الثلاثاء، 17 مارس 2015

الحَيَوَانَاتُ المغَامِرَةُ لـ ( أمّ سَارَة ) بقلم: عبد الله لالي



الحَيَوَانَاتُ المغَامِرَةُ
لـ ( أمّ سَارَة )

بقلم: عبد الله لالي

كتاب لطيف للغاية فيه المغامرة المحبّبة للأطفال، وفيه اللُّغة الرَّصينة الجميلة، وفيه السّرد السّهل والمنمّق الذي يجتذب الأطفال ويروقهم، هي مجموعة قصصيّة للأطفال من تأليف الأستاذة الفاضلة خديجة زواقري المعروفة بـ ( أمّ سارة ) من عنّابة (الجزائر)، أهدتني (أكمامها) في لطف بالغ وتواضع جمّ على هامش ملتقى الاتحاف الأدبي الرّابع الذي أقيم ببسكرة، فطرت بها فرحا كأنّي طفل صغير، يسعد بأغلى هديّة ويفرح بأجمل تحفة.. 
صدرت المجموعة في طبعة فاخرة قشيبة تخلب ألباب الأطفال؛ عن اتحاد الكتّاب الجزائريين وبدعم من وزارة الثقافة عام 2009 م. تتألّف المجموعة من خمس قصص رائعة للغاية ضمّت بين دفتيها العناوين التّالية:
-    الكناري والزّهار
-    حلم زهّار
-    الطّاووس المغرور
-    الصُّرصور النّبيل
-    اللّبؤة الغبيّة
وزوّدت المجموعة القصصيّة بصور ملوّنة ذات بهرج مشوّق وخلاب بريشة حسيبة منغور وحشلفي حمزة وناجم شراد، رافقت الخطّ الجميل في لغته الأنيقة التي تناسب سنّ الأطفال في الابتدائي والمتوسّط، واحتوت القصص على معانٍ رفيعة وقيم أخلاقيّة نبيلة، وحِكم تؤخذ من تجارب الحياة، لكن جاءت على لسان الحيوانات ومغامراتهم على طريقة كتاب (كليلة ودمنة) لابن المقفّع.
1 - الكناري والزّهار:
قصّة طريفة ذات بعد دلالي عميق، وبإسقاطات رمزيّة قويّة، تروي قصّة قط متوحّش يريد أن يصطاد فريسته من بين طيور البحيرة التي يغشاها من حين لآخر، غير أنّ الطيور كانت ذكيّة فلم يستطع الإمساك بأيّ منها، الأمر الذي دفعه إلى التنكّر في هيئة مزارع، ثمّ قام ببناء بيت قرب البحيرة، وأخذ يغري الطّيور بما يقدّمه لها من قمح مقابل أن تعطيه بعضا من ريشها.
واستطاع أن يغري عصفور الكناري بأن يعطيه كلّ يوم حبتين من القمح، مقابل ريشة من ريشه الجميل، وتفطّن الطّائر زهّار إلى حيلة القطّ الأسود ونصح صديقه الكناري بأن لا يفرّط في ريشه مقابل حبّات القمح المغرية، لكنّ عصفور الكناري لم يستمع إلى نصيحة صديقه، حتّى جاء اليوم الذي فقد فيه كلّ ريشه، فوثب عليه القطّ وهو يقول:
" لقد كنت أطعمك أيّها المغفّل لأتغذّى بك.."
وتحمل القصّة مغزى عميقا، ملخصه أنّ الذي يأكل من طعام غيره يكون أسيره، وقد يصير في يوم ما فريسة له، وهذا حال الأمّة العربيّة منذ سنين طويلة. فإذا غرسنا هذه المعاني والقيم في نفوس أطفالنا كبروا على العزّة والأنفة، وضرورة الاعتماد على النّفس وترك الاعتماد على الأجنبي، بالإضافة إلى ضرورة الاستماع إلى نصائح الأصدقاء والمخلصين والاستفادة منها.
2حلم زهّار:
أمّا القصّة الثانية والتي بعنوان ( حلم زهّار ) فهي قصّة العصفور ( زهّار ) المغرور، والذي ظنّ نفسه أنّه قد صار قويّا مثل الأسد، عندما طار من فوق الشّجرة فرآها تهتزّ، فتوهّم أنّ اهتزازها بسبب قوته وثقل جسمه فصرخ قائلا:
" تماسكي أيّتها الشجرة المباركة، فقد أصبحت قويّا مثل الأسد " وتخيّل نفسه جالسا على عرش الملك وأعلن نفسه ملكا على العصافير وصدّق ( وهمه )، إلى أن هبّت عاصفة قويّة أسقطته من فوق عرشه على الأرض مستخذيا..
3الطاووس المغرور:
قصّة الطاووس المغرور لا تبعد كثيرا في معناها ومغزاها عن قصّة ( حلم زهّار )، إذ تبيّن لنا عاقبة الغرور، لكن هذه المرّة مع يقظة في آخر لحظة، فقد أعجب الطاووس بريشه المزركش وجسمه الجميل، وصوته الصّادح فتكبّر على أصدقائه وتعالى عليهم متباهيا، فجاءه الثعلب وزاد في غروره، وقال له أنّ صوته أجمل من صوت الدّيك، فلمّا فتح الطاووس فمه وأغمض عينيه وهو يصدح متغنيّا؛انقضّ عليه الثعلب وأخذه بين فكّيه.  
وأدرك حينها الطّاووس مصيره وأنّ الغرور هو سبب ما وقع فيه، فلجأ إلى الحيلة هو أيضا، ليتخلّص من المصير المهلك الذي ينتظره، فقال للثعلب:
" أنا مِلْكُكَ الآن، وأنت الأقوى فلا يخيفك نباح هذا الكلب الجائع، إنّه لا يقول سوى " هو..هو.. هو .. " هيّا اصرخ فيه ليهرب من أمامك " عند ذلك عوى الثعلب فانفلت الطَّاووس .."  طبعا في القصّة درس لكلّ من يصاب بالغرور وتعجبه نفسه، ويتكبّر على الآخرين فإنّ مصيره الهلاك ذات يوم..
4الصّرصور النّبيل:
هي قصّة أشهر من نار على علم، كتبت عدّة مرّات وبأشكال مختلفة، وبأحداث فيها نوع من التغيير والتبديل للحدث الأساسي، وكذلك فعلت المؤلّفة ( أمّ سارة )، إذ جعلت الأمور أقرب إلى المنطق، فكان الصرصور تستضيفه كلّ يوم نملة إلى أن مضى الشتاء، وحينها قرّر أن لا يتهاون بعد ذلك في جمع المؤونة، ويسعى إلى الاستعداد للشتاء في الوقت المناسب، وأعدّ كلّ ما يحتاجه من مؤونة وغذاء، وفي ذلك الشتاء القارس نزلت أمطار غزيرة وجرفت كلّ بيوت النحل والنمل، ولم تجد لها مأوى سوى بيت الصرصور الكريم، الذي رحّب بها وأطعمها وآواها في ذلك الشتاء القاسي.
وكأنّي بالعبرة من القصّة تتلخص في قول النّبي صلى الله عليه وسلّم:
" المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضّعيف " وقوله " اليد العليا خير من اليد السّفلى "
5اللّبؤة الغبيّة:
قصّة مختلفة بعض الشيء تتحدّث عن ملك الغابة ( الأسد )، الذي أراد السّفر للبحث عن غابة أخرى تعيش فيها الحيوانات بعدما كثر في تلك الغابة اللصوص وانتشرت الحرائق، وترك اللّبؤة المعجبة بنفسها والغبيّة مكانه، وحذّرها من الإنسان فإنّه أخطر المخلوقات على مملكة الحيوانات، لكنّها لم تأخذ بنصيحته، وحاولت أن توقع بحطّاب الغابة، لكنّ العكس هو الذي حدث، فأوقع بها الحطّاب بدهائه ومكره. وجعلها في قفص وقال لها:
" مكانك أيّتها المغرورة هو حديقة الحيوانات.."
القصص حقيقة صيغت بأسلوب جميل جدّا، يتناسب مع المستوى العمري لأطفال المراحل الأربع الأولى من التعليم، وقد برعت الكاتبة في تشكيل الكلمات بدقّة متناهية حتّى يتمكن الأطفال من قراءتها قراءة سليمة، وخالية من الأخطاء التي توقع فيها القصص غير المعجمة.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق