الخميس، 5 فبراير 2015

"أفراح وأحزان طفل هذا الزمان" دراسات حول مشكلات الطفل في أدب يعقوب الشاروني بقلم: فريد محمد معوض

                   مصر
             وزارة الثقافة
     المجلس الأعلى للثقافة
المركز القومى لثقافة الطفل
الإبداع فى أعمال كاتب الأطفال
" يعقوب الشارونى "
بقلم: فريد محمد معوض

مجلد ثقافة الطفل
الثانى والثلاثون
2006
كلمة رئيس المركز

    يحاول هذا البحث تتبع رحلة إبداع رائد كبير من رواد ثقافة الطفل فى مصر .
        فقد كان من المؤسسين لثقافة الطفل فى ربوع مصر ، كذلك أسس مسرح الطفل فى الثقافة الجماهيرية ، ومن أبرز المهتمين بطرح قضايا الطفل خاصة الطفل العامل والطفل المهمش .. وترصد هذه الدراسة جزءًا من إبداعاته التى تتمثل فى الفن القصصى للأطفال ، وتطرح كيف ساهم فى تربية الطفل من خلال الاهتمام بالمضمون والشخصيات ، وتأكيده على قيم لا غنى عنها مثل حب الوطن والانتماء ... إلى جانب اهتمامه بالمعالجة الفنية من لغة وأسلوب وسرد وحوار .. علاوة على ذلك تتناول الدراسة علاقته بقضية التراث الشعبى وكيف استلهم بعض قصصه من هذا التراث لتوظيفه بشكل فنى رائع لكى يصل به إلى عقل ووجدان الطفل فى محاولة منه للحرص على الهوية .
         وقد اهتم بالأصالة والمعاصرة معًا ، فهذه هى طبيعة المبدع الذى يحرص على إقامة جسر بين الطفل وتراثه الشعبى المصرى والعربى على السواء .
                                                                       
                                                                          فاطمة المعدول  

هيئة البحث

مشرف عام : فاطمة المعدول
كتابة مادة الدراسة : ميرفت مرسى
تحليل أعمال الكاتب الكبير يعقوب الشارونى :
آمنة المفتى
أحمد الملا
أحمد يوسف
أشرف إسماعيل
عبلة عزمى
عزة عواد
علا عادل
نادية إسماعيل
نرمين أحمد
وفاء أنور
وليد كمال
مراجعة لغوية : حسام نايل
سكرتارية تحرير : سامية أبو الحسن - منى حلمى
كتابة كمبيوتر : محمود إسماعيل - حسام حمدى


فهـرس

                                                                                                                                           رقم الصفحة
- مقدمة  7
الفصل الأول :             9 - 17
" مسيرة كاتب الأطفال يعقوب الشارونى "                
الفصل الثانى :           19 - 125
" الدراسة الوصفية لبعض إبداعات كاتب الأطفال يعقوب الشارونى "
المبحث الأول : " العناصر الخاصة بالمضمون "     24  
أولاً :      اهتمام الكاتب ببعض القضايا المعاصرة وهموم الوطن .
ثانيًا :      القيم التربوية فى أعماله .     42
ثالثًا :      قضية التراث الشعبى وموقف الكاتب فى مواجهة النص الشعبى .      76
رابعًا :      صورة الأسرة ( بشكل عام ) وصورة الفتاة أو المرأة ( بشكل خاص ) .  90
خامسًا :    الخيال والواقع .       97
سادسًا :     الرمز والحلم .       99
سابعًا :      الأبطال والشخصيات المختلفة فى أعماله .      102
ثامنًا :       المكان والزمان والبيئة .      107
تاسعًا :      الموضوعات المختلفة التى تناولها الكاتب .      110
المبحث الثانى : " العناصر الفنية " :      117                      
الأسلوب - السرد والحوار - اللغة فى أعمـال كاتــــب
 الأطفــال يعـقــوب الشــارونــى - الـــرسـوم والـصـور -
الـغلاف والطباعة وإخراج الكتاب .
المبحث الثالث : لمن يوجه الكاتب أعماله المختلفــة ؟ للصغار أم للكبـار       123  
                         أم لهما معًا ؟
- قالوا عن أعماله .       125
                              - المراجع .       130

مقدمة

يُعتبر الطفل الأساس فى التنمية والأساس لحضارة جديدة ، وقد ارتبط أدب الطفل فى بلادنا بدرجة كبيرة بأسماء رواد كبار .. ولا يمكن الحديث عن هذا الأدب دون الرجوع والاستناد إلى جهود هؤلاء الرواد . وهناك العديد من كُتاب أدب الطفل ، ولكل كاتب منهجه الذى يميزه فيما يقدم من إبداع ..                 ولا شك أن وعى الكاتب باحتياجات الطفل العقلية والنفسية يصل به إلى أقصى درجات الإبداع والتفوق .
ومن هؤلاء الكُتاب الكاتب الكبير يعقوب الشارونى الذى يعايش قضايا الطفل ويعرضها بشكل مشوق يثير فيه الخيال وينمى لديه القدرة الإبداعية ، فهو يؤكد فى أعماله على القيم التربوية التى تُشكل عقل وفكر ووجدان الطفل ، ويهتم كذلك بالقضايا المعاصرة وهموم الوطن وبكل ما يصدر حول الطفل من أبحاث ودراسات علمية .. فهو يضيف دائمًا إلى مكتبة الطفل أفضل الأعمال الأدبية التى تدفع بأدب الطفل إلى آفاق العالمية .
وتصف موسوعة أعلام الفكر العربى قصص الشارونى بأنها " تتميز بالحس الإنسانى المرهف وبقدرتها على جذب الصغار والكبار لمضمونها المعاصر المتصل بالمواقف الحياتية وما فيها من شخصيات نابضة بالحياة حتى يشعر القارئ بأنه يعرفها ، بالإضافة إلى حيوية الحوار الذى يجيد الشارونى إبداعه للتعبير عن حقيقة الشخصيات وتجسيد المواقف " . (1)
وهذه المهارات لم يكتسبها الكاتب الكبير يعقوب الشارونى إلا من خلال                   ما يسميه " بخبرة الاستماع الجيد للأطفال " ، فلقد حرص لسنوات طويلة على أن يستمع إلى الأطفال من خلال ما يدور بينه وبينهم من نقاش فى مختلف بيئات مصر ومحافظاتها أو وهو يحكى لهم الحكايات أو وهو جالس فى وسطهم داخل قاعات مكتبات أو نوادى الأطفال . (2)
كل هذا يجعلنا عبر صفحات هذه الدراسة نحاول أن نخوض فى بحور إبداعات كاتب الأطفال الأستاذ يعقوب الشارونى ، نحاول أن نجوِّل معه عبر أعماله القصصيـة التـى قدمهـا للأطفـال لنتعـرف معًـا كيـف استطـاع هـذا الكاتب أن                        

( 1 ) موسوعة أعلام الفكر العربى ، الجزء الثالث ، مكتبة مصر ، عام 2002 ، صـ 24 .
( 2 ) يعقوب الشارونى ، دراسات فى القصة للأطفال ، الهيئة العامة للاستعلامات ، 1990 م
ينمى عند الطفل بعض القيــم والاتجاهــات والأفكار .. أن ينمى قدراتهم على الإبداع والابتكار والاستقلال واتخاذ القرار والحق فى إبداء الرأى والمناقشة .. وكيف يؤكد فى أعماله على المساواة بين البنت والولد وكيف يقدم صورة الفتاة بشكل خاص فى أعماله القصصية ، ونتعرف على أهم الموضوعات والقضايا التى اهتم بها ، نتناولها بالتحليل لمعرفة كيف ينظر إلى قضايا الطفل ، وكيف يعالجها ومدى ما يطرحه من حلول ، أيضًا نتوقف عند العناصر الفنية لأعماله من لغة وأسلوب وسرد وحوار .
وفى البداية سنتناول مسيرة الكاتب ، ثم نعرض الدراسة الوصفية لأعماله القصصية المختلفة .                                      
الفصل الأول
مسيرة كاتب الأطفال
" يعقوب الشارونى "

( 1 ) مسيرة كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :
هو أحد رواد أدب الأطفال فى مصر والعالم العربى ، وبالرغم من أنه بدأ حياته العلمية بدراسة القانون ، حيث تخرج فى كلية الحقوق عام 1952 ، ثم أكمل دراساته العليا فى الاقتصاد ، وعمل فى وزارة العدل حيث تدرج فى مناصب القضاء حتى وصل إلى منصب " النائب " بهيئة قضايا الدولة ( رئيس محكمة ) ، إلا إنه اتجه إلى الأدب حيث كتب سنة 1960 مسرحية ( أبطال بلدنا ) التى فازت بالجائزة الأولى لتأليف الرواية والمسرحية من المجلس الأعلى للفنون والآداب ، والتى عرفت باسم " جائزة الدولة الخاصة فى الأدب " وقد تسلمها من الرئيس جمال عبد الناصر .
وفى عام 1962 حصل على الجائزة الأولى للتأليف المسرحى من الهيئة العامة لفنون المسرح والموسيقى . وفى عام 1967 قدم طلب انتداب من منصبه فى القضاء ليعمل بوزارة الثقافة متخصصًا فى ثقافة الطفل ، ومديرًا عامًّا للثقافة الجماهيرية ( الهيئة العامة لقصور الثقافة ) . ثم سافر إلى فرنسا عام 1969 لدراسة أساليب العمل الثقافى بين الجماهير خاصة فى مجال ثقافة الطفل .
ومنذ عام 1970 وحتى 1973 عمل مراقبًا عامًّا لثقافة الطفل بوزارة              الثقافة ، وأشرف على مركز ثقافة الطفل ومسرح الطفل بالثقافة الجماهيرية ، ثم عمل مستشارًا لوزير الثقافة لشىءون ثقافة الطفل . ثم شغل منصب وكيل وزارة الثقافة ورئيس المركز القومى لثقافة الطفل لمدة 10 سنوات حتى عام 1991 ، أصدر خلالها سلسلة " مجلدات وبحوث ودراسات ثقافة الطفل " ، وأنشأ " المسابقة القومية للطفل الموهوب " وهما مستمرتان حتى الآن . كما أصدر العدد التجريبى من أول مجلة للثقافة العلمية للأطفال باسم " النحلة " .
حصل فى عام 1981 على الجائزة الأولى فى التأليف القصصى للأطفال من الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية ، وهى الجائزة التى عرفت باسم " جائزة أحسن كاتب للأطفال " عن قصته " سر الاختفاء العجيب " . وفى نوفمبر عام 1997 حصل على شهادة تقدير من رئيسة المجلس المصرى لكتب الأطفال " لإسهامه الكبير فى نشاطات الطفولة والأداء المتميز فى دعم ثقافة الطفل " .
وفى عام 1998 حصل على جائزة " أفضل كاتب للأطفال " عن مجموع مؤلفاته للأطفال من المجلس الأعلى للثقافة . وفى نفس العام حصل على جائزة الشئون المعنوية من القوات المسلحة فى مسابقة أكتوبر للإبداع الأدبى للأطفال عن كتابه " أبطال أرض الفيروز " الذى كتبت مقدمته رئيسة المجلس المصرى لكتب الأطفال . وفى نفس العام 1998 حصل من المهرجان الدولى لسينما الطفل على " جائزة السندباد " ( تقديرًا لدوره الرائد فى ثقافة الأطفال ) ، بالإضافة إلى عدد كبير من الميداليات وشهادات التقدير من مختلف الهيئات والجهات التى يتصل نشاطها بأدب وثقافة الأطفال وبخاصة الإذاعة والتليفزيون .
وفى عام 2001 حصل على " ميدالية التكريم التقديرية " وذلك تقديرًا وعرفانـًـا لجهوده فى نجاح المشروع القومى للقراءة للجميع ، والجائزة الخاصة فى مسابقة المجلس المصرى لكتب الأطفال عام 2001 فى مجال التأليف عن كتابه " أجمل الحكايات الشعبية " والتى تسلمها من سيدة مصر الأولى فى بداية عام 2002 . وفى نفس العام فاز نفس الكتاب بجائزة معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال بإيطاليا ( جائزة " الآفاق الجديدة " ) ، وهى جائزة تمنح لكتاب واحد على مستوى العالم . وكانت لجنة التحكيم تجمع بين أساتذة أدب الأطفال وخبراء الجرافيك .
يعمل منذ سنة 1982 وحتى الآن ( 2006 ) أستاذًا زائرًا لأدب وقصص ومسرح الأطفال بكليات التربية بجامعات حلوان والإسكندرية وطنطا وكفر الشيخ وجنوب  الوادى . كما يقدم يوميًّا منذ عام 1982 وحتى الآن فى صحيفة الأهرام ركنـًـا يوميًّا خاصًّا للأطفال بعنوان " حكاية أعجبتنى- ألف حكاية وحكاية " .
وقد بلغ عدد الكتب التى كتبها للأطفال وتم نشرها أكثر من 400 كتاب ، ومن أهم السلاسل التى كتبها للأطفال " موسوعة ألف حكاية وحكاية "                        و " موسوعة العالم بين يديك " ، مجموعة الكتب الموسيقية - أجمل الحكايات الشعبية - عشرة كتب ضمن المكتبة الخضراء للأطفال - سلسلة حكايات من                 عُمان - دائرة معارف الأولاد والبنات - سلسلة الطرائف للقراءة والاستيعاب - سلسلة حكايات من كتب العرب - سلسلة عالم المعرفة بين يديك - سلسلة فى كل زمان ومكان .
كما كتب عددًا كبيرًا من الدراسات حول الكتابة للأطفال وكتبهم وحول مختلف موضوعات ثقافة الطفل ، بلغ عددها حوالى 60 دراسة وبحثــًـا .
ترجم لمنظمة اليونسكو " مجموعة كتب التدريب " وهى أهم دراسة دولية حول " تدريب العاملين مع الأطفال فى مرحلة ما قبل المدرسة " بعنوان               " تعزيز مهارات المدربين فى مرحلة الطفولة المبكرة " وقام بنشرها مركز مطبوعات اليونسكو بالقاهرة ، كما قام بترجمة وإعادة صياغة موسوعة " العالم بين يديك " من عشرة أجزاء ، ونشرتها شركة " سيلكا " بسويسرا . وترجم عن " ريدرز إيجست " كتاب " الفضاء والمكان " ونشرته شركة سفير ، كما ترجم لشركة                       " ليدبيرد " حوالى 40 كتابًا من سلاسل كتبها الموجهة إلى الأطفال ، وترجم لشركة " لونجمان " عددًا من إصداراتها التى نشرتها بالعربية . كما ترجم مجموعة " الكتب الموسيقية " .
شارك عام 1993 فى وضع الخطة القومية الشاملة لثقافة الطفل العربى بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم .
قام بتمثيل مصر فى عدد كبير من الحلقات الدراسية والندوات والمعارض الدولية وبخاصة معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال ، كما زار معظم بلاد العالم للتعرف على أساليب العمل الثقافى مع الأطفال .

وقد اختارته القنوات الفضائية العربية للأطفال مستشارًا لتقييم برامج الأطفال . كما تم اختياره عضوًا فى لجنة تحكيم جائزة الدولة التقديرية لأدب الأطفال بالأردن ، وعضو لجان تحكيم جائزة المجلس المصرى لكتب الأطفال ، ولجنة تحكيم مهرجان القاهرة الدولى لسينما الأطفال ، وهو عضو جمعية الرعاية المتكاملة ، وعضو لجنة قراءة مسرحيات الأطفال التى تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة .
عمل لسنوات طويلة مستشارًا لشىءون مكتبات الأطفال بجمعية الرعاية المتكاملة ، ويشرف حاليًّا على إصدار مجلة " القلم السحرى " الصادرة عن مكتبات الجمعية ، كما يشرف على الندوة الشهرية الدائمــة لأدب وثقافــة الأطفــال بمكتبــة
الأطفال بالعجوزة ، ويدير الورشة الشهرية لأدب الأطفال لشباب المبدعين فى هذا المجال بنفس المكتبة .
من أهم وأحدث مؤلفاته :
- مغامرة زهرة مع الشجرة .
- الرحلة العجيبة لعروس النيل .
- عفاريت نصف الليل .
- بدر البدور والحصان المسحور .
- الصياد المسكين والمارد اللعين .
- خاتم السلطان .
- سر الاختفاء العجيب .
- مفاجأة الحفل الأخير .
- مغامرة البطل منصور .
- شجرة تنمو فى قارب .
- صندوق نعمة ربنا .
- حكاية طارق وعلاء .
- أحسن شىء أنى حرة .
- حكاية رادوبيس .
- معروف فى بلاد الفلوس .
- تائه فى القناة .
- منيرة وقطتها شمسة .
- حسناء والثعبان الملكى .
- أحلام حسن .
- الفرس المسحورة ( عن الشاطر حسن ) .
- قليل من الراحة فوق السلالم .
- سر الجدة .
- معركة طبيب .
- أبناء فى العاصفة .
- سر ملكة الملوك .
- أبطال أرض الفيروز .
- الصياد ودينار السلطان .
- صراع فى بيت الطالبات .
- سلطان ليوم واحد .
- طيور الأحلام .
- النقود .
- المدن .
- زيارة إلى المتحف الإسلامى .
- زيارة إلى المتحف المصرى .
- تنمية عادة القراءة عند الأطفال .
- القيم التربوية فى قصص الأطفال .
- كيف نلعب مع أطفالنا .
- كيف نقرأ لأطفالنا .
- كيف نحكى قصة .
- تنمية عقل وذكاء الطفل .
- ثقافة طفل القرية وثقافة الطفل العامل .
( 2 ) قيمة حب الوطن والانتماء ورد الجميل لقرية شارونة :
" مبدعون كثيرون يحلمون أن يحملوا نشأتهم معهم أينما ذهبوا ، المكان الذى شهد قدومهم للدنيا ، وعاشوا فيه فترات الطفولة والصبا ، هو الحلم الذى كان يعيشه الكاتب وهو صغير ، أن يكون له شأن ويُعلِى بهذا الشأن شأن قريته ، وأن يوجه أنظار العالم إلى البقعة التى ينتمى إليها ، ويمد جسور التواصل فيها وإليها ، فالبلاد لا تكتسب قيمتها بعمرها الطويل فحسب ، ولكن أيضـًـا بما يصنع أبناؤها ويضيفون ، ومن هنا ظهرت أعمال فى الأدب العربى لمبدعين يمارسون نظرتهم للعالم من خلال أماكن نشأتهم .
وإذا كان مكان النشأة يمثل للمبدع هذه القيمة الكبيرة فإنه لا يسمح           أبدًا بأن ينال أحد من هذا المكان ، ولعله من المهم أن نسوق واقعة                     طريفة لارتباطها بهذا الانتماء ، عندما داس - ولا يزال السفاح الإسرائيلى آرييل شارون - الأطفال الفلسطينيين بدباباته ، وضرب بيوتهم بالنابالم غلى الدم فى العروق إلى الحد الذى طالب فيه أحدهم بتغيير اسم قرية " شارونة " المصرية بصعيد مصر لتشابهها مع اسم قاتل الأطفال ، وكان هناك رد طريف ومقنع من الكاتب الكبير " يوسف الشارونى " شقيق أ / يعقوب الشارونى ، الرد نشرته جريدة الأهرام ومضمونه أنه يرفض تغيير اسم شارونة إلى اسم آخر لأنه إذا تعاملنا بهذا المنطق فسيكون رئيس الوزراء الإسرائيلى قد نجح فى احتلال اسم قرية مصرية واغتصاب تاريخها على النحو الذى يمارسونه ، ثم إن - والكلام ليوسف            الشارونى - شارونة أقدم من شارون فليذهب شارون إلى الجحيم ، وتبقَ                         لنا شارونة المصرية ، ثم أضاف فى لهجة ساخرة : هل نغير أسماءنا أيضـًـا لننتسب إلى الاسم الجديد ؟!
وهذا رد يليق بأسرة ذات طابع خاص ، قدمت لحركة القص العربى  مبدعًا بقامة " يوسف الشارونى " ، وفى أدب الطفل وثقافته عاشقًا                        كيعقوب الشارونى ، وللحركة التشكيلية فنانًا كالدكتور صبحى الشارونى..                فهذا التقديم ضرورى فى تأكيد روح الانتماء لدى الأسرة ، ومن ثم لدى              الأديب " يعقوب الشارونى " ، الذى طوق قريته بعقود الياسمين واستلهم                     منهـا نماذج إنسانية ، انتصر لها وصاحبها فى رحلة تحقيق رائعة ، فأكــد قــدرة قريــة
صغيرة على الإضافة إلى الوطن الكبير " مصر " . (1)
فقدم لنا الكاتب من خلال " شارونة " قصص أبنائها الناجحين وكان نجاحهم مرتبطًا بذاكرة الوطن : اكتشاف الآثار من خلال ( سر الاختفاء العجيب ) ، أسوان والسد العالى من خلال ( مغامرة البطل منصور ) ، خدمة الوطن من خلال شخصية " محاسن " فى ( مفاجأة الحفل الأخير ) ، الدفاع عن الطبيعة فى ( مغامرة زهرة مع الشجرة ) فى قرية البياضية لعلها قريبة من شارونة فهى مثلها تابعة لمحافظة المنيا .
كما قدم قريته شارونة فى فترة مهمة من تاريخ مصر فى قصته ( تائه فى القناة ) ، وهكذا نجد قرية الشارونى فى أعمال كاتبنا .. فالكاتب لا يقدم درسًا للأطفال فى الانتماء للقرية فقط ، لكنه يؤكد أيضـًـا أن الإنسان يمكنه أن ينجح ويحقق آماله وطموحاته حتى لو كان فى آخر أقاليم مصر .

( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، دراسات حول مشكلات الطفل فى أدب يعقوب الشارونى ، الدراسة الفائزة بالمركز الأول لجائزة يوسف السباعى فى الدراسة النقدية من المجلس الأعلى للثقافة ، 2004 .

الفصل الثانى

الدراسة الوصفية لبعض إبداعات
كاتب الأطفال يعقوب الشارونى
من سنة 1981- 2005 م
فى البداية سنتناول أهم العناصر الخاصة بالمضمون القصصى وما يحتويه هذا المضمون من قيم تربوية مهمة : صورة الأسرة ( بشكل عام ) وصورة الفتاة              أو المرأة ( بشكل خاص ) ، التراث الشعبى فى أعماله وموقف الكاتب فى مواجهة النص الشعبى ، الموضوعات والقضايا المعاصرة التى اهتم بها ، الحلم والرمز فى أعماله - الخيال والواقع ومدى امتزاجهما فى أعماله القصصية ، المكان والزمان والبيئة ، الأبطال والشخصيات فى أعماله ومدى ارتباطهما بالواقع ، ثم ننتقل بعد ذلك لأهم العناصر الفنية التى تتضمن اللغة والأسلوب ، السرد والحوار ، الصور والرسوم وكيف تعبر عن مضمون قصصه المختلفة ، وقد اعتمدت الدراسة على عينة من إبداعات الأستاذ يعقوب الشارونى وهى كالتالى :

اسم القصة دار النشر سنة النشر
سر الاختفاء العجيب الهيئة العامة لقصور الثقافة 1981
- من سلسلة أولادنا :
معروف فى بلاد الفلوس دار المعارف
2004
- بطولات من شارونة :
مفاجأة الحفل الأخير
مغامرة البطل منصور دار المعارف

2002
من سلسلة مكتبتى :
أحسن شىء أنى حرة وقصص أخرى
 ( شىء احترق فى داخلى  ) دار المعارف 2003
ــ رجل السيرك وقصص أخرى :
أنا الذى كسرتها
رضيعة على حافة سور الشرفة
عمود من النار فى المطبخ دار المعارف 2003
البداية مع قطعة شيكولاتة :
- قليل من الراحة فوق السلالم دار المعارف 2003
شجرة تنمو فى قارب دار المعارف 2003
حكاية طارق وعلاء وقصص أخرى
 ( ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل ) دار المعارف 2002
صندوق نعمة ربنا دار المعارف 2002
من سلسلة يحكى أن :
اسم القصة دار النشر سنة النشر
الجائزة وأنياب النمر دار المعارف 2003
إنقاذ عازف المزمار دار المعارف 2003

من سلسلة المكتبة الخضراء :
اسم القصة دار النشر سنة النشر
مغامرة زهرة مع الشجرة دار المعارف 2003
الرحلة العجيبة لعروس النيل دار المعارف 1999
بدر البدور والحصان المسحور دار المعارف 2005
عفاريت نصف الليل   دار المعارف 2000
الصياد المسكين والمارد اللعين دار المعارف 2001
حسناء والثعبان الملكى دار المعارف 2004
تائه فى القناة دار المعارف 2005
       
كتاب أجمل الحكايات الشعبية :
اسم القصة دار النشر سنة النشر
جميل وجميلة دار الشروق 2001
بلح الشاطر حسن دار الشروق 2001
هدايا فيروز دار الشروق 2001
البئر العجيبة دار الشروق 2001
عصفور وجرادة دار الشروق 2001
الأمير الجبان دار الشروق 2001

مجموعة شهرزاد :
اسم القصة دار النشر سنة النشر
حكاية رادوبيس دار إلياس العصرية للطباعة والنشر 2004
الفرس المسحورة دار إلياس العصرية للطباعة والنشر 2004
أحلام حسن دار إلياس العصرية للطباعة والنشر 2004
من سلسلة مجلدات " ألف حكاية وحكاية " - المجلد الخامس :
اسم القصة دار النشر سنة النشر
مشمش أكل كوكى مكتبة مصر 1998
يعيش يعيش يعيش مكتبة مصر
الجائزة لمن ؟ مكتبة مصر
قانون الغراب مكتبة مصر
الدنيا لا تزال بخير مكتبة مصر
صغيرة فى صيدلية مكتبة مصر
طفل بين ذراعى غوريلا مكتبة مصر
أم لألف طفل مكتبة مصر
هدية من الشمع مكتبة مصر
حساب رأس السنة مكتبة مصر
الاحترام للسائق مكتبة مصر
بغير خصام مكتبة مصر

المبحث الأول
العناصر الخاصة بالمضمون
أولاً - اهتمام الكاتب ببعض القضايا المعاصرة وهموم الوطن :
اهتم الكاتب يعقوب الشارونى بالكثير من القضايا المعاصرة وبعدد من الموضوعات التى تعبر عن هموم الوطن ومنها :
1 -  الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة
" يعانى الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة من بعض جوانب القصور ،              إلا أنهم يتمتعون بجوانب وقدرات إيجابية ، لذا وجب التنويه إلى أن المعاق              هو إنسان مختلف مثلما يختلف كل الأفراد فيما بينهم ، وأن هذا الاختلاف                إنما هو ناتج عن اختلاف استعداداتهم وقدراتهم من حيث القوة أو القصور ،            وأن هذا الاختلاف لا يدعو على الإطلاق إلى الاستخفاف به ، فطفل الحاجات الخاصة يعانى نقصًا أو قصورًا فى إمكانية أداء بعض الأنشطة ، وقد يُفقده                  هذا النقص القدرة على التكيف النفسى والاجتماعى مثل صعوبة المشى أو الكلام أو السمع .. أو الفشل فى تكوين مهارات الاتصال مع الآخرين نتيجة للعوامل الوراثية أو الظروف البيئية المكتسبة ، مما يحرمه من أداء واجباته الأساسية إلا مع الاستعانة بتعلم البرامج التعويضية التى تقدم له نوعًا خاصًّا من الخدمات والرعاية ، التى تمكنه من تحقيق أقصى ما تسمح به استعداداته وإمكاناته ، وتهيئته لمزاولة مهامه الأساسية بمفرده ، والاستمرار فى مزاولة عمله بصورة طبيعية . ولابد               من السعى نحو تحويل المفهوم التقليدى أو السلبى نحو الإعاقة ، وكذلك معالجة مختلف القضايا التى تقدم هؤلاء الأطفال على أنهم عجزة ، فضلاً عن ضرورة            النظر إليهم على أنهم مواطنون متساوون فى حقوقهم مع غيرهم من الأفراد ، ومحاولة دمج هذه الفئات فى المجتمع وإلغاء كافة أشكال التعصب ضدهم                  أو النظر إليهم على أنهم متخلفون عن غيرهم ، وبذلك نخفف من حدة                المشاكل النفسية ونعيد تواصلهـم الاجتماعــى " . (1) ولابــد أن نعيــد لهــم حقوقهــم

(1) عبلة حنفى ، الفن فى عيون بريئة ، فنون الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ، المركز القومى لثقافة الطفل ، 1999 .
التى أكدت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عام 1989 :

المادة (2) : عدم التمييز فى المعاملة
" تنطبق جميع الحقوق على جميع الأطفال بلا استثناء ، ومن واجب الدولة أن تحمى الأطفال من أى شكل من أشكال التمييز وأن تتخذ تدابير إيجابية لضمان حقوقهم " .
المادة (23)
" للطفل المعاق الحق فى رعاية خاصة وتعليم وتدريب خاصين لمساعدته على الاستمتاع بحياة وافرة كريمة تضمن له تحقيق أكبر درجة ممكنة من الاعتماد على النفس والاندماج فى المجتمع " . (1)
وقد أدرك كاتبنا الأستاذ يعقوب الشارونى مدى أهمية قضية الطفل ذى الاحتياجات الخاصة من خلال المعايشة الحقيقية لمشكلات هذا الطفل ، واهتم بهذه الفئة من الأطفال ، ونبهنا إلى أهمية التعامل معهم تعاملاً طبيعيًّا دون إشعارهم أن شيئـًـا ينقصهم .. وقدم لنا روشتة علاجية لكيفية التعامل معهم ، إذ لابد أن نتنبه إلى مَواطِن التميز لديهم وأهم ما يملك هؤلاء الأطفال من قدرات ، فهم لا ينتظرون المساعدة بل يقدمونها أيضـًـا ، وقد ظهر ذلك من خلال واحدة من أهم قصص الكاتب يعقوب الشارونى وهى :
" سر الاختـفاء العجيـب " الصـادرة عـن الهـيئة العامة لقصور الثقافة عن كتاب قطر الندى والحائزة على جائزة أفضل كتاب للأطفال عام 1981 ... فيطرح الكاتب مشكلة الطفل " محمود " صاحب الساق المصابة من أثر شلل الأطفال والذى أصر على البحث عن صديقه " سعيد " المختفى بينما كان للأسوياء رأى آخر .. لقد بحثوا كثيرًا واكتفوا بما بذلوه من جهد وقالوا له : " هل تظن أنك بهذه الساق العرجاء سوف تفعل ما لم يفعله الرجال الأشداء ؟ " وكان الجميع ينظر               إليه نظرة الشخص العاجز إلا صديقه " سعيد " الذى لم يسخر منه أبدًا ، لكن                  " محمود " أصـر على التحـدى وقـال : سأجعلهم يرون مقدار ما أستطيع أن أفعل ..

( 1 ) الأطفال أولاً - الإعلان العالمى لبقاء الطفل وحمايته ونمائه - ملخص اليونسيف – عمان .
أنا صاحب السـاق العرجاء .. وما إن لاح الفجـر حتى تسلل " محمود " خارجًا من القرية يحمل معه كيسًا من القماش به زجاجة مملوءة بالماء وكمية من الخبز وبعض قطع الجبن ولم ينسَ عصاه الغليظة ، فالجبل به ذئاب وضباع وإن كانت              لا تخرج عادة إلا ليلاً .. كذلك أخذ حبلاً ربما يحتاج إليه . وقد واجه " محمود " صعوبات فى الطريق قبل أن يصل إلى هدفه فيقابله الضبع وينتصر عليه ،                     كما تصادفه معوقات داخل المغارة لكنه يتجاوزها ويرفض أن يتراجع أمامها .. إن له هدفًا أساسيًّا هو إنقاذ صديقه ثم إثبات وجوده فى مجتمع لا يعترف به . وينجح " محمود " فى إنقاذ صديقه وأيضـًـا فى اكتشاف أثر فرعونى عظيم ويقرر مع صديقه إبلاغ الجهات المختصة . هكذا ينجح صاحب الإعاقة والساق المصابة فى أن يصبح بطلاً تشيد به الصحافة وتتردد الأحاديث عنه وعن بطولاته .
يؤكد الكاتب فى هذه القصة على عدة حقائق مهمة خاصة بذوى الاحتياجات الخاصة هى :
أولاً : يؤكد على المواهب المتعددة لهذا الطفل الذى يراه الناس معاقًا ، فيشهد له                أصدقاؤه بالمهارة فى استخدام عقله وأصابع يديه ، فهو يستطيع إصلاح الراديو الترانزستور ، ولا يتفوق عليه أحد فى تركيب أسلاك الكهرباء ومصابيحها ، كما أنه عاشق للقراءة ويعرف الكثير من المعلومات التى لا يعرفها الكبار ، ورغم ذلك ينظر إليه المجتمع على أنه أقل من رفاقه بسبب الإصابة التى فى قدمه .
ثانيًا : تؤكد القصة على فكرة نبذ المجتمع لهذا الطفل أحيانًا وكيف يؤذى هذا           مشاعره .. لكن يتخذ الطفل من جراحه وسيلة لتحقيق الذات ودافعًا للتفوق .. فَــتـُـظْـهِـر القصة مدى سخرية الآخرين من ذوى الاحتياجات الخاصة ، إذ يقول " مبروك " فى سخرية : هل نستطيع نحن الصغار أن نفعل ما عجز عنه الكبار ؟ أم تظن أنك بهذه الساق العرجاء سوف تفعل ما لم يفعله الرجال الأشداء ؟ فجرحت كلمات                 " مبروك " مشاعر " محمود " جرحًا عميقًا فعاد إلى بيته وهو فى شدة الغيظ              والقلق ، وقد كانت كلمات " مبروك " الساخرة تتردد فى ذهنه بعنف فطار النوم من عينيه .. فهى سخرية كان يتعرض لمثلها من بعض أهل القرية .. وهنا يؤكد الكاتب على أن السخرية من الشخص المعاق تجرح مشاعره وتؤذيه وتؤثر                   فيه .. ويفيد الفعل ( تتردد فى ذهنه ) وأيضًا ( فطار النوم ) تأكيد هذا المعنى .. كما
تؤكد .. القصة على مدى السخرية التى يتعرض لها " محمود " باستبعاد زملاء اللعب له ( يستبعدونه فى خشونة ) .. أيضـًـا يقلدونه أو يتهامسون حوله ضاحكين .. وعلى الرغم من مهاراته الإبداعية الأخرى إلا أنهم لا يلتفتون إليها .. وعلى الرغم من ازدياد ثقافته عن طريق القراءة إلا أن هذا لم يكن كافيًا لتغيير فكرة الناس  عنه .. هنا تمكن إبداع الكاتب من تصوير مدى الصراع النفسى الداخلى لهذا الطفل الذى أراد أن يكون أقوى وأذكى من هؤلاء الأسوياء ، وأن يقاوم عجزه الجسدى ليطلق ما بداخله من قوة وإرادة حتى حقق النجاح فى هذه الحياة وهو ما عجز عن تحقيقه الآخرون ، وذلك عندما قال " سأجعلهم يرون مقدار                  ما أستطيع أن أفعل  أنا صاحب الساق العرجاء " . (1)

كما اهتم الكاتب بهذه القضية من خلال قصة أخرى وهى قصة " حكاية طارق وعلاء " الصادرة عن سلسلة مكتبتى عن دار المعارف .
" فطارق " طفل صغير له ظروفه الخاصة ، فقد التحق بإحدى مدارس الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ، وعاش مع أطفال حالتهم أسوأ من               حالته وكان من الصعب أن يقيم مع أولئك الزملاء علاقات صداقة وأن يجعلهم مشاركين له فى اللعب . وعندما جاء إلى المدرسة العادية اصطحب معه شعوره بالعزلة .. وهو يحتاج كما يقول الكاتب إلى بعض الوقت ليتآلف مع بقية الزملاء .. ويشعر " علاء " بالخوف من طارق فى البداية ، ويعبر لأمه عن هذا الخوف .              وفى الحقيقة قد ترفض بعض الأمهات أن يجلس أولادهن بجوار من لهم مثل  هذه الظروف .. لكن فى القصة نرى الأم تشجع ابنها على إقامة صداقة مع                هذا الزميل الجديد الذى يعانى تلعثمًا فى النطق ونجد المُدَرِّسة تتعامل                بنفس المنطق .
ومن خلال أحداث القصة ينبهنا الكاتب يعقوب الشارونى إلى كيفية معاملة هذا الطفل الذى يحتاج إلى أسلوب تربوى يشارك فيه المجتمع بشكل عام وهو                  ما رسمه الكاتب عبر قصته .. فأم " علاء " شجعت ابنها على أن يتغلب على مخاوفه عند التعامل مع " طارق " .. وعندما قال " علاء " لأمه إن " طارق " يرسم أحسن منى بكثير يا ماما .. ترد الأم : هذا يؤكد ما قالته لك أبلة " مريم " .. لقــد اكتشفــت
 ( 1 ) فريد محمد معوض – أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
اليوم أحد مواهبه .. إنه قد يختلف عنك ، لكن مجموع قدراته ليست أقل من قدرات أى طفل آخر .
وتقول مديرة المدرسة " هذا هو زميلكم الجديد " .. أما المعلمة " مريم "   فقالت : " هذا صديقنا طارق " .. أما " علاء " فيبدى الاهتمام بزميله ويعرف معنى الصداقة ويُعَرِّف " طارق " معنى أن يكون له صديق ، فيقول طارق بتلعثم لزميله               " أنت صديقى " . ومع مرور الوقت يحدث تفاعل بين الاثنين ، ويُظْهِر طارق قدرات رائعة فى الرسم يستفيد منها   " علاء " ، كما يُظهِر " علاء " مدى اهتمامه بصديقه فى محنته أثناء مرضه . وتنتهى أحداث القصة بفوز أحد رسوم " طارق " بالجائزة الأولى فى مسابقة القراءة للجميع " . (1)
* كما تناول الكاتب مشكلة الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة أيضًا                   من خلال إحدى قصص ألف حكاية وحكاية ، وهى قصة بعنوان " سمكة نهاد التى    لم ترسم من قبل " ، ويطرح فيها ضرورة معاملة هذا الطفل بشكل طبيعى ، وضرورة تفهم ووعى من يتعامل معهم . فقد اختارت أمينة المتحف من المعروضات ما يثير اهتمام الطفلة " نهاد " المصابة بشلل الأطفال ، مثل الحيوانات والأسماك ،                كما كانت تعلق على حديث الطفلة ( التى كانت تتحدث وهى مترددة ) بشكل يؤكد للطفلة أن الأمينة سعيدة بتعليقاتها ومهتمة بأسئلتها مما شجع الطفلة على الاندماج معها فى الحديث وانطلقت تضحك . وفى نهاية الجولة طلبت منها أن ترسم شيئـًـا فانهمكت " نهاد " فى الرسم ، وأظهرت لها الأمينة انبهارها بالسمكة التى رسمتها مما أعطاها الثقة بالنفس والسعادة ، وشجعها ذلك على إضافة بعض الخطوط والألوان حتى اكتملت السمكة واختارت لها المكان الذى تعلق فيه لوحتها بالمعرض الذى يقيمه المتحف .. وفى النهاية نجد أن الطفلة شعرت بالثقة والسعادة مما جعلها عند باب الخروج تلتفت إلى أمينة التربية المتحفية ضاحكة مرفوعة الرأس وقالت فى ثقة " سنعود مرة أخرى " .
هكذا يحرص كاتبنا على طَرْق مشكلات الطفل وإظهارها ، فيضعها أمامنا ثم يعطينــا من خلال القصـة تصـورًا خاصًّـا لحلها من واقع تجاربه ومعايشته للطفل ..


( 1 ) فريد محمد معوض – أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
ويؤكد على أهمية فهم ظروف ذوى الاحتياجات الخاصة ومعرفة مواطن القوة والموهبة والتميز لديهم واكتشافها وتنميتها وتقديم العون لهم ومنحهم الثقة ليكونوا منتجين فى المجتمع بل ومبدعين أيضـًـا .. لذلك بدأت الأنظار تتجه إليهم فى محاولة لدمجهم مع أقرانهم الأسوياء من خلال مشروع القراءة للجميع وتحت عنوان " لست وحدك " .
2 -  عمالة الأطفال
أما القضية الثانية التى اهتم بها كاتبنا فهى قضية عمالة الأطفال . وقد حرص الإعلان العالمى لحقوق الطفل لسنة 1989 المادة 22 على الاهتمام بعمالة الطفل ، فتنص المادة على :
" للطفل الحق فى الحماية من العمل الذى يهدد صحته أو تعليمه               أو تنميته .. وتحدد الدولة سنـًّـا أدنى للعمل وظروفه .. "
وفى قانون العمل الصادر عام 1996 لا يُسمح للطفل بالعمل أكثر من ست ساعات فى اليوم على أن تتخلل هذه الساعات مدة لا تقل عن ساعة للراحة ،              ولا يغفل القانون حق الطفل فى خلال هذه الساعة من مأكل ومشرب ثم طبيعة العمل المناسبة لهذا الطفل .
وقد أدرك الكاتب مشكلة عمالة الأطفال وأراد أن يرصد لنا هموم وأحزان الطفل العامل من خلال قصته " قليل من الراحة فوق السلالم " أو " من يوميات صبى بقال " ، فهى قصة تعبر بصدق عن هموم الصبى الصغير الذى مارس العمل فى سن مبكرة فالتَهَم الشقاء براءته .. وهو فى نظر المجتمع صبى من حديد ، من حق الدنيا كلها أن تستريح وليس له هو هذا الحق ، كما أن مشاعره هى الأخرى من حديد .. فهو لا يتأثر وليس من حقه أن يتذمر أو يضيق ، فهو حريص على كل الدنيا ولا أحد يحرص عليه .. فنراه يتساءل دائمًا : " أنا حريص على إرضاء أمى ، حريص على إرضاء            عم " صلاح " صاحب محل البقالة ، حريص أن أُرْضِــى كل الزبائن .. أنا أعمل من السابعة صباحًا وحتى التاسعة مساء ، أمى تنتظر يوميتى لتشترى الخبز والفول المدمس لعشاء أخوتى وإفطارهم " ، فنجد الطفل هنا محاصرًا دائمًا ولا يجد الراحة ، وليس من حقه حتى أن يحلم وأن يحقق ما كان يحلم به .. حيث قضت الظروف على أحلامه ، فقد فكان يحلم أن يتعلم وأن يحمل الكتب بدلاً من طلبات الزبائن .. إنه دائمًا طفل خارج حسابات الجميع .
- ومرة أخرى يتناول كاتبنا مشكلة عمالة الأطفال من خلال قصة " تائه فى القناة " ، وتحكى القصة كيف أُجْبــِـرَ الأطفال مع الشباب على أعمال السخرة والحفر وحمل الأثقال من تراب وطين وردم مما يخرج من الصحراء عند حفر قناة السويس ،              وما ذاقه الطفل " مسعود " خلال حفر القناة ، وهو ما قضى على طفولته البريئة .. ويبين الكاتب من خلال شخصيات " مسعود ومندور ومصطفى " مشاكل قائمة فى كل عصر ، تلك الظاهرة التى اقتنصها الكاتب من أحداث حفر القناة ، " فمسعود " يحاول أن ينفذ بجلده هو وصديقه " مندور " من ذلك المعتقل الرهيب الذى تـُـكوى وتـُـجلد فيه الظهور بلا رحمة ، وترصد القصة أن لائحة تشغيل العمال                   لا تعفى الأطفال أقل من 12 سنة .. تقول القصة ( ولائحة النظام الخديوية                     لم تحدد سنــًّـا معينة لتشغيل الأطفال ) . (1)
وفى قصته " مغامرة زهرة مع الشجرة " لم يتعرض الكاتب لقضية عمالة الأطفال بصورة مباشرة ، لكنه أعطى مجرد تلميح لها من خلال شخصية الصبى " حمدان " صبى النجار " عم أحمد النشار " ، فهو طفل صغير فى سن المدرسة ، ورغم ذلك     لم يلتحق بها وعمل صبيًّا لأحد النشارين .
وهكذا يهتم الكاتب بهذه القضية وينبه المجتمع ليضع مشكلة الطفل العامل فى الاعتبار ، كما ينبه لضرورة الاهتمام بها وتنبيه المجتمع لمحاولة إيجاد حلول عملية ، ووضع الطفل فى الاعتبار حتى نحميه من ذلك العمل الذى يهدد صحته وتعليمه ويحرمه من أهم حقوقه التى نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الطفل مثل حقه فى التعليم والثقافة واللعب .
( 1 ) فريد محمد معوض – أفراح وأحزان طفل هذا الزمان – مرجع مسبق .
3 -  اكتشاف وتنمية الطفل الموهوب
" هناك قصة معروفة فى تاريخ العلم ، تحكى عن معلم قام بإعطاء                تلاميذ فى الفصل مسألة حسابية طلب منهم أن يذكروا بسرعة حاصل جمع            الأرقام 1+2+3+4+5+6+7+8+9+10 ، وانشغل التلاميذ الصغار فى عمليات  جمع شاقة لهذه الأرقام المنفصلة .. وفجأة صاح تلميذ فى السادسة من عمره           كان يجلس فى نهاية الفصل بأن نتيجة الجمع هى ( 55 ) .. وأصيب المعلم بالدهشة ، أما التلميذ فقد قال إنه اكتشف طريقة منطقية تتضمن سلسلة               الأرقام السابقة بحيث يمكن النظر إلى هذه الأرقام باعتبارها تتكون من خمسة أزواج من الأرقام هى ( 1+10 ، 2+9 ، 3+8 ، 4+7 ، 5+6 ) وناتج كل عملية           جمع فرعية هو ( 11 ) وأن 5 × 11= 55 ، هذا التلميذ هو من أصبح بعد ذلك  عالم الرياضيات الشهير " كارل جوس " .. وقد اكتشف بنفسه هذه الطريقة                فى جمع الأرقام ، وكان هناك تشجيع واهتمام ورعاية لهذه الموهبة ومن ثم أظهر قدرة إبداعية خاصة " . (1)
ومن هنا فلابد أن يكون هناك اهتمام ليس فقط باكتشاف الطفل  الموهوب ، لكن لابد من رعايته وتنمية موهبته وتشجيع هذه الموهبة .. فالاهتمام بالأطفال الموهوبين موجه أساسًا نحو المستقبل .
وقد اهتم الكاتب يعقوب الشارونى بهذه القضية فى بعض قصصه ،              مثل قصة " البداية مع قطعة شيكولاتة " .. فعندما طلب والد " علاء " من " مصطفى    وعلاء " عمل تشكيل فنى بالمكعبات البلاستيك ، وكَوَّن " مصطفى " شكلاً                   من المكعبات لا يشبه شيئـًـا فى الطبيعة ، نظر إليه والد " علاء " وأعجب بالشكل وقدم له قطعة شيكولاتة مكافأة وتشجيعًا له ، وكان هذا هو الحافز الأول له .
فهنا يشير الكاتب إلى أهمية التشجيع فى حياة الطفل .. فعندما يشعر الطفل بتقدير واهتمام ورعاية الكبار له يشجعه ذلك على الاستمرار فى مجال الموهبـة وبالتالى يكـون شخصًـا مبدعًا .. وفى قصتنـا هـذه يقول الكاتب :                       " التحــق بعــد ذلك " مصطفـى " بكلية الفنــون الجميلة وهــو يعمــل الآن مــدرس

 ( 1 ) شاكر عبد الحميد ، الاكتشاف وتنمية المواهب ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، مكتبة الشباب ، 1995 .
تربية فنية ، ودعا والد زميله علاء لمشاهدة أول معرض فنون له عرفانـًـا                     بجميله عليه " ، فكان تشجيعه له من خلال قطعة الشيكولاتة هو نقطة التحول            فى حياته .
وفى قصة " صندوق نعمة ربنا " استطاعت مديرة المدرسة أن توجه                      طاقة الأطفال وذكاءهم إلى شىء مفيد ومهم .. فمن خلال حكاية الطفل                       " عاصم " المشاغب - كثير الحركة - والذى يتسبب فى مشاكل جمة داخل                  الفصل والمدرسة ، تؤدى إلى معاقبته وضربه وفصله من المدرسة يظهر لنا              الكاتب كيف استطاعت مديرة المدرسة أن تراعى الأطفال المشاغبين                  وتوجه طاقاتهم وذكاءهم إلى شىء مفيد ومهم فطلبت منهم تجميع بقايا              الأطعمة داخل صندوق أُطلق عليه صندوق نعمة ربنا ، تـُـجمَع فيه بقايا                 الطعام ليأكل منها البط والدجاج داخل حظيرة المدرسة . وبذلك استطاع              الطفل " عاصم " وأصدقاؤه أن يُكَوِّنوا جماعة للمحافظة على البيئة ،                  وجماعة الإسعاف .. وهكذا تحولت مشاغبة هذا الطفل وأصدقائه إلى شىء                مفيد ومهم ، واستطاعت مديرة المدرسة أن تعلمهم النظافة وتحمُّـل المسئولية .. فهنا ينبهنا الكاتب إلى كيفية التعامل مع الطفل وكيف يمكن استغلال                      طاقته وذكائه ، فبدلاً من عقابه يمكن أن نشجعه ونرشده إلى مواهبه وأن                نرعاه ، ويمكن أن نحوله إلى طفل مبدع له شأن فى المستقبل .
أما قصة " شىء احترق فى داخلى " فهى تدور حول " منى " الطفلة المحبطة من معاملة الأهل لها وعدم توجيه النصح والإرشاد ، فقد تركتها أمها وأختها وحدها لصنع كيك ، وكانت النتيجة أن احترقت فى الفرن وأصبحت هذه الحكاية مادة للضحك والسخرية مما أدى إلى إحباط الطفلة وشعورها بالخجل وعدم الثقة فى النفس .
أما فى قصة " مغامرة البطل منصور " عندما حمَّل " حازم " شقيقه الأصغر منصور مسئولية حراسة السد أثناء غياب الرجال وانشغالهم بإخماد الحريق ، ساهم هذا فى إظهار شجاعة منصور وقدراته الشخصية ، وهذا يوضح أن وضع الكبار ثقتهم فى أطفالهم يعتبر عاملاً مساعدًا على إظهار قدراتهم وتنشىءتهم بشكل صحيح وإبراز أفضل ما لديهم من إمكانيات وقدرات خاصة .
كما يُظهر الكاتب ضرورة الاهتمام بوجهة نظر الطفل ، فكثيرًا ما تكون آراء الطفل صحيحة لذا لابد من الاهتمام بوجهة نظره وأفكاره وعدم الاستهانة  بها على اعتبار أنه طفل ، وقد ظهر ذلك من خلال قصة " الصياد المسكين والمارد                   اللعين " .. يقول عبد الله البرى : " ابنتى فكرت بطريقة مختلفة ، لقد فكرت                 فى طريقة لترويض ذلك المخلوق الهائل الحجم القليل العقل لتستفيد من              قدراته الخارقة بدلاً من إعادته إلى البحر وفقد فرصة لا تأتى إلى الإنسان                       إلا مرة واحدة " . وهكذا ينبهنا الكاتب إلى ضرورة رعاية الكبار للطفل               ومساعدته وتشجيعه وإرشاده بالتوجيه والنصح وإحاطته بالحب والحنان                  وليس بجرح مشاعره عند الخطأ أو الاستهانة بآرائه وأفكاره ، فهذا                       الأسلوب التربوى فى معاملة الطفل يساعده على النجاح والتفوق بل النبوغ والإبداع أيضـًـا .                          
4 - المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث
من الموضوعات والقضايا المهمة التى بدأ الاهتمام بها حماية البيئة من التلوث خاصة بعد ظهور بعض السلوكيات السلبية لتلوث البيئة مثل : تلوث نهر النيل ، قطع الأشجار ، تجريف التربة .. وقد حرص بعض الكُتاب على تنبيه الأطفال إلى المحافظة على البيئة مثل كاتبنا يعقوب الشارونى .. ففى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، وفى ثنايا الحكى لا يُظهر الكاتب أهمية وفوائد نهر النيل والماء فى حياتنا فقط ، لكنه يسرد أيضًا مظاهر تلوث النيل وأضرار ذلك ..                   ولا يقتصر على ذلك فقط بل يضع الحلول المختلفة لهذه القضية حيث يذكر على سبيل المثال وليس الحصر بعض مظاهر التلوث مثل :
شلال من زجاجات البلاستيك والأكياس المملوءة بالقمامة أصبحت بسببه رائحة الماء غير طبيعية .. أيضًا مخلفات مصانع الأسمنت والنفايات والعلب          الفارغة . ومن خلال سرد الكاتب لأسباب التلوث ، على الطفل أن يفهم ويستوعب أسباب هذا التلوث وبالتالى يتجنبها من أجل المحافظة على ماء النيل نظيفًا . والكاتب لا يناشد الأطفال فقط ولكن يناشد أيضًا السيدات والفلاحين الذين يستحمون فى ماء النيل ويغسلون ملابسهـم وصحونهــم وكذلك حيواناتهـم ، وأيضـًـا أصحاب المصانع والسفن الذين يلقون بالنفايات ومخلفات المصانع وأكياس البلاستيك والقمامة والعلب الفارغة ومخلفات السفن والمبيدات الحشرية والأسمنت ، ليتجنبوا كل ذلك .            
كما يهتم الكاتب أيضـًـا بإحدى القضايا المهمة فى المحافظة على البيئة وهى حماية الثروة الطبيعية من الأشجار وغيرها وذلك من خلال قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ومحاولته طرح أهمية البيئة الطبيعية .. وأن يؤكد على القيمة التى يجب أن يعرفها الطفل وهى أن الشجرة تستحق أن ندافع عنها فنتصدى لأى قاطع لها .
كما تناول كاتبنا يعقوب الشارونى قضية التلوث والمحافظة على نظافة  مياه النيل والبحر من خلال إحدى قصص حكايات ألف حكاية وحكاية بعنوان               " صرخة ألم " فعندما جلست أسرة " حازم " على شاطئ الترعة الواسعة وافترشت مساحة غطتها الحشائش الخضراء وشرب " حازم " علبة من عصير الجوافة ،                وبغير تفكير ألقى العلبة الفارغة فى الماء ، عندئذٍ سمع صرخة ألم ، ومرة أخرى جمعت أخته فى صفحة من الورق بقايا السمك المتبقى من الغذاء وأطاحت              بها إلى سطح الماء .. وللمرة الثانية ترن فى أذنى " حازم " آهة الألم التى                 لم يعرف مصدرها .. ثم سمع صرخة الألم للمرة الثالثة عندما ألقى أخوه فى الماء بأغطية الزجاجات وما تبقى من أوراق كانت الأسرة تغلف بها ما حملته معها                من الطعام . عندئذٍ تنبه  " حازم " أن تلك الصرخات والآهات المتألمة كانت تصدر عن الماء ، ولم يلبث أن شاهد " حازم " وجه الماء يبدو غاضبًا وقد شوهته النفايات وبقايا الطعام . وعندما بدأت الأسرة تهم بالانصراف سمع " حازم " الماء كأنه يقول فى غضب " لقد استمتعتم بيومكم ، لكن ماذا عنى أنا ؟ لقد قذفتمونى ببقايا طعامكم وجعلتم وجهى ملوثــًـا مشوهًا وأصبتمونى بالقبح والألم " .. فهنا يؤكد الكاتب على مدى الألم الذى يشعر به الماء وكأنه إنسان يشعر ويصرخ ويتألم من أذى الإنسان له حتى يحس الطفل بضرورة المحافظة على مياه النيل والبيئة من حوله .
هنا يوجهنا الكاتب بشكل غير مباشر لإنقاذ كوكب الأرض من التلوث ، فهذا التلوث مثل القاتل الذى سيقضى على الحياة .. وهو إنذار بأن نهاية التلوث ستكون نهاية لكوكب الأرض .
5 -  قضية العمل والإنتاج
الاهتمام بالعمل والإنتاج من الأمور المهمة لتقدم أى مجتمع .. وقد حرص كاتبنا على طرق هذا الموضوع فى بعض أعماله .. ففى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " الصادرة عن المكتبة الخضراء .. يُظهر الكاتب فى ثنايا القصة أهمية أن يهتم الإنسان بالعمل وأن يأكل ويرتدى من صنع يديه ولا يعتمد على الآخرين .
يقول الكاتب " كان سلطان مدينة " شمس الذهب " ملك الزمان هو القدوة لأهل مدينته ، فإذا سألت أى تاجر للملابس يقول لك " كل الملابس التى يرتديها سلطاننا من صنع أيدينا ، لذلك فإن أفراد شعبنا كله يفضلون ما ينتجه أهلنا على أنوالهم اليدوية من أقمشة الصوف والكتان .. فيجد كل إنسان عملاً ، وزاد الرزق وانتعشت الحياة " . ويضيف الكاتب : " وإذا سألت فلاحًا عن سر رضا الناس عن " ملك           الزمان " أجاب قائلاً " سلطاننا دائم التشجيع لمن ينتج أفضل المحصولات أو أكثر الإنتاج ، لذلك وجد كل فرد من أبناء الشعب ما يكفيه من طعام متنوع ، بل نبيع ما يفيض عن حاجتنا للتجار الذين يأتون إلينا من كل البلاد " ، أيضًا إذا سألت صانعًا فى محل صناعته عن أحوال حرفته قال : " سلطاننا يرفض أن يشترى احتياجات قصره وجيشنا إلا مما نصنعه داخل بلدنا .. لهذا يعمل كل صانع على الارتفاع بمستوى صناعته ، ويجتهد ليبتكر الجديد فى مجال عمله ، حتى أصبحت كل البلاد المجاورة تشترى من إنتاج صناعتنا التى اشتهرت بالجودة وقوة التحمل والجمال " .

ومرة أخرى يؤكد الكاتب على قيمة العمل والإنتاج من خلال قصة ثانية وهى قصة " الجائزة وأنياب النمر " ، وهى من سلسلة " يحكى أن " الصادرة عن              دار المعارف .. وتجرى أحداث هذه القصة فى الغابة على ألسنة الحيوانات وهو إطار محبب للطفل ومثير لفضوله وخياله . فبعض الحيوانات تعبر عن الخير الذى يتمثل فى العمل والإنتاج ( النحل - دودة الحرير - البقرة ) مقابل حيوانات أخرى تعبر عن الشر متمثلاً فى الحرص على المصلحة الخاصة والنفاق وفرض القوة وهى ( النمر - الثعلب - الذئب .. ) ويريد الكاتب من خلال أحداث            القصة أن يعلم الطفل أهمية العمل والإنتاج عن طريق تخصيص جائزة لمن              يقدم أفضل إنتاج أو يقوم بأكبر مجهود مفيد . وعلى الرغم من عدم فوز                النحل - الدودة - البقرة .. فقد ظل كل منهم يعمل ليقدم أفضل إنتاج وأكبر مجهود لأن العمل يمثل لهم قيمة فى حد ذاته وليس من أجل الحصول                 على الجائزة .
وهكذا يوضح لنا الكاتب أهمية العمل والإنتاج فى حياة الإنسان وضرورة أن يعتمد الإنسان على نفسه فى تلبية احتياجاته .. وأن يكون هناك اكتفاء ذاتى لكافة متطلباته ولا يعتمد على الآخرين .
وهنا يشير الكاتب بشكل رمزى وغير مباشر لضرورة الاعتماد على الذات فى تلبية الاحتياجات أى الاهتمام بالإنتاج المحلى وعدم الاستيراد من الخارج ، فلابد من السعى إلى الاكتفاء الذاتى وتصدير الفائض .
كما طرح الكاتب قضية العمل أيضـًـا من خلال قصة " البئر العجيبة " إحدى قصص " أجمل الحكايات الشعبية " الكتاب الحائز على جائزة معرض بولونيا الدولى 2002 لأفضل كتاب للطفل عالميًّا ، والجائزة الخاصة لمسابقة المجلس المصرى لكتب الأطفال 2002 . فقد عرض الكاتب لصورتين متناقضتين : صورة الفتاة " أمينة " التى تعمل بجد ونشاط وتساعد أمها فى كل شىء ، وعندما ذهبت لتعيش مع السيدة العجوز كانت فى غاية النشاط والاجتهاد فى عملها لذلك كانت مكافأتها كبيرة ، فقد أهدتها السيدة العجوز ذهبًا كثيرًا ، أما الصورة الأخرى فهى الفتاة " جميلة " الكسولة التى تتهرب من أى عمل وعندما ذهبت لتعيش مع السيدة العجوز كانت فى غاية الكسل والإهمال لذلك كانت مكافأتها الصبغة السوداء التى غطت وجهها ، فهنا يعرض الكاتب لصورتين متناقضتين لكى يعلم الطفل أن الجزاء من جنس العمل ، فيتعرف بنفسه ومن خلال أحداث القصة أية صورة يجب أن يحتذى بها .
وهكذا يوضح الكاتب أهمية العمل ومدى السعادة التى يعيشها الإنسان عندما يشعر بنتاج عمله مما يحبب الطفل فى العمل حتى يجنى ثمرات عمله وجهده ولا يكون عالة على مجتمعه .
6 -  التعليم ومحو الأمية
من المشكلات الخطيرة التى تواجه المجتمع مشكلة الأمية وبخاصة أمية الصغار ، وقد طرحها الكاتب فى إحدى قصصه وهى " شجرة تنمو فى قارب " ، وموضوعها الطفل " خالد " الذى يسكن فى القارب الذى ولد فيه .. فهنا يتتبع الكاتب مشكلات الطفل ويتعقبها أينما كانت حتى لو كانت فى قارب .. يتطلع                " خالد " إلى الأولاد وهم ذاهبو ن إلى المدرسة , يقترب من تجمعات الأطفال عند المدرسة ، وبقلبه الشفاف يحاول أن يلتقط شيئـًـا . لقد عرف أن السر الذى يجمع الأطفال فى منظر بهيج هو كلمة " مدرسة " . ويذهب " خالد " أولاً للعمل فى إحدى الصيدليات ، ويدخل راوى القصة الصيدلية فيعطيه الصيدلى الدواء خطأ ويكتشف " خالد " الخطأ وينبه الصيدلى . و " خالد " لا يجيد القراءة بالإنجليزية ولا حتى بالعربية لكنه اكتشف الخطأ بقوة الملاحظة التى اكتسبها من عبقرية النهر ومعايشته له وللقارب وبذكائه .. ويلتقط كل هذا راوى القصة الذى يساعد " خالد " ويعلمه مستخدمًا الطرق الحديثة فى التعليم .. وفى نهاية القصة جلس " خالد " فى الصيدلية وقد أعطى ظهره للتليفزيون وانهمك فى قراءة                  كتاب . (1)
كما اهتم كاتبنا بتعليم الإناث فى قصته " مفاجأة الحفل الأخير " ، ففى زمن هذه القصة كان الإقبال على تعليم الإناث محدودًا جدًّا " على الرغم من أن الدستور المصرى فى المادة ( 18 ) ينص على أن التعليم حق تكفله الدولة وهو إلزامى فى المرحلة الابتدائية ، وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل             أخرى .. وعلى الرغم من أن المادة ( 15 ) من القانون رقم 139 لسنة 1981                   قد أوجبت أن يكون التعليم الأساسى حقًّا لجميع الأطفال المصريين بنين وبنات الذين يبلغون السادسة ، وتلتزم الدولة بتوفيره ويلتزم أولياء الأمــور بتنفيذه ، وذلك بالمجان وعلى مدى ثمانى سنوات دراسية ، إلا أن الإحصائيات المتاحة قد أثبتت أن نسبة تسرب الإناث من التعليم الإلزامى كبيرة . وترجع هذه الظاهرة إلى أسباب اقتصادية وثقافية واجتماعية يعانى منها المجتمع . (2)

( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
( 2 ) الحقيقة – مركز حقوق الإنسان ، 2002 .
لذلك أثار كاتبنا هذه القضية ليثبت للفتاة :

أولاً : أنها قادرة على إثبات أحقيتها فى التعليم والتفوق لتثبت لمن حولها أنها قد تتفوق على الفتى أحيانـًـا بذكائها ونبوغها إذا ما وضعت نصب عينيها هدفًا وسعت إلى تحقيقه ، والأمثلة كثيرة على تفوق الفتيات مثل عالمة الذرة سميرة موسى وغيرها .
ثانيًا : تتشابك هذه القضية مع أخرى وهى الوصول إلى المناصب القيادية العليا ، فلا يرتبط هذا بنوع الشخص ذكر أم أنثى , فقد أصبحت                      " الدكتورة محاسن" فى هذه القصة رئيسًا لمجلس القرية .. وهكذا يؤكد الكاتب على قدرة الفتاة فى الوصول إلى المناصب القيادية .
كما أكد الكاتب على أهمية التعليم والعلم فهو مفتاح فهم العالم وما يجرى من أحداث من خلال قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " . فرغم أن أحداث القصة كلها تدور أثناء عمل " حمدان " صبى النجار عند " عم أحمد النشار " ، إلا أن الكاتب حاول فى ختام قصته أن يؤكد على أهمية التعليم من خلال تأكيده على أن الصبى " حمدان " أراد أن يلتحق بالمدرسة لكى يفهم اللعبة .. أى أنه أراد أن يثبت أهمية العلم والتعليم فى فهم العالم والحياة .
وفى قصة بدر البدور والحصان المسحور يؤكد الكاتب على أهمية التعليم والعلم فيقول ملك الزمان لأولاده الثلاثة :
" لا يستطيع سلطان جاهل أن يحكم شعبًا له علومه وفنونه وآدابه " .
7 -  أولاد الشوارع ( قضية الأطفال بلا مأوى )
أيضـًـا اهتم الكاتب بقضية مهمة وهى قضية أولاد الشوارع أو كما أطلق عليهم ( الأطفال بلا مأوى ) من خلال قصة " أحسن شىء أنى حرة " ، فيوضح الكاتب فى هذه القصة هموم فئة من فئات المجتمع وهم أطفال الشوارع ، محاولاً التنبيه إلى أهمية رعاية هذه الفئة التى لا تلقى أى اهتمام مباشر من المجتمع . هنا يقدم نموذجًا من هؤلاء الأطفال لديه حـب الاستطلاع وحب القــراءة والرسم .. فتاة تتمتع بموهبة حقيقية ولكــن ظروفهــا الاجتماعيــة تحــول دون ذلك . فهنــا ينبهنــا
 الكاتب إلى هذه الفئة من الأطفال وضرورة أن يندمج هذا الطفل فى المجتمع حتى لا نؤذيه نفسيًّا فيزداد كراهية وشراسة تجاه من حوله فى المجتمع .. فعندما نرعاهم فنحن نوفر لهم حياة كريمة ونساعدهم على التفوق والنبوغ والإبداع عن طريق الاهتمام بهم .
لقد فازت اللوحة التى رسمتها هذه الطفلة .. هنا يحاول الكاتب أن يؤكد للمجتمع أن هذه الفئة من الأطفال لديها قدرات خاصة .. لكن الظروف تَحول دون تفوقهم ونبوغهم .
كما يؤكد على أهمية الأسرة ودورها فى تنشىءة الطفل ، فهى التى ترعاه وتهتم به وتساعده على النبوغ والتفوق والإبداع وتمنحه أيضًا الشعور بالحب والحنان والأمان ، وقد ألمح الكاتب إلى ذلك من خلال قصة " حكاية رادوبيس " . يقول الكاتب :
" لم تكن تعيش فى بيت أهلها مع أمها وجدتها ولا بين أخوتها ، بل كانت تعيش غريبة بين عبيد صاحب القصر " .
8 -  قضية الانتماء للوطن والدفاع عنه وإيثار المصلحة العامة
من القضايا المهمة التى تعتبر قضية وطنية كبرى وعامة هى زرع قيمة الانتماء للوطن والأرض ، وإيثار المصلحة العامة للجماعة على أية مصلحة            شخصية . ولا شك أن هذه القضية أساسية فى التكوين النفسى للطفل . وقد وصلت هذه القضية فى قصة " مغامرة البطل منصور " إلى حد التوحد الكامل بين بطل القصة " منصور " والأرض ، حين غطى نفسه بالطين وتوحد به ليسد بجسمه الثغرة التى ينفذ منها الماء إلى قريته التى تشكل وطنه الصغير ، فقد دافع عن قريته حتى                     لو كان فى ذلك موته مثله فى هذا مثل الجندى فى ميدان القتال . ويسجل للكاتب هنا أنه قدم هذه القيمة فى القصة بشكل مؤثر بالغ القوة والجاذبية ، وهو ما يسهم فى ترسيخ الحس الوطنى للطفل .
كما تناول الكاتب قضية الدفاع عن الوطن ومقاومة العدو من خلال                 قصة " ليلة مظلمة فى نهاية شهر العسل " ، التى تنـاول فيهــا الكاتــب كيــف قــاوم بطــل القصة الطفل " فتحى " الاحتلال الإنجليزى عن طريق نزع البريزة الكهربائية الرئيسية الخاصة بالمدرسة فى يوم عودة مدير المدرسة الإنجليزى وزوجته بعد رحلة شهر العسل ..كما وضح الكاتب أيضًا المظاهرات التى كان يقوم بها طلاب المدارس الثانوية ضد الإنجليز كنوع من المقاومة ورفض العدون .
وقد تناول الكاتب قضية الدفاع عن الوطن والأرض من خلال قصة " ابحث لك عن مكان آخر " ، وتدور هذه القصة فى عالم الحيوانات عندما طلب البغل من الحصان أن يفسح له الطريق لكى يمر .. وبعد أن تحرك الحصان من مكانه وقف البغل مكان الحصان وأخذ يأكل أكله وقال له " ابحث لك عن مكان آخر " . فهنا يعلم الكاتب الطفل أنه إذا سمح للآخرين أن يمروا فقد لا يكون هدفهم                      إلا احتلال المكان ، ولابد أن يتعلم الدفاع عن مكانه وأرضه ضد أى احتلال .
أيضـًـا فى قصة " سر الاختفاء العجيب " نجد شخصية محمود والمحافظة على الآثار لأجل الوطن ، وإرشاد الدولة إلى ما يقود إلى حماية الآثار من السرقة والتهريب إلى خارج الوطن .
9 -  قضية الآثار والاهتمام بها وكيفية المحافظة عليها
يطرح الكاتب قضية الآثار وأهميتها فى محاولة منه لترسيخ قيمة الانتماء للوطن وإظهار عظمة مصر وحضارتها عبر التاريخ ، حيث إننا نمثل أغنى دولة فى العالم لأننا نملك ثلثى الآثار فى العالم ، فيطرح من خلال قصة " سر الاختفاء           العجيب " قضية مهمة وهى كيفية المحافظة على آثارنا من اللصوص ، وعدم إتلافها ، وحسن التفكير السليم وكيفية التصرف فى حالة اكتشاف أى أثر وإبلاغ الجهة المسئولة عن ذلك .
كما اهتم الكاتب بقضية مهمة ترتبط بآثارنا وهى ضرورة أن يتعرف الطفل على الآثار المختلفة وتشجيع الطفل على الذهاب إلى هذه الآثار مثل المتاحف ، وذلك من خلال قصة " سمكة نهاد التى لم تَرْسم من قبل " ، فقد دارت أحداث القصة فى المتحف اليونانى الرومانى ليتعرف الطفل على أهم المعروضات والآثار وتاريخ مصر عبر الحضارات والعصور المختلفة .
كما يؤكــد الكاتــب على ضــرورة الاهتمــام بآثارنا  والسياحة ولو كانت فى
الصحراء ، يقول الكاتب فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " عندما اكتشفت حسناء نبع ماء فى الصحراء :
" الماء يسيل من الصخر فى قطرات ، لكنها لا تنقطع منذ آلاف السنين .. يبدو أن عمال منجم الذهب كانوا يعتمدون عليها فى الزمن القديم " .. وأشرقت الحقيقة أخيرًا على ذهن الأب فقال فى حماس :
" وعلى صخور المنجم كتابات ورسوم أثرية .. سنقيم أيضًا معسكرًا للسياحة الصحراوية ، أجىء إليه بالسائحين من " مرسى علم " مستخدمًا سيارتى " .
وأضافت حسناء قائلة لوالدها :
" وتختار لى من أتعلم معها القراءة والكتابة واللغات الأجنبية ، وأصبح مرشدة للسائحين عندما يمتلئ بهم معسكرنا الذى لابد أن نطلق عليه اسم : معسكر نبع الثعبان الملكى " .
10 -  الاهتمام بالفنون الراقية وتذوقها
الاهتمام بالفنون المختلفة من الموضوعات المهمة فى حياة الطفل ، فهى تساعد الطفل على تذوق الجمال فى كل مكان ، وتـُـرقِّى من إحساسه ومشاعره سواء كان هذا الفن موسيقى أو رقصًا أو غناء أو رسمًا أو شعرًا .. ولقد اهتـم كاتبنا بهذه الفنون المختلفة من خلال بعض القصص . فبالنسبة لفن الرسم كان هذا الفن عنصرًا محوريًّا فى بعض القصص ، مثل " أحسن شىء أنى حرة " - " سمكة نهاد التى لم ترسم بعد " - " حكاية طارق وعلاء " - " البداية مع قطعة الشيكولاتة " ، فبالرسم كان الطفل يعبر عن إحساسه وأحلامه ويشعر بالحرية .

ولم يقتصر الكاتب على الاهتمام فقط بفن الرسم ، لكن يؤكد على                   أهمية إقامة المعارض والمسابقات المختلفة حتى نشجع الطفل على الاهتمام بهذا الفن .
كما اهتم الكاتب بفنون أخرى مثل الرقص والغناء والموسيقى من              خلال قصص مثل " حكاية رادوبيس " و " إنقاذ عازف المزمار " ، فهذه الفنون تـُـشعِر الإنسان بالمتعة والسرور وتجعله يبحث عن الجمال فى كل مكان .. كما أكد الكاتب على أهمية تذوق الفنون وتقدير الفنانين فى بعض القصص مثل                   قصة " بدر البدور والحصان المسحور " فتقول زوجة أخى السلطان " كل من                  فى القصر حريص على الأخلاق الفاضلة مع الاهتمام بتحصيل العلم                      والثقافة وتنمية تذوق الفنون والآداب " - " كما ازدهرت الفنون والآداب فى  عصر السلطان ملك  الزمان ، وكان الملك يقول لأولاده : لن يستطيع سلطان جاهل أن يحكم شعبًا له علومه وفنونه وآدابه " ، فقد ربط الكاتب هنا                     العلوم والفنون والآداب معًا لتـَـقَدُّم البلاد والمجتمعات . وفى ثنايا القصة اهتم الكاتب أيضـًـا بفن الشعر فكان  الأمير أحمد " يخصص كراسة كبيرة يسجل فيها              ما يكتبه من أشعار " .
وفى قصة " معروف فى بلاد الفلوس " يقول بطل القصة " لا بد من تقدير الفن والثقافة والعلم والعلماء ، وليس الاهتمام بالمال والأرقام فقط " .
ثانيًا : القيم التربوية فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى
القيم ضرورة تربوية :
موضوع القيم من الموضوعات المهمة التى اهتم بها الكثير من                الباحثين فى مجالات مختلفة كالفلسفة والتربية والاقتصاد وعلم الاجتماع                  وعلم النفس .. وهنــاك وسائــل مختلفــة لاكتســاب هذه القيم من خلال                        عملية التنشىءة الاجتماعيــة للطفل ، ومن أهم هذه الوسائل الاستماع إلى                       أو قراءة القصص ، فالقراءات التى يتعرض لها الطفل بعد إتقانه عملية القراءة والكتابة توسع خبراته المعرفية ، فقراءة الكتب والقصص والمسرحيات والمجلات والصحف ... كل هذه المواد العلمية تزود الأطفال بمواقف خلقية متنوعة                     فى بيئته أو مجتمعه .
وقد تـُـقَدَّم الشخصيات فى هذه الوسائط التعليمية فى مواقف صراع بين الحسن والقبيح والفضيلة والرذيلة بحيث يتضمن الموقف اتجاهات متباينة توسع المدارك ، ويكتسب من خلالها الطفل اتجاهات سلوكية مرغوبة اجتماعيًّا . بل إن هذه المواقف قد تعقبها مناقشات وحوارات تستهدف تطبيق مقاييس العقل حيال القضايا المثارة فيما يتعلق بالاتجاهات والقيم . وبديهى أن مجال الخبرة يتسع من خلال هذه الحوارات والمواقف المشكلة بما توفره من تخيل على المستوى القيمى . (1)

" فعالم القصص يساعد على اكتساب وتنمية وأيضًا تغيير القيم والاتجاهات الاجتماعية والأخلاقية للأطفال ، عن طريق تقديم بعض القصص والحكايات الملائمة لأعمار هؤلاء الأطفال ... فهناك الكثير من التجارب التى أجريت فى هذا المجال ، منها تجربة " كروس و كروس " من خلال تقديم مجموعة من القصص لعينة من الأطفال فى أعمار تتراوح ما بين الرابعة والسادسة ، وذلك بهدف تنمية القيم الاجتماعية لدى هؤلاء الأطفال .. وكان من نتائج هذه التجربة وجود تغيير ملحوظ لدى أطفال المجموعة التجربيبية ( التى قُدمت لها القصص ) بالمقارنة بالمجموعة الضابطة ( التى لم تـُـقدَّم لها القصص ) . (2)
ولقد اهتم الكاتب يعقوب الشارونى بالقيم التربوية وقدمها للطفل فى أعماله المختلفة ، فى محاولة منه لإرساء دعائمها فى نفس الطفل ، حتى ينشأ هذا الطفل على هذه القيم . وهو فى هذا لا يتجه للصغار فقط ولكن للكبار أيضًا ، فهو ينبه التربويين إلى أننى معكم فى بناء الطفل على الأسس التربوية السليمة .
ويقدم لنا كل هذا فى ثنايا الحكى أو الحوار وفى إطار فنى مشوق وليس فى شكل وعظى أو خطابى .. ولقد اهتم بغرس الكثير من هذه القيم وقدمها وعالجها وأبرزَها بأسلوب متميز مثل قيم الصدق والشجاعة وحب القراءة وغيرها من القيم التى تأتى فى سياق القصة .
وفيما يلى أهم القيم التربوية التى ظهرت فى أعمال كاتبنا يعقوب الشارونى :
1 -  القيم الاجتماعية :
وهى القيم الخاصة بالعلاقات الاجتماعية والمهارات والسلوكيات التى ينبغى أن يكتسبها الطفل ، ومن أمثلتها :


 ( 1 ) حسن شحاته ، أدب الطفل العربى ، دراسات وبحوث ، الدار المصرية اللبنانية ، 1993 .
 ( 2 ) عبد اللطيف خليفة ، ارتقاء القيم ، دراسات نفسية ، عالم المعرفة ، الكويت ، 1992 .
- الصداقة :
تشير هذه القيمة إلى الوقوف بجانب الصديق وقت الشدة والرخاء ، حب الصديق وزيارته ، المشاركة الوجدانية ، المحبة والمودة بين الأصدقاء ... " فالصداقة عنصر بالغ الأهمية للإنسان نظرًا لكونه كائـنـًـا اجتماعيًّا بطبعه ، لذلك يميل إلى عقد علاقات ألفة بالآخرين ... ويسعى إلى الاهتمام بهم رغبة منه فى الارتباط وعدم العزلة . وغالبًا ما تتكون الصداقات من خلال الجماعات التى تحيط بالطفل من نفس العمر وربما فى نفس المستوى الاجتماعى والاقتصادى ... وتكثر الصداقات فى حياة الطفل فى فترة الدراسة " . (1)
وقد ظهرت قيمة الصداقة فى أعمال الكاتب يعقوب الشارونى سواء بين الإنسان، أو بين الحيوان كرمز لهذه الصداقة وتعليمها للأطفال من خلال عالم الحيوانات التى يعجب بها الأطفال خاصة فى السن الصغيرة .
فعلى سبيل المثال لا الحصر قصة " سر الاختـفاء العجيـب " ، تظـهر قيمة الصداقة وكيف يقف الصديق بجانب صديقه وقت الشدة ويساعده ، وأن الصداقة الحقة بذل وتضحية .. فيقول الكاتب : " كان " سعيد " أقرب الأصدقاء لمحمود فى البيت والمدرسـة بل خيــر صديــق له فى الدنيــا ، فلم يتحمــل فكرة أن يفقـده هكذا فجأة .. فقرر أن يبحث عن صديقه " . فتظهر هنا قيمة الصداقــة التى دفعــت البطل للبحث عن صديقه . ويؤكد الكاتب على فكرة أن الصديق الحق هو المهموم بصديقه .. الحزين لاختفائه .. بينما الآخرون غير مبالين بذلك ، ثم يعود الكاتب ويؤكد على قيمة الصداقة مرة أخرى فيقول " ونسى محمود كل شىء فى الدنيا إلا حاجة صديقه للطعام والشراب ، فأخذ يسقيه الماء على مهل ، وبعد قليل استطاع " سعيد " أن يتناول من يد " محمود " الخبز والجبن .. "
وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " من سلسلة " يحكى أن " .. تظهر قيمة الصداقة بين الطيور .. فعندما أحست البومة الأجنبية بأحزان صديقتها المصرية اقتربت منها وسألتها : ماذا حدث ؟ لماذا هذا الحزن ؟ .. قالت البومة المصرية : ألم تلاحظى           ما أصاب جناحى ؟ تأملت البومة الأجنبيـة جنــاح صديقتهــا ولاحظــت ما فيــه مــن
  ( 1 ) زكى محمد إسماعيل ، انثربولوجيا التربية ، الهيئة العامة للكتاب ، 1980 .
إصابة مؤلمة فسألتها فى إشفاق : من فعل بك هذا ؟ فهنا يُظهِر الكاتب كيف يشعر الصديق بألم وحزن صديقه وكيف يخفف عنه ويساعده على تجاوز المحن .
كما حرص الكاتب على توضيح شروط الصداقة الحقيقية والتى تتمثل فى الحب المتبادل بين الأصدقاء والحرص على مصلحة الصديق وليس مضايقته وإيذائه .. فيبين هذه الشروط باستخدام النقيض . ففى قصة " جميل وجميلة " من قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، فهمت " جميلة " أن الفتيات لا يرحبن بصداقتها وأنهن يسعين إلى مضايقتها فقالت لهن : " لماذا تعملن على إلحاق الأذى بى ؟ ولماذا تـَـرَكْـتـُــنـَّـنى ألقى بكل ما معى من حلى ذهبية وفضية فى  البئر ؟ " كل هذه التصرفات لا تدل إلا على الحقد والغيرة والكراهية لجميلة ..   فهنا يتعلم الطفل وبشكل غير مباشر شروط الصداقة الحقيقية وهى : الحب المتبادل - الحرص على مصلحة الصديق - وأن الصديق يقف بجانب صديقه وقت الشدة ويساعده ... وهكذا يحرص الكاتب على تأكيد قيمة الصداقة ليتعلم الطفل من أبطال القصص أن الصداقة معنى جميل يشمل الحب والإخلاص ، وأن للصداقة شروطًا حقيقية ، فيتعلم الطفل أن يكون حريصًا على أصدقائه ويسعى إلى الاهتمام بهم رغبة منه فى الارتباط وعقد علاقات ألفة ومحبة بالآخرين .
وإذا انتقلنا إلى قيمة أخرى من القيم المهمة التى يؤكد عليها كاتبنا فنجد قيمة :
- التعاون :
ويُقصَد بالتعاون " العمل الجماعى والاتحاد لإنجاز عمل ما أو لدفع          الخطر ، وتجنب الاختلاف فى الرأى للمحافظة على وحدة الجماعة " . (1)
ويُظهِر الكاتب من خلال بعض القصص ومواقف أبطالها أهمية التعاون والقيام بالعمل الجماعى فى الحياة بصورة عامة ، لِما يعود بالنفع المثمر على المجتمع الذى يعيش فيه الإنسان أو الطفل ، فلا يشب منطويًا أنانيًّا يحب                 ذاته فيكرهه الآخرون ولا يتعاونـون معــه إذا وقــع فى مــأزق أو صــادف مشكلة مـا ،                              


( 1 ) آمال إمام داود ، المضمون التربوى فى قصص الأطفال لكامل الكيلانى ، رسالة ماجستير ، جامعة عين شمس ، 1996 .
وقــد ظهــرت هــذه القيمــة فى قصته " هدايا فيروز " مــن قصــص كتــاب أجمــل
الحكايات الشعبية ، عندما قالت " فيروز " لأبيها : " أود أن أخرج معك للبحث عن الملح يا أبى ، لن أتركك تعمل وحدك من أجلنا .. لابد أن أذهب معك                لأساعدك " .
وفى قصة " حسناء والثعبان الملكى " كانت حسناء تساعد والدتها فى رعى الأغنام .
وظهرت هذه القيمة أيضـًـا فى قصة " شجرة تنمو فى قارب " ، يقول الكاتب               " اتفقت وزارة الرى أن يشترك الصيادون فى جمع نباتات ورد النيل المتراكمة على سطح الماء ، وهذا العمل يحتاج أن تتعاون الأسرة كلها فيه .. فهناك من يهتم بحفظ توازن القارب ، وهناك من يتعاونون على جمع النباتات العائمة على سطح الماء ووضعها فى القارب " .
وفى قصة " حكاية طارق وعلاء " تظهر قيمة التعاون بين الصديقين " طارق وعلاء " ، فكان " علاء " يتعاون مع صديقه فيقول له : " أنت تقوم بتثبيت زرارين وأنا أقوم بتثبيت زرارين آخرين ، وكان أيضًا يعاونه فى ربط حذائه " .
وعندما أصيب " علاء " فى حادث عاونه طارق فى الانتقال داخل                 فناء المدرسة وعند تناول الطعام والأدوية .. وعَـبْر أحداث القصة يؤكد                   الكاتب على قيمة التعاون فيقول : " تحسنت طريقة كتابة " طارق " نظرًا لمعاونة            " علاء " له . ولم يكن التعاون من خلال " علاء " فقط ، لكن أيضـًـا من خلال طارق ذلك الطفل ذى الاحتياجات الخاصة ، فكان يمسك القلم ويساعد " علاء " فى الرسم .. ولا يظهر التعاون فقط من خلال الصديقين " طارق وعلاء " ، لكن أيضًا من خلال أبطال آخرين فى  القصة ، فعندما حضر طارق إلى المدرسة اقترحت المُدَرسة على التلاميذ ضرورة مساعدة " زميلهم الجديد " فى تعويض              ما فاته من دروس .
الكرم
تعبر هذه القيمة عن إكرام الضيف والأهل والأصدقاء وعدم البخل وعدم الأنانية والعطاء للآخرين .
وقد حرص الكاتب على توضيح قيمة الكرم من خلال أحداث قصصه المختلفة ليتعلم الطفل هذه القيمة ، ويعرف أن الإنسان عندما يكون كريمًا سخيًّا يكون محبوبًا من الآخرين .. أما البخيل فهو إنسان مكروه يبتعد عنه الآخرون وأحيانـًـا يكون عرضة  للسخرية .
ففى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " تظهر قيمة الكرم عندما قالت                                     " أم علوانى " : أنا سأعود إلى القرية أحضر طعامًا لمن يقومون بحراسة الشجرة .
وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ظهرت قيمة الكرم من خلال أبطال القصة ، الصياد " عبد الله " الفقير وجاره . فيقول الكاتب : " وفى تلك الأيام التى يلازمه فيها حظه السيئ كان يتجنب السير أمام دكان جاره بائع الخبز ، فقد كان يخجل من كرم ذلك الجار ، لكن الجار ما إن يلمح " عبد الله " يقترب من دكانه حتى ينادى فى ود " فرج الله قريب " ، وكان كثيرًا ما يسرع إليه حاملاً " قفة " صغيرة مليئة بأرغفة الخبز .. وكان يضع أحيانـًـا بعض النقود فى يد " عبد الله " وهو يقول له : هذا قرض صغير يمكن أن ترده عندما تستطيع " .
وفى قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية .. قصة " جميل وجميلة " عندما ذهبت الفتيات إلى الغابة وجمعن كمية كبيرة من الحطب ، وبعد الظهر بدأت رحلة العودة .. وفى أثناء الطريق توقفن عند نخلة عالية .. وقالت إحدى الفتيات " انظرن إلى ثمار هذه النخلة ، يا له من تمر حلو ، كم أتمنى لو كان فى استطاعتى تسلق هذه النخلة لأحصل على بعض التمر " ، وقالت فتاة أخرى                   " إنه تمر ممتاز ، ليتنى أستطيع الصعود إليه " ، وكررت بقية الفتيات نفس المعنى ،              هنا يظهر كرم جميلة عندما تقول " وأنا أستطيع تسلق النخلة ، لأحضر لكُنَّ بعضًا من بلحها وتمرها " .. وتسلقت " جميلة " النخلة ، وأخذت تقطف البلح والرطب والتمر وتلقى به إلى صديقاتها حتى ملأت الفتيات السلال .

وفى قصة " بلح الشاطر حسن " عندما ظهر الرجل القصير الأخضر قال للشاطر حسن : " هل تسمح لى أن أجلس معك قرب النار ؟ إننى أشعر بالبرد " . رد الشاطر حسن بكل ترحيب : " أهلاً وسهلاً .. تفضل اجلس ".. ثم التفت " حسن " إلى الرجل وقال له : " تفضل .. شاركنى هذا الطعام البسيط " ، فقال له الرجل            " ليس معك يا بنى إلا طعام قليل والمكان بعيد عن العمران ، فاحتفظ بالطعام لنفسك " ، فقال حسن : " ما يكفى رجل يمكن أن يكفى رجلين .. تفضل                مما أعطانى الله " .
وفى قصة " هدايا فيروز " عندما قالت زوجة " شعبان " للسيدة العجوز " تفضلى يا خالة ، لقد أعطانا الله خيرًا لكننا لا نعرف كيف نعطيك الآن منه " .. كانت نتيجة هذا الكرم تحقيق أمنية غالية " لشعبان وزوجته " ، فقد قالت لهما العجوز :                            " ما دمتما قد أبديتما استعدادكما أن يشارككما الآخرون فيما أعطاكما الله ، فسيرزقكما الله بالمولود الذى تشتاقان إليه " . كما يُظهِر الكاتب قيمة الكرم أيضًا عندما عثر " شعبان " على كنز كبير فى الجبل أثناء بحثه عن الملح ، وعاد إلى زوجته ودعا جيرانه وأصدقاءه إلى داره وقدم لهم طعامًا شهيًّا ، فوصفه الآخرون بأنه رجل طيب وكريم يرفض أن يستأثر بالكنز وحده ، ويحب أن يشاركه الآخرون فيما أعطاه الله ، فقالوا عنه " بارك الله فيه وأسعده كما أسعدنا " .
- الشجاعة
تعبر هذه القيمة عن عدم الخوف من المواقف الصعبة واقتحامها ومواجهتها بثبات دون تراجع ، والدفاع عن المبادئ والمثل .
وقد حاول الكاتب من خلال أحداث قصصه المختلفة أن يقدم للطفل أهمية قيمة الشجاعة فى دفع الشخصيات للقيام بالسلوكيات الاجتماعية المرغوبة والمقبولة ، مثل إبداء الرأى أو مواجهة الظلم أو مقاومة الأعداء والبعد عن السلوكيات المناقضة لذلك .
ففى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " تظهر شجاعة الفتاة " زهرة " فى الدفاع عن الشجرة ، يقول الكاتب : " قالت زهرة فى جرأة : يبدو أن المهندس والمقاول هما السوس الحقيقى الذى ينخر فى الشجر " .
واندفعت " زهرة " تؤكد فى تصميم : " سنبقى حول الشجرة نحميها من أى اعتداء جديد " . ولم يُظهِر الكاتب فقط قيمة الشجاعة من خلال شجاعة                  " زهرة " ، لكن ظهرت هذه القيمة من خلال أصغر الصبيان الطفل " علوانى " ، فصاح فى حدة : " هذه الشجرة لن يقطعها أحد " .
وظهرت أيضـًـا قيمة الشجاعة من خلال قصة " ثلاث حكايات عن              الشجاعة " وفى قصة " رجل السيرك وقصص أخرى " ، ففى قصته " أنا الذى كسرتها " ظهرت الشجاعة من خلال الطفل " جمال " الذى اعترف بخطئه عندما لاحظ أن إنكاره لكسر الزهرية قد تسبب فى ظلم الشغالة .
وفى قصته " رضيعة على حافة سور الشرفة " ، تظهر قيمة الشجاعة عندما أنقذ الأخ الكبير أخته التى تبلغ من العمر عامين ..
وفى قصته " عمود من النار فى المطبخ " ، ظهرت شجاعة بطل القصة " محسن " فى سرعة تصرفه وهجومه على أنبوبة البوتاجاز المشتعلة ومحاولة إطفائها وإنقاذ والدته من الحريق .
ويعلق الكاتب على هذه القصص الثلاث فيقول : عندما سألت مجموعة من الشباب الصغير بعد أن استمعوا إلى ثلاث حكايات عن الشجاعة : " من هو الأكثر شجاعة بين الثلاثة ؟ " وقفت طفلة وقالت : أمام خطر الموت وفى                مواجهة النار أو خطر السقوط، قد نجد كثيرين يتصرفون بنفس شجاعة " محسن " أو " عماد " ، بل قد يقوم الإنسان بمثل هذه البطولات بغير تفكير فى النتائج .             أما " جمال " الذى تغلب على نفسه واعترف بخطئه لينقذ الشغالة من الظلم ، فهذا هو نوع الشجاعة الذى نحتاج إليه جميعًا " .
- الحب والسلام
تعبر هذه القيمة عن رغبة الفرد فى أن يسود الحب بينه وبين الآخرين ، ونبذ الكراهية والغيرة والحسد والحقد ، وحب الآخرين والعيش فى سلام                  ومحبة داخل المجتمع ، وقد ظهرت هذه القيمة فى إحدى قصص كتاب                         " أجمل الحكايات الشعبية " ، هى قصة " جميل وجميلة " ، أراد الكاتب منها أن               يعلم الطفل أن هناك صفات وقيمًا جميلة ، هى الحب وحب الخير للآخرين                من خلال إظهار نقيض هذه الصفات .. ففى سياق أحداث القصة يعرف الطفل            أن هناك صفات سيئة هى الغيرة والحقد والحسد والكراهية ، وهى صفات              تؤدى إلى هلاك صاحبها وكراهية الآخرين له . أما نقيض هذه الصفات فيؤدى  إلى حب الآخرين والنجاح فى الحياة . يقول الكاتب : " كان فى القرية                    ست فتيات لم يكن جميلات مثل " جميلة " لذلك لم تحبها واحدة منهن ، كانت الغيرة تأكل قلوبهن ، كن يحسدنها لأنها خُطِـبت لابن عمها وأصبحت على              وشك الزواج ، بينما لم يتقدم أحد للزواج منهن . وتحت تأثير الغيرة والحسد والحقد والكراهية ، ذهبت الفتيات الست إلى جدة " جميلة " وقلن لها :                            " اسمحى " لجميلة " أن تخرج معنا اليوم إلى الغابة لنجمع الحطب " ،                       وقد استطاعت الفتيات إيذاء " جميلة " ، فكن سببًا فى أنها فقدت ذهبها وحليها فى البئر وأن يخطفها الغول .
يتعلم الطفل من هذه القصة أن الجمال ليس جمال الشكل وحده ،                فلم تكن " جميلة " جميلة الشكل فقط ، لكنها كانت جميلة الصفات والطباع ، لذلك كانت محبوبة من الآخرين ، فكانت تتمتع بالكرم والإيثار والوفاء والقلب الطيب وحب الآخرين ومساعدتهم .. أما الفتيات الست فلم يكن محبوبات ، ليس بسبب عدم جمالهن لكن بسبب صفاتهن السيئة من غيرة وحقد وحسد وكراهية ، لذلك ابتعد عنهن الآخرون ولم يتزوجهن أحد .
وفى قصة " الأمير الجبان " كان الأمير " سامبا " يحب أن يعيش فى أمن  وسلام .. أراد " سامبا " أن يعيش فى بلاد لا يعرف شعبها الحرب ولا العنف . وفى موضع آخر من القصة قال " سامبا " : " لقد تركت بلدى حتى أتجنب وحشية المعارك ورؤية الدماء ، وإذا طاردتنى الحروب هنا فسوف أترك هذه المدينة أيضًا إلى الأبد " .
كما كان لقيمة الحب دور مهم فى قصة " بدر البدور والحصان               المسحور " ، فقد تقدمت مدينة " شمس الذهب " نظرًا لحب الملك لأهل            مدينته ، وتشجيعه الدائم لهم على العمل والإنتاج من أجل تقدم البلاد . وكان الملك محبوبًا بين شعبه ، لذلك فإن كل تاجر وكل صانع وكل زارع كان يعمل على الارتفاع بمستوى صناعته وتجارته وزراعته ، ويجتهد ليبتكر الجديد فى مجال              عمله ، حتى أصبحت البلاد المجاورة تشترى من إنتاج مدينتهم إلى أن اشتهرت بالجودة والجمال .
- الإرادة والإصرار
تعبر هذه القيمة عن المثابرة والحزم والصلابة ، والتصميم على الوصول للأهداف رغم الصعاب .. وأراد الكاتب أن يقدم للطفل هذه القيمة ، وكيف يصل الإنسان إلى أهدافه وكيف يتخطى الصعاب والمخاطر ، وذلك بالمثابرة والإرادة حتى يحقق طموحاته .
ففى قصة " سر الاختفاء العجيب " أصر " محمود " على البحث عن صديقه               " سعيد " المختفى ، فسأل " محمود " نفسه : تـُـرى .. هل أستطيع أن أعثر على              " سعيد " فأثبت لهم أننى أذكى وأقوى ممن يتباهون بسلامة أجسامهم ؟ .. وبرقت عيناه فى عزم وهو يهمس لنفسه : " سأجعلهم يرون مقدار ما أستطيع أن أفعل ،              أنا صاحب الساق العرجاء ... " واستطاع " محمود " بعزمه وإصراره أن يعثر على صديقه سعيد .
وفى قصة " الفرس المسحورة " أكد الأستاذ يعقوب الشارونى على ضرورة                 إصرار الإنسان على بلوغ الأهداف فى الحياة ، وهو إصرار يجسده بطل الرواية                 " حسن " ، الذى لم يستسلم للهزيمة أو لما قابله من مصاعب لا يتحملها البشر ، ومع ذلك حقق النجاح فى تحدى هذه الصعاب وانتصر عليها بالإرادة والإصرار .
كما ظهرت قيمة الإرادة والإصرار من خلال شخصية الطفل " خالد "                فى قصة " شجرة تنمو فى قارب " ، حيث أصر " خالد " أن يتعلم ، " وبعد عامين نجح فى امتحان نهاية المرحلة الأولى من التعليم الأساسى ، وبعد عامين آخرين حصل على شهادة المرحلة الإعدادية نظام الامتحان من المنازل " .
- النجاح
الإنسان فى حاجة دائمًا إلى تحصيل النجاح وتجنب الفشل ، والميل للنجاح أمر مكتسب ، وهو يختلف بين الأفراد كما يختلف عند الفرد الواحد باختلاف المواقف . ومن خلال النجاح يشعر الطفل بنفسه كشخص مستقل له  قيمته ، وبهذه الطريقة يبدأ فى تكوين شخصيته الخاصة . (1)
 ( 1 ) هدى محمد قناوى ، دراسة سيكولوجية لبعض الجوانب المتصلة بالنمو اللغوى فى قصص وحكايات الأطفال ما بين                                  4 – 8 سنوات ، دار الثقافة للطباعة والنشر ، 1981 ، صـ 198 .
ويؤدى النجاح إلى سعادة الإنسان وسعادة من حوله . وظهرت هذه القيمة فى بعض الأعمال مثل قصة " البداية مع قطعة شيكولاتة " ، حيث نجح " مصطفى " وتفوق فى الفن التشكيلى ، والتحق بكلية الفنون الجميلة وتفوق فيها ، وأقام أول معرض فنى له بعد تخرجه وعمله فى مجال الفن .
وفى قصة " صندوق نعمة ربنا " نجح " عاصم " بتفوق فى امتحان الشهادة الإعدادية ، وواصل تعليمه وأصبح أستاذًا فى كلية الطب ومن أشهر الأطباء فى مصر .
وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، يؤكد الكاتب على قيمة النجاح عقب العمل الشاق فيقول : " عندما نجح " محمود " أخيرًا فى الخروج ، أسرع يستلقى على الأرض ويطل على الممر وينادى : سعيد يا سعيد .. لقد خرجت " .. ويؤكد الكاتب على تتويج قيمة النجاح بهذه العبارة : " وكانت المفاجأة الحقيقية يوم أن فتح أهل القرية الصحف اليومية ، ففوجئوا برؤية صورة " محمود " فى الصفحات الأولى منها وتحتها الخبر التالى : تقديرًا من الدولة للفتى " محمود " الذى أنقذ صديقه من الموت داخل سراديب مقبرة فرعونية واكتشف واحدًا من أهم الاكتشافات الأثرية ، فقد تقرر دعوته لزيارة متحف الآثار المصرية بالقاهرة ، مع منحه مكافأة قدرها ألف جنيه ستسلم إليه فى حفل كبير يقام فى قريته ، كما وصلت إلى مصر عدة دعوات من متاحف أوربا تدعو البطل "محمود" إلى زيارتها لرؤية أقسام الآثار المصرية بها " .
- حب الاستطلاع
للـقصة دور كبير فى تـنمية حب الاستـطلاع والفضول المعرفى لدى الطفل ، فهو يقرأ عن أشياء وشخصيات وموضوعات يعرف بعضها ولا يعرف بعضها الآخر ، فيستمتع بما يعرفه ، وتظهر فى ذهنه تساؤلات وعلامات استفهام حول                     ما لا يعرفه ، وهذا النشاط الاستكشافى الاستطلاعى الباحث النهم للمعرفة نشاط مهم فى زيادة معارف الطفل ومعلوماته ، وأيضـًـا فى تنشيط خياله الإبداعى بشكل خاص " . (1)


( 1 ) شاكر عبد الحميد ، الخصائص النفسية والتربوية لقصص الأطفال ، بحوث وقراءات فى قصص جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع                بنت آل نهيان ، 1997 .
وقد ظهرت هذه القيمة فى بعض القصص مثل قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، حيث نجد أن الكاتب يُظهِر البطل فى صورة الشخص الباحث عن المعرفة ، وهو ما يحفز الطفل القارئ على أن يسأل ليعرف ، فالمعرفة تـُــنـَـشـِّـط خياله الإبداعى . فمن خلال رحلة العودة إلى الشاطئ و " عبد الله " البحرى يقود صديقه البرى ، والبرى لا يكف عن إلقاء الأسئلة حول الجديد الذى يراه  فى الماء . أيضًا دفع حب الاستطلاع السلطان إلى الموافقة على زيارة                           البيت المتواضع لهذا الصياد : " لعله يعرف بعض أسرار الحياة ، ويتأمل حكمة              الله عز وجل عندما يختار جل جلاله أحد عباده الصالحين من بين الناس أجمعين لينعم عليه بمثل هذه الثروة الطائلة " .

وفى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " تظهر قيمة حب الاستطلاع التى تمارسها الشجرة الشابة وتعطشها إلى معرفة سبب الجرح القديم الذى أصاب الشجرة  العجوز ، لتعرف وتتعلم وتفهم ما يدور حولها من خلال استقراء تاريخ الشجرة . وننتقل إلى قول الشجرة العجوز : " لولا هذا الجرح لمَا زرعوك ولمَا اهتم أحد بميلادك أو حياتك " .. ثم يقول الكاتب : " وتملكها حب الاستطلاع فسألت فى لهفة : وماذا كانت حقيقة تلك العاصفة التى أوقفت المعتدين عليك ؟ "

وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " يقول الكاتب : ودفع حب الاستطلاع البومة المصرية إلى سؤال البومة الغريبة : " من أنت ؟ ومن أين جئت ؟ " وازدادت دهشة البومة المصرية وسألت البومة الضئيلة الحجم : " وهل الناس فى أوروبا يهتمون بمصاحبة البوم عندما يسافرون ؟ هل أفهم أنهم لا يقذفونك بالطوب ؟ " وهكذا نرى أيضًا فى هذه القصة كيف يقوم أدب الأطفال بتعديل المفاهيم الخاطئة .

وفى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " يقول الكاتب : فقد دفع حب الاستطلاع بطل القصة إلى زيادة معلوماته وخبراته بالآلات المختلفة وكيفية تشغيلها وتحسينها والانتفاع بها .. كما دفع الأمير أحمد إلى التردد على مختبرات العلماء ليستزيد من علم الكيمياء والأدوية والأعشاب الطبية .
كما ظهرت قيمة حب الاستطلاع فى قصة  " حكاية طارق وعلاء " ،                     فعــلاء يسـأل وأمــه تجيــب ، ثم يحاورهـا فى مواطن أخـرى دون ســؤال . وينتقــل
الحوار ليصبح بين " علاء " ومعلمته ، ثم يظهر هذا الحوار بين " علاء " وأخت               " طارق " ، ثم نجد الحوار الذى حدث بين الأسرتين . وهكذا يؤكد الكاتب للطفل أهمية حب الاستطلاع الذى يثير خياله وقوة الملاحظة لديه واكتشاف البيئة م- الثواب والعقاب
" تتشكل شخصية الطفل بأبعادها المختلفة المعرفية والاجتماعية والسلوكية فى مراحل طفولته الأولى ، ويتعلم الطفل فى هذه المرحلة العمرية السلوك الحسن أو السيئ الذى يُكافأ أو يُعاقب عليه من داخل الأسرة أو خارجها . وعندما يسلك الطفل سلوكًا حسنـًـا أو يتصرف وفقًا لما هو متوقع منه ، ينال الثواب  أو المكافأة والتأييد نظير سلوكه هذا ، وإذا فعل عكس ذلك يقع عليه العقاب .. ومبدأ الثواب والعقاب هذا لا يكون نتيجة تعامل الإنسان وتفاعله مع مجتمعه فقط ، وإنما ينبع أساسًا من التعاليم الإسلامية التى يدعونا الله إليها وتحث عليها الأديان ، فمن يُحسِن عملاً ينال الثواب ومن يخطئ لابد أن يعاقَب ، فيقول علماء التربية إن استجابة الطفل فى هذه المرحلة من العمر للمثيرات المختلفة إنما ترتبط بمبدأ الشعور باللذة والألم ، فالسلوك الذى يجد استجابة سارة من الوالدين أو من الموقف ذاته يُـعَـزَّز ليتكرر ويستمر ، والسلوك الذى لا يجد استجابة راضية يتراجع حتى يختفى . (1)
وقد حرص الكاتب يعقوب الشارونى على تأكيد قيمة الثواب والعقاب ، وحرص على غرس هذه القيم فى ثنايا المواقف المختلفة ، وكيف تدفع هذه القيم الشخصيات للقيام بالسلوكيات الاجتماعية المرغوبة والمقبولة والبعد عن السلوكيات المناقضة لذلك ، ليتعلم الطفل أن يسلك سلوكًا حسنـًـا أو ليتصرف وفقًا لما هو متوقع وما هو مقبول اجتماعيًّا لينال الثواب أو المكافأة أو التأييد ، وإذا فعل عكس ذلك يقع عليه العقاب .

 ففى قصة " هدايا فيروز " من قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، عندما ســرق صاحــب الفنـدق الجحش العجيب والمطحنة السحرية من " شعبــان " والــد

 ( 1 ) كافيه رمضان ، التنشىءة الاجتماعية وأثرها فى تكوين شخصية الطفل العربى ، مجلة علم النفس ، العدد الرابع ، 1987 .
" فيروز " ، أعطاه الأمير زوج ابنته فيـروز العصــا المطيعــة داخــل صندوق جميـل .. فذهب " شعبان " إلى الفندق : " وجاء صاحب الفندق متسللاً إلى غرفة شعبان ، لكن " شعبان " كان حذرًا هذه المرة بعد أن سرقه صاحب الفندق فى المرة الأولى والثانية ، فلم يكن نائمًا بل كان ينتظر مجىء السارق . وما إن وضع الرجل يده على الصندوق حتى قفز شعبان  صائحًا : اخرجى يا عصا من فراشك ، وانطلقت العصا المطيعة وانهالت على صاحب الفندق ضربًا ، فخرج من الحجرة صارخـًـا مولولاً .. لكن العصا لم تكف عن ضربه بل تعقبته حيثما ذهب تضربه بغير شفقة ولا رحمة " .. وهكذا كان عقاب صاحب الفندق على أفعاله السيئة من سرقة وخيانة وعدم أمانة .
وفى قصة " بلح الشاطر حسن " أيضًا من قصص كتاب أجمل الحكايات          الشعبية ، يوضح الكاتب أن من يعمل معروفًا للآخرين يكون جزاؤه كبيرًا                 ويأتى جزاؤه وثوابه إن عاجلاً أو آجلاً ، ومن يعمل شرًّا يكون عقابه كبيرًا                     أيضًا .. يقول الكاتب : عندما أكرم الشاطر " حسن " الرجل القصير الأخضر قال له :                " لأجل طيبة قلبك وكرمك وعطفك على الغرباء سأنصحك نصيحة ، إذا أردت            أن تنام فلا تفعل ذلك على الأرض عند جذع النخلتين ، بل اصعد ونم بين  السعف ، وعمل الشاطر حسن بنصيحة الرجل ، وعثر على الذهب الذى كان              سببًا فى إزالة اللعنة عن الرجال الذين حولتهم الأميرة إلى أحجار وصخور " . وكان للشاطر " حسن " مكافأة أخرى من الرجل الأخضر عندما خلصه من                    القرن الكبير الذى نما فوق جبهته بعد تناوله البلح الأصفر ، فأشار عليه أن يأكل تمرًا أحمر ، فزال القرن فورًا ، واستطاع الشاطر " حسن " أن يذهب إلى المدينة ويعيد كل من حولتهم الأميرة إلى حجارة وصخور إلى هيئتهم البشرية .
كما كان هناك عقاب للأميرة على ما فعلته مع من تقدموا لخطبتها ..                 لقد حولتهم إلى حجارة ، وكان عقابها شديدًا ، فقد تناولت الثمرة الصفراء وعندما استيقظت من نومها وجدت قرنـًـا كبيرًا قد نبت فى رأسها فأخذت تصرخ وتبكى . وعلم السلطان بالكارثة التى حلت بابنته وقال فى نفسه : هذا جزاء ما فعلته ابنتى فيمن تقدموا لخطبتها .. كما قال لها : " لا شك أن ما أصابكِ هو عقاب نزل بك جزاء ما فعلته من أخطاء " .
 هنا أدركت الأميرة بشاعة العقاب الذى حل بها ، فأسرعت تعيد كل من حولتهم إلى حجارة وصخور إلى هيئتهم البشرية .
كما ظهرت هذه القيمة فى قصة " صندوق نعمة ربنا " ، فعندما قام الطفل                  " عاصم " مع بعض زملائه بجمع بقايا الخبز ، قالت مديرة المدرسة فى طابور الصباح : اليوم قبل أن ندخل الفصول نريد أن نقدم الشكر لعاصم وزملائه .. فزميلكم " عاصم " قام اليوم بعمل مهم جدًّا ولهذا نريد أن نصفق له جميعًا ..              فلم يعد " عاصم " مجرد تلميذ عندى بل أصبح أكبر مساعد لى فى مواجهة مختلف مشاكل المدرسة . فهنا يدرك الطفل ومن خلال أحداث القصة أن                " عاصم " وزملاءه قد حصلوا على الثواب الملائم عندما قاموا بعمل مفيد ومهم للمدرسة .. وكان يحصل - فيما سبق - على العقاب المناسب عندما كان يقوم هو وزملاؤه بأعمال شغب وتخريب فى المدرسة ، فلم يكن ينال عندئذٍ سوى الضرب وأحيانـًـا الفصل من المدرسة .
رد الجميل والاعتراف به
ومن القيم السامية التى يجب أن يزرعها الكاتب فى الطفل قيمة                      رد الجميل والاعتراف به ، فقد ظهرت هذه القيمة فى بعض أعمال أ / يعقوب الشارونى ، ففى قصة " مفاجأة الحفل الأخير " من قصص كتاب " حكايات من شارونة                " الصادر عن مؤسسة دار الهلال ، نجد أن " محاسن " ردت الجميل لمدرسها                  " أمين أفندى " الذى ساعدها ، فهى لم تنسب فضل نجاحها لنفسها ، لكنها اعترفت بجميل عم " أمين " عليها وأعطته المكافأة والتقدير اللذين كانا مقررين لها : " وقفت " محاسن " فى ثبات وقالت : " أشكركم على هذه الجائزة التى تقدمونها لى ، لكننى أرى أن هناك من هو أحق بها... إنه عم " أمين " صاحب الفضل الكبير " .. فهى لم تنسَ صاحب الفضل وسط الفرحة ووسط الصحافة والإعلام وزيارة المحافظ والحفل الكبير . وعندما أصبحت عمدة القرية سُمِّـيَت المدرسة باسم " مدرسة أمين أفندى الابتدائية " تقديرًا لعطائه الكبير فى مساعدة كل أبناء القرية فى تحصيل دروسهم دون النظر إلى المقابل المادى ، رغم شدة احتياجه له .
وفى قصة " الأمير الجبان " يوضح الكاتب قيمة الاعتراف بالجميل ، فيقول الملك للأمير : يا بنى إنى فخور بك ، إننى مدين لك بالعرفان لأنك قضيت على أعدائنا قضاءً نهائيًّا ، فيقول له الأمير : أنا المدين ، مدين بكل شىء لزوجتى العزيزة لأنها حولت رجلاً جبانـًـا إلى قائد شجاع جعلته يحرز انتصارين : الانتصار الأول على نفسه والانتصار الثانى على أعداء الشعب .

وفى كتاب " حكايات من شارونة " ، فى قصة " حكايات البطل منصور " ، تظهر قيمة رد الجميل والاعتراف به أيضًا عندما قال الكاتب : " لم تنسَ قرية شارونة حكاية " منصور " ، فعندما أزال أهلها ذلك السد الترابى الذى كان يحيط بقريتهم ، جعلوا مكانه طريقًا تظلله الأشجار وتضيئه الكهرباء ويقضى فيه الشباب أمسياتهم ، وأطلقوا عليه اسم " طريق البطل منصور " اعترافًا ببطولاته وعرفانـًـا بجميله على أهل قريته .
- حب القراءة والاطلاع
تعبر هذه القيمة عن أهمية القراءة والاطلاع على أنواع الكتب والبحث عن الكتاب سواء فى مكتبة المدرسة أو فى مكتبة عامة ، فالقراءة تـُـعد غذاء الروح ومتعة العقل والنفس ، خاصة وأن الكتاب متوفر ومنتشر فى أنحاء الجمهورية وبسعر فى متناول الجميع ، وذلك من خلال مهرجان القراءة للجميع ، وإحدى فعالياته المهمة " اقرأ لطفلك " التى لها عظيم الأثر فى نشر الوعى لدى الأسرة المصرية بأهمية القراءة للطفل منذ الأشهر الأولى ، أيضًا من خلال تأسيس المجلس المصرى لكتب الأطفال ، والمجلس العربى لكتب الأطفال والنشء ، ومبادرة المليون كتاب التى طرحت خلال الاجتماع التأسيسى الثانى للمجلس ، وطرح مليون كتاب يحمل القيم التى نود أن ننقلها للطفل ، حيث يقرأ مليون طفل عربى فى آن واحد فى يوم الكتاب العربى .
وقد ظهرت قيمة حب القراءة والاطلاع من خلال قصة " بدر البدور              والحصان المسحور " ، وكيف أن القراءة تفيد الإنسان فى التعرف على المعلومات وحقائق الحياة .. فيقول الكاتب : " أما " على " فقرأ ما كتبه علماء العرب عن تشريح العين وكيف تنقل عدسة العين الصور إلى المخ .. كما قرأ ودرس علم المرايا .. وقرأ كل ما كتب عن علم العدسات والبصريات وزار جميع من يعملون فيه حتى جمع أهم ما عرفه العلماء حول هذا العلم . أما " أحمد " فدرس أساليب استخلاص المواد الفعالة من بعض النباتات الطبية عن طريق الغلى أو التقطير               أو العصر " .
كما تظهر أهمية القراءة وضرورة إقامة مكتبة خاصة للطفل ولو صغيرة                 من خلال ما عرضه الكاتب فى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، فقد كانت                       " سعدية " ابنة " عبد الله البحرى " حريصة على أن تقيم لنفسها مكتبة ازدحمت بالكتب .
وفى قصته " شجرة تنمو فى قارب " تظهر أهمية القراءة وغرس قيمة القراءة والاطلاع فى نفس الطفل وكيف يتعطش الطفل للمعرفة والقراءة والكتابة ، فيقول الكاتب " كان الصبى منهمكًا فى قراءة كتاب أو يمسك بيده قلمًا يكتب به أحيانـًـا بعض الملاحظات " .

 وفى قصته " أم لألف طفل " من قصص كتب حكايات ألف حكاية وحكاية ، ينبه الكاتب إلى أساليب تنمية عادة القراءة وقوة الملاحظة والتفكير العلمى                عند الأبناء ، وأن البيت ليس المسئول وحده عن تنمية عادة القراءة والاطلاع ولكنها أيضـًـا مسئولية المدرسة وكل المؤسسات الاجتماعية التى تعمل على              تربية الطفل .
2 -  القيم العلمية والنظرية :
وهى القيم التى تـُـعنـَـى باكتشاف الحقائق وزيادة الاتجاهات المعرفية                   أو اهتمام الفرد وميله إلى اكتشاف الحقيقة .. ومن عناصر هذه القيم :
- الحكمة
وتعنى التصرف على أساس سليم وتفكير واعٍ - التروى فى اتخاذ القرار .
وقد ظهرت هذه القيمة فى بعض أعمال الكاتب مثل كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، القصة الثانية " بلح الشاطر حسن " .. يقول الشاطر حسن : " ليس من السهل أن يتحول الإنسان الشرير من الشر إلى الخير فى لحظة واحدة " .
وفى قصته " هدايا فيروز " .. " يجب ألا نحكم على الأشياء بالظاهر " .               تقول فيروز لوالدها : " لماذا نحكم على الأشياء من ناحية الشكل يا أبى " . وفى قصته . " البئر العجيبة " : " ليس الجمال جمال الشكل لكن الجمال جمال الروح والأخلاق والطباع " ، فرغم أن السيدة العجوز كانت قبيحة الشكل فقد بدت ملامحها بشوشة وصوتها يفيض طيبة ورقة ، كما لم تكن " أمينة " جميلة الشكل فقط لكنها كانت أيضـًـا جميلة الأخلاق ، طيبة القلب ، وفية ومتعاونة .
وفى قصة " عصفور وجرادة " ، التى تؤكد مقولة " كذب المنجمون                              ولو صدقوا " ، نقرأ على لسان بطل الحكاية : التنجيم كذب وخداع ، وأنا أخشى أن ينكشف خداع الكذب والتنجيم " ، فالتنجيم كله دجل وعبث وتظاهر بمعرفة المستقبل والغيب ، فهنا يتعلم الطفل ألا يعتقد فى التنجيم لأنه ادعاء وخداع .
وفى قصته " حكاية رادوبيس " ، يقول الكاتب ليتعرف الطفل على حكمة حقيقية مهمة : الحزن والفرح وجهان  للحياة .. إذا فرحنا يومًا فلابد أن نجد                  ما يحزننا فى يوم آخر ، وليس فى هذا ما يبعث على اليأس أو السخط ، بل علينا أن نتقبل هذا كما نتقبل ذلك .
كما تظهر عناصر هذه القيمة من خلال التروى والتعقل فى اتخاذ القرار والتصرف على أساس سليم وتفكير واعٍ .
وقد ظهر ذلك فى قصة " نقطة زيت " ، فيقول الكاتب : " لم نكن قد ذهبنا إلى بيتنا فى القرية منذ عدة سنوات ، فعندما ذهبنا إلى بيتنا هناك حاولنا فتح الباب الخارجى للبيت فلم نستطع " ، وتبدأ محاولات الأولاد دون جدوى حتى يأتى الشيخ ( الذى هو رمز الحكمة والخبرة ) ، " وفى هدوء صب قليلاً من الزيت على الأقفال والمفصلات وقال : الآن حاولوا فتحه ، عندئذٍ رأينا فى سعادة مدى السهولة التى انفتح بها الباب " .
وفى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، ظهرت صورة الرجل                             الحكيم الحريص على تربية أبنائه وتعليمهم وعلى تنمية ما يتفق مع                       ميولهم واستعداداتهم وإحضار المربين والمعلمين لهم لتنفيذ ذلك . أيضًا               ظهرت شخصية زوجة أخى السلطان بصورة المرأة الحكيمة العاقلة القادرة              على التصرف على أساس سليم وتفكير واعٍ ، فكانت سيدة حريصة على                     توفير أفضل مستقبل لابنتها لذا كانت تقول فى ثقة : " كل من فى القصر               حريص على الأخلاق الفاضلة مع الاهتمام بتحصيل العلم والثقافة وتنمية               تذوق الفنون والآداب " ... أيضًا كانت هناك شخصية الرجل الحكيم" إيسوب "  فى قصة " حكاية  رادوبيس " ، رغم أنه من العبيد ، لكنه كان حكيمًا يجيد فن               التفكير السليم والقدرة على فهم الآخرين .
- تقدير العلم والعلماء
أما العنصر الثانى للقيم العلمية والنظرية فهو تقدير العلم والعلماء ،               وتعنى هذه القيمة الاهتمام بالتعليم - الكشف العلمى - الاهتمام بالتفكير            العلمى - البحث عن المعلومات - عرض حياة وأعمال العلماء والمفكرين فى كافة المجالات ومكانتهم فى المجتمع - نبذ الخرافات والأوهام .
لقد انتصر الكاتب للعلم والمعرفة وحارب الخرافات والأوهام - وذلك من خلال قصة " الفرس المسحورة " - التى كانت تسيطر فى الأزمان السابقة على عقول العديد من البشر ، فكانوا يؤمنون بإمكانية تحويل معدن رخيص كالنحاس إلى الذهب ، والتى جعلت العديد من البشر يتقاتلون فى سبيل ذلك . ولقد أمكن للكاتب أن يلغيها من عقل بطلنا " حسن " بشكل تدريجى ومنطقى خلال أحداث القصة المتصاعدة ، التى أوصلتنا جميعًا إلى حقيقة أن العمل والجهد والعرق               وراء كل تقدم فى هذا العالم . كما أدخل العديد من المصطلحات العلمية الحديثة فى ثنايا الحكى ليتعرف عليها الطفل كالكيمياء والسبائك والتحولات الكيميائية من النحاس إلى الذهب .
كما أشار الكاتب إلى الفَرس الجنية فى إشارة منه إلى قوة العلم والتقدم    العلمى ... ويظهر أن العلم هو دائمًا فى المقدمة وأن العقل هو البطل الحقيقى الذى استطاع به البطل تخطى الصعاب التى واجهته .
كما تناول الكاتب فكرة الخرافات والتنجيم والأوهام والادعاءات من خلال قصة " عصفور وجرادة " وعدم تصديق مثل هذه الأفكار .
كما يُظْهِر الكاتب فى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " دور العلماء العرب ومدى قدرتهم على الإنجازات العلمية المختلفة والاختراعات والاكتشافات ، من خلال اختراع الأمير الأكبر للحصان المسحور الذى يطير فى السماء .
كما يؤكد الكاتب فى قصة " معروف فى بلاد الفلوس " ، على أهمية العلم  وتقدير العلماء .. يقول بطل القصة : " لابد من تقدير الفن والثقافة والعلم والعلماء               وليس الاهتمام بالمال والأرقام فقط " .
كما تظهر فى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، قيمة التفكير العلمى ، وتندرج تحت هذه " القيمة الأم " إذا جازت التسمية ، مجموعة أخرى من القيم                العلمية تساعدها على البروز وتنبثق منها أيضـًـا وهى : إعمال العقل والتفكير               السليم ، واتخاذ الموقف المناسب فى الوقت المناسب بموضوعية ومهارة ، والاستغلال الأمثل للمعرفة المسبقة والخبرات الماضية بذكاء يسهم فى                       تشكيل هذه القيمة .
وإذا كان من الجدير أن نذكر بأن للتفكير العلمى خطواته المعروفة ،            فإن الكاتب يعترف أنه لم يقصد ذلك أثناء السرد ولم يهدف إليه ، مما يؤكد على براعة عفوية السرد وتلقائيته وبذلك يصبح أكثر مصداقية .

وفى هذا الصدد نود أن نذكر أن خطوات التفكير العلمى هى الإحساس بالمشكلة ، ثم التساؤلات التى تعتبر بمثابة فروض الحل ، ثم اختبار  صحة           الفروض ، ثم تجريب الفرض حتى نضع أيدينا على الحل المناسب .. فالكاتب هنا يراعى إبراز هذه القيمة التربوية العلمية منذ بداية تحديد المشكلة باختفاء                 " سعيد " وحتى نهاية العثور عليه ، وما بين الاختفاء والعثور عليه تظهر سلسلة أخرى من الأحداث تمثل فى مجملها مجموعة أخرى جديدة من المشكلات الفرعية ، ونجد أن الكاتب قد حلها بنفس الأسلوب وهو أسلوب التفكير العلمى ، فعلى سبيل المثال مشكلة طبيعة الحفرة أو السرداب ، ووجود الضبع بالقرب منها، ثم داخل المقبرة وكيفية الدخول والخروج منها .. فالبطل بإزاء مجموعة من المشكلات متسلسلة كل واحدة تؤدى للأخرى ، فيعود محاولاً حلها عبر افتراضات أو تساؤلات حتى يصل إلى استنتاج سليم بعــد التجريــب للفــرض .. وهكــذا يظــل
السرد قائمًا على هذا النحو حتى العثور على المقبرة والكنز والصديق . (1)

وأيضـًـا فى قصص " ألف حكاية وحكاية " يشغل العلم مساحة كبيرة فيها ، حيث نرى توصُّل العلم إلى زراعة النباتات التقليدية فى المناطق الرملية التى تندر فيها المياه ، وفى مدينة ديزنى يقص الكاتب حكاية منطقة حافلة بالأنابيب وقد ترعرعت من ثقوب فيها أوراق " الخس والفلفل الأخضر والأحمر " ..                      إنها الزراعة بغير أرض وفيها تستمد النباتات الغذاء من المواد الذائبة فى الماء الذى يدور فى الأنابيب .

ويصل بنا الكاتب إلى ما يسمى " بالزراعة الفضائية " ، تمهيدًا لأن يحصل سكان مدن الفضاء فى المستقبل على ما يحتاجون إليه من غذاء . ويختتم الكاتب مشاهدته بقوله : عندئذٍ يجد سكان الأرض كلهم ما يفيض عن حاجتهم من طعام وغذاء .. ثم نتابع حكايات علمية كثيرة عما وصل إليه العلم من ابتكارات واختراعات . (2)

وقد ظهرت قيمة التفكير العلمى فى بعض قصص " ألف حكاية وحكاية " ،                مثل قصة " لهب الشمعة " .

يقول الكاتب إن أحد الأطفال سأله :

" قد يبدو سؤالى غريبًا ، لكنه حيرنى كثيرًا ، فعندما تكون الشمعة موقدة يكون لهبها متجهًا إلى أعلى ، وعندما أدير الشمعة إلى أسفل فإننى أجد اللهب يعود ويتجه أيضًا إلى أعلى ، فما هو السر فى ذلك ؟ وقبل أن أجيب ، توقفت لحظة ، لقد ملأنى الإعجاب بهذا الفتى الذى يلاحظ فيتقن الملاحظة ويقوم بالتجربة ، ثم يرصد نتائجها ، وبعدها يسأل الأسئلة ثم يبحث عن الإجابات " .

أيضـًـا فى قصة " المفاتيح والتفكير الإبداعى " ، يقول الكاتب عندما سقطت المفاتيح فى حفرة كبيرة : " تقدم إلينا فتى فى التاسعة من عمره خرج من دكان نجار مجاور ومعه قطعة حديد كبيرة على شكل حدوة حصان وقال : اربطوا هذا المغناطيس بحبل وأنزلوه فــى الحفــرة واجعلــوه يمــر على قاعهــا ثم انتظــروا

( 1 ) أميمة منير جادو ، سر الاختفاء العجيب .. الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة ، 2003 .
( 2 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
النتيجة ، وبعد دقائق تم جذب المغناطيس وكانت المفاتيح عالقة به " .

وهنا لابد أن نشير إلى أهمية القصص والروايات المكتوبة للأطفال التى تتنبأ بأحداث أو مواقف أو مجتمعات علمية محتملة فى الحاضر أو المستقبل ، فى الأرض برًّا وبحرًا وجوًّا وفى الفضاء الخارجى ، انطلاقًا من حقائق أو فرضيات علمية معروفة فى الحاضر ، مما يمكن أن نطلق عليها " قصص الخيال العلمى " ، وهى قصص لها وظيفة مهمة مثل : التثقيف العلمى - التذوق العلمى - تجريد الخيال وتنميته " . (1)

المعرفة

أما العنصر الثالث من عناصر القيم العلمية والنظرية فهو المعرفة ، ووسيلتها الأساسية هى الكتاب ، وتشمل المعارف التاريخية ، الجغرافية ، العلمية . وقد ظهرت هذه القيم فى العديد من قصص الأستاذ يعقوب الشارونى ، نذكر منها على سبيل المثال : قصة " حكاية طارق وعلاء " ، حيث تأتى المعلومة فى سياق الحكى ، فقد عرف الطفل من خلال هذه القصة مجموعة من المعلومات المهمة ، أهمها مَنْ          هم الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة .

وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، يعرف الطفل الكثير من المعلومات عن الانتماء للوطن ، وعن الآثار باعتبارها ثروة قومية ، وعن القدماء المصريين وكيف كانوا يشيدون مقابرهم وعن إيمانهم بأن الميت يعود ثانية للحياة ... ومعلومات أخرى يقدمها الكاتب دون إقحام .

وفى قصة " البئر العجيبة " من كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، يعرف الطفل أن الاحمرار فى العين مرض لكنه جمال فى الوجنتين ، واصفرار الشعر جمال على عكس بياضه . كما يتعرف على أدوات الفارس التى كان يخوض بها الحرب كالدرع والسيف والقوس والسهم فى حكاية الأمير الجبان . أيضًا يتعرف على شموخ النخل وثمره الناضج وثمره الأخضر غير الناضج ، والورد وضرورة الاعتناء به ، وغيرها من المعلومات غير المُقحمة ، لكن تم توظيفها بشكل فنى لتغذية الطفل برصيد معرفى متميز .

( 1 ) سمر روحى الفيصل ، أدب الأطفال وثقافتهم ، قراءة نقدية ، مطبعة اتحاد الكتاب العرب - دمشق ، 1998 .
وفى قصة " عصفور وجرادة " ، يعرف الطفل معنى كلمة إسكافى : مهنة يعمل صاحبها فى إصلاح الأحذية .

المنجم : شخص يتطلع للنجوم فى السماء ثم يتنبأ بما سيحدث فى المستقبل .

وفى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، يتعرف الطفل على الكثير من المعلومات المهمة منها أهمية نهر النيل فى حياتنا ومظاهر تلوث النيل وأضراره وفوائد السد العالى .

أما قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، فيذكر الكاتب بعض المعلومات المهمة ، مثلاً أن من يقودون السفن لديهم مناظير صغيرة لرؤية ما قد يعترض سفنهم فى البحر مثل جبال الجليد أو الجزر الصخرية الصغيرة ومشاهدة السفن التى                قد تقترب منهم .

وفى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، يذكر الكاتب بعض المعلومات عن أهمية الشجرة ليعرف الطفل مدى أهمية الشجرة فى حياتنا ، فهى تنشر الظل والهواء الرطب على تلاميذ المدارس وهم يلعبون تحتها أو وهم قادمون من بيوتهم أو عائدون من المدرسة .

أما فى قصة " حكاية رادوبيس " ، فيقدم الكاتب بعض المعلومات عن عصر الفراعنة وكيف تعرضت مصر منذ ستمائة سنة قبل الميلاد لهجمات الفرس .

3 - القيم الدينية والأخلاقية :

تعبر هذه القيم عن مجموعة المبادئ أو القيم التى تحث عليها الأديان ، فيستمد كل مجتمع قيمه الأخلاقية وقواعد سلوكه من الأديان السائدة فيه ، فالدين يضم مجموعة قواعد وقوانين تنظم سلوك وتصرفات الفرد فى نواحى الحياة .. ومن هذا المنطلق يجب على القائمين بالتربية أن يجعلوا من التربية الدينية المحور الأساسى والقوة الدافعة للتربية الأخلاقية بوجه عام .

فإذا أردنا أن نساهم بأدب الأطفال فى تشكيل الوجدان لدى الطفل ، فيجب أن نعرض للآداب والسلوكيــات الدينيــة من خــلال القصص المؤثــرة والتى
تتعرض للبطولات والنماذج الفريدة والقوى المحركة لما فى الحياة من أنشطة ، ونجسد له فضائل الصدق وحب الخير تجسيدًا واضحًا بعيدًا عن التجريدات التى يصعب فهمها على الطفل . (1)

ومن عناصر القيم الدينية والأخلاقية :

- الإيمان بقدرة الله ورحمته وشكره على نعمه

وتشمل هذه القيمة التأمل فى خلق الله وقدرته ورحمته ، وشكره على نعمه . وقد ظهرت فى بعض قصص الأستاذ الشارونى مثل قصة " عفاريت نصف الليل " ، يقول الكاتب : صاح " حسين " وقال : " الحمد لله لقد تحسنت صحة والدتى ،             إن شاء الله يكون المولود ذا شجاعة ورجولة " .

أيضًا فى كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، القصة الثالثة " هدايا فيروز " ، توضح القصة فضل الله على الإنسان ، فالرزق والخير من الله ، تقول زوجة " شعبان " عندما وجدت الماسة الثمينة : " لقد أعطانا الله خيرًا فالرزق من عند الله ..                 إذا كانت هذه الماسة حقيقية فإنها تكون كنزًا ثمينًا رزقنا الله به " . كما تقول السيدة العجوز : " سيرزقكما الله بالمولود الذى تشتاقان إليه .. من يعطِ الآخرين يُعطِه الله خيرًا " .

وفى قصة " عصفور وجرادة " تقول جرادة لزوجها عصفور : " ثق بالله وتوكل على الله " ، فنجد ، الكاتب يُـعَرِّف الطفل بقيمة مهمة هى الإيمان بقدرة               الله ورحمته ، وأن الخير والرزق من الله ، كما يعلمه شكر الله دائمًا على نعمه ، فمن يشكر الله يزده الله من نعيمه .

وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " يقول الكاتب : كان " عبدالله البرى " يشكر الله على نعمه ويثق بأن الرزق والخير من عند الله ، فيقول : " أنا واثق أنه سيأتى يوم يعطينى أضعاف ما أتمنى ، وأن فرج الله قريب ، وأن الله لا يترك أبدًا عباده الصالحين " ، وعندما رُزق بثروة طائلة ثمينة قال : " سبحان الله الرزاق الوهاب يعطى من يشاء بغير حساب " .


( 1 ) نجيب الكيلانى ، أدب الأطفال فى ضوء الإسلام ، بيروت مؤسسة الرسالة ، 1990 ، صـ 109 .
وفى قصة " دادة حميدة " من حكايات ألف حكاية وحكاية تقول : " إنى دائمًا متفائلة لأنى أثق فى قدرة الله سبحانه وتعالى .. فثقتى بالله كبيرة والله عز وجل لن يتركنى أحتاج أبدًا " ، وهذا هو سر تفاؤل دادة " حميدة " الذى كانت تتمتع به دائمًا .

أيضـًـا تظهر قيمة الإيمان بالله وحمده فى قصة " سر الاختفاء العجيب "                يقول الكاتب : " وظهرت ابتسامة شاحبة على وجه سعيد وقال : الحمد لله ،  وتعانق الصديقان ( محمود وسعيد ) فى فرحة عظيمة وهما يهتفان : الحمد لله ،  لقد نجونا " .

- الوفاء

وتـُـعبر هذه القيمة عن  الوفاء بين الأصدقاء والناس جميعًا - تحقيق الوعود - الاعتراف بالجميل ورد المعروف .

وقد ظهرت هذه القيمة فى قصة " حكاية طارق وعلاء " : " رفض طارق أن يأكل أو ينام إلا بعد أن يطمئن على صديقه " علاء " فظل مهمومًا بحال صديقه " ، فهنا يُظهِر الكاتب قيمة الوفاء ، وكيف أن الصديق الحق هو من يكون مهمومًا بصديقه . وظل طارق هكذا إلى أن اطمأن على صديقه " .

وفى رواية " تائه فى القناة " ، تظهر قيمة الوفاء بين الناس جميعًا ..                فعندما : " وضع " حمدى بك " السوط بين يدى مندور وقال له : اجلد الشيخ                " مخلوف " عشرين جلدة لكى يتعلم كيف يجيد الحراسة ، ورفع " مندور "                يده بالكرباج ، لكنه فى تلك اللحظة تردد .. أحس كأن الشلل أصاب                   ذراعه ، وتذكر أن الشيخ " مخلوف " هو قبل كل شىء شيخ بلدته شارونة ..            قريته " ، فتظهر هنا قيمة الوفاء وعدم الاشتراك فى أذى أى إنسان ، فكيف يؤذى " مندور " أهل قريته ؟

وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، تظهر قيمة الوفاء بالوعد . يقول الكاتب : " لقد أجاب " عبد الله البحرى " وقال : لم أكن أتوقع أن تحافظ على وعدك وميعادك بهذه الدقة " . كما قال " عبد الله البرى " : لابد أن أحرص على كتمان سر علاقتى " بعبد الله البحرى " تنفيذًا للوعد الذى قطعته على نفسى " .
كما ظهرت هذه القيمة فى قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ،                ففى قصة " جميل وجميلة " تـُـظهِر القصة قيمة الوفاء بالوعد ، عندما طلب الغول من              " جميلة " أن تذهب معه فى نزهة على ظهر الحصان . يقول الكاتب : " لحرص               " جميلة " على الوفاء  بوعدها ، خرجت بسرعة وركبت الحصان خلف الغول " .

وقصة " البئر العجيبة " تـُـظهِر أيضـًـا قيمة الوفاء بالوعد ، عندما طلبت                  " أمينة " من السيدة العجوز العودة إلى أهلها ، فقالت السيدة العجوز : " يسرنى أنك ترغبين فى العودة لأهلك يا " أمينة " .. إن هذا وفاء منك لهم ، وما أجمل الوفاء للأهل وللأصدقاء، كما كنتِ وفية لعشرتى وأمينة على خدمتى " .

وفى قصة " النهر والقناة " إحدى قصص ألف حكاية وحكاية ، تأتى قيمة الوفاء  بالوعد فى ثنايا الحوار ، والوفاء بالوعد يصدر عن الإنسان العاقل الواعى بأهمية الوفاء ، ففى هذه القصة الجميلة علاقة بالغة التميز بين المنبع والمصب والقمة والقاع .. فلكلٍّ دوره . تتأثر عملية الرى عند تعطل أى منها ، فالنهر لا يبخل                 بمائه .. فهو يمنحه للقناة وتتولى القناة مهمة توصيله للأرض كى ترتوى فقد طال اشتياقها للماء . فالأرض تهتف : " سيموت الزرع .. هيا يا قناة أسرعى بالمياه " ، والقناة صاحت بالنهر : " أيها النهر القاسى ، كيف تضعنى فى هذا الموقف الحرج فأبدو كمن أخلفَ وعده لأصدقائه ؟!! " (1)

- العدل

تعبر هذه القيمة عن المساواة ، العدل فى إصدار الأحكام ، عدم التحيز لشىء معين ، إعطاء كل ذى حق حقه ، دفع الظلم ، الإيمان بعدالة الله .

ففى قصة "هدايا فيروز " من قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، تقول " فيروز "   لوالدها : " وليس من العدل يا أبى أن أعيش فى هذا النعيم وأتمتع بالراحة والسعادة وتعيش أنت وأمى فى فقر وتعب " .

وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، يقول الكاتب : " أصبح " عبد الله البحرى " مستشارًا للسلطان يعاونه فى الحكم بالعدل بين الناس " .


( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع سابق .
كما تتضمن هذه القيمة فكرة انتصار الخير على الشر . ففى قصة " هدايا           فيروز " ، انتصر الخير فى النهاية على الشر .

أيضًا فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، يُظهِر الكاتب أيضـًـا كيف انتصر               الخير ، ويؤكد للطفل على حقيقة مهمة وهى : " على الخير أن يدافع عن نفسه إلى  النهاية ، فهذه هى قوة الإنسان الحقيقية " .

- الصدق

هناك طريق واحد للصدق ، هو أن يقول الإنسان الحق . وهو من أهم الأسس التى تـُـبنـَـى عليها المجتمعات المتحضرة ، ولولاه ما وُجد مجتمع متقدم وناجح ، لأن الصدق ميزان العدل ، ولولاه لانتشر الظلم وعم الفساد المجتمع .

وقد حرص الكاتب على توضيح قيمة الصدق التى تؤدى إلى حب واحترام وتقدير الآخرين ، أما نقيض هذه القيمة ( الكذب ) ، فيؤدى إلى الخوف وعدم الأمان وتعرض الإنسان للأذى والعقاب .

وقد ظهرت هذه القيمة من خلال قصة " أنا التى كسرتها " إحدى قصص                          " ثلاث حكايات عن الشجاعة " ، من كتاب " رجل السيرك وقصص أخرى " من سلسلة مكتبتى الصادرة عن دار المعارف ، عندما قال " جمال " الحقيقة والصدق لوالدته ، وأنه هو المتسبب فى كسر الزهرية وليست الشغالة ، وبالتالى كان سببًا فى إنقاذها من ظلم كبير كان سيقع عليها .

ثم أوضح الكاتب أن قول الصدق يبعد الأذى والشر عن الإنسان ، وذلك فى قصته " عصفور وجرادة " ، عندما ذهب السلطان إلى بيت عصفور وجرادة وفتحت له جرادة فقال لها السلطان : " أيتها المرأة أجيبى عن سؤالى وقولى الصدق .. أليس الشيخ عصفور هنا ؟ " فقالت له الحقيقة والصدق حتى تـُـبعِد أذى السلطان عنها .

وفى نهاية القصة يوضح الكاتب أن الكذب والخداع لا يؤديان إلى سعادة الإنسان ، بل يشعر الإنسان الكاذب دائمًا بالخوف وعدم الأمان ، ويكون دائمًا عرضة للأذى والعقاب . فبالرغم من حصول عصفور على المال ونجاحه وانتصاره على منافسيه ،  لكنه لم يكن سعيدًا لأنه كاذب ومخادع . يقول الكاتب : " انتشر خبر نجاح عصفور وانتصاره على منافسيه هذا الانتصار الكبير ، لكن عصفور لم يسعد بهذا الانتصار لأنه كان يعرف أنه إنسان كاذب ومخادع ونصب على الجميع " .

وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، تظهر قيمة الصدق أيضـًـا ، وكانت هى أساس العلاقة القوية بين " عبد الله البرى وعبد الله البحرى " ، وقد ربط الكاتب بين هذه القيمة وقيمة الأمانة ، فالشخص الصادق هو شخص أمين .. يقول الكاتب :

" تأكد " عبدالله البرى " أن " عبد الله البحرى " شخص صادق وأمين " .

4 -  القيم الاقتصادية :

- العمل

تعبر هذه القيمة عن حب العمل وإتقانه والإخلاص فيه . وترجع عناية كُـتـَّـاب أدب الطفل بذلك العنصر إلى أن عوامل الإنتاج والتوزيع والعمل عوامل رئيسية فى حياة الأفراد ، وعلاقات بعضهم ببعض ، فلا يمكن لكائن أن ينكر                   ما للاقتصاد من أهمية فى توجيه سلوك الأفراد . فمن أجل أن يحيا الإنسان لابد أن يأكل وحتى يأكل لابد أن يعمل . (1)

وقد نجح  أ / يعقوب الشارونى فى تصوير أهمية العمل فى حياة الإنسان ، ومدى السعادة التى يعيشها الإنسان عندما يشعر بنتاج عمل يده ، مما يحبب الطفل فى العمل حتى يجنى ثمرات جهده ولا يصبح عالة على مجتمعه .

وقد ظهرت قيمة العمل فى قصة " قليل من الراحة فوق السلالم " ، فكان الصبى يعمل للإنفاق على أسرته رغم صعوبة هذا العمل ، لكنه كان يتحمله من أجل أن يعيش .

أيضًا فى قصة " هدايا فيروز " من قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، يوضح الكاتب حرص بطل القصة على العمل ، رغم صعوبته ومشقته ، فهذا العمل يُشعره بالسعادة من أجل تحقيق الرخاء والرفاهية والعيش الكريم .

( 1 ) أحمد جمال طاهر ، نظريات فى العلاقات العامة ، دار الشروق ، 1987 ، صـ 134 .
يقول الكاتب : " كان الرجل يخرج كل يوم يبحث عن الملح بين الصخور وفى كهوفه ، وظل شعبان يعمل رغم أنه يجد مشقة فى العثور على               الملح " .

وفى قصة " البئر العجيبة " كانت " أمينة " تساعد أمها دائمًا فى كل عمل ، كانت تُنظف البيت ، تصنع الزبد والجبن ، تخبز الخبز ، تغزل الصوف ، وعندما ذهبت لتعيش مع السيدة العجوز كانت فى غاية النشاط والاجتهاد فى عملها ، لذلك كانت مكافأتها كبيرة ، فقد أهدتها السيدة العجوز ذهبًا كثيرًا ، أما " جميلة " الفتاة الكسولة فكانت تتهرب من أى عمل .. وعندما ذهبت لتعيش مع السيدة العجوز كانت فى غاية الكسل والإهمال ، لذلك كانت مكافأتها الصبغة السوداء التى غطت وجهها .

فهنا عرض الكاتب لصورتين متناقضتين : صورة الفتاة الإيجابية التى تعمل بجد ونشاط وكيف كانت نظرة الآخرين لها وكيف كان جزاؤها . والصورة الثانية للفتاة السلبية الكسولة وكيف كانت نظرة الآخرين لها وكيف كان عقابها ، حتى يتعلم الطفل أن الجزاء من جنس العمل ، فمن يعمل ويجتهد كيف تكون مكافأته ، أما من يهمل ولا يعمل فكيف يكون جزاؤه .

ويؤكد الكاتب هنا على قيمة العمل . فالإنسان الذى يعمل يشعر بالسعادة ، فهو يشعر بقيمته ، وبأنه يقوم بعمل لا ينفعه وحده لكنه يعود بالنفع المثمر على المجتمع الذى يعيش فيه ، وأن الإخلاص والاجتهاد فى العمل الطريق للوصول إلى أعلى المراكز .

وفى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، تظهر قيمة العمل والإنتاج .                يقول الكاتب : " كل الملابس التى يرتديها سلطاننا من صنع أيدينا ، ويعمل كل صانع على الارتفاع بمستوى صناعته ويجتهد ليبتكر الجديد فى مجال عمله " .  كما يُظهِر الكاتب قيمة العمل فى توفير كل متطلبات ومستلزمات الإنسان ، أيضًا ضرورة  التشجيع على العمل والإنتاج ، يقول الكاتب : " إذا سألت فلاحًا أجاب :  " سلطاننا دائم التشجيع لمن ينتج أفضل المحصولات  أو أكثر الإنتاج " ، لذلك وجد كل فرد من أبناء الشعب ما يكفيه من طعام متنوع ، بل نبيع ما يفيض عن حاجتنا للتجار من كل البلاد " .
كما أكد الكاتب على قيمة العمل من خلال قصة " الجائزة وأنياب النمر " ، يقول الدب : النحل يعمل بغير توقف ساعات طويلة كل يوم ليقدم لنا عسل              النحل .. ويقول القرد : دودة القز تقدم خيوط الحرير التى نصنع منها أرق الأقمشة وأجمل الملابس .. ويقول الحمار الوحشى : البقرة تقدم أكبر كميات من اللبن ، واللبن أفضل غذاء لكل الحيوانات .. ورغم عدم فوز النحل أو دودة القز أو البقرة بجائزة أفضل إنتاج أو أكبر مجهود مفيد التى خصصها الفيل " فقد ظل النحل يعمل بغير توقف ليقدم أفضل طعام ، وظلت دودة الحرير تعمل بكل همة لتقدم أفضل أنواع الخيوط ، وظل البقر يعمل دون شكوى ليقدم أفضل غذاء للأطفال والكبار " ، لأن العمل يمثل قيمة فى حد ذاته وليس من أجل الحصول على جائزة .

- المحافظة على الممتلكات العامة

تتضمن هذه القيمة المحافظة على الممتلكات العامة مثل المؤسسات التى نتعامل معها ، وسائل النقل ، المرافق ، وكذلك ما يعتبر ملكية عامة ، لابد من الحفاظ عليها للاستفادة الجماعية منها ، ومن أهمها نهر النيل .

ففى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، تظهر قيمة المحافظة على الممتلكات العامة ، وهى هنا الشجرة : " فاندفعت زهرة مع الأطفال للدفاع عن الشجرة ، قالت " زهرة " تؤكد فى تصميم : سنبقى حول الشجرة نحميها من أى اعتداء " .

أيضـًـا ضرورة المحافظة على مياه النيل فمن خلال قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، أوضح الكاتب أن النيل رمز الحياة وهو ملك لنا جميعًا ، لذلك لابد من الحفاظ عليه ، وأن نتجنب أسباب تلوثه .

وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، يُظهِر الكاتب أهمية آثارنا فهى ملك لنا ، لذلك لابد أن نحميها ونحافظ عليها لأنها تراثنا الذى يعبر عن تاريخنا .

5 - القيم الوطنية والسياسية :

تعبر هذه القيمة عن حب الوطن والانتماء إليه ، واهتمام الفرد بالسياسة والعمل السياسى ، والروح القيادية والزعامة .
" فالعدوان لا يفرق بين كبير وصغير .. فعندما يوجه الجندى الإسرائيلى الضربة إلى الطفل الفلسطينى فإنه يقصده تمامًا ، وعندما يموت ملايين                   الأطفال فى العراق الحبيب فإن الذين دبروا حصار العراق يقصدون ذلك               تمامًا . وفى ظل اجتياح العدو لأوطاننا يجد الطفل نفسه وجهًا لوجه أمام العدوان . ومن هنا لابد أن يُـعَرِّف أدبنا العربى وخاصة أدب الطفل طفلنا ما يمكن أن              يقابله من مخاطر وتحديات ، ومن هنا يجب ألا نعزل الطفل عن واقعه ، كما يجب أن يعرف تاريخه ، والقصة التى يحبها الطفل يمكن أن تكون همزة الوصل فى  هذا الشأن " . (1)

وقد اهتم أ / يعقوب الشارونى بهذه القيم ، ففى قصة " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل" من كتاب حكاية " طارق وعلاء " والصادرة عن دار المعارف ، يتعرف الطفل على مفهوم المقاومة ، ومن يقاوم ، ولماذا يقاوم ، فيعرف الطفل من خلال بطل القصة " فتحى " كيف يقاوم . يذكر الكاتب كيف قاوم هذا الطفل الاحتلال الإنجليزى عن طريق نزع البريزة الكهربائية الرئيسية الخاصة بالمدرسة فى يوم عودة مدير المدرسة الإنجليزى وزوجته بعد رحلة شهر العسل . كما وضح الكاتب المظاهرات التى كان يقوم بها طلاب المدارس الثانوية ضد الإنجليز كنوع من المقاومة ورفض العدوان . وفى نهاية القصة يقول البطل : " من حقنا الآن أن نقول إننا شاركنا فى مقاومة الوجود الإنجليزى ونحن لا نزال نرتدى البنطلون                   القصير " .

كما ظهرت هذه القيمة أيضـًـا فى قصة " عصفور وجرادة " من قصص                  كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، فيوضح الكاتب قيمة حب الوطن ، وكيف يرتبط الإنسان بوطنه ويحبه ويعترف بفضله وخيره .. تقول جرادة لزوجها عصفور :                      " و الله لا أتحرك من هذا البلد الذى أتانا منه كل هذا الخير " .

كما تظهر قيمة حب الوطن والانتماء إليه والحفاظ على تراثه من خلال قصة " سر الاختفاء العجيب " ، فيظهر حب " محمود وسعيد " للآثار ، فكما يقول بطل القصة : " قيمة هذه الآثار الفنية والتاريخية تتجاوز ثمن ما بها من ذهب آلاف المرات .. إن هذه الآثار الرائعة ثــروة قوميــة وليســت ملكًا لأى شخــص ، بل هــى

( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع سابق .
ملك لبلدنا مصر ينبغى أن نحافظ عليها ونسلمها لرجال الآثار ليرى العالم عظمة الحضارة المصرية " .

وفى قصة " بلح الشاطر حسن " تظهر قيمة سياسية مهمة ، هى محاربة المستبد من خلال شخصية الأميرة المستبدة التى تحاول أن تفرض رأيها بالقوة وتتحكم فى  الآخرين . ومن خلال أحداث القصة يعرف الطفل أن الشخص المستبد لابد أن يُعاقَب وتكون نهايته من جزاء أفعاله واستبداده . وفى النهاية استطاع " الشاطر حسن " أن يجعلها تخضع لنفوذ الخير بعد ما سلب منها الجمال والنفوذ بأكلها من البلح الأصفر الذى أخرج لها قرنـًـا فى رأسها ، وأعطاها الدواء وهو ميزان الخير فى القضية المطروحة ، فلا نستغل معطيات النفوذ من جمال وقوة وغيرهما فى البطش والشر ولكن نستغلها فى الخير .

كما ظهرت هذه القيمة أيضًا من خلال قصة " الجائزة وأنياب النمر " ،                      فى محاولة من الكاتب أن يقدم للطفل ضرورة احترام رأى الآخرين                               " فالاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية " ، وضرورة عدم فرض الرأى بالقوة              من خلال عالم الحيوانات . فيقول الكاتب : عندما رُشـِّـح النمر للفوز بالجائزة               بغير حق : " بدأت همسات الاحتجاج ترتفع من الدب والقرد والحمار الوحشى .. لكن النمر كشر عن أنيابه ونهض على قائمتيه الأماميتين وضرب الأرض بذيله ، فسكتت الهمسات كلها " . فهنا إشارة إلى انتهاء الموقف وفرض الرأى بالقوة لفوز النمر بالجائزة .

وفى قصة " ابحث لك عن مكان آخر " ، يحاول الكاتب أن يعلم الطفل ويغرس فيه حب الوطن والأرض والدفاع عنهما من خلال قصة تدور فى عالم الحيوانات . فعندما طلب البغل من الحصان أن يُـفْسِح له الطريق لكى يمر ، وبعد أن تحرك الحصان من مكانه وقف البغل مكان الحصان وأخذ يأكل أكله وهو يقول له                  " ابحث لك عن مكان آخر " ، فهنا يتعلم الطفل أنه إذا سمح للآخرين أن يمروا فقد لا يكون هدفهم إلا احتلال المكان ، فيتعلم أنه لابد من أن يدافع عن مكانه وأرضه ضد أى احتلال .

وفى قصة " فوق الرمال " ، ومن خلال نجاح سمكة التونة فى أن تدفع خصمها إلى الهلاك ، نتعلم كيفية المقاومة . فقد انطلقـت سمكة مـن أسمــاك القــرش خلــف
سمكة من أسماك التونة تطاردها وتريد أن تقضى عليها ، لكن سمكة التونة كانت تسبح بسرعة وقوة حتى وصلت إلى الشاطئ وماتتا فوقه معًا ، لتؤكد التونة لسمكة القرش قولها : " لو عرف المعتدى أن عدوانه كثيرًا ما يقضى عليه هو نفسه ، لتردد ألف مرة قبل أن يرتكب الشر " . (1)

كما ظهرت قيمة حب الوطن والانتماء إليه والاهتمام بمعرفة تاريخ الوطن والفخر بهذا التاريخ من خلال قصة " حكاية رادوبيس " .

يقول الكاتب : " إن مصر منذ 600 سنة قبل الميلاد كانت معرضة لهجمات الفرس . لكن حاكم مصر الملك " أمازيس " كان يصدهم بجيش قوى من المصريين يعاونهم عدد كبير من اليونانيين . وبعد معركة كبيرة نجح الجيش المصرى فى هزيمة الأعداء وطردهم خارج البلاد ، لكن والد بطلة القصة فقد الحياة قبل أن يصل إلى كهنة هليوبوليس ( عين شمس ) قرب منف ، وهم أمهر الأطباء فى مصر بل فى الدنيا " .

6 - القيم الجمالية :

تعبر هذه القيم عن اهتمام الفرد وميله إلى ما هو جميل من ناحية الشكل والتوافق ، وتشمل المتعة والسرور الذى ينبعث من مناظر أو أصوات : موسيقى ، شعر ، لون ، إيقاع ، حركة رشيقة ، جمال الطبيعة .

تقول د . وفاء إبراهيم :

" إذا كان الوعى الجمالى هو النمو المتزايد نحو الكشف الدائم عن الوحدة فى الاختلاف ، فى المتناقضات ، فى المتعارضات ، كذلك هو المقترح لمجموعات متنوعة من الحلول أمام العقل الذى يختار فى الأغلب أحد الحلول ، فإنه بذلك يغرس احترام الرأى الآخر ومعتقداته ، ويبتعد ذو الوعى الجمالى عن التعصب والتشدد ، كذلك يجعل الوعى الجمالى صاحبه يبحث  دائمًا عن زوايا جديدة للرؤية فيتجنب الجمود ، وأيضـًـا عن جوانب ومستويات متعددة من التفكير ، فيتحرر من أحادية النظرة العقلية التى تعوق التقدم وتغلق طريـق التبـادل


( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع سابق .

والحوار الإنسـانى على أرض يملؤها الاحترام والفهم المتبادل وأيضـًـا التسامح والتقدير " . (1)

وقد ظهرت هذه القيمة فى بعض قصص أ / يعقوب الشارونى ، مثل                     قصة " البداية مع قطعة شيكولاتة " ، فقد اهتم الكاتب بالقيمة الجمالية ودعمها عند الطفل ، عندما طلب والد " علاء " من زميل ابنه " مصطفى " أن يقوم بتشكيل المكعبات البلاستيك التى كان يراها لأول مرة فى حياته . وقد قام " مصطفى " بعمل تكوين لم يشبه شيئـًـا فى الطبيعة لكنه جميل وأُعجب به والد " علاء " ، وقدم " لمصطفى " مكافأة له عبارة عن قطعة شيكولاتة .
                                                                           
وفى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، يُـظهِـر الكاتب أهمية الجمال فى كل شىء وضرورة أن يرى الطفل الأشكال الجميلة .. فقد عرض الكاتب لنماذج من العمارة والنقوش الفرعونية الجميلة .. المسلة الفرعونية ، فقال : " انظروا إلى الأعمدة تحمل سقفها .. لكل عمود تاج يشبه زهرة اللوتس المتفتحة ، مزخرفة برسوم فرعونية على شكل طيور وغزلان ، وازدانت كلها بالورود وأغصان الأشجار والأوراق الملونة " .

وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " ، يقول الكاتب : " أشارت البومة المصرية إلى صبى من الرعاة يجلس عند جذع شجرة السنط ، يعزف على ناى من الغاب فيملأ الجو بنغماته الحلوة " . فهنا يحرص الكاتب على إحساس الطفل بالمتعة والسرور عند سماع الإيقاع والموسيقى التى هى غذاء للعقل والروح والقلب .                                                    

وفى قصة " حكاية رادوبيس " ، يُـظهِـر الكاتب قيمة الجمال فيقول : " كانت تلك الفتاة شديدة الذكاء رائعة الجمال ، ومن هنا اكتسبت اسمها " رادوبيس " ، وهى كلمة يونانية معناها ذات الوجنات الوردية " .

وقال الكاتب أيضًا : " كان التاجر " كرايسوس " يسير فى السوق بجوار المكان الذى يبيعون فيه العبيـد ، فشاهـد فتـاة جميلة قـد أوقفـوهـا لعرضهـا للبيـع ..


( 1 ) وفاء إبراهيم ، الوعى الجمالى عند الطفل ، الهيئة العامة للكتاب ، 1997 ، صـ 62 .
كانت الفتاة الشابة تجمع بين الجاذبية والجمال ، بينما تنطق ملامحها بالذكاء والروح المرحة " .

ونلاحظ هنا تأكيد الكاتب على الجمال والجاذبية ، لكنه كان دائمًا يذكر إلى جانب ذلك الذكاء حتى يعرف ويتعلم الطفل شيئـًـا مهمًّـا ، فالجمال                وحده ليس الصفة التى تميز الإنسان ، لكن هناك صفات أخرى مهمة منها           الذكاء ، فهنا يؤكد الكاتب على أن الجمال ليس جمال الشكل فقط ولكن جمال                العقل أيضـًـا .                                                                                

وهكذا نجد أن الكاتب أعطى اهتمامًا كبيرًا للقيم التربوية سواء قيم اجتماعية أو دينية وأخلاقية أو علمية ونظرية أو قيم اقتصادية ، وأيضًا القيم الوطنية والسياسية والقيم الجمالية لما لها من أهمية كبرى فى تكوين عقل وفكر ووجدان الطفل .

ثالثـًـا : قضية التراث الشعبى وموقف كاتب الأطفال يعقوب الشارونى فى مواجهة النص الشعبى :

تـُـعَرِّف المعاجم الألمانية الحكاية الشعبية بأنها " الخبر الذى يتصل بحدث قديم ينتقل عن طريق الرواية الشفوية من جيل إلى جيل ، أو هى خلق حر للخيال الشعبى ينسجه حول حوادث مهمة وشخوص ومواقع تاريخية " .

" تـُـعتبر الحكايات الشعبية - كما يشير صفوت كمال - المصدر الأساسى لكل المرويات الشفهية وأكثرها انتشارًا ، كما أنها تحمل من ملامح التراث الشعبى أكثر مما تحمله غيرها من المرويات الشفهية . فالحكايات الشعبية من الموضوعات المفيدة بدرجة كبيرة فى دراسة الذاكرة الجماعية لجماعة على نحو خاص .                  كما أنها شديدة الأهمية فى دراسة المكونات الأساسية للطبيعة البشرية عمومًا ، كما أن دراستها شديدة الأهمية أيضـًـا بالنسبة للنقد الأدبى والفنى والثقافى بشكل عام ، حيث يمكننا أن نستخلص من دراستنا للحكايات الشعبية بعض المحددات     أو الخصائص التى تجعل أدبًا ما أو تراثــًـا ما قادرًا على التواصل والاستمرارية والتواجد والانتشار عبر الزمن وعبر الثقافات " . (1)


( 1 ) صفوت كمال ، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتى ، وزارة الإعلام ، الكويت ، 1986 م .
والحكايات الشعبية لها دور مهم فى النمو النفسى للطفل . يقول الدكتور شاكر عبد الحميد ، فى دراسة له عن " الحكايات الشعبية ودورها فى تنمية الحس الجمالى والفنى لدى الطفل " ، إن للحكاية الشعبية دورًا فى :

1 - الارتفاع الاجتماعى والأخلاقى :

يمكن أن تساهم الحكايات الشعبية فى تحسين مهارات الارتقاء الاجتماعى والأخلاقى الآتية لدى الطفل :

- مساعدة الأطفال على رؤية المواقف من أكثر من منظور ، من خلال تحريرهم من التمركز حول الذات .

- تنمية المشاركة فى القصة باعتبارها نشاطًا اجتماعيًّا سابقًا على النشاطات الاجتماعية العقلية .    

- تنمية المعرفة حول الآخرين بأشكالها المختلفة .

2 - ارتقاء الشخصية :

- تنمية القدرة على الاختيار الحر .

- التعرف على القيم والاختيار من بينها .

- فهم الانفعالات والأفكار المختلفة والتعبير عنها .

- تنمية مفاهيم إيجابية وواقعية عن الذات والآخر .

3 - الارتقاء الإبداعى والجمالى :

- تنمية الخيال .

- تنمية حب الاستطلاع .

- تنمية الذكاء .

- تنمية التفكير النقدى .

- تنمية حس الفكاهة لدى الطفل .

- تنمية إحساسات التمتع وتذوق الحكايات الشعبية خاصة والفنون عامة .
4 - المساعدة فى ارتقاء اللغة :

- المساعدة فى فهم واستخدام الطفل للبناء والتركيب والنمو الناضج     للغة .

- توسيع مخزون المفردات لدى الطفل .

- تنمية روح حُسن الإصغاء والاستماع لدى الطفل .

- تنمية عملية القراءة والاطلاع لدى الطفل .

5 - الارتقاء المعرفى أو العقلى :

- تطوير قدرات التفكير العقلى .

- تطوير مهارات التفكير النقدى .

- تطوير قدرات وعمليات التفكير لحل المشكلات .

- تطوير قدرات وعمليات التفكير الإبداعى .

- تكوين مفاهيم جديدة وترسيخ مفاهيم قديمة " . (1)

* ولعل أول القضايا التى تواجهنا عند بحث قضية الاستفادة من الحكايات الشعبية فى كتابة قصص الأطفال هى :

هل يلتزم كاتب الأطفال بكافة عناصر الحكاية الشعبية وبترتيب هذه العناصر ودلالاتها ، أم أن من حقه بل من واجبه أحيانًا أن يغير فيها ، تحقيقًا لأهداف الكتابة للأطفال ؟

يقول أ / يعقوب الشارونى : للإجابة عن السؤال السابق ، لابد أن نضع تساؤلاً آخر ، هو : هل الشكل الذى وصلت به إلينا الحكاية الشعبية هو شكلها الذى كانت عليه فى أصلها ؟ فإذا كانت الحكاية الشعبية من خلال مسيرتها الشفهية عبر الزمان والمكان قد داخلها تغيير قليل أو كثير ، فإن هذا يعطى كاتب الأطفال الحق نفسه الذى أعطاه المجتمع أو المستمعون للقاص الشفوى ولنفس الأسباب .                                                                          

( 1 ) شاكر عبد الحميد ، الحكاية الشعبية ودورها فى تنمية الحس الجمالى والفنى لدى الطفل ، ندوة بالمركز القومى لثقافة الطفل .
ويضيف أ / يعقوب الشارونى : يقول د . عبد الحميد يونس فى كتابه                    " الحكاية الشعبية " ، إن " من خصائص الحكاية الشعبية أنها تتسم بالمرونة ، وأن هذه المرونة تجعلها قابلة للتطور ، بحيث يُضاف إليها أو يُحذف منها أو تـُـعَدَّل عباراتها ومضامينها وعلاقاتها على لسان الراوى الجديد ، تبعًا لمزاجه أو موقفه                أو ظروف بيئته الاجتماعية " .

كما يقول د . عبد الحميد يونس فى دراسته حول " التراث الشعبى  وأدب الأطفال " ( الحلقة الدراسية حول مسرح الطفل ، الهيئة العامة للكتاب ، مصر ، صــ 165 ) " عندما نفكر فى ثقافة الطفل باعتبارها الخطوة الأولى فى ثقافة المواطن وثقافة   الشعب ، فإن الواجب يقتضينا أن نبادر إلى جمع الحواديت التى يقدمها الكبار للصغار بطريقة عفوية ، وأن نعين الحياة على الانتخاب ، وعلى تخليصها من الرواسب ومن الإمعان فى الخرافة وعوامل الجمود " .
                                           
" ولن نكون بذلك مناقضين لمنهج التراث الشعبى ، ذلك لأن الحياة تختبر الأشكال والمضامين ، وتحذف وتضيف ، وتعدل وتنسخ ، حتى يظل هذا التراث مسايرًا لمقتضيات الحياة المتطورة أبدًا " .

" ولابد من التسليم بتحفظ واحد ، هو الحرص على أصالة الحكاية          الشعبية ، وهى الأصالة التى جعلت من هذا الشكل أثرًا يجمع مقتضيات التعبير الأدبى ، إلى جانب قيامه بالوظائف الأساسية فى التربية الفردية والاجتماعية " .

لهذا نرى كما يقول إبراهيم أحمد بخيت فى دراسته حول ( دور الحكاية الشعبية فى التعليم ) : " كان القاص يراعى وهو يروى قصصه شفاهة ، مستوى السامعين وبيئتهم واهتماماتهم وما يقبلونه وما يرفضونه . كما كان يخضع لإلهام موهبته واحتياجات جمهور المستمعين ، لذلك فإنه عندما نعيد رواية القصص الشعبية للأطفال ، فإنه من حق كاتب الأطفال أن يفعل ما فعله الراوى الشعبى من قبل ، وذلك بأن يراعى موهبته ، والاعتبارات التربوية ، واهتمامات الأطفال المعاصرة وبيئتهم وقدراتهم على الفهم . ومن مقتضى هذا أيضـًا أن الحكاية الشعبية الواحدة يمكن أن نحكيها فى صياغات مختلفة ، بما يناسب استعداد الأفراد فى مختلف مراحل العمر لتقبلها والاستفادة منها فى تكوين شخصياتهم وممارسة حياتهم اليومية ومعايشة القضايا والاهتمامات المعاصرة .
ويضيف كاتبنا أ / يعقوب الشارونى : إن القصص الشعبية العربية مادة ثمينة ثرية لابد أن ينتبه إلى كنوزها كل من يكتبون للأطفال فى العالم العربى ، لكن على من يفعل ذلك أن يُـلزِم نفسه بثلاثة أمور :                                                      

- أن يختار ما يلائم الأطفال فى عصرنا .

- أن يصوغ ما يختاره بحيث لا يتعارض مع ما يهدف إليه من كتابة للأطفال .

- أن يحافظ على الروح العامة للقصة الشعبية وخصائصها التى              تميزها .

إن كاتب الأطفال ليس باحثــًـا فى التراث ، بل هو أولاً وقبل كل شىء فنان مبدع ، يكتب لفئات عمرية لها خصائص واحتياجات وقدرات معينة ، وهذه هى الحقائق الأساسية التى يجب أن تحكم عمله .                            

يقول مجدى محمود الفقى :

" نجد أن أول ما يواجه المعد أو المحقق أو من يعيد الصياغة للحكايات الشعبية سواء للطفل أم للكبار ، هو إعادة صياغة هذه الحكايات بلغة فصيحة ، فيبدأ فى إزالة جمود اللغة وتفتيت مصطلحاتها المبهمة والوصول إلى المعنى الإجمالى من خلال المفردات ، وهذا بالفعل ما قام به الكاتب الكبير يعقوب الشارونى فى العديد من قصصه " . (1)

1 -  كتاب " أجمل الحكايات الشعبية "

فحكاية عصفور وجرادة والمسماة فى مصدرها الشعبى " حديث عصفور الملقب بأبى ديسة " ، من كتاب الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة (2) ، نجد أن هذه الحكاية موطنها الأصلى " العراق " والمؤلف أعاد تقديمها بحرفية الراوى . ويمكن أن نلاحظ أن :
 


( 1 ) مجدى محمود الفقى ، الإبداع الشعبى بين الحجب والتصريح فى الرؤية الشفاهية للرواة الشعبيين ، أجمل الحكايات الشعبية نموذجًا للكاتب الكبير يعقوب الشارونى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
( 2 ) " كتاب الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة " تحقيق ( هنس وير ) دار الكتاب العربى ، بيروت .

* الرواية بها كثير من المصطلحات الفارسية الغامضة التى قام أ / الشارونى بتنقيتها ومعالجتها لغويًّا إلى اللغة العربية الفصحى ، ومنها على سبيل المثال كلمة         " إيش" وهى توازى فى العربية " أى شىء " ، فيقول الراوى عن لسان الملك                " إيش تقول " ، تعنى " أى شىء تقول " .. أيضـًـا كلمة " بقجة " ومقابلها فى العامية المصرية " بؤجة " ، وهى قطعة القماش الكبيرة أو الجلباب الواسع الذى يحوى ملابس كثيرة داخله .

كما يقول أ / مجدى محمود الفقى : " فالأستاذ يعقوب الشارونى يدرك من البداية " لمن يكتب " ، لهذا كان جزلاً فى صياغته غير متكلف سهلاً بسيطًا ، تحمل جمله المعنى فتصل إلى حد الإقناع والفهم ، وتتجمل بالقيمة الفنية فتصل إلى حد الشغف والترقب لما بعد ، فهو لا يلجأ إلى الجمل الكاشفة وأيضـًـا لا يجنح إلى الجمل الغامضة ، ولهذا كانت أجمل الحكايات الشعبية ممتعة حقـًّـا للكبير قبل الصغير " .

* الكاتب قام باستبدال أسماء بعض الأدوات لتقريبها للطفل ، منها استبدال " الرحاية " بالمطحنة فى قصة " عصفور وجرادة " ، والمخزنجى  بالخازن ، وأيضـًـا استبدل العدة بالصندوق وذلك لضرورة فنية .

* الكاتب قام بتعديل بعض الأسماء داخل العمل القصصـــى ، وهى الأسماء المنفرة التى يصعب على الطفل نطقها بأسماء لطيفة ، طالما أن الأسماء ليس لها مغزى فنى داخل الحكاية الشعبية القديمة ، مثل " أمينة وجميلة " فى حكاية " البئر العجيبة " وكانت فى الأصول القديمة " زليزة وخنيفسة " ، وفى رواية أخرى " ملبسة وخنيفسة " . لكنه مثلاً لم يغير اسم " عصفور وجرادة " فى حكاية بنفس الاسم لهدف آخر غير كونهما سهلين فى النطق ، وهو أن الأسماء كما وضعها الراوى الشعبى لها ضرورة فنية ، إذ كان اسمهما سببًا فى الخروج من مأزق ،                هو اختبار الملك لعصفور والمنجمين بالمملكة . وفى حكاية " هدايا فيروز " ،               لم يلجأ إلى تغيير الاسم لكونه سهلاً فى النطق ومحببًا للطفل .

*  الكاتب قام بتعديل بعض أسماء المهن داخل العمل لضروريات فنية ، منها الحطاب فى " هدايا فيروز " أصبح مَلاَّحًا أى يجمع الملح ، و " الحايـك " فى
" عصفور وجرادة " أصبح فى النص " إسكافى " وذلك أيضـًـا لضرورات فنية .

* الكاتب عندما قام بإعادة كتابة وصياغة هذه الحكايات للطفل ، قام بتنقية الشوائب الفكرية ، فأبعد كل الصفات المبتذلة والخصال السيئة عن الشخصية الرئيسية .

* الكاتب كذلك يتعامل مع المواقف المختلفة بالتلطف ، مما يخفف الآثار السلبية والنفسية على الطفل ، فمثلاً لم يصرح بأن التى تسكن بجوار البئر هى " أمنا الغولة " ، ولم يصفها بأوصاف مفزعة ، وذلك ليتفادى أن يوقع الطفل فى مخاوف نفسية ، لكنه ذكر فقط أنها سيدة عجوز .                              

*  الحياة اليومية بها الكثير من المواقف الإنسانية التى قلما نجدها فى عمل فنى ، ونحتاج إلى كثير منها لبعث روح التوجيه غير المباشر والتقويم الفكرى              والوجدانى ، فكلما كان الإبداع قريبًا من طقوس وقضايا المجتمع ، كان سريعًا فى الوصول إلى ذهن وفكر القارئ ، لأنه يحس أنه غير متكلف ، وإنما نابع من أحاسيسه وهموم إنسانية مشتركة ، ويعالج قضايا تربوية فنية غير مباشرة مثل : قضية الحقد والحسد والغيرة فى حكاية " جميل وجميلة " ، فقد جعلنا للوهلة الأولى نكره الحسد والحاسدين ونتعاطف مع الطيبين من البشر ، ونتشبع بأن اتباع أساليب الخير والطيبة أيسر السبل إلى النجاح والسعادة .

كذلك تواجهنا قضية الصراع بين الخير والشر فى حكاية " بلح الشاطر حسن " ، حيث يؤكد الكاتب على فكرة انتصار الخير على الشر . كما يؤكد على قضية           مهمة ، هى أن هناك صعوبة كبيرة فى أن يتحول الإنسان الشرير من الشر إلى الخير فى لحظة واحدة ، وأن هناك دائمًا عقابًا لما يفعله الإنسان من شرور ، وأن هناك نهاية مؤكدة للتسلط والغرور . كما يؤكد على هذه القضية أيضـًـا فى حكاية " هدايا  فيروز " ، فالشر لابد أن ينهزم أمام الخير ، لكن الخير يحتاج من صاحبه بعضًا من الذكاء وحسن التصرف ، وأن على الجميع الحذر فى الحياة حتى نحافظ على حياتنا وممتلكاتنا من الضياع والسرقة وعدم الاستسلام لقوى الشر .

كما نواجه قضية الكسل وعواقبه فى حكاية " البئر العجيبة " ، فقد أكدت القصة على ضرورة العمل وأهميته وأنه الطريق الوحيد إلى النجاح فى الحياة ، وأن الشكل الخارجى للإنسان ( الجمال أو القبح ) ليس سببًا فى النجاح أو الفشل ، فيجب على الإنسان أن يحرص على جمال الروح ويبتعد عن العبوس والغضب والكسل .

أما عن قضية التنجيم فى حكاية " عصفور وجرادة " ، فقد عالج الكاتب موضوع            " كذب المنجمين " ، والوهم الذى يعتقده البعض فى صحة التنجيم ، وأن التنجيم خرافة لا أساس لها من الصحة .

أما قضية الجبن فى حكاية " الأمير الجبان " ، فقد عالج الكاتب فى               هذه الحكاية قضية الخوف والجبن اللذين قد يصيبان الإنسان فى حياته فيحيلانها إلى دمار وفناء ، وأن الخوف ينبع من داخل الإنسان وليس من خارجه ،                  وعلى الإنسان أن يحارب ما بداخله من خوف حتى ينتصر فى النهاية على               أعدائه .

2 - سلسلة كتب " ألف حكاية وحكاية "

تـَـبْـرُز الحكايات التراثية فى " ألف حكاية وحكاية " بشكل جيد ، فقد تـُـعالجِ موقفًا طريفًا يتناسب مع خصائص الطفولة ، وقد تؤكد على قيم إنسانية عليا ، وقد تتناول شخصيات عظيمة من التراث العربى والإسلامى .. فها هو ذا الخليفة هارون الرشيد عائد من الحج وقد توجه إلى المدينة المنورة كى يستمع إلى حديث الإمام مالك بن أنس ، فأرسل يطلب منه الحضور إليه ، فأرسل إليه الإمام مالك قائلاً لمبعوثه : " قل لأمير المؤمنين إن طالب العلم يذهب إلى العلم ،                أما العلم فلا يسعى إلى أحد " .                                                        

ويقتنع الخليفة ويجلس مع عامة الناس فى حلقة الإمام مالك مستمعًا إلى الدرس .

 كما ينقل لنا أ / الشارونى مواقف من عصر ازدهار العلم فى عصر الخليفة المأمون ابن هارون الرشيد والإقبال على الترجمة ، ثم يقدم مواقف نموذجية فى تحقيق العدل عن سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه ، ونماذج أخرى يفيض بها التراث العربى  الزاخر . كما يعيش مع طرائف جحا ومواقف كثيرة للعرب ترسخ لقيم الحق والخير والجمال .
ولا يفصل الكاتب مادته التراثية عن مشاهداته اليومية ، فقد تكون الحكاية من تأليف الكاتب فتأتى برونقها وصدقها حاملة رؤية الكاتب الإبداعية للعالم ، ودالة على امتلاكه لأدوات حرفته ، وقد تكون إعدادًا لا يخلو من روحه فقد أعاد إليها روحًا جديدة ، وألبسها ثوبها العصرى ، وأفاض عليها من اتساع رؤيته ووعيه مستجيبًا لحاجة الطفل وشغفه بالحكاية ، فهو يسعى من خلالها إلى ترسيخ معانٍ وتقديم أخرى ، فالأطفال هم شغله الشاغل ، وهو يعرف تمامًا ما يريدون فلم يبخل عليهم بالمغامرة ولا المعلومة . (1)

3 - الفرس المسحورة ( الشاطر حسن )

يقول الفنان الكاتب عبد الرحمن بكر :            

" ليس منا من لم يستمتع بحكايات الجدات فى الصغر بما لها من إبهار ودفء غير عادى ورسوخ فى الذاكرة ، وعلى رأس كل هذه الحكايات كانت تأتى دائمًا حكاية الشاطر حسن والأميرة ست الحسن ، مَن منا لم يحلم أن يكون الشاطر حسن ، ومَن مِن الفتيات لم تتمنَّ أن تكون الأميرة ست الحسن ؟! وهنا تكمن قيمة الحكاية الشعبية فى التأثير على نفس المتلقى . ورغم ما قد يوجد بالحكايات الشعبية من بساطة وعدم اهتمام بالتفاصيل المنطقية ، إلا أن كاتبنا المحبوب قفز بحصانه وتخطى كل هذه الحواجز بسهولة ولين عند اختياره لشخصية وحكايات               " الشاطر حسن " ، وقام كعادته بتنقيتها وصهرها للتخلص من الشوائب التى تتعلق بالحكاية الشعبية ، ثم أعاد تشكيلها بمهارته الفائقة وصنع منها نموذجًا فريدًا للبطل الشعبى الذى يصلح أن ينتقل من موقعه البسيط الذى اتخذه داخل حكايته الشعبية ، إلى موقع آخر أكثر إقناعًا وثباتـًـا داخل الرؤية المنطقية المليئة بالتفاصيل الدقيقة والحبكة الدرامية .

وقد وضع الكاتب فى هذه الرواية من خبراته الواسعة فى أدب الطفل ، ليقدم لنا نموذجًا تربويًّا ، ويُبرز قيمًا خاصة على رأسها حب الوطن والفداء والتضحية ، وحق الفتاة ( ست الحسن ) فى الاختيار ، وتفهمها الكامل لقضيتها بأنها ليست مساحة من الأرض يقدمها أهلها هدية إلى الوزير ، وأفاضت فى التأكيـد على


( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، دراسات حول مشكلات الطفل فى أدب يعقوب الشارونى ، 2004 .
حقها فى الاختيار ومشاعرها ، فالفتاة ليست سلبية وإنما شخصية قوية واضحة المعالم " . ( 1 )

كما تقول الدكتورة ذكاء الأنصارى :                                                  

" الشاطر حسن حكاية شعبية إطارية مركبة من حكايات ومغامرات متعددة مثل ألف ليلة وليلة ، تناولها الأديب يعقوب الشارونى فى قالب بسيط ، امتاز فيه بتحديث النص مع الحفاظ على مضمونه ، فلم يفقد هدفه رغم الإضافات التى تضمنها نسيج العمل الفنى بمهارة ، مع إظهار القيم والسلوكيات التى تصل بنا إلى الهدف ، وقدمت رواية " الشاطر حسن " ( الفرس المسحورة ) ، المعتقد الشعبى السائد لدى جموع أفراد المجتمع الشعبى وهو الاعتقاد فى الجان والخوارق والأحلام ، فهى ثقافة فترة زمنية كانت ضرورية للتخلص من الظلم والقهر  والعدوان ، كانت فيها الحكاية الشعبية تستعين بالحلم أو الجان والخوارق والسحر لتحقيق الرغبات . وتنتهى الحكاية نهاية سعيدة بفوز  " الشاطر حسن " بالأميرة والزواج بها ، وعودته إلى والده ، بعد الإفصاح عن حقيقة شخصيته أمام الملك ، وهروب الشخصية الشريرة ( زوجة الأب ) والوزير والفوز بالحكم والأميرة " . ( 2 )

4 - حكاية رادوبيس

وهى من مجموعة كتب " شهر زاد " ، فكرتها مستلهمة من إحدى الحكايات الشعبية الفرعونية المصرية القديمة ، لكن القصاص المبدع قدمها على نحو جديد تمامًا ، وتبدأ بأن الفتاة " رادوبيس " كانت عبدة فى بيت سيد طيب أُعجب بجمالها وذكائها ، لكنها عانت الكثير من المشاق والمعاناة من خادمات القصر ، ولم يكن لها أصدقاء إلا بقرتها قشدة التى كانت تتنبأ لها دائمًا ببشرى                طيبة . واستطاع الكاتب من خلال مزجه بين الواقع والخيال أن يجعل من أحداث القصة أحداثًا مشوقة للقارئ ، وأن يؤكد على قيم مثل تحمل المسئولية - تقبل النصيحة - الصبر - حب القراءة والإطلاع - شخصية البطل المحارب الذى يدافع عن وطنه - شخصيات تعبر عن الخير مثل شخصية رادوبيس وشخصية الحكيم اليونانى إيسوب ، وأيضـًـا شخصيات تعبــر عــن الشــر مثــل القراصنـة الذيـن

( 1 ) عبد الرحمن بكر ، منهج الرواية ، الشاطر حسن ( الفرس المسحورة ) ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
( 2 )ذكاء الأنصارى ، حول رواية الشاطر حسن ( الفرس المسحورة ) ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
سرقوا رادوبيس من بيت جدتها وشخصية ( نفرت ) المشرفة على بيت النساء فى قصر السيد .

5 - أحلام حسن

هذه القصة مستلهمة من " ألف ليلة وليلة " ، وتتركز حول بطل حالم يتمنى تحقيق حلمه بتحويل النحاس إلى ذهب وذلك بالبحث عن مادة نادرة تقوم بهذا التحويل ، لكنه ليس حلم شاب كسول ، بل إنه يسافر بحثــًـا عن تلك المادة التى درسها فى كتب الكيمياء القديمة ، فيتضح للطفل القارئ أن للحلم طرقًا ووسائل لتحقيقه ، ولا يعنى الحلم المكوث فى انتظاره وعدم العمل .                  ثم تتطور شخصية البطل عبر رحلته ، ويختلف مفهوم الحلم عنده فيصبح الحب وتكوين أسرة سعيدة متماسكة والحفاظ عليها ، ويدرك أن قيمة الإنسان ومودته أغلى من كل كنوز الدنيا ، مما يجعل الطفل القارئ يعى أهمية دوره داخل عائلته الصغيرة ثم مجتمعه الكبير .

6 - بدر البدور والحصان المسحور

وهى قصة مستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة ، وتدور أحداثها حول السلطان " ملك الزمان " الذى كان يحبه أهل مدينته ، وكان هدفه الأساسى الارتفاع بمستوى معيشة المواطنين وتشجيع الصناعات المحلية ، وعنده ثلاثة             أبناء كان ينصحهم قائلاً : على كل واحد منكم أن يعمل ما يتفق مع ميوله واستعداداته . وكان يشجعهم على التعليم والتجريب . وكانت تقيم معه ابنة أخيه الأميرة الجميلة الذكية النشيطة التى طلبوا الزواج منها . ولكن أباهم ، خوفًا من حدوث تفكك ومشاكل بينهم ، وضعهم فى امتحان ليرى أيهم سينجح . وتتوالى أحداث القصة بين الواقع والخيال ليُظهر من خلالها الكاتب بعض القيم المهمة منها :

- أهمية العمل كقيمة فى حياة الناس ومصدر للرزق .

- أهمية العلم والخبرة والحكمة فى حياتنا .

- دور علماء العرب فى الاختراع والاكتشاف والإنجازات العلمية .
7 - الصياد المسكين والمارد اللعين

هذه القصة مستلهمة من " حكايات ألف ليلة وليلة " ، وهى مزيج من الواقع والخيال ، ويتمثل الواقع فى صياد بسيط فى أسلوب حياته وتفكيره                     ( عبد الله البرى ) ، وعلاقته بإنسان يعيش تحت الماء هو ( عبد الله البحرى ) ، وهذا هو الجانب الخيالى ، بالإضافة إلى وجود جنى خرج من جرة صغيرة ،  وبهذا مزج الكاتب بين الواقع والخيال .

وفى أحداث القصة أكد الكاتب على مجموعة من القيم ، مثل الوفاء والكرم ، وقدم صورة من أجمل صور التعاطف والتعاون بين الناس والاعتراف بالجميل وحب المعرفة .

8 - معروف فى بلاد الفلوس : مـن سلسلة أولادنـا الصـادرة عن دار المعارف وهىأيضًا
مستلهمة من قصص ألف ليلة وليلة

وهى قصة تدور حول تساؤل مهم : هل يعيش الإنسان فى الخيال ،                   أم يحول هذه الأوهام والأحلام إلى واقع ويصر على تحقيق الحلم ؟

ومن خلال أحداث القصة يعرف الطفل :

- ألا يستغرق الإنسان فى الأحلام ، بل يحاول العمل بجد وإصرار حتى يحول أحلامه إلى واقع ، وأن تكون لديه الإرادة والإصرار على تحقيق الحلم ، فالحلم يساوى الأمل فى مستقبل أفضل .
                                     
- أن العمل والإنتاج هما وسيلة الإنسان للتقدم ، وليس الاعتماد على الإحسان والمعونات .

- أنه لابد للإنسان أن يرضى بنعمة الله ويحمده على نعمه ويبتعد عن الطمع والجشع .

- أن تقف المرأة بجوار زوجها وتدفعه إلى العمل والإنتاج .

- أن حب الناس شىء مهم فى الحياة .
- أن من يملك المال لابد أن يتصدق على الفقراء ويقيم المشروعات ويفتح أبواب الرزق .

- ضرورة تقدير الفن والثقافة والعلم والعلماء ، وليس الاهتمام بالمال والأرقام فقط .

- أن الخيال شىء مهم وضرورى ، فكل الاختراعات والابتكارات كانت فى البداية خيالاً وأحلامًا ، لكنها تحولت إلى عمل وإنتاج ، فيعايش الطفل القارئ قيمة العمل والإنتاج وليس الإحسان .

- الاهتمام ببعض الفنون الشعبية مثل الأراجوز وخيال الظل والحاوى .

وهكذا استلهم الكاتب بعض القصص الشعبية الحافلة بالحكم والقيم الأخلاقية التى لا تتغير مع الزمان ، وقدمها بصورة جديدة وعصرية ، كما كان الكاتب حريصًا أيضـًـا على المحافظة على تراثنا وأصالة عاداتنا وتقاليدنا وذلك من خلال ذكر بعض أمثالنا وعاداتنا وتقاليدنا وألعابنا وموسيقانا الشعبية .

فعلى سبيل المثال ذكر " لعبة السنت " التى تشبه لعبة الشطرنج فى                 ( حكاية رادوبيس ) . أيضـًـا كان هناك تعريف ببعض الآلات الموسيقية الشعبية مثل  ( المزمار والعود ) فى ( حكاية رادوبيس ) . وفى قصة ( إنقاذ عازف المزمار ) يقول الكاتب : كان هناك صبى يعزف على ناى من الغاب ( المزمار ) ، فهنا يتعرف الطفل على آلة شعبية شائعة فى التراث المصرى خاصة مع ما تمثله هذه الآلة من خصوصية متميزة فى الريف بشكل خاص .

أيضـًـا كان هناك ذكر لبعض الأمثال الشعبية فى قصة " عفاريت نصف الليل " ، يقول الكاتب : " إن أسوأ العفاريت هو ابن آدم ، ومن يخاف من العفريت يصور  له خوفه عشرين عفريتـًـا " . كذلك اهتم الكاتب بذكر بعض عادات وتقاليد               وقيم أهل الريف والصحراء ، فمن خلال قصة " إنقاذ عازف المزمار " عرض الكاتب كيف يتشاءم أهل القرية من البومة . كما عرض لأهم عادات وتقاليد وقيم                 أهل الريف مثل مساعدة الغير والتعاون والكرم والتسامح بين المسلم والمسيحى ، وذلك فى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، أيضـًـا عرض لعادات وتقاليد أخرى              لأهل الريف مثل رعاية الكبير للصغير فى قصة " مغامرة البطل منصور " ،                              كما استعرض الكاتب عادات أخرى لأهل الريف من خلال قصة " سر الاختفاء العجيب " مثل :

- ألعاب الأطفال فى البيئة القروية ( مراقبة الطيور - مطاردة الثعالب وصيدها ) .

- حل العمدة خلافات القرية .

- استخدام الأهالى جذوع الأشجار الضخمة ( مثل النخيل ) كقناطر فوق الترع للعبور إلى الضفة الأخرى .

وفى قصة " تائه فى القناة " ، ذكر الكاتب بعض عادات أهل الريف                مثل نظام المقايضة ، يقول الكاتب : " لم يكن مع " مسعود " أية نقود مثله فى هذا مثل معظم أهل قريته الذين لم يعرفوا التعامل إلا بالمقايضة إذا فاض عند أحدهم شىء من غلة أو بيض دجاج يبادلونه بالسكر أحيانـًـا أو بالدخان لمن يدخنون " .              ثم ذكر عادة أخرى لأهل الريف ، فنظرًا لأن المنازل متجاورة وأهل القرية كلهم على علاقة طيبة معًا ، فإنهم يتركون أبواب المنازل مفتوحة طوال النهار .. يقول الكاتب :

" دخلت الخالة أم مصطفى من باب دارها المصنوع من الخشب                     ثم أغلقته مع أن الصباح ليس هو موعد إغلاق البيوت فى قرية شارونة " .

كما كان هناك استعراض لقيم وعادات وتقاليد خاصة بأهل الصحراء                فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، حيث يعيش أهل الصحراء فى " العشة "                       ( الخيمة البدوية ) وبعيدًا عن البئر مخافة لص أو وحش مفترس ، يعيشون                منفردين يفصل بين كل عشة وأخرى مسافة لا تقل عن 6 أو 7 كيلو مترات .                أيضًا أوضح لنا أن قسوة حياة الصحراء تجعل أهلها يتصفون ببعض الصفات والخصائص ، مثل : قوة التحمل والشجاعة والقدرة على مواجهة كوارث الطبيعة مثل السيول وغيرها .
رابعًا : صورة الأسرة ( بشكل عام ) وصورة الفتاة أو المرأة ( بشكل خاص ) فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :

الأسرة عليها واجبات مختلفة تتعلق بحب أطفالها وتربيتهم تربية صالحة وبث الأمن والأمان فى نفوسهم . ولأهمية الأسرة فى حياة الطفل ، اهتم الكاتب بإبراز الأسرة فى أعماله المختلفة من أب ، وأم ، وأخوة وأخوات .. وقد حرص على ظهور الأسرة المترابطة المتحابة المتعاونة ، وكيف يعمل كل منهم على تربية الطفل وتشجيعه وتنمية مواهبه .
                                                                   
وقد أوضح الكاتب دور الرجل الأب والزوج ، وكيف يكون عضوًا مسئولاً فى الأسرة والمجتمع ، فعلى سبيل المثال فى قصته " الفرس المسحورة " يقدم الكاتب الرجل الذى يظهر معدنه الأصيل فى الشدائد والنكبات ، حيث نجد فى شخصية                  " الشاطر حسن " صفات البطل المنقذ والمخلص من المحن والأزمات . وتتجلى حقيقة شخصية البطل القومى عندما قرر " الشاطر حسن " النزول إلى أرض المعركة ومواجهة العدو وهو يقول فى ثقة : " هذا لأجل وطنى وليس لأجل أى هدف  آخر " .

أيضـًـا ظهر دور الأب فى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، فظهر الأب فى صورة الحكيم الحريص على تربية أبنائه وتعليمهم وعلى تنمية ما يتفق مع ميولهم واستعداداتهم وإحضار المربين والمعلمين لهم لتحقيق ذلك .

وفى قصة " البداية مع قطعة الشيكولاتة " ، أظهر الكاتب الأب الواعى بقدرات  الطفل ، والحريص على تنمية مهارات الأولاد وتوجيههم للأفضل والأصلح ، من خلال شخصية والد " علاء " الذى طلب من " مصطفى وعلاء " عمل تشكيل فنى بالمكعبات  البلاستيك .. وعندما كَوَّن " مصطفى " شكلاً من المكعبات لا يشبه شيئـًـا فى الطبيعة لكنه أعجبه ، نظر إليه والد " علاء " وأُعجب بالشكل ، وقدم له قطعة من الشيكولاتة تشجيعًا له ، فكانت هذه بداية ظهور موهبة هذا الطفل .

كما ظهرت صورة الزوج المحب لأولاده وزوجته ، الناجح فى عمله ، المتعاون مع الزوجة فى أعمال البيت عندما تكون متعبة : يساعد الأولاد فى الاستعداد لامتحان آخر العام .. وذلك من خلال قصة " إنه يفعل الكثير " من قصص ألف حكاية وحكاية .
وفى حكاية " رادوبيس " نجد شخصية الرجل الحكيم ( إيسوب ) رغم أنه من العبيد لكنه كان حكيمًا يجيد الكتابة وفن التفكير السليم والقدرة على فهم  الآخرين .. تقول " رادوبيس " : كان يحكى كثيرًا من الحكايات أبطالها من الطيور                 أو الحيوانات وأحيانًا من البشر .. وقد علمنى كيف أختار ما أقرأ وكيف أجيد الكتابة . ورغم أنه من العبيد لكن أحدًا من أهل القصر لم يكن يعامله كما يعامل العبيد ، كانوا يحترمونه ويستشيرونه فى أمورهم ويرسلونه رسولاً عنهم لإبلاغ رسائلهم .

وأكثر ما يميز شخصيات الكاتب أنه أعطى عناية خاصة للفتاة فى أعماله القصصية نظرًا لدورها الفعال سواء فى :

1 - الأسرة من خلال تربية النشء وإعداد جيل قادر على الإبداع يعمل من أجل نهضة المجتمع وارتقائه .

2 - أو فى مجالات العمل ، خاصة بعد أن تدرجها فى الوظائف              المختلفة واقتحامها مجالات جديدة ، وزيادة اهتمام الدولة بها لتصبح على                قدم المساواة مع جميع نساء العالم حتى تواكب عصر الحضارة فى رفعة وشموخ وإباء .

وقد اهتم الكاتب بالفتاة فهو يحلم معها ويحلم لها بمستقبل مشرق ، فقدم نماذج للبنت الناجحة التى تحقق ما تتمناه بعد جهد ومثابرة ، وجعل منها شخصية محورية فى بعض أعماله ، بل جعلها عنوانـًـا لبعض قصصه مثل ( مغامرة زهرة مع الشجرة - حسناء والثعبان الملكى - حكاية رادوبيس - بدر البدور والحصان المسحور - هدايا فيروز ) .

ففى قصة " مفاجأة الحفل الأخير " ، قدم لنا صورة فتاة إيجابية عصرية عقلانية ، تتميز بالطموح والاجتهاد والجدية والسعى للمساواة مع الرجال فى الحقوق ،           كما تتميز أيضًا بالمبادرة وقوة الشخصية . ولم تكن " محاسن " هى الشخصية الوحيدة فى القصة التى قدمها لنا الكاتب بهذه الصورة ، لكن كان هناك شخصية الطبيبة " سوسن " طبيبة القرية الشابة النشطة التى كانت محل ثقة أهل القرية فكانوا يستشيرونها فى مشاكلهم .
وقد عرض الكاتب شخصية " محاسن " بشكل يدل على احترام المرأة ، فأثنى على طموحها عبر السرد وعبر حوار الشخصيات الأخرى ، كما أبرز فضائلها الأخرى مثل الوفاء لمعلمها " أمين أفندى " والدكتورة " سوسن " التى اعتبرتها مثلها الأعلى ، وعلى مستوى آخر أبرز الكاتب حق المرأة فى تلقى العلم وشغل المناصب على قدم المساواة مع الرجل ، عندما أكد أن " محاسن " أكملت تعليمها وحققت حلمها فى أن تصير طبيبة ، وكانت النتيجة أن أهل القرية قد انتخبوها - مخالفة للتقاليد الريفية التى تميز بين الذكر والأنثى - رئيسة لمجلس القرية ، لتثبت للجميع أن الفتاة قادرة على إثبات أحقيتها فى التعليم والتفوق وشغل المناصب القيادية .

وفى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، قدم لنا الكاتب شخصية " زهرة "           منذ البداية وحتى نهاية القصة كشخصية قيادية فعالة لها دور أساسى فى                أحداث القصة ، فهى التى تقود مجموعة الأطفال وتتحدث نيابة عنهم ،                يختارها الأطفال بإجماع صامت لتنوب عنهم فى الحديث واتخاذ القرار ،                 لأنها فتاة شجاعة تعرف حقوقها وقادرة على مواجهة المواقف الصعبة وتحمل المسئولية . بالإضافة إلى  أنها تتمسك بالدفاع عن قضيتها فى جرأة وتحدٍّ لتنتصر فى النهاية .

كما كانت " زهرة " وأمها أيضـًـا قدوة حسنة للبنات والنساء طوال أحداث القصة ، تتمتعان بالشجاعة فى مواجهة المواقف الصعبة والمبادرة واتخاذ القرار ، كما تتمتعان بشخصية قيادية متميزة وحب وتفانٍ للمحافظة على جمال ونظافة البيئة وخدمة المجتمع .

يقول الكاتب : ارتفع صوت " زهرة " قائلة فى تحدٍّ : " أين المقاول ؟ نريد أن نتحدث مع المقاول " ، هنا أشار المقاول وقال : " هذه البنت التى تتكلم قبل كل  الصبيان " . وفى نهاية القصة قال الكاتب : " أطفال القرية - تقودهم زهرة - هم من تحملوا مسئولية رى هذه الأشجار " .
 
وفى قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، تحظى المرأة بمكانة مهمة ، حيث أنصفها الأدب الشعبى ، فهى ليست سلبية ولكنها :
1 - رمز للحكمة : وذلك فى شخصية العجوز فى قصة " البئر العجيبة " لقد كانت قبيحة الشكل ، ورغم ذلك بدت ملامحها بشوشة وصوتها يفيض طيبة ورقة ، ليتعلم الطفل أن الشكل الخارجى لا يدل على صفات وجمال الإنسان .

وظهرت فى نفس القصة شخصية " أمينة " الفتاة القادرة على العطاء  الدائم ، تقدم العون والمساعدة للآخرين ، أشفقت على الورد الذى أوشك على الذبول بسبب حاجته للماء ، ورفعت الدلو وأخذت تملأ كفها بالماء وترشه على الزهور الحمراء وتنتقل مبتسمة من مكان إلى مكان تروى ذلك العدد الهائل من الورد الأحمر .

وفى موضع آخر من القصة ، تقدمت الفتاة المبتسمة من الفرن وأمسكت بقضيب من الحديد وجدته بجواره فأخرجت الخبز رغيفًا بعد رغيف .. فهنا تظهر بطلة القصة بصورة الفتاة القادرة على المساعدة وتقديم العون للآخرين حتى                لو كان فى ذلك تعب وشقاء لها .

2 - رمز الشجاعة والنضال : من خلال شخصية الأميرة التى حولت الأمير الجبان إلى قائد شجاع جعلته يحرز انتصارين ، الأول على نفسه ، والانتصار الثانى على أعداء الشعب، فالمرأة لا يقل دورها فى القيادة والشجاعة عن دور الرجل . وهكذا أنصفها الأدب الشعبى فأعطاها دورًا خطيرًا فى الحروب والانتصار كما نرى فى قصة الأمير الجبان .

3 - هى أيضـًـا رمز للفتاة الجميلة فى شخصيتها ، ففى قصة " جميل وجميلة " لم تكن " جميلة " جميلة الشكل فقط ، لكنها كانت جميلة الصفات والطباع ، لذلك كانت محبوبة من الآخرين ، فكانت تتمتع بالكرم والإيثار والوفاء والقلب الطيب وحب الآخرين ومساعدتهم . وفى نفس القصة يُظهِر الكاتب نقيض شخصية " جميلة " وهى " أمينة " الشخصية السلبية ، حتى يتعرف الطفل على النموذج الذى يجب أن يحتذيه والنموذج الذى يجب أن يتجنبه .

وفى قصة " حكاية طارق وعلاء " ، يُظهِر الكاتب صورة المرأة العصرية القادرة على المواجهة وتغيير العادات والأفكار القديمة .. فطارق طفل صغير من ذوى الاحتياجات الخاصة .. و " علاء " يشعر بالخوف من " طارق " فى البداية ، ويعبر لأمه عن هذا الخوف ، وغالبًا ما ترفض بعض الأمهات أن يجلس أولادهن بجوار من لهم مثل هذه الظروف ، ولكن الكاتب يُظهِر لنا شخصية الأم هنا كامرأة واعية بطبيعة هذه الفئة من الأطفال ، فنجد الأم تشجع ابنها على إقامة صداقة مع                   " طارق " . وعندما قال لها إنه يرسم أحسن منى بكثير ياماما ، ترد الأم : " هذا يؤكد ما قالته لك أبلة مريم ، لقد اكتشفت اليوم أحد مواهبه .. صحيح أنه يختلف عنك ، لكن مجموع قدراته ليست أقل من قدرات أى طفل آخر " . ولم تكن شخصية الأم فقط هى الواعية لظروف هذه الفئة من الأطفال ، لكن أيضـًـا المعلمة             " مريم " ، فكان وعيها لا يقل أهمية عن وعى الأم فقالت : هذا هو " صديقنا " طارق . وكانت على وعى بالأسلوب المناسب حين دعت " علاء " ليختار طارق بنفسه ، فقالت له : " يمكنك أن تختار أحد زملاء الفصل وتخبرنى باسمه " .

وفى قصة " صندوق نعمة ربنا " ، التى تحكى عن عاصم ذلك الطفل الشقى ، الذى يثير المشاكل دائمًا وتكاد كل مشكلة تحدث فى المدرسة يكون هو السبب فيها ، يُظهِر الكاتب شخصية المرأة من خلال مديرة المدرسة بصورة إيجابية ، فهى قادرة على التفكير السليم ومواجهة المشكلات الصعبة وحلها .

يقول الكاتب : جلست أبلة " سميحة " فى غرفتها تحدث نفسها فى           هدوء .. كيف بعد هذا العمر الطويل وبعد هذه الخبرة المتميزة أجد نفسى عاجزة عن التعامل مع صبى صغير عمره عشر سنوات ؟! فى تلك اللحظة وقعت عينا المديرة على صندوق من الكرتون ... " كما استطاعت بذكاء أن تـُـحَوِّل هذا الطفل من طفل غير سوى إلى طفل سوى ، واستطاعت أن تحول طاقته وذكاءه إلى نشاط ينفع ويفيد ، فقد أتت بالصندوق ووجهت الطفل إلى جمع بقايا السندوتشات التى تتبقى من الأطفال داخل الصندوق ، ووضع هذه البقايا للبط والدجاج الموجودين فى حظيرة المدرسة . وهكذا  استطاعت أن توجه طاقة الطفل وأصدقاءه إلى شىء مفيد ومهم من أجل الحفاظ على نعمة ربنا وحماية البيئة من التلوث والنظافة وتحمل المسئولية .

وفى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، نجد الفتاة الشجاعة فى مواجهة الأزمات والعقبات وتحديها للمواقف الصعبة التى تواجهها ، فهذه القصة فيها صراع بين فتاة وقوى الطبيعة الكاسحة :
- صراع خارجى : العطش والسيول وثعبان الطريشة والوحوش والجوارح والبحث عن الجدة .

- صراع داخلى : الانتظار والخوف والوحدة والمصير المجهول ، وهو صراع قوى من أول كلمة فى القصة  إلى آخرها .. الانتظار : تنتظر جدتها التى سارت فى قلب الوادى الذى أغرقه السيل ، وتَحَوَّل الانتظار إلى قلق وفزع عندما رأت جملها ميتًا . فهنا قدم لنا الكاتب فتاة تتحدى ما لا يقوى عليه أقوى الرجال بعزيمة الإصرار على البقاء . (1)

وفى قصة " تائه فى القناة " ، نجد صورة المرأة القادرة على اتخاذ القرار والمقاومة بشدة ، عندما رفضت الأم زواج ابنتها من شيخ البلد الذى أراد أن يجعلها خادمة لزوجاته الثلاث .

وفى قصة الشاطر حسن ( الفرس المسحورة ) ، يُظهِر الكاتب شخصية الفتاة بأنها قادرة على اتخاذ القرار ، وذلك حين ترفض " ست الحسن " أن تصبح مجرد جائزة يفوز بها البطل .

كما يؤكد الكاتب فى قصة " أحلام حسن " ، على دور المرأة فى الحياة ،  وأنها لا يختلف إطلاقًا عن دور الرجل كما جاء فى هذه القصة وذلك من خلال شخصية " زمردة " ، فهى دافعة إلى النجاح وليست معيقة له : فرغم أنها بنت ملك ملوك الجان إلا إنها وافقت على الزواج من " حسن " ودفعته إلى اقتحام المجهول ومقاومة الأخطار وتخطى الصعاب .

وفى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، ظهرت صورة المرأة العاقلة الذكية من خلال زوجة أخى السلطان ، فكانت سيدة حريصة على توفير أفضل مستقبل لابنتها .. كانت تقول فى ثقة : " كل من فى القصر حريص على الأخلاق الفاضلة مع الاهتمام بتحصيل العلم والثقافة وتنمية تذوق الفنون والآداب " . أيضًا ظهرت  " بدر البدور " فى صورة الفتاة الذكية المثقفة ، فكانت تتصف بالذكاء الشديد والنشاط ، إذ كثيرًا ما كانت تدخل فى مناقشات مختلفة مع أبناء عمها عن              سباق الخيل أو رواية الشعر أو لعبة الشطرنج أو حل مسائل الرياضيات فى الجبر         والهندسة .

 ( 1 ) عاطف عبد الفتاح ، دراسة حول رواية حسناء والثعبان الملكى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
وفى قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، أظهر الكاتب شخصية الطفلة " سعدية " ابنة " عبد الله البرى " فى صورة طفلة ذكية تتميز بالتفكير السليم ، والقدرة على المناقشات الجادة ومواجهة المشكلات الصعبة والقدرة على المبادرة واتخاذ القرار والتفكير فى الأمور بجدية .

يقول الكاتب :

" قالت سعدية وكانت أصغر الأبناء : لو كنت معك لكان أول ما أطلبه أن أتحدى ذلك الجنى الأحمق فى مباراة للعبة الشطرنج ، فضحك أخوها وقال :            لم يكن الشطرنج معروفًا أيام النبى سليمان ، فعادت " سعدية " تقول : إذن مباراة لنط الحبل " . ويقول " عبد الله البرى " : " ابنتى فكرت بطريقة مختلفة ، لقد فكرت فى طريقة لترويض ذلك المخلوق الهائل الحجم القليل العقل حتى تستفيد من قدراته الخارقة ، بدلاً من إعادته فى الجرة إلى البحر وفَقْد فرصة لا تأتى إلى الإنسان إلا مرة واحدة فى عمره " ، كما كانت فتاة تحب العلم والثقافة ، فقد التحقت بالمدرسة ، كما استطاعت أن تقيم لنفسها مكتبة ازدحمت بالكتب .

أيضـًـا فى بعض قصص ألف حكاية وحكاية مثل قصة " لم ترث الاسم فقط " ، يجسد الكاتب صورة المرأة كقائدة ومحاربة للأعداء ، وكان اسمها " مهيرة " من السودان ، فكانت تدافع عن أرضها وتقود الجيش .. كما ذكر أن الفتاة لم يكن            لها دور فقط من خلال المعارك ، لكن كان هناك دور آخر ، تـُـشجع الرجال وتُثير حماسهم على القتال بالأناشيد والأشعار ، ومنذ ذلك الحين بدأ أهل القبيلة فى إطلاق هذا الاسم على بناتهم حتى لا يرثن فقط الاسم ولكن صفات تلك القائدة المحاربة أيضـًـا .

وفى قصة " الحظ الحسن " ، يصور الكاتب شخصية المرأة المحبة لأسرتها التى تقف بجوار زوجها وتشجعه على الاستمرار فى العمل والنجاح والتخفيف عنه وبعث روح  الأمل والتفاؤل فيه . والكاتب هنا لم يؤمن فقط بالمساواة بين الرجل والمرأة ، لكنه استخدم الكثير من العبارات التى تدل على احترامه وتقديره  للمرأة ، فعلى سبيل  المثال :

فى قصة " مفاجأة الأخير " ، يقول الكاتب : وقف مدرس اللغة العربية               يقول بصوت مملوء بالحماس والفخر : " والآن جاء دور ابنة المحافظة النابغة ابنــة
شارونة العجيبة ، ابنتنا التى رفعت رأسنا عاليًا " محاسن إسماعيل " الأولى على كل طلبة المحافظة " ، وقد اختارت " محاسن " أن تعمل فى قريتها حيث أحاطها أهل القرية بكل الحب  والإعجاب ، ولذلك انتخبها أهل القرية رئيسًا لمجلس القرية .

وبشكل عام فقد صور الكاتب المرأة بصورة تدل على احترامه وتقديره لدور المرأة فى المجتمع ، فهى امرأة عصرية ، إيجابية ، عقلانية ، تهتم بالتعليم ، تهتم بالعمل وتقدسه ، تعتبر أن العمل واجب ومهمة قومية من أجل تقدم  المجتمع - تهتم بالقضايا المعاصرة ، إلى جانب كونها المرأة المحبة للأسرة ، تهتم بالبيت والزوج  والأولاد لأن هذا واجبها الأول نحو أسرتها ووطنها ، فهى التى ترعى الأولاد من أجل خلق جيل جديد من المبدعين القادرين على خدمة الوطن والمجتمع فيما بعد ، وهى أيضًا من تقدم العون والمساعدة للآخرين فلها كل التقدير والاحترام .

خامسًا : الخيال والواقع فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :

تنوعت أعمال الكاتب الكبير بين الخيال والواقع .. ففى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، نجد الخيال فى مغامرة " زهرة " وهى موظف لجمع أطراف الواقع  وكشفه ، فبينما نرى الشجرة تحلق بنا فى حديثها لرفيقتها إلى آفاق شعرية وتحدثنا عما تراه وتشاهده وتبتسم وتحزن وتتألم وتشعر ، نرى فى النهاية تأكيد الكاتب على حدوث المغامرة ، فنراه يختم قصته قائلاً :

" والآن وقد مضت سنوات على هذا الذى حدث ، نشاهد أمام باب مدرسة الاجتهاد فى  قرية البياضية بمحافظة المنيا بصعيد مصر ، شجرة                   كافور عملاقة يظهر فى جذعها أثر واضح لمنشار ، وبجوارها بقايا جذع                 ضخم لأختها التى تم قطعها غدرًا .. لكن يوجد أيضًا إلى جوارها وعلى                  طول الطريق إلى القرية صف طويل من أشجار حديثة  ، تنشر الظل والهواء الرطب على تلاميذ المدرسة وهم يلعبون تحتها ، أو وهم قادمون من بيوتهم                أو عائدون من المدرسة " . (1)


( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
وكانت بعض القصص مزيجًا من الواقع والخيال ، مثل قصة " الصياد المسكين والمارد اللعين " ، حيث تمثل الخيال فى خروج جنى من جرة صغيرة ، ثم الحديث إلى الجنى وطريقة غياب الجنى بتحوله إلى دخان كثيف ، كما تمثل الواقع فى            " عبد الله البرى " وعلاقته بجاره وطريقة الصيد وعلاقته بأسرته .

وفى " حكاية رادوبيس " ، نجد الأحداث الأولى للقصة واقعية ، حيث                     ذكر الكاتب أحداثــًـا تاريخية عن عصر الفراعنة وأحداثــًـا مثل العبودية وبيع                العبيد . ذلك أن مصر منذ ستمائة سنة قبل الميلاد كانت معرضة لهجمات              الفُرس ، لكن حاكم مصر فى ذلك الوقت الملك " أمازيس " - واستمرارًا               لسياسة والده كان يصدهم بجيش من المصريين . أما الخيال فى القصة فهو              كثير مثل حديث رادوبيس للبقرة : " ما رأيك يا قشدة ؟ هل فهمت ما قلته بحركات جسمى وملامح وجهى بغير كلمات " ، وكانت تتخيل أن البقرة تفهم                ما تقصده وما تقوله .

وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " ، ظهر الخيال من خلال حوار على لسان طيور " البوم " ، ويظهر الواقع من خلال استلهام الريف المصرى ورموزه ومناقشة إحدى عاداته السلبية وهى التشاؤم من البومة .
 
أيضـًـا فى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، مزيج من الخيال والواقع ، ويتمثل الخيال فى عروس النيل .. أما الواقع فيتمثل فى تلوث ماء النيل .

وفى قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، تمثل الخيال فى أحداث القصة ، لكن الواقع فيها هو اهتمام العلماء العرب بالاختراعات والاكتشافات والملاحظة والتجريب والعلم .

وفى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، تمثل الواقع فى الصحراء وكيفية حدوث كارثة السيول وما تجلبه من دمار ، وكيف يواجه إنسان المناطق الصحراوية بخبرته فى هذا الشأن مثل هذه الكوارث . أما الخيال فيتمثل فى مواجهة " حسناء " كل هذه المخاطر والأهوال والصعاب التى تقابلها من سيول وزواحف ونقص فى المياه وخوف شديد على جدتها ، لكنه خيال مقبول ، ذلك أن أهل الصحراء يملكون صفات خاصة بهم .
وقد تمثل الخيال فى بعض القصص مثل : هدايا فيروز - البئر العجيبة - بلح الشاطر حسن ، وهى من قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، أيضًا قصص معروف فى بلاد الفلوس - الفرس المسحورة - قصة الجائزة وأنياب النمر ، حيث يدور الحوار على ألسنة الحيوانات فى الغابة .

أما الواقع فقد تمثل فى بعض القصص مثل " تائه فى القناة " التى تحكى عن أحداث حقيقية فى فترة مهمة من تاريخ مصر أثناء سنوات حفر قناة السويس ، وقصة بطولات من شارونة " مفاجأة الحفل الأخير " ، فحلم الفتاة بأن تكون طبيبة يتحقق فى الواقع بالصبر والاجتهاد والإصرار . أيضـًـا قصة " مغامرة البطل منصور " وقصة " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل " التى تحكى عن مقاومة الاحتلال الإنجليزى ، ويشهد التاريخ الكثير من القصص والأسماء التى كُتِـبَت على صفحات التاريخ فى مقاومة الاستعمار ، والتى تعبر عن حقيقة المصريين وقت الشدائد ومعدنهم الأصيل فى الدفاع عن وطنهم .

أما قصص : حكاية طارق وعلاء - سر الاختفاء العجيب - أحسن شىء أنى حرة - شىء احترق فى داخلى - صندوق نعمة ربنا - شجرة تنمو فى قارب - البداية مع قطعة شيكولاتة - قليل من الراحة فوق السلالم .. فهى قصص تعبر عن قضايا مهمة واقعية لا تهم الكاتب فقط ولكنها تهم المجتمع كله ، لأنها تمثل بعض قطاعات من أطفال المجتمع .. ونقصد هنا الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ، الأطفال بلا مأوى ، الطفل العامل ، الطفل الموهوب ، التعليم ومحو الأمية .

سادسًا : الرمز والحلم فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :

" السحر والحلم والرمز تنتمى جميعًا إلى عالم واحد ، هو ذلك العالم الذى يقع خلف عالم الشعور وعالم العقل ، ذلك العالم الذى يمتلئ بالغرائب والأعاجيب ولا تحده حدود ، والذى يسميه علماء النفس " اللا شعور " . ويقال إن الفن عامة حينما يتجرد من عالم الشعور وعالم العقل ، يصبح انعكاسًا لما يجرى فى ذلك العالم الغريب . ومن هنا كانت الحكايات الشعبية أقرب أشكال التعبير الإنسانى إلى ذلك العالم ، ولا غرابة عندئذٍ فى أن تمتلئ هذه القصص بعناصر السحر والحلم والرمز " . (1)

 ( 1 ) يعقوب الشارونى ، ملتقى أدب الطفل الأفريقى ، الحكايات الأفريقية للطفل عبر الحدود والمحيطات ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2004 .
" إذ نجد فى " أجمل الحكايات الشعبية " رموزًا نابضة بالحياة تكررت على مدار الأحداث والحكايات ، تتمثل فى النخيل - البئر - الحصان .. وهى رموز متعلقة بحياة الرواة والمتلقين ومنتشرة على الأراضى العربية كافة ، وهى خير مثال لتقريب الفكر والأحداث ، فهى متعلقة بمعاشهم وبيئتهم ، ومن هنا تدخل الأحداث دائرة التخيل والإقناع للمتلقى ولهذا فهى رموز نابضة بالحياة " . (1)

ففى قصة " معروف فى بلاد الفلوس " ، كان الحلم والخيال هما البطل الحقيقى فى القصة ، لكن لهذا الحلم مغزى أساسى ، فالقيمة التى يجب أن يتعلمها الطفل ألا يُكثِر من الأحلام والخيال ، وأن يُحَوِّل حلمه وخياله إلى واقع بالعمل والجد والاجتهاد ، فالحلم يساوى الأمل فى مستقبل أفضل ، كما أن الخيال هو أساس الكثير من الاختراعات والتكنولوجيا الحديثة ، فكثير منها كان مجرد حلم وخيال لكن بالعمل والإرادة والإصرار تحول إلى الواقع وحقيقة .

كما كانت هناك الكثير من الرموز فى بعض القصص ، ففى قصة " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل " كان مدرس اللغة الإنجليزية رمزًا للاستعمار الإنجليزى ،                 أما الطفل " فتحى " فكان رمزًا للشعب المصرى ، وفصل البريزة الكهربائية كان رمزًا لمقاومة الاستعمار .

وفى قصة " تائه فى القناة " ، يقدم الكاتب بعض الشخصيات التى تحمل الرمز الإنسانى والتى تعبر عن معاناة الإنسان بصفة عامة من خلال بطل الحكاية ، ففى هذه الرواية لعب الرمز دورًا مهمًّا من خلال أبطال متعددين للوصول إلى الهدف المنشود ، فالأم ترمز إلى مصر بأكملها فى وقت ساد فيه الفقر والجهل والمرض ، فقد سرقها حكامها وأذلوا شعبها الطيب وأهانوه وقتلوه وزيفوا الوعود وسلبوه إرادته وكرامته ، لكن " أم مصطفى " كانت رمزًا لكل نساء مصر فى هذه الآونة .. إنها رمز للصبر وقلة الحيلة،  وللمقاومة أيضـًـا : " فقد بدأت تدرك مدى سطوة السلطة القاهرة التى لا مهرب منها " ، ويؤكد الكاتب على السطوة والجبروت وظلم السلطة الحاكمة ، حيث يرمز شيخ البلد " مخلوف " وأمثاله إلى هذه السلطة التى                لا ترحم والتى تكيل الاتهامات وتـُـلصق بالمواطن ما هو برىء منه ، فيقول للطفل مسعود " أنت تحرض العمال على العصيان .. احمل قفتك .. أسرِعْ " . (2)

( 1 ) مجدى محمود الفقى ، الإبداع الشعبى بين الحجب والتصريح ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
( 2 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع مسبق .
وفى قصة بطولات من شارونة " مفاجأة الحفل الأخير " ، وصف للطبيبة                بأنها ذات البالطو الأبيض الناصع .. فهو يرمز إلى أنها فى داخلها تتمتع                     بنقاء القلب ، كما كان هناك حلم الطفلة " محاسن " بأن تكون طبيبة وأن                تساعد جميع الناس فى القرية وتحل مشاكلهم واستطاعت بالجهد والكفاح              والصبر أن تـُـحَوِّل هذا الحلم إلى حقيقة ، فلم تصبح فقط طبيبة ، لكنها أيضـًـا أصبحت رئيس مجلس القرية المسئول عنها وعن أهلها ، وبالتالى استطاعت أن تحقق حلمها فى خدمة الناس والقرية وطنها الصغير التى هى رمز لوطنها الكبير                " مصر " .

وفى قصة " مغامرة البطل منصور " ، بعد أن أنقذ القرية أطلقوا اسمه على الطريق المؤدى إلى هذا المكان وسُمِّىَ " بطريق البطل منصور " ، ليصبح رمزًا للمقاومة فى قرية شارونة .

وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، حزن " محمود " لاختفاء صديقه " سعيد " أما " مبروك " فقال لقد بحثنا عنه ولم نجده . فهنا اختلف موقف الناس فى البحث عن " سعيد " ، ويرمز الكاتب هنا إلى قضية مهمة وهى أن الناس عادة لا يستجيبون بنفس الطريقة إزاء الموقف الواحد فتختلف استجابة كل منهم طبقًا لأهمية الموقف لديهم .

وكان لعناوين قصص الكاتب الكثير من الرموز :

ففى قصة " شجرة تنمو فى قارب " ، ترمز الشجرة هنا للطفل الذى ينمو ويكبر ويريد أن يتعلم ويعرف ، وفروع الشجرة هنا رمز لعناصر حقوق الطفل المختلفة من تعليم ومعرفة وثقافة وحق فى حياة كريمة .

وتتناول قصة " أحسن شىء أنى حرة " ، أهمية الفن فى حياة الطفل ، فالفنون المختلفة مثل الرسم تساعد الطفل على تحريره من القيود المختلفة المحيطة به ، فهى رمز لحرية الطفل ومحاولة التعبير برسوماته عما بداخله بحرية مطلقة .

وفى قصة " شىء احترق بداخلى " ، يشير الكاتب إلى موهبة الطفل ورعايتها  مثل الشمعة المضيئة ، فإذا تركنا هذه الموهبة تنطفئ بدون رعاية فسوف تحترق مثل احتراق الشمعة .
وفى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، وأيضـًـا " صرخة ألم " من قصص ألف حكاية وحكاية ، شبه الكاتب النيل الذى يتعرض للتلوث بأنه إنسان يصرخ ويتألم ويتحدث ويتكلم وكأنه يقول " أنقِذونى " .

وتحتوى قصة " الجائزة وأنياب النمر " ، على إشارات رمزية ، فمثلاً النمر يرمز لكل حاكم ظالم ، والثعلب والذئب رمزان للحاشية المنافقة .

وفى " حكاية رادوبيس " ، كان رقص رادوبيس تعبيرًا عن الرغبة فى الحرية وتحطيم قيود العبودية والأسر . يقول الكاتب : " كانت رادوبيس تغنى للبقرة ، وبعد الغناء كانت ترقص برشاقة كما كانت ترقص فى حديقة بيت جدتها وهى صغيرة فتشعر وكأنها تطير مع إيقاع رقصاتها ، وكانت أثناء الرقص ينساب قوامها ليقدم أروع تعبير عن الرغبة فى الحرية وتحطيم قيود العبودية والأسر " .

وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " بعد أن أنقذت البومة الصبى ، أخذ المزمار وعزف ، وكان عزفه رمزًا لشكره وامتنانه العميق للبومة التى أنقذت حياته .. يقول الكاتب : " كانت أنغامه هذه المرة تعبيرًا عن الشكر العميق للطائر الشجاع " .

سابعًا : الأبطال والشخصيات المختلفة فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :

" اهتمام الطفل بالشخصية القصصية نابع من أنه يبحث دائمًا عن أشياء يقتدى بها ويرى فيها نفسه ويحقق من خلالها رغباته وطموحاته ، ولابد للشخصية القصصية من صفات تلتقى برغبات الطفل وحاجاته وإلا فإنها تخفق فى التأثير فيه ، لهذا السبب تحتاج قصة الطفل إلى الاهتمام بشخصية من الشخصيات بحيث ترفعها إلى مرتبة البطل ، وتبقى الشخصيات الأخرى دائرة فى فلكه ، وبتعبير آخر فإن البطل عنصر رئيسى فى قصة الطفل ، وأى قصة تخلو من البطولة الحقيقة تجعل الطفل يصاب بخيبة أمل كبيرة . ذلك لأن البطل يجسد آمال الطفل ورغباته ، فإذا كانت الشخصيات متساوية فى أهميتها أو مألوفة فى الواقع أو تفتعل المغامرة فى الفضاء البعيد ، خلت القصة من بؤرة شعور مركزية يقع الطفل فيها ويتمركز حولها ويقارن الآخرين بالاستناد إليها " . (1)

( 1 ) سمر روحى فيصل ، أدب الأطفال وثقافتهم ، قراءة نقدية ، مطبعة اتحاد الكتاب العرب ، دمشق ، 1998 .
وقد أجاد أستاذنا يعقوب الشارونى رسم الشخصيات والكشف عن ملامحها الخارجية والداخلية ، وصراعها النفسى إزاء الأحداث المختلفة .

وقد تنوعت الشخصيات التى تناولها الكاتب فى أعماله القصصية ما بين شخصيات تعبر عن واقع الحياة وعن حقيقة الإنسان بما فيه من خير وشر ، وبين شخصيات خيالية تعبر عن أحلام الإنسان .

أيضـًـا قدم لنا نماذج لشخصيات إيجابية فى مقابل الشخصيات السلبية .            إذ قدم لنا نموذجًا للإنسان الطيب والشرير ، البطل والظالم .

كما قدم لنا فئات مختلفة من المجتمع متمثلة فى : المعلم - المهندس - الناظر - مديرة المدرسة - رجل السيرك - النجار - البقال - المهندس -           المقاول - الصيدلى - الأميرة - الطبيبة - الدادة - الساحر - المُنجِّم -                   بائع الخبز ..

ففى قصة " تائه فى القناة " ، قدم لنا الكاتب شخصية شيخ البلد الرجل الظالم للطفل الصغير " مسعود " ، الذى يتهمه ظلمًا ويضربه ويعتدى عليه بالعصا دون أن يرتكب أى ذنب ، ويعجز مَن حوله عن مواجهة بطشه .. وتربص شيخ البلد بالطفل وكراهيته له . كما ينتهز الفرصة لإيذاء هذا الطفل ، فيسند إليه عملاً شاقــًّـا لا يقوى عليه جسده حتى يقع ويغمى عليه من فرط الإعياء والتعب . وفى نفس القصة قدم لنا الكاتب شخصية الأم التى يضغط عليها شيخ البلد ويهددها بسلب ابنها بالقوة منها لأنها رفضت زواج ابنتها به .

وقدم لنا فى قصة " البداية مع قطعة شيكولاتة " ، شخصية الرجل المثقف الواعى القادر على فهم احتياجات الطفل ومساعدته على تنمية مواهبه واكتشافها .

أما شخصية البطل فقد ظهرت فى قصة " مغامرة البطل منصور " ، يقول منصور : " لن أترك مكانى .. أنا الآن مثل جندى فى ميدان القتال لا يتقهقر ولا يهرب ،            إما أن تأتينى النجدة أو أموت حيث أنا فأمنع الماء حتى وأنا ميت من الانتصار على السد وإغراق القرية " . وتأتيه النجدة بعد أن يصنع عملاً بطوليًّا ، وبعد أن يتعلم الطفل معنى المقاومة حتى أطلقوا اسمه على الطريق المؤدى إلى ذلك المكان ويعرف " بطريق البطل منصور " ، ليصبح الطريق هو الآخر رمزًا للمقاومة والصمود فى قرية شارونة .
فشخصية البطل منصور شخصية إيجابية ، تملك القدرة على المبادرة واتخاذ القرار وحسن التصرف ، كما يملك إحساسًا عاليًا بالمصلحة العامة والانتماء لمحيط القرية التى يحيا فيها ، ويُحسَب للمؤلف أنه اختار بطل القصة " منصور " ببراعة ، فهو طفل فى نفس المرحلة العمرية للطفل القارئ وهو ما يساعد الطفل على التوحد مع شخصية القصة وأحداثها ، وبالتالى يتلقى بسهولة ما تقدمه من أفكار وقيم تربوية .

كما ظهرت شخصية البطل أيضـًـا فى قصة أخرى وهى " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل " ، ففيها نلتقى مع الطفل " فتحى " الذى كان له دور فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى ، عن طريق نزع البريزة الكهربائية الرئيسية الخاصة بالمدرسة فى يوم عودة مدير المدرسة الإنجليزى وزوجته بعد رحلة شهر العسل .

كذلك شخصية البطل القادر على حماية وطنه وآثاره فى قصة                       ( سر الاختفاء العجيب ) فمن خلال شخصية " محمود " الطفل المصاب بشلل أطفال فى ساقه ، الذى نجح الكاتب فى تصوير صراعه النفسى والداخلى بين اختلافه عن الآخرين ونظرة الآخرين إليه ، وكيف صمم على إثبات قدراته ومقدار ما يستطيع إنجازه وهو صاحب الساق العرجاء .

وقد نجح الكاتب أيضـًـا فى رسم شخصية " محمود " ، فرغم إعاقته فهو شخص لديه الإرادة والعزم والتصميم ، طفل مثقف ، لذلك استطاع عن طريق قراءاته المختلفة وثقافته أن يقدر تاريخ بلده وأهمية تراثه وآثاره ، واستطاع ليس فقط إنقاذ صديقه " سعيد " ، لكن أيضًا إنقاذ الآثار الرائعة التى تعبر عن عظمة وتاريخ مصر .

أما شخصية الرجل المخلص ، فقد جسدها " عم أمين " الذى ظهر فى قصة " مفاجأة الحفل الأخير " ، فهو شخصية ذات خبرة تربوية يساعد أهل القرية جميعهم ، كما يساعد تلاميذ القرية .. كان يقول : " هذا واجبى ، وليست هناك وظيفة أفضل من هذا .. بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة فإن كل الأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين من أبناء شارونة سيشيرون إلىّ ويقولون :                " عم أمين أفندى " كان له الفضل فى أننا أكملنا تعليمنا " .
كما نجد أن أبطال وشخصيات هذه القصة تمتاز بأنها شخصيات إيجابية متكاملة البناء ، تتطور بشكل طبيعى مقنع . فشخصية الطفلة " محاسن " يتم تقديمها منذ البداية كشخصية مجتهدة طموحة تخطط لمستقبلها ، لذا يصبح وصولها فى النهاية إلى تحقيق أملها فى أن تكون طبيبة شيئـًـا مقنعًا ومنطقيًّا ،               ثم تم انتخابها بعد ذلك كرئيسة لمجلس القرية .. علاوة على ما يميزها من وفاء واحترام لقريتها ومُدَرِّسها والدكتورة سوسن ، كلها أمور منطقية متسقة مع               تكوين الشخصية . ومن الملاحظ فيما يختص بالشخصيات ، أن الكاتب فى هذه القصة قد عرض من خلال الشخصيات فكرة أساسية بالنسبة للطفل ، هى فكرة القدوة والمثل الأعلى متمثلاً فى شخصية المدرس " أمين أفندى " والطبيبة                 " سوسن ".

وفى قصة " إنقاذ عازف المزمار " ، نجد شخصية الصبى الذى يعمل بالرعى فى الريف ، وتظهر فى هذه الشخصية طبيعة الإنسان التى يمتزج فيها الجانب الإيجابى مع السلبى ، حيث يظهر الجانب الإيجابى من خلال رقة الإحساس وتذوق الفن والعزف على المزمار عزفًا شجيًّا جميلاً ، ويظهر الجانب السلبى من خلال القسوة على البومة ورميها بحجر أصاب جناحها كنتيجة للتشاؤم منها .

وفى قصة " البئر العجيبة " ، قدم لنا الكاتب الفتاة " أمينة " الإيجابية والفتاة            " جميلة " السلبية ، وكيف أن هناك خيطًا رفيعًا جدًّا يفصل بين البشر فى نجاحهم وفشلهم وبين العمل والكسل ، ويقدم لنا النموذج الذى يجب أن يَحْتذى به الطفل وهو شخصية " أمينة " .

وقد نجح الكاتب فى تصوير الجانب النفسى للشخصيات ، مثل شخصية الأمير الجبان فى قصة " الأمير الجبان " ، حيث أظهر الكاتب ما بداخل هذه الشخصية من صراعات ، وكيف أن النفس البشرية صندوق مغلق لا يمكن لأحد أن يعرف محتواه ، وأن " النصر لا يأتى إلا بالانتصار على النفس أولاً " . (1)

وفى قصة " الفرس المسحورة أو " الشاطر حسن "

اعتنى الكاتب الماهر بشخصياته وصقله الدائم لها . فالشخصيات مرسومة بعناية فائقة ، كما اهتم أيضـًـا بالبنــاء الداخلـى للشخصيــة . ولم يمــر الكاتـب سريعًـا

 ( 1 ) صلاح ترك ، رؤية نقدية عن كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، الندوة الشهرية لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
على الشخصيات الفرعية ، بل على العكس كان دقيقًا فيها ، حتى إنك عندما تبدأ فى قراءة القصة تظن أن بعض الشخصيات الثانوية قد تتحول إلى شخصيات أساسية وذلك لما بها من دقة عجيبة فى رسمها وبنائها . لكنك تتعجب حين تجد أنك تتحول بهدوء عن هذه الشخصيات وتظهر بالتدريج شخصيات أخرى تلعب دورًا أصغر لكنها مرسومة بنفس العناية والدقة ، منها على سبيل المثال شخصية الوصيفة فى بداية القصة التى ساق الكاتب على لسانها الكثير من الحكم والقيم ، بل جعلها فى نفس قوة شخصية الأم ومنافسة لها . وبهدوء تبتعد الأم والوصيفة عن خشبة مسرح الأحداث ، لتفسحا المجال لِزَوْجةٍ ووصيفَتِها لتأخذا نفس القوة تقريبًا دون أن يفقد الكاتب السيطرة على الأحداث . كما أن الملامح البيولوجية والفلسفية والنفسية للشخصيات واضحة ، وعلى رأسها بالطبع الشاطر حسن ، الذى تربى على الشجاعة والعدل ، حتى إنه عندما خذله السلطان وتراجع عن وعده بتزويجه ابنته ، كان رده واضحًا يحمل كل معالم الشخصية " أشكرك يا مولاى .. لقد قمت بواجبى تجاه أسرة سلطان بلادى ولست أريد أى نوع من المكافأة على أداء الواجب " . وعندما هاجم الأعداء بلاده ترك كل شىء واستعد للمواجهة كبطل وهو يردد " هذا لأجل وطنى وليس لأجل أى هدف آخر " . (1)

وكما قدم لنا الكاتب شخصية الشاطر حسن البطل الإيجابى ، قدم                  لنا شخصيات تظهر فيها قوى الشر ، فيظهر الشر من خلال " زوجة الأب " الحاقدة على ابن زوجها " الشاطر حسن " ، ثم الوزير الطامع فى الحكم والاستيلاء على مقاليده والتخطيط الدائم ضد " الشاطر حسن " ، ورغبته اللحوحة فى الاقتران بابنة الملك كوسيلة للتنصيب ملكًا على البلاد .

كما ظهر نمط آخر من الشخصيات هى شخصية " حسناء " الفتاة البسيطة ، متفتحة الذكاء خفيفة الظل ، عفوية ، تملك صفات جميلة ، ولديها خبرة بالحياة ساعدتها على تخطى الصعاب والمشاكل التى اعترضت طريقها فى البحث عن الجدة . أيضـًـا شخصية الجدة الخبيرة بالحياة الصحراوية ومتاعبها وكيفية مواجهة أخطارها وذلك فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " .

كما قدم لنا شخصيات مستبدة مثل " بنت الأمير " فى قصة " بلح الشاطر حسن " ، وقدم لنا شخصية الأميرة الشجاعة القائـدة التى تدفع بزوجهــا إلى إحــراز


 ( 1 ) عبد الرحمن بكر ، منهج فى الرواية ، دراسة عن الشاطر حسن ( الفرس المسحورة ) ، الندوة الشهرية لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
النصر فى قصة " الأمير الجبان " . أما شخصية البنت الشجاعة الزعيمة فقد قدمها لنا الكاتب فى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، وقدم لنا شخصيات ترمز إلى الحكمة فى قصة " البئر العجيبة " ، و " نقطة زيت " .

فالكاتب قدم لنا ثروة من الشخصيات سواء من الواقع أو الخيال ، تحمل الكثير من متناقضات الحياة مما يعبر عن واقع الإنسان وما يحمله من خير - شر - ظلم - عدل- حب - كراهية - قوة - ضعف - بخل - كرم .

ثامنًا : المكان والزمان والبيئة فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :

" وظف الكاتب عنصرى الزمان والمكان فى أعماله المختلفة توظيفًا مناسبًا ، حتى لنشعر أن المكان والزمان أبطال تسهم فى نجاح العمل إلى جانب الأبطال الرئيسيين فى أعماله . وقد تنوع مكان وزمان أحداث القصص .. فتارة يأخذنا الكاتب معه عبر التاريخ إلى أماكن تاريخية ليحيى الأماكن التى كادت أن تندثر ولا يعرفها أحد .

ففى قصة " تائه فى القناة " ، يذهب بنا الكاتب إلى خارطة مصر يحيى أماكن وأحداث الماضى وكأنها ارتدت ثياب الحاضر ، حيث يفتح صفحات من التاريخ بشكل أدبى إنسانى جديد ، فيذهب بنا إلى منطقة القناة ، ذلك المكان المهم فىتاريخنا وحياتنا ليتعرف عليه الطفل ويعرف ما تم به من أحداث فى تاريخ وطننا العزيز .

ثم ينتقل بنا إلى الصعيد حيث تلال مصر الشرقية فى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، ويتمثل المكان فى الجبال والتلال واسم البلد الذى وقع به الحدث وهى التلال الشرقية لقرية شارونة إحدى قرى الصعيد الوسطى . وينقل لنا أحداثــًـا تارة تحدث ليلاً وتارة أخرى تحدث نهارًا وكأن الوقت عنصر وبطل آخر فى أحداث القصة ، فنجد أحداث القصة تدور أساسًا فى قرية " شارونة " فى صعيد مصر ، وتبدو تأثيرات المكان والبيئة الصعيدية حاضرة بقوة فى هذه القصة ، حيث عنى الكاتب منذ البداية بأن يوضح لقارئه مكان القرية الخصبة الممتدة على حافة " تلال مصر الشرقية " على شاطئ النيل ، كما عُنِىَ أيضًا بتوضيح طبيعة البيئة عبر إشارات دالة على الطرق بين القرى ، وعلى علاقات أهل القرية معًا ، ولعب الأطفال فيها وأحاديثهم ، منها مثلاً إشارته إلى المعدية لعبور النيل ، وإشارته إلى استخدام جذع نخلة كقنطرة لعبور الترعة . ومن ذلك أيضًا الإشارة إلى قيام                  " محمود " و " سعيد " بصيد الثعالب بين التلال وبيع فرائها . وفى السياق نفسه كانت هناك إشارات واضحة تـُـظهِر مدى خشونة البيئة وطابعها القاسى بالإشارة إلى الأحجار وصعوبة ووعورة التلال ، ولا شك أن كل هذا الاستلهام للبيئة قد دعم الإحساس بأحداث القصة . (1)

وتارة أخرى ينتقل بنا الكاتب إلى صحراء مصر حيث الشمس وحرارتها القاتلة وذلك فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، إذ تدور أحداث هذه القصة                             فى الصحراء حيث العشة وبعض الصخور وبئر ، فالبئر فى كل بلاد الدنيا ينشر  العمار فى الصحراء حيث يتجمع حوله البشر ويقيمون إقامة دائمة ، لكن               منطق أهل هذه الصحراء هو البُعد عن البئر خوفًا من اللصوص أو الوحوش ،            بل يعيش أفراد قبائل هذه الصحراء منفردين يفصل بين كل عشة وأخرى مسافة            لا تقل عن 6 أو 7 كيلو مترات .

ثم ينتقل بنا الكاتب إلى عالم آخر فى قصة " الفرس المسحورة " ، فتبدأ القصة فى " ميناء بلاد الشمس والقمر " ، ثم تنتقل إلى مملكة الشمس والقمر نفسها وبالتحديد داخل قصر السلطان وفى بستانه الذى يتم وصفه بدقة وبجماليات           عالية ، ثم يتحرك بنا الكاتب فى سرعة مخترقًا جبالاً وأودية يكون المكان فيها هو ظهر الحصان نفسه الذى يركبه البطل ويطير به فوق كل مكان ثم يعود ليستقر مرة أخرى داخل القصر .

ثم ينتقل بنا الكاتب عبر أحداث قصة أخرى وهى " عفاريت نصف الليل " ، إلى الريف بالقرب من منطقة المقابر المجاورة لقرية الشيخ فضل ، وهى على مقربة من مغاغة فى صعيد مصر .

أيضـًـا كان الريف هو البيئة التى دارت عليها أحداث قصة أخرى وهى قصة " إنقاذ عازف المزمار " ، ويبدو فيهـا حضـور البيئــة الريفيــة واضحًا من خــلال بعض


( 1 ) فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، مرجع سابق .
الرموز الدالة مثل " شجرة السنط " ، فكان بطل القصة هو الراعى الذى يعزف على المزمار بما يمثله هذا من استدعاء ريفى واضح .

كما كان للريف وجود آخر من خلال قصة " مغامرة البطل منصور " ، حيث قرية شارونة ، وتبدو فيها مؤثرات البيئة الريفية للغاية ، حيث يظهر بقوة الترابط والتساند الاجتماعى المميز لأهل الريف من خلال مقاومة مياه الفيضان عن طريق الاشتراك فى بناء سد حول القرية وحراسته ، كذلك الاشتراك فى إخماد الحريق الذى شب فى القرية بشكل جماعى . وتظهر إشارات دالة على البيئة الريفية فى القصة ، كالإشارة إلى المحاصيل التى يهددها الفيضان بالغرق ومحاولة أصحابها إنقاذها ، والإشارة إلى تلاصق البيوت وتراكم الحطب وعيدان الذرة الجافة فوق سطوحها . وبوجه عام تبدو فى القصة خشونة الحياة الريفية وجديتها فى ظرف استثنائى يهدد القرية بالغرق والحريق بالنار فى آن واحد . ولا شك أن وجود هذه التفاصيل وهذا الطابع الخشن فى القصة قد منحها ما تتميز به من مصداقية فنية وروح حية نابضة غنية بالدلالات والإيحاءات .

ثم يعود بنا الكاتب إلى مدينة من الخيال أطلق عليها " شمس الذهب " لتدور فيها أحداث قصة " بدر البدور والحصان المسحور " ، إلى جانب مدينة من الواقع يدور فيها جزء من الأحداث هى مدينة بغداد .

كما نقل لنا أحداث قصص أخرى تقع إما فى حديقة على ضفاف النيل فى العاصمة القاهرة من خلال قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، أو فى غابة بين الحيوانات من خلال قصة " الجائزة وأنياب النمر " ، أو فى البحر من خلال قصة            " الصياد المسكين والمارد اللعين " حيث عالم البحار والأسماك والصيد والرحلات البحرية التى أخذنا خلالها الكاتب عبر أحداث القصة ، أيضًا فى قصة " حكاية رادوبيس" حيث كانت أحداث القصة تدور فى مدينة بالقرب من شاطئ البحر المتوسط .

كما كانت هناك أحداث لقصص تجرى بعض أحداثها فى المدرسة أو فناء المدرسة مثل " حكاية طارق وعلاء " ، و " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل " ،               و " صندوق نعمة ربنا " . أو فى دار رعاية نهارية كما فى قصة " أحسن شىء أنى حرة " ، أو داخل بيت مصرى فى قصة " شىء احترق فى داخلى " . والكاتب يتتبع أحداث قصصه وأبطاله فى أى مكان حتى ولو فى قارب تحت كوبرى عباس على ضفاف النيل ، وهى المنطقة التى شهدت بعض أحداث قصة " شجرة تنمو فى قارب " . أيضًا فى صيدلية من خلال أحداث قصة " شجرة تنمو فى قارب " ،  أو فى مستشفى فى " حكاية طارق وعلاء " ، أو فى سوبر ماركت فى أحد أحياء المدينة يخدم مجموعة من المنازل المحيطة به فى قصة " قليل من الراحة فوق السلالم " . ولم ينسَ كاتبنا آثارنا العظيمة مثل المتاحف فكان المتحف اليونانى الرومانى أيضًا أحد الأماكن التى دارت فيها أحداث قصة " سمكة نهاد التى            لم ترسم بعد " .

وهكذا لم يترك كاتبنا أ / يعقوب الشارونى مكانـًـا إلا وتطرق إليه ، وكان شاهدًا على أحداث كل قصة جديدة له ، فهذه هى طبيعة المبدع الذى يستلهم أفكاره من أى مكان يذهب إليه ولا يترك حدثــًـا إلا ويستلهم منه فكرة لقصة           جديدة .

تاسعًا : الموضوعات المختلفة فى أعمال كاتب الأطفال أ. يعقوب الشارونى :

 اختار الكاتب موضوعاته بعناية شديدة من موضوعات اجتماعية إلى علمية وتاريخية . وإذا رسمنا خريطة عامة لأهم الموضوعات التى تطرق إليها كاتبنا فسنجدها كالتالى :

         
موضوعات تاريخية موضوعات خيالية موضوعات جغرافية

موضوعات وقضايا اجتماعية
حكايات من
التراث موضوعات
 علمية موضوعات فكاهية

وإذا تناولنا بالتفصيل كلاًّ منها فسنجد :

أولاً : الموضوعات والقضايا الاجتماعية التى تناولها الكاتب فى أعماله :

- قضية الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة .

- عمالة الأطفال .
- التعليم ومحو الأمية ، خاصة تعليم الإناث .

- أولاد الشوارع ( أطفال بلا مأوى ) .

- المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث .

- قضية الآثار والاهتمام بها وكيفية المحافظة عليها .

- قضية العمل والإنتاج .

- اكتشاف وتنمية الموهوب .

- حقوق الطفل المختلفة : حقه فى التعليم واللعب والثقافة .

- الاهتمام بتربية الطفل وتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة يكتسب من خلالها قيمًا تربوية مختلفة ، سواء كانت قيمًا اجتماعية أو دينية وأخلاقية ، أو قيمًا وطنية وسياسية ، أو قيمًا اقتصادية أو جمالية أو علمية ، كما يكتسب سلوكيات واتجاهات مرغوبة اجتماعيًّا .

موضوعات مهمة تتناول :

- العلاقات المختلفة بين البشر ، سواء علاقة الإنسان بجيرانه وأسرته ، وأسلوب حياة البشر وتفكيرهم ، بالإضافة إلى صور ومواقف النجاح والإنجاز ومواجهة الحياة بشرف وجد وأمانة .

- مناقشة عادات سلبية مثل التشاؤم من حيوان أو طائر كالبومة فى قصة إنقاذ عازف المزمار ، رغم منافعه للإنسان ، أو عدم تصديق الخرافات والتنجيم ومحاربته فى حكاية عصفور وجرادة .

- موضوعات يخرج منها الطفل بعبرة أخلاقية .

- موضوعات تناقش العلاقة بين الإنسان و الله سبحانه وتعالى وكيف يشكر الإنسان ربه على نعمه حتى يزيده الله من نعيمه .

- قضية الرفق بالحيوان .
- قضية الوحدة الوطنية ، والإشارة إلى أهمية العلاقة القوية بين المسلم والمسيحى وما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة من أسس مهمة مثل الألفة والمحبة ، فعلى سبيل المثال يقول الكاتب فى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " :                     " سألت السيدة أم محمدين السيدة أم دميانة .. " أيضًا فى قصة " عفاريت نصف الليل " : " أحست زوجة برسوم بالخطر الذى يهدد حياة والدة حسين ، فهمست بكلمات إلى سيدتين بجوارها ، ثم قالت لزوجها : سنذهب لنرى والدة حسين " . فهنا إشارة إلى التعاون وقوة الصلة بين المسلم والمسيحى ، ويؤكد الكاتب على ضرورة طرح مثل هذه القصص التى تعلم الطفل الوحدة الوطنية ، خاصة فى ظل الظروف الحالية ومحاولة إثارة الفتن الطائفية .

ثانيًا : موضوعات تاريخية وسياسية ووطنية :

- تناول الكاتب جزءًا مهمًّا من تاريخ مصر ، نقل فيه معاناة الإنسان المصرى فى فترة ما من تاريخ مصر من خلال قصة تاريخية مهمة هى " تائه فى القناة " ، ليتعرف الطفل من خلالها على تاريخ بلاده ومعاناة أجداده فى حفر قناة السويس ، ومقاومتهم للظلم الواقع عليهم .

- حب الوطن والانتماء إليه ومعرفة تاريخه فى قصة " حكاية رادوبيس " .

- المحافظة على الآثار الفنية والتاريخية فى قصة " سر الاختفاء               العجيب " .

- مقاومة العدو والاحتلال فى قصة " ليلة مظلمة فى نهاية شهر عسل " ، وقصة " فوق الرمال " .

- الدفاع عن الأرض ضد أى احتلال فى قصة " ابحث لك عن مكان  آخر " .
ثالثـًـا : حكايات من التراث :
لابد أن نحافظ على تراثنا وأن نحفظه من الاندثار ، لذلك كان الكاتب حريصًَــا على الاستلهــام من تراثنــا الشعبــى مع المحافظـة على الروح العامة للقصة الشعبيــة
وخصائصها التى تميزها . وقد اختار ما يلائم الأطفال فى عصرنا هذا ، إلى جانب اختياره القصص ذات القيمة التربوية التى تحتوى على قيم مهمة يتعلم              ويستفيد منها الطفل ، إلى جانب المتعة الفنية والمغامرات المحببة لدى الأطفال ، وجاء كل هذا فى قصص :
- أجمل الحكايات الشعبية .
- الفرس المسحورة ( الشاطر حسن ) .
- حكاية رادوبيس .
- بدر البدور والحصان المسحور .
- الصياد المسكين والمارد اللعين .
رابعًا : موضوعات جغرافية :

اهتم الكاتب أيضـًـا بالجغرافيا البشرية ، وقدرة الإنسان على مواجهة مخاطر البيئة مثل " السيول " ، من خلال قصة " حسناء والثعبان الملكى " ،          فهى صراع بين فتاة وقوى الطبيعة عندما تفاجئها السيول ، فتقلب هدوء            الصحراء وسكونها إلى نهر متسع هائج له دوى يصم الآذان ويكتسح فى طريقه كل شىء .
خامسًا : موضوعات فكاهية :
كذلك اهتم الكاتب بالمغامرات المحببة للطفل فى كثير من قصصه وأعماله المقدمة للطفل ، فعلى سبيل المثال فى قصة " معروف فى بلاد الفلوس " ، تناول بشكل لا يخلو من الطرافة حكاية معروف الذى تعامل بخيال وذكاء فى بلاد الفلوس .
أيضـًـا فى قصة " عصفور وجرادة " ، نجد أن الكاتب يتناول القصة بشكل               لا يخلو من الفكاهة والمغامرة والقصة المشوقة المحببة جدًّا للطفل والممتعة ، تتضمن أيضـًـا العبرة الأخلاقية والسلوكية .
سادسًا : موضوعات علمية :
تناول الكاتب بعض الموضوعات التى تتحدث عن دور العلماء ومدى قدرتهم على تحقيـق الإنجـازات العلميـة والاختراعـات والاكتشافـات ، كما فى قصـة
" بدر البدور والحصان المسحور " ، كما تناول العديد من الموضوعات المرتبطة بالعلم :
- قوة العلم والتقدم العلمى ، فالعقل هو البطل الحقيقى فى التقدم العلمى والتكنولوجيا كما فى قصة " الفرس المسحورة " .

- استخدام الفنتازيا العلمية والهندسة الوراثية واستنساخ بشر ( حكاية بلح الشاطر حسن ) .
- زراعة النباتات التقليدية فى المناطق التى تندر فيها المياه ، وكذلك الزراعة الفضائية التى تقوم بها وكالة الفضاء ( ناسا ) تمهيدًا لأن يحصل سكان مدن الفضاء فى المستقبل على ما يحتاجون إليه من غذاء فى حكايات ألف حكاية وحكاية .
فهنا يحرص الكاتب على تناول موضوع الخيال العلمى فى قصصه ، كدعوة للطموح والاختراع لدى الطفل ، وتزويد الأطفال بالثقافة العلمية وأسلوب التفكير العلمى .
سابعًا : موضوعات خيالية :
كان للخيال نصيب كبير فى قصص كاتب الأطفال يعقوب الشارونى ، سواء كان ذلك فى ثنايا الحكايات الشعبية وما تحتويه من حكايات خيالية                   عن الجان والخوارق والسحر ، أو حكايات تأتى على لسان الحيوانات وهو العالم المحبب للطفل ، فكان يصطحب الأطفال معه إلى عالم الحيوانات لينقل                      لهم ما يريد للطفل أن يتعلمه ويعرفه من خلال عالم الحيوانات ، مثل قصة                      " الجائزة وأنياب النمر " و " حسناء والثعبان الملكى " ، أو من خلال النبات           مثل قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، فهذه القصة تحكيها الشجرة العجوز للشجرة الشابة .
** العناصر الفنية فى إبداع أ / الشارونى

1 - الأسلوب ، السرد والحوار ، اللغة فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى:

أصيلاً قويًّا ، ومع ذلك لن يؤثر فيهم ، ما لم يتوفر له الأسلوب الواضح ، البسيط ، البعيد عن التعقيد ، الموحى بالصور . ولعل أهم ما يميز الأسلوب الناجح فى أدب الأطفال ، هو قدرته على إثارة الصور المرئية ، وعلى خلق المضمون المادى الملموس ، الذى يثير أمام الطفل القارئ الإحساسات المختلفة ، من سمع وبصر وحركة ولمس وتذوق وشم ، فالطفل يدرك العالم بحواسه أكثر من قدرته على إدراكه بالكلمات والعبارات ذات المضمون المعنوى المجرد " . (1)
ويرسم لنا الكاتب فى كثير من قصصه لوحات ناطقة بالصوت والصورة والحركة ، فيظهر الصوت والصورة والحركة مدى التأثير القوى على القارئ ، فيجعلنا نعيش مع الكاتب الأحداث المتلاحقة .
ففى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، نجد الكاتب يصحبنا معه من خلال الصوت والصورة والحركة لكى نعيش الأعاصير والسيول والأمطار ، فنشعر بأننا داخل هذا السيل الجارف الذى حدث فجأة . فنعيش معه ثورة الطبيعة بكل                ما فيها من خوف ورهبة وترقب ، فقد وصف الكاتب مياه الأمطار الغزيرة بأسلوب جعلنا نشعر بهول هذا السيل من الأمطار ، وجاءت الصورة بألوانها الزاهية وأصواتها المعبرة لتؤكد هذا المعنى . يقول الكاتب : " كانت كميات الماء الهائلة التى نزلت أمطارًا شديدة الغزارة من السماء تندفع مع ما تحمل من صخور إلى الوادى المنخفض المحصور بين الجبال المرتفعة على جانبيه ، فملأته فى  لحظات ، واختلطت المياه بالرمال . واندفعت جبال الماء والصخور تحطم أمامها الأشجار النادرة ، والمياه تكتسب فى كل لحظة سرعة رهيبة وقوة مدمرة " .

( 1 ) يعقوب الشارونى ، دراسات فى القصة للأطفال ، مرجع سابق .
وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، يصحبنا الكاتب مع بطل القصة الطفل             " محمود " الذى يبحث عن صديقه المختفى " سعيد " ، فنعيش معه لحظات البحث والترقب والانتظار فى رحلة البحث عن صديقه ، وبأسلوب يبرز فيه الصوت والصورة : صوت السقوط داخل البئر ، أصوات القروش الحجرية وهو يجمعها              مع بعضها بعضـًـا ، صوت العصا وهى تهوى على الضبع لتقتله ، ارتطام جسم                        " محمود " بقاع الفجوة التى سقط فيها .
كما أن هناك صورًا رائعة عندما وصف الكاتب المقبرة الفرعونية : " وقف الصديقان يتأملان الكنوز التى تحيط بهما .. كان الصندوق الذى اتخذ شكل الجسم الآدمى ، موضوعًا فى تابوت حجرى يغطيه ذلك القناع الذى أثار ذهول محمود ، بينما رقائق الذهب تغلف بقية سطح الصندوق ، وقد نـُـقشت عليها رسوم فى غاية الدقة والجمال ، على هيئة صقرين تتعانق أجنحتهما ، مع تطعيم النقش كله بالأحجار الكريمة المختلفة الألوان " .
وفى قصة " تائه فى القناة " ، يصحبنا الكاتب معه فى الرحلة الشاقة لحفر قناة السويس ، فيجعلنا نعيش معاناة الإنسان المصرى من عمل شاق فى الصحراء والشمس الملتهبة والجوع والعطش والقسوة وبكاء ودموع وصراخ الأطفال والشباب والرجال بسبب العمل فى حفر القناة ، وكذلك من خلال شخصية                " أم مصطفى " :
يقول الكاتب :
" صاحت الخالة ، ثم تحفزت كأنها تتأهب لتنقض بأظافر يديها على وجه مخلوف وصاحت : ماذا فعلتم بابنى ، وما هو هذا الطريق الذى يحتاج شهرين للعودة يا شيخ مخلوف ؟ لماذا لا تريد أن تتركنا فى حالنا يا شيخ البلد ؟ "
وقد استخدم الكاتب علامات الاستفهام والتعجب فى القصة ليدلل على الحيرة والارتباك والدهشة .
وفى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " ، جعلنا الكاتب نتعاطف مع الشجرة وما تشعر به من ألم وحزن ، ونتوحد مع الذكريات الأليمة للشجرة ، ونعيش أحزانها وآلامها وصرخاتها .
يقول الكاتب :
" صاحت الشجرة العجوز لجارتها الشابة : ذات صباح وعلى غير انتظار .. فوجئت باثنين يتعاونان على قتلى .. ثم بدأت المذبحة " - وفى صوت يخالطه الألم قالت : " كانت أسنان المنشار حادة رهيبة تغوص بغير شفقة فى لحمى ، والمنشار يذهب ويجىء بقسوة ، فيزداد الجرح عمقًا فى جذعى .. أرادوا قتلى " .
كما اعتمد الكاتب أيضًا فى أسلوبه على التشبيه والكناية ليزيد من جذب الطفل للأحداث المختلفة للقصة . ففى قصة " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، يقول الكاتب : " قتله التلوث " ، فهنا شبه التلوث بالقاتل الذى يقضى على            الحياة ، وهذا إنذار بأن التلوث سيقضى على الحياة وسنموت جميعًا . كما قالت            " عروس النيل " وهى تتنهد : " لو أن الجميع يهتمون بصحة النهر كما يعتنون بصحتهم وصحة أبنائهم ، لما حدث لى ما حدث " ، فهذا تعبير مجازى يُشـَـبِّـه فيه النهر بإنسان تتدهور صحته ، لذلك لابد أن نهتم به حتى لا تتدهور صحته وتنتهى حياته .
- وإذا انتقلنا إلى جانب آخر فى أعمال أ . يعقوب الشارونى ، وهو خاص بالسرد    والحوار ، فسنجد تميزًا بل وتفردًا يشهد ببراعته وريادته .
يقول الناقد سمر روحى فيصل :
" تختلف قصة الطفل عن قصة الكبير فى حاجتها إلى السرد الذى يلخص الحوادث بقدر قليل من الجمل ، والحوار الذى يوضح طبيعة الشخصيات وأفكارها ويعين على نمو الحوادث . إلا أن السرد فى قصة الطفل يلتزم فى الغالب الطريقة المباشرة ، التى تجعل الكاتب يشرف على القصة من بدايتها إلى نهايتها دون أن يشعر القارئ الطفل بها . ومن المفيد ألا يبالغ القاص فى السرد فيملأ القصة به ، لأن الأفعال التى يذكرها السرد تتسم بسمة الأخبار ، فى حين يطلب الطفل أفعالاً ملموسة تضج بالحركة .. وهناك طريقة أخرى فى السرد يلجأ إليها بعض القاصين هى طريقة السرد الذاتى الذى يتحدث البطل فيها عن نفسه " . (1)
وإذا تناولنا السرد والحوار فى أعمال الكاتب يعقوب الشارونى ، نختار ، على سبيل المثال من كتاب " أجمل الحكايـات الشعبيــة " ، قصة " حكايــة جميــل

( 1 ) سمر روحى فيصل ، مرجع سابق .
وجميلة " . لقد أجاد الكاتب الكبير رسم شخصيات حكاياته من الخارج والداخل ، وربط بين جمال القصة وجمال الروح ، واستطاع عن طريق الحوار الدافع للأحداث أن يصل إلى درجة عالية من التشويق بحيث ينجذب القارئ الصغير           من أول الحكاية حتى آخرها لكى يعرف ما مصير الفتيات الحاسدات .. هل سيكون العقاب المناسب لهن بدرجة تتوازى مع شرهن وإيقاعهن بالفتاة الطيبة  " جميلة " ؟! لقد توحدنا جميعًا مع " جميلة " التى كانت تقابل شرور الفتيات ومكرهن بمنتهى الطيبة وسلامة النية . ( 1 )
وفى إحدى قصص كتاب " حكايات من شارونة " وهى قصة " مفاجأة الحفل الأخير " ، نلاحظ الاستخدام البارع للحوار كعنصر أساسى فى عرض الأفكار والتعريف بالشخصيات وتنميتها دراميًّا ، حيث إننا فى الكثير من أحداث القصة نتعرف على الشخصيات والأفكار من خلال الحوار المتبادل بينها .
وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " ، استطاع الكاتب من خلال الراوى العليم أن يسرد وبشكل مشوق وبلغة فنية موظفة وبتكثيف للحظة الدرامية الأحداث والشخصيات والأفكار بشكل متميز ، كما شغل الحوار مساحة ملائمة فى القصة وأحدث نقلة نوعية للحديث ، فكان حوارًا كاشفًا عن أبعاد الشخصيات الجسدية والنفسية .. فنجد مثلاً فى حوار داخلى ( مونولوج ) يسأل " محمود " نفسه ويقول : " هل أستطيع اليوم أن أعثر على " سعيد " ، فأثبت لهم أننى أقوى وأذكى ممن يتباهون بسلامة أجسادهم ؟ سأجعلهم يرون مقدار ما أستطيع أن أفعل ، أنا صاحب الساق العرجاء " .
أما اللغة فى أعمال كاتبنا يعقوب الشارونى ، فتمتاز بالمتانة والسلاسة والتركيز والخلو من الألفاظ المعجمية الصعبة ، مما يشجع الطفل ويحفزه على متابعة القراءة والاستمتاع ، فلا تكاد تخلو كل قصة من قصصه من مجموعة الكلمات التى يتعرف عليها الطفل ليخرج بفائدة لغوية إلى جانب الفائدة التربوية . ففى رواية " الشاطر حسن - الفرس المسحورة " ، يقول الفنان الناقد عبد الرحمن بكر :


( 1 ) صلاح ترك ، رؤية نقدية عن كتاب أجمل الحكايات الشعبية ، مرجع سابق .
" تتميز الرواية بالإمتاع اللفظى ، فيجب أن نتوقف كثيرًا أمام ما سيقابلنا من عبارات جديدة وجذابة قد نتعجب حينما يفاجئنا الكاتب بها منذ السطر  الأول : " عندما يكتمل القمر عليك أن تصعدى فوق سطح بيتك حيث تذكرين اسم ربك ثم تحتضنى القمر فيعطيك الله ما تطلبين " - " القمر صاحبى : أنا ألعب معه وهو يلعب معى " - " لكن عافية الزوجة كانت تذوب يومًا بعد يوم " -     " لا يبتسم إلا تجاوبًا مع ابتسامته ولا يستجيب لغير ضحكاته " . وهكذا كلما تعمقنا فى الرواية وفى أحداثها الشيقة نجد عبارات ممتعة تتطلب منا أن نتوقف ونتأمل فى جمالها وما تحمله من تعابير دقيقة " .
ويقول الناقد عاطف عبد الفتاح حول رواية حسناء والثعبان الملكى :
" اللغة فى الرواية شاملة الكبار والصغار المثقف والعامى . وثمة ظاهرة أخرى للغة فى الرواية ، هى لغة الثعبان الملكى ، فلم يستنطقه الكاتب ، بل جعل لغته جسدية تعبيرية ، وذلك للحفاظ على روح العمل ، وهى الواقعية " .
وإلى جانب استخدام الكاتب اللغة البسيطة ، جاءت عباراته وجمله سلسة وبسيطة ذات موسيقى داخلية من سجع وجناس وطباق مما يجذب انتباه القارئ . فمثلاً يقول الكاتب فى قصة " مغامرة زهرة مع الشجرة " : " جعلنى الفزع أتوقف عن امتصاص عصارتى ، وسرى الألم حتى وصل إلى أطراف أعضائى ، وبدأت أوراقى ترتعش " .
وفى قصص كتاب أجمل الحكايات الشعبية يقول الكاتب : " أما " جميلة " فقد تزوجت " جميلاً " وظلت تزداد جمالاً على جمالها " - وتقول السيدة العجوز " لجميلة " عندما أرادت الرجوع إلى أهلها : " هذا وفاء منك لهم .. ما أجمل الوفاء للأهل وللأصدقاء كما كنت وفية لعشرتى وفية على خدمتى " ...
2 - الرسوم والصور : الغلاف والطباعة وإخراج الكتاب فى أعمال كاتب الأطفال يعقوب الشارونى :
نرى الكاتب قد أبدع لكل عمر .. كتب فى كل مجال .. أعطى اهتمامًا للتربية من خلال الاهتمام بالمضمون والشخصيات والمواقف .. ليس هذا فقط ، لكنه اهتم باللغة والأسلوب والحوار والسرد . ثم يأتى عنصر مهم من العناصر الفنية فى أعمال كاتبنا هو الرسوم والصور والغلاف والطباعة وإخراج الكتاب ، فهى عناصر مهمة لجذب الطفل للكتاب ، فالمضمون وحده لا يكفى ولا يساعد على جذب الطفل للكتاب واستمراره فى قراءة القصة واستمتاعه بها ، إذ نجد أن الكاتب كان حريصًا على ظهور أعماله بشكل متميز ، لذلك فإن دور النشر المختلفة قد اهتمت بالرسوم من خلال مجموعة الفنانين الذين اختارتهم لرسم وإخراج قصص وروايات الأستاذ الشارونى ، مما أسهم فى التعبير عن المضمون بالرسوم التى ساعدت على رؤية الأحداث لتصبح نابضة بالحياة أمام عين القارئ .
فعلى سبيل المثال الفنان حسام الدين عبد الغنى فى قصة " حسناء والثعبان الملكى " ، كانت رسوماته تمتاز بالوضوح والحيوية وقوة الألوان . وفى              " سر الاختفاء العجيب " ، كانت رسوم الفنان تامر الشارونى التى تتميز بقربها من الواقع إلى حد كبير مما يساعد الطفل على الدخول فى جو القصة وتقريب أحداثها إليه - وساعدت على تنمية إحساسه ببيئة الريف . أما كتاب " أجمل الحكايات الشعبية " ، فقد زُيِّــنـَـت صفحاته برسوم الفنان القدير حلمى التونى الحاصل على العديد من الجوائز الدولية الكبرى . أيضًا الفنان هانى المصرى فى قصص " الفرس المسحورة " و " حكاية رادوبيس " ، والفنان محمود عزب فى قصة " إنقاذ عازف المزمار " فتظهر الرسوم واضحة وذات ألوان متناسقة متناغمة .
أيضًا كان للطباعة دور مهم ، حيث كان الورق مصقولاً والحروف فى الطباعة كبيرة والمسافات بينها واسعة بقدر يتناسب مع مقدرة الطفل للقراءة . والغلاف كثيرًا ما كان يعبر عن مضمون القصة . وفى بعض قصصه مثل قصة " حكاية من شارونة " كان لها غلافان ليترك للطفل حرية اختيار ما يشاء منهما .
وقد تميزت بعض القصص بوجود أنشطة حول القصة فى نهاية الكتاب ، تساعد على ارتقاء بعض القدرات لدى الطفل مثل :
الكتابة : " اكتب القصة كلها من جديد ، أو اكتب أحد مواقفها من وجهة نظر مختلفة وبرؤية جديدة فيها ابتكار " .
البحث : " ابحث فى دائرة المعارف عن معلومات حول مادة البنسلين .. "
التمثيل : " قم بتمثيل موقف أعجبك من القصة أنت وزملاؤك " .
الرسم : " ارسم أحد مواقف القصة " .
الابتكار : " استخدم الخامات المختلفة لصنع نموذج للحصان المسحور " .
وهكذا اكتملت العناصر المختلفة التى تساعد على جذب الطفل لقراءة القصة .
المبحث الثالث : لمن يوجه الكاتب أعماله المختلفة ؟ هل للأطفال  أم للكبار أم لهما معًا ؟
وفى النهاية لابد أن نتناول موضوعًا مهمًّا هو : لمن يوجه الكاتب أعماله القصصية المختلفة ؟ هل يوجه هذه الأعمال للأطفال أم للكبار أم لهما معًا ؟
من خلال ما تم استعراضه من أعمال ، نستطيع أن نقول إن الكاتب يقدم أعماله للجميع أطفالاً وكبارًا ، فهو يقدم للطفل الكثير من حقائق الحياة والنفس البشرية والمعلومات والقيم ، والتى تساعد الطفل على فهم نفسه والآخرين   من حوله ، فالطفل يتوحد مع بطل القصة ، يعرف منه كيف يتصرف إزاء المواقف والمشكلات المختلفة ، كما ينمى فيه حب العلم والأهل والعطف على المساكين والرفق بالحيوان ، كما يدفعه إلى حب التجريب والملاحظة والاختراع .. أيضـًـا يتعلم الكبير كيف يتعامل مع الصغير ومشكلاته ، كيف يرعى قدراته ومواهبه المختلفة . وفى كثير من القصص نجد أن الكاتب يوجهها للأطفال والكبار معًا ، بغرض توعية الجميع ببعض القضايا مثل حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة ،   أهمية الآثار المصرية وما تمثله من تاريخ ، أيضًا يطرح على الجميع قضايا مهمة ، مثل قضية حق الإناث فى التعليم وشغل المناصب ، احترام الآباء لطموحات وقدرات ومواهب أبنائهم ، ودور المدرس من حيث كونه قدوة فى التنشئة العلمية والأخلاقية للطفل ، كما يخاطب أصحاب المصانع والسفن لعدم رمى                  النفايات ومخلفات المصانع وأكياس البلاستيك والقمامة والعلب الفارغة فى ماء النيل . ويناشد الأطفال والسيدات والفلاحين أن يحافظوا على مياه نهر النيل وألا يستحموا فيه ولا يغسلوا الملابس والصحون والحيوانات فى مياه نهر النيل .
خلاصة
وفى النهاية لا يسعنا إلا أن نقول : لقد اقتحم الأستاذ يعقوب الشارونى  عالم الكتابة للأطفال ، وعرف كيف يوظف إبداعه ومواهبه وخبراته وقراءاته وثقافته ، وكان على وعى بالقضايا المعاصرة . كتب لكل عمر ، وأعطى اهتمامًا كبيرًا للمضمون ليتماشى مع أفكار وروح العصر وقِـيَمِه ، مع الحرص على القيم الأصيلة والهوية ، أى أنه اهتم بالأصالة والمعاصرة معًا ، وعرف كيف ينمى لدى الطفل قيمًا تربوية مهمة ، وأكد على قيم لا غنى عنها مثل الانتماء للوطن والقدرة على الخيال والإبداع وتنمية أساليب التفكير العلمى وتبسيط العلوم والتكنولوجيا .
كما اهتم اهتمامًا خاصًّا بالشخصية التى تعبر عن روح المجتمع وجوهره .
واستخدم اللغة السليمة البسيطة التى تناسب المراحل العمرية للطفل ، وعرف كيف يستخدم عناصر مختلفة من أجل إثارة خيال الطفل وتشويقه ، خاصة من صوت وحركة وصورة ولون ، أى اهتم بعناصر تعبر عن المحسوسات بجوار  ما تعبر عن معنويات ، وضع معايير تتعلق بجمال الأسلوب من سهولة وسلاسة ، وكان موفقًا فى استخدام حوار الأبطال والشخصيات ليكون متوازنًا مع السرد معبرًا عن الشخصيات .
كما كان حريصًا على تنمية القيم الجمالية من خلال من تم اختيارهم من الفنانين لإبداع الرسوم التى تنوعت طبقًا لمضمون الكتاب بين واقعية وخيالية وكاريكاتورية عند تناوله لموضوع فكاهى ، مع مراعاة أن تتفق الرسوم مع النص حتى تكون متعاونة معه وجذابة ومتناسقة الألوان . وكانت أعماله على قدر كبير من جمال الطباعة وإخراج الكتاب ، فكان حجم الحروف مناسبًا للسن التى يتوجه إليها الكتاب ، فهناك فراغات مريحة بين السطور ، كما كان الورق مناسبًا فى الطباعة لتفادى ظهور الألوان والكتابة على ظهر الورق .
وعلى وجه خاص ، هناك براعة من الكاتب ليس فقط فى اختيار مضمون قصصه وعناصرها الفنية ، لكن أيضًا فى اختيار عناوين القصص التى تجذب انتباه الطفل مثل ( معروف فى بلاد الفلوس ) - ( عصفور وجرادة ) - ( شجرة تنمو فى قارب ) - ( البداية مع قطعة شيكولاتة ) - ( صندوق نعمة ربنا ) - ( حسناء والثعبان الملكى ) - ( الصياد المسكين والمارد اللعين ) - ( عفاريت نصف الليل ) .
  لذلك يحق لنا أن نقول إن الأستاذ يعقوب الشارونى بحق رائد من رواد الكتابة للطفل نظرًا لما أبدع من أعمال كانت وما زالت من أجمل وأروع ما قُدم للطفل ، ليس فقط فى مصر ، لكن فى البلاد العربية أيضًا .
قالوا عن أعماله :
" إن أسلوب الأستاذ يعقوب الشارونى ، بالنسبة لما يجب أن يكون للأطفال ، قد حقق آفاقًا بعيدة المدى ، سهولة وبساطة وتعليمًا . إنه أسلوب واضح المعالم ، مستجيب لكل ما نطمح فيه من حيث اللغة التى نخاطب بها الأطفال " .
أ . د سهير القلماوى
      من تقرير اللجنة التى منحت أ / يعقوب الشارونى  جائزة أحسن كاتب للأطفال سنة 1981 .
" تتميز قصص يعقوب الشارونى بالحس الإنسانى المرهف ، وبقدرتها على جذب الصغار والكبار ، لمضمونها المعاصر المتصل بالمواقف الحياتية ، وما فيها من شخصيات نابضة بالحياة حتى ليحس القارئ بأنه يعرفها ، بالإضافة إلى حيوية الحوار الذى يجيد الشارونى إبداعه للتعبير عن حقيقة الشخصيات وتجسيد المواقف ، وهو ما اكتسبه نتيجة تميزه فى بداياته الأدبية بالكتابة للمسرح .
 وفى قصصه العديدة التى تتميز بالتشويق وقوة الحبكة ووضوح الفكرة ، نجد معظمها يتفاعل مع أهم القضايا التى تشغل الأطفال والعالم ، مثل تنمية التفكير العلمى ، وقدرة الأطفال على الإبداع ، وقبول الآخر ، واحترام قدرات الطفلة الأنثى ، والشجاعة فى مواجهة العقبات والإحباط ، والواقع النفسى للأطفال العاملين وأطفال الشوارع ، وذوى الاحتياجات الخاصة ، والخيال العلمى ، واحترام البيئة ، وتشجيع الأطفال على الحوار والتعبير عن أنفسم ، وقدرة الأطفال على الإنجاز ومواجهة الجديد ، وهو ما يجعل كل طفل يجد نفسه وأحلامه وهمومه وأفراحه فى قصص يعقوب الشارونى " .
موسوعة أعلام الفكر العربى جزء 3 الصادرة   عن مكتبة مصر عام 2002 ص 240
" إن كاتبنا أ / يعقوب الشارونى يدخل ضمن قافلة المبدعين الأجلاء من الرواد على مدار العصور ، حيث انتقى وابتكر وصاغ وأضاف بما يقتضيه العصر الذى كتبها فيه ، فهنيئًا لنا بهذا المنتج الإبداعى المرح الدسم .. المتكامل ..            لأنه سيظل باقيًا إلى أبد الدهر ، والذى استحق بجدارة جائزة أحسن كتاب فى العالم من معرض بولونيا الدولى لكتب الأطفال بإيطاليا عام 2002 ، والجائزة الخاصة لمسابقة المجلس المصرى لكتب الأطفال للتأليف عام 2002 " .
مجدى الفقى - كاتب وناقد
" يعتبر كتاب " أجمل الحكايات الشعبية " نموذجًا فريدًا فى مجال أدب الأطفال ، ليس فى مصر وحدها ولكن فى العالم بأسره ..
 لقد استطاع الكاتب الرائد يعقوب الشارونى من خلال حكايات هذا الكتاب أن يأخذ من التراث الحكائى القديم أجمل ما فيه ، ويوظفه بشكل فنى رائع لكى يصل به إلى عقل ووجدان الطفل فى أى مكان . ولقد نجح الكاتب الكبير فى توصيل الحقائق الفلسفية والعلمية والإنسانية من خلال حكاياته الجميلة بسلاسة وبساطة وبلغة فنية رائعة .
وكان للأستاذ " حلمى التونى " الذى رسم هذا الكتاب البديع دور مهم فى توصيل ما أراده الكاتب بشكل غير مسبوق " .
أ . د /  صلاح ترك    عضو اتحاد كُتاب مصر - رئيس نادى الأدب المركزى بالغربية
" يعد يعقوب الشارونى من رواد أدب الأطفال فى العصر الحديث ، الذين حملوا راية الكتابة للطفل ، هذه المهمة الصعبة لتربيته وتثقيفة .
 ويعقــوب الشارونى ليس لمثلى أن تقــدم له ، فهو الأستــاذ وأنا التلميــذة ،
وهو قبل وبعد أى شىء فى غنى عن التعريف .. إن سمعته وصيته ليسا على المستوى المحلى القطرى فى مصر فقط ، بل يتجاوزان العالم العربى إلى أوروبا وآسيا وأمريكا عبر ترجماته أيضـًـا " .
د . أميمة منير جادو
   عضو المركز القومى للبحوث التربوية والتنمية
" تفوق أستاذنا يعقوب الشارونى على نفسه بإنتاجه الإبداعى لرواية " تائه فى القناة " ، التى تمثل مقطوعة موسيقية وملحمية عن المشاعر الإنسانية .. جسد فيها ظلم الإنسان لأخيه الإنسان فى حقبة مظلمة من تاريخ مصر .
وإنى أرى فى هذا النص الأدبى عملاً إبداعيًّا مميزًا ، وصل فيها المؤلف لحالة من التألق واللمعان الشديد فى استعراض الأحداث والمشاعر بصدق ، فيكاد القارئ يجزم أنها مذكرات خاصة بأحد العمال بالسخرة فى هذه الفترة المظلمة من تاريخ مصر إبان حكم الخديوِ سعيد .. إنه نص أدبى يصلح للكبار والصغار على السواء ، فنرى بوضوح بداية معبرة جدًّا .. ترقبًا وحذرًا وصراعًا دراميًّا قويًّا ، ورحلة عذاب لقطار السخرة ، وعدالة إلهية ، ونهاية أقوى لعمل متكامل فيه المقاومة وروح التفاؤل وتخطى المحن والأزمات " .
عماد الدين عزت
وعن رواية " حسناء والثعبان الملكى " :
" لو أعطينا هذه الرواية لأى قارئ مهما كانت سنه فلن يعطيها لابنه معتذرًا بأنه كبر عن قراءة أدب الأطفال ، بل سيقرؤها حتى آخرها ، وستظل داخل نفسه بكل أحداثها . اللغة فى الرواية هنا شاملة للكبار والصغار ، للمثقف والعامى . والحق أن اللغة فى أدب   أ . يعقوب الشارونى تكاد تكون غاية فى حد ذاتها ،           لما لها من روعة ، بل إن الأستاذ يعقوب كتب مجموعة قصصية تمثل اتجاه الأدب للأدب والفن للفن ، مع حفاظه على مضمونها التربوى .
 مظاهر أخرى للغة فى الرواية ، هى لغة الثعبان الملكى ، فلم يستنطقه الكاتب ، بل جعل لغته جسدية تعبيرية ، وذلك للحفاظ على روح العمل ، وهى الواقعية " .
عاطف عبد الفتاح
" فى تصورى الخاص ، لا ترجع أهمية الشارونى فى عالم الكتابة للطفل إلى كونه كاتبًا كبيرًا ومن الرواد الذين أسسوا لهذا الفن الساحر فحسب ، لكنه ساهم مساهمة مباشرة فى تقديم عدد لا بأس به من كُتاب الأطفال الجدد ، الذين تعدى عمرهم الفنى فى كتابة هذا اللون الأدبى أكثر من عقد ، وبالتحديد بداية من مسابقة المجلس المصرى لكتب الأطفال . وفى كتاب " بطولات من شارونة " الصادر عن دار الهلال - كتاب الهلال للأولاد والبنات " ، نجد أن أستاذ يعقوب الشارونى يقدم لنا قصتين طويلتين هما مفاجأة الحفل الأخير ومغامرة البطل منصور " .                                                                                                           محمد عبد الحافظ ناصف
" لقد اختار الكاتب موضوعاته بعناية ، فهو تارة يحملنا إلى عالم الصحراء بمفرداته وقيمه وخصوصياته وتقاليده , ليعرفنا بكل هذا من جهة ، وليؤكد من جهة أخرى على قيم الأصالة فى " حسناء والثعبان الملكى " ، دون أن ينسى دعوته إلى التطور والاندماج بالمعاصرة , وتارة أخرى ينتزعنا الكاتب من أجواء الصحراء ليدخلنا إلى عالم داخلى لأبطال كانت لهم قصة معاناة طويلة ومؤلمة فى " تائه فى القناة " ، لكنها لابد أن تـُـعْرَف ما دامت  تتحدث عن معاناة إنسان مصرى فى فترة ما فى تاريخ مصر " .                                                                                                                              لينا الكيلانى
" وعن قصته تائه فى القناة " :
" ينفذ الكاتب المبدع إلى خارطة مصر فيغير من شكلها فى الذهن ونحن نقرأ , يحيى تلك الأماكن التى كادت أن تندثر ولا يعرفها أحد ، فتظهر فى القصة كعروس ساحرة ترغب القارئ فى القراءة عنها ، الأماكن منذ مئات السنين ليست كما هى الآن ، وهى الآن ليست كما كانت منذ تلك الحقب التاريخية المنتهية ، بل هى شىء جديد ساحر ، الأماكن القديمة نراها جديدة برغم ما فيها من أحداث وعادات ، فهو على دراية كاملة لا " بالأنفار " فقط ، فهو يعرف " الكرباج " أو " الصندل " و " الصومعة " ، وكأنه واقف على حافة القناة .
 الألفاظ المكانية فى القصة ذات أجنحة ، فبمجرد أن تسمع كلمة                      " الصندل " تستدعى من ذاكرتك جميع الثقافات الشعبية وتنقلك إلى عصر                   " الصنادل " البسيطة وهى تمخر عباب النيل ، وترسو فى بولاق ، " وتذهب إلى           " مغاغة " ، وتبتعد عن " شارونة " ، وتقترب من مرتفعات عتبة الجسر " .
                                                                                                                                 أحمد زغلول
" تائه فى القناة " من الروايات التى رصدت أحداثــًـا تاريخية فى فترة الاحتلال فى مصر ، من خلال حدوته شيقة تجمع أدوات الحكاية الشعبية من إبراز الدلالات النفسية للمجتمع الشعبى ، ومعاناة من جور الحكام والسلطة الظالمة التى جسدتها الرواية ، إلى معاناة الأم الثكلى المكلومة التى تعانى لتوفير لقمة العيش ، وكيف كان هذا الظالم يفرض سطوته وسلطانه غير مبالٍ بظروف سكان قرية  شارونة . كذلك قدمت لنا الحكاية كيف كان يُساق أهل القرية كالبهائم لتنفيذ أوامر السلطة .
فقدم لنا الأديب يعقوب الشارونى هدفه من الحكاية ، التى جسد فيها عِمالة الأطفال ومعاناتهم ، فى عمل فنى متكامل " .

                                                                                                                         د . ذكاء الأنصارى
" وكما تفعل النحلة .. ترحل دائمًا من زهرة إلى زهرة ، لكنها لا تحمل منها شيئـًـا إلا رحيقها ، والرحيق فى نظرى هو الخلاصة الصافية لكل ما هو              جميل .. وها هى نحلتى المتواضعة بعد عناء كبير وجدت بستانـًـا هو نبع الأزهار .. إنه بستان أستاذنا الكبير يعقوب الشارونى .. ذلك الأديب المبدع والحكاء الماهر الذى تتلمذ على يديه جيل بأكمله .. وتعلموا منه أن أخطر كلمة تكتب هى الكلمة التى تكتب للطفل ، لأنها تشكل تكوينه كله ووجدانه وينبع منها سلوكه الذى سيشكل فيما بعد مجتمعًا بأكمله .. لذلك دفعنا جميعًا قبل أن نضع أقلامنا على الأوراق أن نتوقف ونفكر وندرس ونقرأ ونقرأ ونقرأ .
نحن أمام رواية " الفرس المسحورة " من نوع خاص . لها عالمها الرقيق الملىء بالمشاعر الفياضة والقيم السامية التى وضع المؤلف الواعى فيها خبراته الواسعة فى أدب الطفل ليقدم لنا نموذجًا تربويًّا ، يرمز لقيم خاصة على رأسها حب الوطن والفداء والتضحية ، كما حرص على إبراز جانب آخر يعدله أهمية قصوى ، هو حق الفتاة " ست الحسن " فى الاختيار ، وتفهمها الكامل لقضيتها بأنها ليست مساحة من الأرض يقدمها والدها هدية إلى الوزير ، وأفاضت بالكلمات عن حقها فى الاختيار ومشاعرها .. فالفتاة هنا ليست سلبية وإنما شخصية قوية واضحة  المعالم .
لذلك فإننى أعتبر هذه الرواية نقلة جديدة ، ودعوة لكل من يكتب إلى الأطفال أن يتوجه إلى العمل الروائى للطفل ويقوم بدراسته جيدًا ، والقيام بالمحاولة لتتحول هذه الرواية إلى دفعة لكل كُتاب الأطفال إلى إثراء المكتبة العربية بعالم جديد من الروايات للأطفال " .
                                                                                                                          عبد الرحمن بكر


مراجع الدراسة
1 -  أحمد جمال طاهر ، نظريات فى العلاقات العامة ، القاهرة : دار الشروق 1978 م .
2 -  آمال إمام داود ، المضمون التربوى فى قصص الأطفال لكامل الكيلانى ، رسالة ماجستير ، جامعة عين شمس . 1996 م .
3 -  د . أميمة منير جادو ، رواية سر الاختفاء العجيب وزوايا الرؤية : دراسة تحليل المضمون ، عن رواية الكاتب الكبير يعقوب الشارونى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة 2003 .
4 -  د . حسن شحاتة ، أدب الطفل العربى ، دراسات وبحوث ، الدار المصرية اللبنانية ،  1993 .
5 -  د . ذُكاء الأنصارى ، دراسة حول رواية الشاطر حسن ( الفرس المسحورة ) ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
6 -  زكى محمد إسماعيل ، أنثربولوجيا التربية ، القاهرة : الهيئة العامة للكتاب ،   1980م .
7 -  سمر روحى فيصل ، أدب الأطفال وثقافتهم ، قراءة نقدية ، دمشق : مطبعة اتحاد الكتاب العرب 1998 م .
8 -  د . شاكر عبد الحميد ، الاكتشاف وتنمية المواهب ، مكتبة الشباب ، الهيئة العامة لقصور الثقافة ، 1995 .
9 -  د . شاكر عبد الحميد ، الحكاية الشعبية ودورها فى تنمية الحس والجمال الفنى لدى الطفل ، المركز القومى لثقافة الطفل .
10 -  د . شاكر عبد الحميد : الخصائص النفسية والتربوية لقصص الأطفال ، بحوث وقراءات فى قصص جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد آل نهيان ، الدورة الثانية ، 1997 م .

11 -  د . صفوت كمال ، مدخل لدراسة الفولكلور الكويتى ، وزارة الإعلام ،                 1986 م .
12 -  د . صلاح ترك . تعدد الإبداع فى سر الاختفاء العجيب ، رؤية نقدية ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
13 -  د . صلاح ترك ، رؤية نقدية عن كتاب أجمل الحكايات الشعبية للأستاذ الكبير يعقوب الشارونى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة                6 أكتوبر ، بالجيزة .
14 -  عاطف عبد الفتاح ، سمات فنية جديدة فى الأدب العربى ، دراسة حول رواية حسناء والثعبان الملكى تأليف يعقوب الشارونى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
15 -  عبد الرحمن بكر ، منهج فى الرواية ، دراسة عن الشاطر حسن ( الفرس   المسحورة ) ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ،           بالجيزة .
16 -  عبد اللطيف محمد خليفة ، ارتقاء القيم ودراسات نفسية ، الكويت : عالم المعرفة ، 1992 .

17 -  د . عبلة حنفى عثمان ، الفن فى عيون بريئة ، فنون الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة ، المركز القومى لثقافة الطفل ، 1999 .
18 -  فريد محمد معوض ، أفراح وأحزان طفل هذا الزمان ، دراسات حول مشكلات الطفل فى أدب يعقوب الشارونى ( الدراسة الفائزة بالمركز الأول لجائزة يوسف السباعى للدراسات النقدية من المجلس الأعلى للثقافة ) ، 2004 .
19 -  د . كافية رمضان ، التنشئة الاجتماعية وأثرها فى تكوين شخصية الطفل العربى ، مجلة علم النفس - العدد الرابع ، 1987 م .
20 -  مجدى محمود الفقى ، الإبداع الشعبى بين الحجب والتصريح فى الرؤية الشفاهية للرواة الشعبيين ، أجمل الحكايات الشعبية نموذجًا للكاتب الكبير يعقوب الشارونى ، الندوة الشهرية الدائمة لأدب وثقافة الطفل ، مكتبة 6 أكتوبر ، بالجيزة .
21 -  نجيب الكيلانى ، أدب الأطفال فى ضوء الإسلام ، بيروت : مؤسسة الرسالة                   1990 م .
22 -  د . هدى محمد قناوى ، دراسة سيكولوجية لبعض الجوانب المتصلة بالنمو اللغوى فى قصص وحكايات الأطفال ما بين 4 - 8 سنوات ، القاهرة : دار الثقافة للطباعة والنشر ، 1981 م .
23 -  د . وفاء إبراهيم ، الوعى الجمالى عند الطفل ، القاهرة : الهيئة العامة للكتاب ، 1997 م .
24 -  يعقوب الشارونى - دراسات فى القصة للأطفال ، القاهرة : الهيئة العامة  للاستعلامات ، 1990 م .
25-  يعقوب الشارونى ، ملتقى أدب الطفل الإفريقى " الحكايات الإفريقية للطفل عبر الحدود والمحيطات " ، محور الحكى المعاصر واتصاله بالتراث الشفاهى ، دراسة حول موقف كاتب الأطفال فى مواجهة النص الشعبى ، القاهرة : المجلس الأعلى للثقافة ، 2004 .
26 -  الأطفال أولاً ، الإعلان العالمى لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل ، ملخص اليونيسيف ، عَمَّان .
27 -  الحقيقة ، مركز حقوق الإنسان ، 2002 .

الناشـر
المركز القومى لثقافة الطفل
* مدينة الفنون - الهرم
ت : 5866068 - 5866069
تليفاكس : 7796242
* الحديقة الثقافية بالسيدة زينب
ت : 3917471 - 3915220

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق