الخميس، 26 مارس 2015

تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى



تنمية القدرات الإبداعية لدى الأطفال
دراسة من إعداد : يعقوب الشارونى

المقصود بالإبداع :
          تُستخدم كلمة " الإبداع " فى مجالات علم النفس ، لتحديد بعض الملامح والخصائص والمميزات  الشخصية ، مثل التلقائية والأصالة والذكاء الحاد ، وتشير الكتابات الأدبية إلى ما هو أصيل ومبتكر ، وإلى حَدّ ماَ مُثْمِر .
*        *         *
          والاهتمام الجاد بدراسة الإبداع وبطريقة علمية منظمة ، لم يبدأ إلا فى أواخر القرن التاسع عشر ، عن طريق ملاحظات قام بها العلماء حول العباقرة والنوابغ ، فبدأ الحديث عن قدرات وإمكانيات تتمثل فى التلقائية والسيولة غير العادية فى طرح الأفكار والصور . فالعقل المبدع الخلاق يَزْخَرُ دائمًا بالأفكار والتصورات الجديدة ، بالإضافة إلى قدرة ذلك العقل على تقبل الجديد والاستجابة له ، ثم الحَدْس ونَفَاذ البَصيرة .
*         *         *
          ويرى كثير من علماء النفس وعلماء التربية ، أن العبقرية لا تورث ، وإنما تُصنع ، فعوامل البيئة والتربية والإعداد والمران ، كل هذه عناصر أساسية ، حتى بالنسبة لمن منحتهم الطبيعة العديد من المواهب ، أما الوراثة ، فإنها لا تقدم سوى " البذرة " ، التى يجب أن تُغرس فى التربة الملائمة ، ثم نتولاها بالرعاية والتهذيب قبل أن تنضج  وتتفتح .
          إن الإبداع هو حصيلة توافق عدد من العناصر الذاتية الداخلية ، مع عوامل أخرى خارجية أو بيئية .
          وتكشف الدراسات أن كل شخص يمتلك قدرًا ما من تلك المقدرة الخاصة ، التى نسميها " الإبداع " ، وأنه يمكن تعهد هذه المقدرة وتنميتها بالتدريب والمران . ذلك أن السلوك الإبداعى يتضمن كثيرًا من عناصر : حب الاستطلاع ، والرغبة فى الكشف والارتياد ، وإثارة التساؤلات ، وتقديم إجابات غير تقليدية وغير مألوفة على هذه التساؤلات ، وظهور كثير من علامات الاستقلال والتمايز فى التفكير والتجربة .
          إن الإبداع هو القدرة على التعامل - بطريقة متميزة - مع المشكلات الغامضة أو غير المحددة ، والعثور على افتراضات جديدة وأصيلة ، وتجريب أساليب وتطبيقات جديدة تمامًا .
          والتفكير الإبداعى تفكير غير تقليدى أو غير مألوف ، لذلك فإن الإبداع يجب أن تُتاح له الفرصة لإثبات أهميته وفائدته . لكن هذا ليس معناه أن النشاط الإبداعى يجب أن يدور دائمًا حول الأمور النافعة أو المجدية .
          إن معظم العلماء يعطون أولوية لعنصر " الجِدَّة " ، التى تشير إلى الأصالة والابتكار . وأن تكون هذه الجدة قادرة على التكيف مع الواقع ، بحيث يكون العمل الإبداعى استجابة لمشكلة معينة ، أو تقديم حَلّ لمشكلة ، ويشترط بعض الباحثين فى العمل الإبداعى أن يكون جديدًا ومفيدًا نافعًا . وهناك باحثون يكتفون بكون العمل الإبداعى مقبولاً من الناحية     الجمالية .
          ولابد من التمييز بين الإبداع والذكاء ، فلا توجد بالضرورة علاقة تطابق بين الاثنين . فمقاييس الذكاء المعروفة ليست معيارًا صحيحًا لقياس مستوى الأصالة والإبداع .
          فهناك عدد كبير من العلماء يميلون إلى التمييز بين نوعين مختلفين من القدرات    العقلية :
          الأولى : هى القدرات التى يمكن قياسها باختبارات الذكاء المعروفة ، بينما الثانية : هى قدرات استثنائية ، يُطلق عليها اسم " القدرات الإبداعية " .
          إن مستوى الذكاء المطلوب للإبداع يختلف من مجال لآخر ، بحيث إنه قد يكون منخفضًا فى بعض الأحيان إلى درجة تثير الدهشة . فالمهم فى الإبداع ، هو مدى قدرة الشخص المبدع على استخدام ذلك القدر من الذكاء الذى يتمتع به فى إنتاج أعمال إبداعية وفى قدرته على أن يُوَجِّه هذا القدر من الذكاء لهذا الغرض بفاعلية واقتدار .
*         *        *
          والإبداع ظاهرة عامة ، يمكن أن نجدها فى كل المجتمعات الإنسانية ، وفى مختلف مراحل التطور الاجتماعى والثقافى .
*        *       *
          كذلك لا يقتصر الإبداع على سن دون أخرى ، وإنما يمكن أن نجد إبداعًا فكريًّا أو فنيًّا لدى الأفراد من مختلف الأعمار ، فهناك الكثير من الإنجازات الكبرى فى مجالات العلوم والفنون ، قد قام بها أشخاص مبدعون فى مراحل متأخرة من العمر .
*         *         *
وكثير من الأعمال قد تُدْخِل على التجربة الإنسانية العادية كثيرًا من عناصر التحوير والتعديل ، التى قد تؤدى فى النهاية إلى تغييرها تغييرًا شاملاً بحيث تتعارض مع الأوضاع التقليدية ، مما قد يمثل تحديًا لها .
القدرات المميزة للتفكير الإبداعى :
          وهناك مظاهر أساسية تكاد تكون مشتركة لدى أغلب المبدعين ، منها ما يذكرونه هم أنفسهم " المبدعون " من أن الشقاء والتعاسة التى لازمت طفولتهم ، كانت من أهم العوامل التى فجرت ينابيع الإبداع الكامنة فى أعماقهم . ولكن ليس معنى هذا أن شقاء الطفولة شرط ضرورى لتنمية المواهب الإبداعية ، فالطفولة السعيدة لا تتعارض مع الموهبة ولا تقتل المقدرة الإبداعية .
          ولعل أهم المظاهر المشتركة بين المبدعين ، هو مدى ما تتيحه العلاقة بين الوالدين والطفل من فرصة لتحرر الطفل وانطلاقه ، وبالتالى استقلال شخصيته . بالإضافة إلى كثرة الفرص المتاحة للاحتكاك بالثقافات الأخرى المختلفة والاتصال بالآخرين ، وغير ذلك من العوامل التى تساهم فى تعميق التجربة الذاتية وتنوعها ، وزيادة الخبرة وشمولها .
          إن الإبداع يحتاج إلى الشعور والإحساس بالحرية والانطلاق ، وعدم الكبت أو الرضوخ لأى نوع من أنواع القهر .
*         *         *
عوامل القدرة الإبداعية :
1 - الطلاقة :
وقُصد بها القدرة على إنتاج أكبر عدد من الأفكار الإبداعية . فالشخص المبدع شخص متفوق من حيث رصيد الأفكار التى يقترحها حول موضوع معين ، وفى وحُدة زمنية   ثابتة ، مقارنة بغيره ... أى أنه على درجة مرتفعة من القدرة على سيولة الأفكار ، وسيولة توليدها .
          وللتدريب على هذه القدرة ، هناك تدريبات لسرعة التفكير ، وذلك بأن نطلب من الطفل إعطاء كلمات فى نسق محدد ، تبدأ مثلاً بحرف معين أو مقطع معين ، أو تنتهى بحرف معين       أو مقطع معين ، أو تصنيف الأفكار أو الكلمات حسب متطلبات معينة ، مثل القدرة على سرعة ذكر أكبر عدد من أسماء الجمع أو الأشياء الصلبة أو البيضاء ، أو إعطاء أكبر عدد من العناوين لقصة ، أو القدرة على وضع كلمة معينة فى أكبر قدر ممكن من الجمل والعبارات ذات المعنى .
2 - المرونة :
ويُقصد بها القدرة على أن يغير الشخص وجهته الذهنية عندما يتغير الموقف ، أى قدرته على التحرر من الأفكار النمطية ، ومن الانغلاق داخل معتقداته الذاتية ، وهى بهذا المعنى عكس التصلب العقلى . إن الوقوف عند أسلوب واحد تقليدى ، يقضى على كثير من مظاهر الثراء والتنوع الإبداعى ، خاصة فى ميدان الفنون .
3 - الحساسية للمشكلات :
 فالشخص المبدع يكتشف الأخطاء بسرعة ، كما يتبين نواحى النقص والقصور والضعف الكامنة فى الأشياء أوضح وأسرع من غيره ، ويحس بالمشكلات إحساسًا مرهفًا ، كما تكون لديه القدرة على اقتراح حلول إبداعية لإكمال النقص والضعف ، فهذه  القدرة ، تزيد احتمالات وصول المبدع إلى الخلق والابتكار ، لأنه من الحساسية للمشكلات ، تنطلق الإمكانيات نحو سد الثغرات ، أو فهم الغموض وإزالته . فالمبدع يتنبه للأشياء التى لا يلحظها غيره ، ويراقبها ، وهو بهذا أكثر تفتحًا على بيئته .
4 - الأصالة :
فالشخص المبدع لا يقتبس أو يردد أفكار المحيطين به . ويمكن الحكم على الفكرة بالأصالة فى ضوء عدم خضوعها للأفكار الشائعة . والشخص صاحب التفكير الأصيل ، هو الشخص الذى ينفر من تكرار أفكار الآخرين ، ومن حلولهم التقليدية للمشكلات .
5 - الاحتفاظ بالاتجاه ومواصلته :
فالشخص المبدع يتميز بقدرته على التركيز لفترات طويلة جدًّا فى مجال اهتمامه . فالإبداع ليس شيئًا عابرًا أو سريعًا ، وليس أمرًا يقوم به الإنسان عفو الخاطر أو بشكل لا إرادى ، بل إن المبدع يجب أن يكون صاحب قدرة على التركيز المصحوب بالانتباه طويل الأمد تجاه هدف معين بالرغم من المشتتات والمعوقات ، فهو يستطيع أن يتخطى العقبات ويلتف حولها ، ولا يتركها تقف على سبيله .
6 - القدرة على تكوين ترابطات واكتشاف علاقات :
فكل فكر إبداعى يقوم فى حقيقته على خلق نظام جديد من العلاقات بين الأشياء بعضها والبعض الآخر ، أو بربطها بعالم الخبرة الذاتية والوجدانية ، والقدرة على القيام بتكوينات كبيرة من فكرة أو أفكار قليلة .
7 - النفاذ :
وقد يسمى " الاستشفاف " . وهذه القدرة تعنى تمكن المبدع من النظر البعيد . إنها تعنى قدرة العقل المبدع على اختراق حواجز الزمان والمكان ، ورؤية ما يكمن خلفهما . فهناك مناطق مجهولة من المعرفة الإنسانية ، تخفيها المظاهر السطحية للأشياء . والقدرة على الذهاب إلى تلك المناطق البعيدة ، بشكل يتجاوز الحواجز والقيود ، هو ما يقصده العلماء                  باسم " النفاذ " .
8 - قدرة المبدع على القيام بعمليات التحليل والتركيب :
 وتمكنه من أن يتحرك ذهنيًّا من البسيط إلى المركب ، ومن المألوف إلى غير المألوف ، ومن المحسوس إلى المجرد ، ومن الماضى إلى الحاضر ثم إلى المستقبل بقدرات الخيال .
9 - القدرة على تنظيم الأفكار :
 وتلك من خصائص الطفل الابتكارى المبدع ، وإعادة تنظيمها مستخدمًا المهارات الإبداعية ، حتى يتهيأ له أن يرى بوضوح قيمة ما جمعه من أفكار ، وما توصل إليه من حقائق ، ليستطيع أن ينطلق إلى أفكار أصيلة أو حقائق جديدة .
*         *         *
          وفى ضوء هذه القدرات للإنسان المبدع ، نستطيع أن نفسر السبب فى المقاومة العنيفة التى يواجهها المبدعون على مر التاريخ . فقد أثبت علماء السلوك الاجتماعى ، وجود مقاومة اجتماعية مستمرة للأفكار الجديدة . فالناس ينزعجون لإلغاء أو نقد أو تغيير ما استقروا عليه من نظام ثابت من الأفكار . وبذلك يكون على المبدع أن ينمى قدرته على تكوين ترابطات جديدة ، وعلى تحرير نفسه من الارتباط بما هو تقليدى ، وعليه أيضًا أن يتفنن فى التغلب على المقاومة الاجتماعية التى تواجه آراءه واكتشافاته .
كيفية تنمية القدرات الإبداعية :
          لقد أكد العلماء على أننا نستطيع زيادة قدراتنا وطاقاتنا على الخلق والإبداع ، إما من خلال التدريب ، أو من خلال أساليب التربية التى تساعد على احتضان الشخصية الإبداعية وإثارة مناخ اجتماعى يحمى التفكير الإبداعى ويرعاه ويشجعه .
          إن التشجيع على إعطاء إستجابات مبتكرة ومتنوعة ، يؤدى بلا شك إلى زيادة فى شيوع الاستجابات الأصيلة فى سلوك الفرد .
*         *         *
          كما أن تهنئة الشخص على الفكرة الجديدة التى ينتجها ، تساعد كثيرًا على نمو القدرة على  إمكانية تقديم استجابات أصيلة .
          كذلك فإن إتاحة الفرصة للاستخدام العملى للأفكار الإبداعية ، يعزز من الأصالة ويزيد من تواترها .
*         *         *
          ولا شك أن اهتمام المجتمع أو الأشخاص المحيطين بالمبدع - بأن يؤكدوا له دائمًا أن استجاباته جديدة وطريفة ومناسبة - سيؤدى إلى أن تزداد ثقة المبدع بنفسه ، كما ستنمـى قدرته على المبادأة وعلى القيادة .
*         *         *
          كما أن الحرص على أن يكتسب الفرد ثروة من الأفكار خلال مراحل الخبرة - يعد مقدمة ضرورية لكى يجد المبدع المادة التى يستطيع أن يصوغها صياغة جديدة ، أو يضعها فى تركيب جديد . ومن هنا تظهر أهمية إعطاء الفرصة للأطفال فى اكتساب خبرات جديدة ، منها زيارات الحقول والمتاحف والمصانع ، والقراءة وإجراء التجارب ، ومشاهدة الآخرين وهم يعملون . فكما يحوِّل الفنان خبرته المكتسبة إلى رواية أو مسرحية أو قصيدة ، فإن العالم يحول خبرته التى تدور حول المعلومات والوقائع والنظريات والبيانات التى عرفها واكتسبها ، إلى صياغة نظريات جديدة .
*         *         *
          كذلك فإن تشجيع الطفل على الربط بين العناصر المتعارضة ، أو التى تبدو متعارضة ، من أهم أساليب تنمية وتدريب القدرة الإبداعية .
*         *        *
دور البيئة التى تحيط بالطفل :
ومما يساعد على تنمية الإبداع وتدريبه ، أن يوجد الطفل فى وسط جماعة تتسامح مع الأخطاء ، وتشجع على الاختلاف ، ولا تكثر من النقد ، وتأخذ موقفًا تشجيعيًّا لأفكار أفرادها .
          بينما يقضى على الإبداع ، وجود الطفل فى وسط جماعه تسلطية ، تكثر من النقد ،        ولا تتسامح إزاء الأخطاء ، وتنبذ من يخرج عن المألوف ، وتسخر من الجديد ، وتتسم بالصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها ، وممارسة أنواع من الضبط والعدوان والإحباط .
          إن الإسراف فى الانتقاد واللوم وإظهار السلبيات ، خاصة عند بداية ظهور الأفكار الجديدة ، يؤدى عادة إلى خوف الشخص ، وعندئذ يتراجع معيار تفكيره ، وتنخفض بالتالى الأفكار المبدعة لديه .
          إن كثيرًا من أفكار العلماء العميقة ، بدأت من ظواهر كانت تبدو للبعض تافهة                 أو لا تستحق الإلتفات . وقد كتب ابن " داروين " عن أبيه يقول : " كثير من الناس عندما تصادفهم نقطة تبدو أنها تافهة ولا صلة لها بما بين أيديهم من أعمال ، يمرون عليها دون أن يحسوا بها تقريبًا . وقد كانت هذه بعينها هى الأمور التى يقف عندها داروين ليبدأ منها " .
          إن الآباء والأمهات الذين يمكن أن يساعدوا على نمو قدرات أطفالهم الابتكارية والإبداعية ، هم الذين يتميزون بتفتح الذهن ، والمرونة العقلية ، والقدرة على التكيف ، والبعد عن التزمت ، وعدم التسلط ، والقدرة على تناول وجهات نظر متعددة ، والقدرة على منح الطفل قدرًا من الاستقلالية ، مع توفير جو من التشجيع والأمان ، والثناء على النجاح ، حتى يكتسب الطفل نوعًا من الثقة والتفاؤل والرضا ، ونسبةمرتفعة من توقع النجاح ، واختيارًا لمستوى أعلى من المُخاطرة .
          إن ارتفاع مستوى الطموح - وبمعنى آخر : " قوة جاذبية المستويات الأصعب من   الأداء "- إنما يحدده قوة توقع النجاح . ومن المؤكد أن جو الأمان والتشجيع على النجاح ، يساهم بدرجة كبيرة فى نسبة توقع النجاح ، والإقبال على المخاطرة .
          فلابد أن يسود الأسرة إطار من التَقـبُّل للأبناء ، وشعورهم بالأمان من العقاب كجزاء على التجديد أو الاستقلال ، لكى تنمو عادات التفكير والسلوك الإبداعى لديهم .
*         *         *
احترام خيال الأطفال :
كما يجب أن نحترم خيال الأطفال ، وأن نتجنب تعطيله وتعويقه ، وأن يكف الكبار عن الاعتقاد الراسخ لديهم بأن ما يفكر فيه البالغون هو الصحيح والحقيقى فقط .
          فالوالدان عندما يحاولان باستمرار توجيه ابنهما إلى الواقع ، وإلى ما يعتقدان أنه مفيد وعملى - كلما وجدا ابنهما مُحَلِّقًا فى سماء الخيال - إنما يعوقان نمو خيال ابنهما بدرجة   كبيرة ، أى إننا حينما نستهين بخيال  الطفل ، نوصد أمامه هذا الباب السحرى إلى الأبد .
          وهناك الكثير من الآباء يتملكهم القلق إزاء تخيلات الطفل فى سن الثالثة معتقدين أنها قد تتحول فى ذاكرته إلى أكاذيب وأوهام ، وأنه لن يتعلم التمييز بين الواقع والخيال . أما الحقيقة ، فهى أنه من الصعب أن يفرق الطفل فى هذه السن بين الواقع والخيال ، وعلى الكبار أن يُظهروا اهتمامهم بتصورات الأطفال الخيالية وأن يشاركوهم فيها ، بتأليف قصة مثلاً تدور حول تصورات الطفل الخيالية ، فيحس الطفل أن الحاضن يشاركه خياله ويتخيل معه . وكلما شب الطفل وترعرع ، كلما اتضح له ، طبيعيًّا ، الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال .
احترام قدرات الطفل الموهوب :
ولتنمية قدرات الطفل الموهوب ومواهبه الإبداعية ، فإن علينا احترام رأيه ، والإجابة عن أسئلته بحسن تصرف ، وأن ندرس معه أى مشكلة يبحث لها عن حل ، مع تشجيعه ومناقشته فى المسائل المختلفة ، مع مراعاة مستواه العقلى ، واحترام قدرته على التفكير . كذلك فإن علينا أن نتوقع من الطفل العمل الذى يتناسب مع قدراته ، وألا نطلب منه ما لا يتناسب إلا مع من هم أكبر منه سنـًّـا .
الاهتمام بالميول الإبداعية للأطفال :
كذلك فإن علينا - لتنمية قدرات الطفل الإبداعية - أن نهيىء له بيئة تقدم له فرصًا لمواجهة مختلف الميول ، كما نقدم ما يمكن أن يتحدى قدرات الطفل فى الحدود المعقولة ، ليكون هذا حافزًا على نموها وتطورها . وعلينا أن نعطى الطفل حرية العمل فى شتى مجالات ميوله ، وأن نساعده على استخدام مواهبه من حيث القدرة على الخلق والابتكار .
          كذلك يجب أن نتجنب أن نطلب من الطفل الموهوب تحقيق مستويات مرتفعة من التحصيل فى كل المواد الدراسية . إن الطفل الموهوب لا يميل عادة إلى جميع هذه المواد بدرجة واحدة ، وبالتالى لا يكون مستوى تفوقه فيها واحدًا .
حرية الأطفال فى الرسم :
          كذلك يجب أن نمتنع عن أن نقدم للطفل كراسات التلوين ذات الرسوم الجاهزة ،       أو أن نطلب منه نقل الرسوم من الكتب والنماذج ، بل لابد أن نترك للطفل حرية اختيار موضوعات رسومه ، يعبر فيها عن نفسه بخياله المنطلق ، وبالألوان التى يحبها ، وبالأسلوب الذى يروق له ، غير مقيد لا بنسب ولا بمنظور ، ولا بتطابق مع الطبيعة لا فى الشكل ولا فى الألوان ، فهذا هو السبيل الأمثل لكى يكون التعبير الفنى مستجيبًا ومفجرًا لطاقات الإبداع عند الطفل .
العمل على زيادة خبرات الأطفال :
          كما أن حجرة الطفل فى البيت أو المدرسة ، التى تستثير أعلى مستوى من التعبير الخلاق عند الأطفال ، هى التى تزودهم بشتى الفرص التى يختارون من بينها ما يناسبهم . فالأشياء والأنشطة والمواقف التى تؤدى بطفل ما إلى التعبير عن تفكيره الإبداعى ، ليست هى ذاتها دائمًا التى تكون دافعًا لغيره فى نفس الاتجاه .
          إن الأنشطة التى تتطلب البحث عن المعلومات ، وعن المعانى ، وتوسع أفق الفهم والمعرفة ، والتى تفتح آفاقًا جديدة للإدراك ، تؤدى إلى أن يستعمل الطفل قدرًا متزايدًا من المهارات الناضجة ، التى تؤدى إلى زيادة قدراته الابتكارية والإبداعية .
الإجابة عن أسئلة الأطفال :
          والطفل يواجه مواقف لا يفهمها ، لا لشىء إلا لأنه لم يجد جوابًا عنها . ولابد أن نوفر المثيرات اليومية التى تشجع الأطفال على الإقبال على التساؤل ، وتحملهم على إلقاء الأسئلة التى تبدأ بأدوات الاستفهام : لماذا ، وكيف ، ومتى ، وأين ؟
          ويجب أن يكسب الطفل القدرة والثقة بالنفس فى بحثه عن الإجابات ، حتى يكون مستعدًا لمواجهة المجهول ، والتفكير الخلاق ، بثقة واطمئنان .
          علينا أن نوجه الطفل ، ليس فقط ليلقى مزيدًا من الأسئلة ، بل أيضًا ليبحث بنفسه عن الإجابات ، سواء فى الكتب أو عن طريق سؤال المربين ، أو عن طريق الملاحظة ، أو باختبار الاحتمالات المختلفة . وليس هناك سن يكون الطفل فيه أصغر من أن يتعلم عن طريق التفكير فى المشكلات التى تثير اهتمامه بها .
إنشاء النوادى للهوايات :
          كذلك يمكن تكوين نوادٍ خاصة للأطفال والتلاميذ ، الذين يهوون الرسم ، أو التصوير ، أو الموسيقى ، أو العلوم ، أو الأشغــال اليدويــة ، أو جمــع طوابــع البريــد ، وغيرهــا من الميــول
 والهوايات . إن مثل هذه النوادى والأماكن المخصصة لممارسة الهوايات - والتى تنمى  الإبداع ، والتى تقوم على أساس ميول الأطفال - تزيد من حماس التلاميذ ورغبتهم فى العلم ، وتساعد على الكشف عن الموهوبين منهم ، كما تعمل على تنمية قدراتهم على الخلق والإبداع . كما يجب توفير أماكن وأدوات ممارسة مثل هذه الهوايات فى المدارس والأحياء لتنمية الإبداع وتشجيع المبدعين ، وإشعارهم بتقدير المجتمع لهم ، تشجيعًا لهم على مواصلة الجهود ، واستمرارهم فى البحث والاستقصاء .
اللعب الدرامى والإبداعى :
كذلك فإنه عندما يضع الطفل على رأسه وعاء طبخ صغير متخيلاً أنه الخوذة التى يلبسها رجل المطافئ ، أو عندما يريد الطفل أن يمثل دور هذا الرجل فى لعبة من ألعابه التخيلية ،               أو عندما يعمل الطفل من أحد أكياس النايلون ما يتصور أنه بالون يصعد به إلى الفضاء ،                     أو عندما يأخذ قطعة كبيرة من البلاستيك ويربط حوافها بقطع الدوبارة لكى يصنع منها مظلة هبوط ، متصورًا أنه يقفز من طائرة ، أو عندما يأخذ بعض حبات البازلاء فى الطبق ويصفها على شكل زخرفى قبل أن يأكلها .. فى كل هذه الأحوال أو ما يماثلها ، يعيد الطفل تنظيم أشياء               أو مواد مألوفة ، لكى يستخدمها فى مواقف أو أغراض غير مألوفة .
          إن تشجيع الطفل على استحداث استخدامات جديدة لأشياء أو لمواد مألوفة ، هو شكل من أبرز أشكال تنمية التفكير الإبداعى عند الأطفال . إن الأطفال يبحثون دائمًا عن مواد مألوفة حولهم لاستخدامها فى لعبهم الإيهامى ، وهم يفعلون ذلك عندما لا يجدون المواد الحقيقية ، وذلك لكى يتخذ الدور الذى يلعبونه الشكل الأقرب إلى الواقع . وكلما كان نشاط الطفل فى لعب الأدوار الإيهامية أو التمثيلية حافزًا على البحث والوصول إلى أفكار جديدة وبعيدة عن المألوف ، كلما يكون قد حقق عنصرًا أساسيًا من عناصر الابتكار والتفكير الإبداعى .
*         *         *

خاتمة
          إن علينا أن نعامل أطفالنا كلهم ، على أنهم جميعًا لديهم شرارة النبوغ . والآباء يستطيعون أن يلهبوا هذه الشرارة من النبوغ ، أو يضعفوها أو يخمدوها . والواجب علينا تنمية هذه الميزة الرئيسية فى أطفالنا ، حتى يصبح لدينا جيل كامل من المبدعين والعباقرة .

أهم مراجع البحث

- " الحضانة : نفسية الطفل فى السنوات الخمس الأولى " - تأليف سوزان إيزكس - ترجمة وتقديم د . سمية أحمد فهمى - نشر مكتبة الأنجلو  المصرية 1968 .
- " النشاط التلقائى والتعلم الخلاق " - تأليف : هيلين وارد وآخر - ترجمة : د . مصطفى فهمى وآخر - نشر                  دار النهضة العربية 1963 .
- " كيف يلعب الأطفال : للمتعة والتعلم " - تأليف جان شك جروسمان - ترجمة : محمد عبد الحميد أبو العزم - نشر مكتبة النهضة المصرية .
- " تربية الطفل قبل المدرسة " - تأليف : د . سعد مرسى أحمد وكوثر كوجك - نشر عالم الكتب 1983 .
- " الأطفال مرآة المجتمع : النمو النفسى الاجتماعى للطفل فى سنواته التكوينية " -  تأليف د . محمد عماد الدين إسماعيل - سلسلة عالم المعرفة - يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب - الكويت العدد 99 - مارس 1986 .
- " التقرير الختامى لحلقة النهوض بالتعليم قبل المدرسى فى جمهورية مصر العربية " - نشر المركز القومى للبحوث التربوية ، بالتعاون مع مكتب اليونسكو الإقليمى للتربية فى البلاد العربية - يونيو 1981 .
- " دراسة حول خدمات الجمعية العامة لتدريب العاملين فى ميادين الأسرة والطفولة لإنتاج لعب الأطفال " - بقلم عبد المحسن عفيفى محمد .
- " الطفل يمكن أن يتعلم منذ نعومة أظفاره " - بقلم بوريس ينكتين - مجلة رسالة اليونسكو العدد 204 .
- " كيف يلعب الأطفال لكى يتعلموا " - بقلم : كيمخامازوكا - مجلة رسالة اليونسكو العدد 204 .
- " مجلة العلم والمجتمع - العدد 50 سند 13 - مارس / مايو 1983 " - عدد خاص عن العلم والألعاب - التعلم عن طريق اللعب المنظم - صادرة عن اليونسكو .
- " سيكولوجية اللعب " - تأليف سوزانا ميلر - ترجمة رمزى حليم يسى - نشر الهيئة العامة للكتاب 1972 .
- " تكوين مدركات الأطفال العلمية " - تأليف مارى شكلن - ترجمة د . محمد صابر سليم - سلسلة التعليم فى ضوء التجارب رقم 19 - مكتبة النهضة العربية 1966 .
- " التنشئة العلمية " - تأليف : ماريان بيسر - ترجمة : أحمد محمود سليمان - الناشر : الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 .
- " نمو الذكاء عند الطفل " - تأليف : برنار فوازو - ترجمة : منير العصر - نشر : مكتبة النهضة المصرية 1976 .
- " تنمية الإبداع كهدف من أهداف عقد حماية الطفل المصرى " - إعداد : يعقوب الشارونى - دراسة قُدمت إلى الحلقة الدراسية عن وثيقة الرئيس مبارك حول عقد حماية الطفل المصرى ورعايته - نوفمبر 1989 .



               

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق