الأحد، 7 ديسمبر 2014

"حلم الدراجة "قصة للأطفال بقلم: زوزان صالح اليوسفي

حلم الدراجة
   زوزان صالح اليوسفي
 
أمامَ محل بيع لعب الأطفال وقفَ صبيان صغيران، يبدو مِن خلال مَلابسهما المُهترئة، ووجهيهما اللذان أكتساها الأتربة والأوساخ بأنهما مِن الطبقةِ المُتسولة في الشوارع، أخذا ينظران إلى اللعبِ المعروضةِ مِن خلال زجاج نافذة المَحل ويؤشران إلى الألعابِ، وهما يتداولان الحديث بين الجدال والنقاش، يبدو كأنهما يتقاسمان الألعاب فيما بينهما.
في هذهِ اللحظة خرجَ صاحبُ المَحل وبين يديهِ دراجة هوائية مَطلية بعدةِ ألوان، ومُزينة بأنواع مِن المصابيح والأعلام المُزركشة وجرسين فضيين موضوعين على جانبي دفتيِّ قيادة الدراجة، وبينما كان صاحبُ المَحل مَشغولاً بوضع الدراجةِ في مكان مُناسب أمام محلهِ، كدعاية لجذبِ المُشترين إليها, أخذ الصبيان ينظران بإعجاب ولهفة إلى تلك الدراجة المعروضة بألوانها الجذابة ومَصابيحها المُلونة!، وأعلامِها التي ترفرف بأزهى الألوان؛ حتى والدراجة في حالةِ سكون!، تعجبَ الصبيان بتلك الدراجة الهوائية أشدَ إعجاب، وتناسوا كل الألعاب المَعروضة مِن خلال نافذةِ المحل، والتي كانوا قبل قليل يتقاسمونها فيما بينهما.
وما أن رآهما صاحب المَحل حتى صاح عليهما بغضب قائلاً: أبتعدا عن المحل أيُّها المُتسولان، إذا لم ترحلا حالاً سوف أجلب لكم الشرطة خلال ثواني، هيا أبتعدا ( وأخذ ينظرُ إليهما بنظراتٍ تملؤها الغضب والشر).
خافَ الصبيان مِن ملامح وجهِ صاحب المَحل وغضبهِ وما أن سَمعا أسم الشرطة؛ حتى أبتعدا عن المَحل.
وما أن دخل صاحب المَحل إلى حانوتهِ؛ حتى تقدم الصبيان مرة آخرى وهما يختلسان النظر إلى تلك الدراجة الهوائية، وبعد صمتٍ قصير صاحَ أحدُ صبيين بحماس قائلا: آه، يا إلهي لم أرى بحياتي مثل هذه الدراجة المُدهشة!! ليتني أمتلكُ مثلها.
فأجاب الصبيُّ الثاني وقد جحظت عيناهُ مِن شدةِ الإعجاب وهو ينظر إلى الدراجة وأخذ يتلعثم قائلا: أأأجل، والله لم أرى مثلها بحياتي، أنظر إلى ألوانها!، فيها كل الألوان مثل القوس والقزح!، أنظر إلى الجرسين الفضيين، ليتني أسمع رنينهما!، أنظر، أنظر إلى مَصابيحها ( أخذا يعدُها بإنبهار ) واحد، أثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، أو يا إلهي ثلاثة مصابيح في الأمام وإثنان في الخلف! حقاً دراجة عجيبة!!
فردَّ الصبيُّ الأول بإستهزاء قائلاً: ليسوا خمسة مَصابيح أيَّها الغبي أنظر إلى دواليب عجلاتِها!، فهناك مَصابيح صغيرة مُلونة حول دواليب كل عجلة!، آه.. يا إلهي كم ستبدو رائعة تلك المَصابيح وهي تشعُ بأنوارها في الليل حينما يلفُ بها راكبها بين الشوارع المُظلمة؟!!
قاطعهُ الصبيُّ الثاني بإعجاب قائلاً: حقاً ستبدو مثل الألعاب النارية وهي تشع بأنوارها من خلال دواليب العجلات!، أما في النهار فيا لجمالِ أعلامها المُزركشة وهي ترفرف!، تبدو وكأنها أعلام الدول؟!
فأجابهُ الصبيُّ الأول مرة أخرى بإستهزاء قائلاً: أجل أيُّها الغبي آلا ترى علم العراق بينهم.
فردَّ الصبيُّ الثاني بإستهزاء أيضاً قائلاً: وهل تعرف غير علم العراق؟ أتحداك إذا كنت تعرف باقي أعلام الدول يا ذكي؟
تهربَ الصبيُّ الأول مِن السؤال مُردداً قائلا: لا تهمني الأعلام بقدر إهتمامي بمَصابيحها، سوف أتسولُ ليلاً ونهاراً، وسوف أشتغلُ بأيِّ عمل لأجمع النقود، وعندما أجمعُ المَبلغ الكافي سوف أشتري هذه الدراجة، وحينما أملكها سوف أركبها وأطوف بها كل شوارع الحارة وحتى الحارات القريبة، بل وسوف أسافر بها إلى كل المُدن ودول العالم.
فأجابهُ الصبيُّ الثاني بتحدي وغضب قائلاً: لا أنا سأشتريها قبلك فلديَّ بعض النقود التي جمعتها مِن التسول وسأجمع قريباً ما تبقى، وحينما يُجهز المَبلغ سأبادر على الفور لشرائِها.
فأجاب الأول بصوتٍ عالي والغضبُ يكتسي وجههُ مُتحدياً زميلهُ قائلاً: لا أنا سأشتريها قبلك أيُّها الغبي، وإذا لم تسكت سأشبعك ضرباً مُبرحاً.
فتحداهُ الثاني بعنادٍ وإصرار قائلاً: لا أنا سأشتريها قبلك، وسترى قريباً، كيف سأركب تلك الدراجة وألف بها الشوارع.
تحول الجدال والتحدي في ثواني إلى الشِجار والسبِ وأنتهى بالضرب بينهما، فأخذا يضربان بعضهما وتبادلوا الركلاتِ واللكماتِ، وأطاحا بعضهما أرضاً؛ حتى أدمت وجهيهما مِن شدة اللكمات.
وفجأة سادَ الهدوء بينهما وهما يسمعا جرس الدراجة ترنُ برنينها العذب، فأخذا ينظران نحو مَصدر صوت الجرس وإذا بهما يتفاجئا بصبي راكباً تلك الدراجة بصحبةِ والدهِ الذي أشتراهُ لهُ، وغادرا المَحل، ورنينُ جرس الدراجة يملأ صداهُ الحي بين الحين والآخر، فظل الصبيان ينظران إليهما؛ حتى غاب الصبيُّ بدراجتهِ عن ناظريِّهما في الطريق، وأختفى معهما رنين الجرس، الذي ظل صداهُ يرنُ في أذن الصبيان.
نظرَ الصبيان لبعضهما بحزن وأسى، وساعدا بعضهما على النهوض مِن الأرض التي كانت قبل ثواني حلبة صراع بينهما، ونفضا ملابسهما مِن التراب والغبار ومسحا بكميِّ قميصِهما وجهيهما مِن الدماء، ثم أبتسما إلى بعضهما وأسترسلا في الضحك، كأنهما أستفاقا مِن حلم الدراجة، ثم وضعا أيديهما فوق كتفيِّ بعضهما وغادرا المكان وهما يصفران على نفس نغمات رنين جرس الدراجة، وأدركا بأن صداقتهما أقوى مِن حلم الدراجة.
 
* حازت القصة على الجائزة الثالثة في مسابقة النور السادسة للإبداع لأدب الطفل 2014
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق