، لكن  اليوم  اضعنا  البوصلة ، كما ان  عملية الترجمة تساهم في حفظ مكانة اللغة  العربية كلغة عالمية ، لغة الادب والشعر والابداع  والخيال ولغة القران  الكريم ،   هذه الخطوة تساهم في  تعزيز  مكانة  الأديب العربي ، تسوق فكره وابداعه .
-  الفقر عدونا الأول :  الفقر مدقع  في  العالم  العربي  ينتشر في معظم الدول العربية ، يحاصر  فئات كبيرة ، ويفرض عليها حياة شاقة مغموسة  بالعوز والهم والدمع والحرمان،  الأسر  الفقيرة  تفكر أولا في  لقمة  الخبز والمسكن والملبس ، تنظر  الى كتب  الأطفال  على  انها من الكماليات ، بينما هي في  الواقع غذاء الروح وبوصلة للعقل ، وعامل مهم لنمو ذكاء  الطفل ولتطوير مهاراته اللغوية وتعزيز شخصيته وتوسع ثقافته وإبراز هويته الثقافية والدينية والقومية.
- حالة الاقتتال والحروب  الأهلية  في  العالم  العربي : كان يرجى  من  الثورات العربية والربيع  العربي ، أن  تصب  في صالح الثقافة والابداع ، وأن  تنشط دور النشر، ومراكز  الدراسات  وتزدهر طباعة الكتب، وتركز جهود الحكومات والأنظمة على دعم جهاز  التربية والتعليم والمعاهد العليا ، والاهتمام بالطفل وأدبه  وتعزيز  مكانة  الكاتب المبدع ، لكن تجري  الرياح بما لا تشتهي السفن ، الأوضاع الأمنية والحروب التي  تعصف وتمزق العالم  العربي ، التصفيات السياسية ، والصراع  المذهبي ، اعمال السلب والنهب ، واغتيال الحضارة وسرقة المتاحف ، وأعمال  القتل والتشريد والتهجير والتصفية العرقية ، واضطهاد الأقليات ، الصراعات الإقليمية ، كلها  عوامل تستنزف مقدرات الوطن العربي ، وتصرف  الأنظار عن الابداع ، تخرس الأقلام  وتغتال روح الابداع وتقزم المبدع  الذي يقف عاجزا أمام جلل المصاب وعمق الجرح النازف، وتنطق أمامه  المدافع  والطائرات الحربية ، يسمع أزيز  الرصاص  وصوت الانفجارات ، تهاجر الطيور والعقول الى جهات أخرى في  هذا  الكون  الفسيح، فبدل  تكريم  الطفل ،نشاهد موته جوعا  وقصفه وتشريده وذبحه ، ومصادرة طفولته وهدم مستقبله ، وقتل ذويه ، وحرمانه من التعليم  ومن ابسط حقوقه  الطبيعية والشرعية .
 - الرقابة الذاتية ورقابة المجتمع : هنالك  من يشير  الى  الرقابة الكبيرة  التي يفرضها الكاتب على نفسه ،بهدف  قبول  عمله  من قبل  الأهل ودور  النشر ، والمدارس ، والنقاد ، فيشعر انه  يكتب لكل  هؤلاء باستثناء الطفل  وهو "الهدف "، زد  على  ذلك أن  دور  النشر تبحث  عن القصص ذات توجه تربوي تعليمي ، لنشرها، ولا تبحث  عن  القصص  التي تكتب لمتعة وسعادة  الطفل ، كان القصص هي  وسيلة التربية الوحيدة في  المجتمع !!
-         انتقائية  دور  النشر : العديد  من  دور  النشر تبحث  عن أسماء لامعة في  عالم الطفل ، التي حققت النجاح في بعض  القصص ، وتقبل عليها ، وتهمل الأسماء  الأخرى والقصص الأخرى ، مما يحدث نوع من  التكرار والاجترار للمواضيع والأساليب والأفكار.  وبث روح  الإحباط  لدى العديد  من  المبدعين الذين اخفقوا في التوصل  الى صيغة مع  دور  النشر القائمة ، مما يدفعهم الى  العزوف عن  الكتابة والابداع ، او الإصدار بشكل  شخصي متحدين كل  الظروف  والية التوزيع ، لكنها خطوة مزروعة بالمخاطر المادية .
-         النقص  الشديد في أدب الفتينان والناشئة : هنالك  العديد  من  القصص التي  تلائم  جيل  الطفولة المبكرة ، وهنالك  الروايات والقصص التي تلائم الكبار وطلاب المرحلة  الثانوية ، هنالك اهمال كبير من قبل  الكتاب بجيل  الفتيان ،يجب  ان  تكون  الكتابة في  العالم العربي لجميع  الأجيال وبنفس الاهتمام والجودة ، لان كل فئة عمرية  في غاية  الأهمية ، وجيل  المراهقة  في أمس الحاجة لصرف اهتمامه وانظاره عن ملهيات الحياة  المظللة ، بمطالعة كتاب  نافع يوقد فكره ويوسع  معلوماته ، ويصقل شخصيته .
-         وعي أهمية أدب الطفل : عامل  الوعي كمجتمع وحكومات لأهمية ادب الطفل هام ، كلما زاد  الوعي ، تزداد  الطاقات والموارد  التي تصرف على نشر هذا الادب وتكريس نجاحه ، صحيح  انه  طرأ اهتمام في بعض الدول بأدب الطفل مثل  : الكويت والامارات وعمان ، والأردن ، حيث تتبنى الدول  مسابقات على مستوى  العالم  العربي ، تشجع هذا اللون الأدبي وتكرم الأدباء ، لكن هنالك حاجة ليكون هذا الاهتمام أوسع وأعمق وأشمل ، وأيضا ليكون في  سائر الدول  العربية من خلال بناء رؤية شاملة لتجذير نشر ودعم أدب الطفل .
-         تسيس الاعلام : بسبب  الحالة العربية ، وانتشار  الفوضى السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والفكرية ، وحاجة جميع  الأطراف المتنازعة الى الة  الاعلام ، لنشر أفكارها ، ونقل  الحقيقة  كما تراها هي ، تهتم كل  الأطراف السياسية والعسكرية في  العالم العربي بالإعلام بكل أشكاله المرئي والمسموع والمقروء ،  لبسط نفوذها  عليه، فبات الاعلام موجه سياسيا ، فانحصر دوره على التغطية  السياسية ورصد  التطورات العسكرية على أرض المعارك  المنتشر في العديد  من  الدول  العربية ، والترويج لأفكار تيارات معينة ، وحتى ان بعض الميلشيات العسكرية والحكومات استولت على مقدرات  ومقرات الصحف والمواقع  الإلكترونية ، وحجبت العديد، مما  افقدها  مصداقيتها أمام الجمهور ، إضافة لتغيير في  النهج ، هذا الأمر  انعكس على تغطية النشاط   الأدبي ورصد حركة الابداع  بشكل عام .
-         ضعف لغة العربية في الشبكة العنكبوتية : لا  أحد ينكر  أهمية المواقع الالكترونية في نشر  المعرفة وتسخير العلم ، ونشر الادب ، الانترنت منافس قوي للكتاب الورقي ، لكن الفطن من يستغل هذا  العملاق الذي يفرض نفسه يوما بعد يوم على العالم بلا  منازع ، هنالك فشل في تسويق ادب الطفل عبر الانترنت ، شبكات  التواصل الاجتماعية ، لعدة أسباب ، منها التخلف التكنولوجي  في معظم البلدان العربية ، وضعف الموارد المخصصة لهذا  الغرض ، لاحظ الخبراء  قلة  المواقع  العربية المختصة ، وقلتها بشكل عام مقارنة بعدد الناطقين بالعربية ، كلغة هامة للحضارة والإنسانية ، لكنها  ليست لغة الأبحاث ، يقول رائد  أدب الطفل يعقوب   شاروني "   والتنبؤ بمصير العربية فى هذا المعترك عسير ، من حيث هو مرتبط بمكانة العرب من العالم ... بالنظر إلى إخفاقاتهم فى التقدم خطوة نحو ما يحمى اللغة حقًّا من غائلة اللغات الأخرى ، التى تستفحل مع الوسائط الاتصالية القائمة على تلك اللغات " .
-                  ويضيف : " والعلاقات بين اللغات كالعلاقات بين الدول ، منها علاقات مشروعة وضرورية ونافعة ، ومنها ما هو نوع من التدخل فى الشئون الداخلية وانتهاك للسيادة ، وهذا هو ما يترصد العرب كما يترصد لغتهم " ، فان  اللغة العربية تواجه تحديات شديدة من  قبل اللغة المهيمنة " اللغة الإنجليزية " لغة الشعوب  القوية ، كذلك في ظل مكان  الدول  العربية والعرب عامة دوليا . لذا من  المهم استغلال الشبكة  العنكبوتية بصورة إيجابية لنشر المعرفة وتعزيز مكانة اللغة  العربية ونشر الادب  وادب  الطفل واستغلال كل  التقنيات  الحديثة ، وهنالك حاجة لتحسين أداء  المواقع  العربية وتحديثها ونشر الأبحاث  الهامة في كافة المجالات باللغة العربية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق