الخميس، 6 نوفمبر 2014

"شبلي الجريح" قصة للأطفال بقلم: طلال حسن



شبلي الجريح
طلال حسن
    أفقتُ على صغيري الشبل ، يلعق وجهي ، بلسانه الصغير الدافىء ، كأنه يريد أن يوقظني من النوم ، كما يفعل صباح كلّ يوم .
فتحتُ عينيّ الناعستين ، ورأيته ، رأيتُ أسدي ، والد شبلي ، يحدق فيّ بعينيه القويتين اللامعتين ، فضممت صغيري إلى صدري ، فها هو أبوه يعود إليّ ، ويحيا إلى جاني كما في الماضي ، وكأن رصاصات الصيادين ، لم تصبه في قلبه المحب ، وتدميه .
وعلى عادتي كلّ صباح ، رحتُ ألعق وجهه ، وأمرر لساني الرطب على قسماته الجميلة ، ها هو يكبر يوماً بعد يوم ، وسرعان ما سأراه إلى جانبي ، أسداً فتياً ، قوياً ، شجاعاً ، تماماً كما كان أبوه ، قبل أن يرديه الصيادون برصاصهم الغادر .
ووثب شبلي ، واندس بين أثدائي ، وهو يصيح : ماما ، جائع .
وضحكتُ ، فهو يصيح " ماما ، جائع " ، حتى وهو يرشف الحليب من أثدائي ، وأمسك أحد الأثداء بأسنانه الصغيرة الحادة ، وراح يعضعضه ، ويرشف الحليب منه ، وهو يهمهم " جائع .. جائع .
وتناهى من بين الأشجار ، وقع أقدام ثقيلة ، ورفعت رأسي ، ورحت أنصت ، ها هو فطوري يأتي إليّ بأقدامه ، ويبدو أنه فطور ضخم ودسم .
ونهضتُ بهدوء ، وحذر ، فصاح شبلي ، وقد أفلت ثديي من بين شفتيه : ماما .
همستُ له : هُش .
لكنه لم " يهش " ، بل صاح : لم أشبع بعد .
فأجبته بصوت خافت ، وأنا أتجه بحذر نحو مصدر الصوت : لكي تشبع ، يا شبلي ، لابد أن أفطر .
وبين الأشجار الكثيفة ، رأيتُ فطوري ، إنه حقاً ضخم ، ضخم جداً ، ولابد أنه دسم للغاية ، نعم ، كان فطوري ثوراً ضخماً ، وكان منهمكاً في تناول الأعشاب الندية ، التي كانت تنمو بين الأشجار .
ويبدو أنه أحس بوجودي ، فرفع رأسه ، محدقاً فيّ ، وقبل أن يبدر منه أيّ شيء ، اندفعتُ نحوه ، وأطبقت على أسفل عنقه بأسناني الحادة ، وحاولت بكل قوتي أن أطرحه أرضاً ، وأصرعه ، لكنه انتفض ، هازاً رأسه الضخم بقوة ، واستطاع بذلك أن يفلت مني ، ويلقيني بقوة على الأرض . 
وبدل أن يلوذ الثور بالفرار ، بعد أن أفلت مني ، اندفع نحوي هائجاً ، مشرعاً قرنيه الضخمين القاتلين ، فنهضتُ متحاملة على نفسي ، وتراجعتُ بأقصى سرعة ، وفوجئت بصغيري الشبل ، يهرول نحوي ، وهو يصيح : ماما .. ماما .
وتجنبتُ الثور الهائج ، المجنون ، لكني لم أستطع أن أجنب صغيري الشبل ، وأبعده عن الخطر الداهم  ، ورأيت الثور ، ربما من غير عمد ، يدوس صغيري بحوافره الثقيلة القاتلة .
ومضى الثور مندفعاً هائجاً ، حتى اختفى ، وأسرعتُ إلى شبلي ، وقلبي يخفق رعباً ، لم يمت شبلي ، ورفع عينيه المتألمتين المستغيثتين إليّ ، وقد اختفت منهما تلك اللمعة القوية ، لكنه لم يستطع أن يرفع جسمه ، لقد داسه الثور ، وحطم أطرافه الخلفية تماماً .
جلستُ إلى جانبه ، ورحت ألعق وجهه المعفر بالترب والدماء ، بلساني الرطب ، وتفطر قلبي ، وأنا أرى أطرافه الخلفية مسحوقة ومدماة .
نظر إليّ بعينين منكسرتين منطفئتين ، وتمتم : ماما .
وسكت ، لم يضف كعادته .. جائع ، وتناهى إليّ من بعيد ، وقع أقدام متسارعة ، إنهم الضباع ، ورفعتُ رأسي ، وعيناي تشتعلان غضباً ، نعم ، إنهم الضباع ، شموا رائحة الدم ، فجاءوا إلى فريستهم .
وراحوا يدورون حولنا ، أنا وصغيري ، وكلما اقترب واحد منهم ، وحاول أن ينهش الشبل ، انقضضتُ عليه ، فيتراجع بسرعة ، وما إن يبتعد حتى يقترب آخر ، وقد كشر عن أنيابه ، ولعابه يسيل ، ولاحقتهم وقد جننتُ غضباً ، وضربت أكثر من واحد منهم ، فاضطروا إلى التراجع ، والابتعاد إلى ما خلف التل  .
ومن بين الأشجار ، ارتفع ثانية وقع أقدام ثقيلة ، فنهضت ودمي يغلي غضباً ، أهو الثور نفسه ، أم ثور آخر ؟ من يدري ، ومشيت بخطوات سريعة ، وأنا أتمنى أن يكون الثور نفسه ، ورأيته ، يقف بين الأشجار ، كأنه ينتظرني ، نعم ، إنه هو نفسه ، وآثار أسناني الحادة واضحة في عنقه ، واندفعت نحوه ، لم يهرب ، ولم أتردد ، جرّحني بقرنيه ، ورماني أرضاً مرات ، لكني في النهاية استطعتُ أن ألقيه على الأرض ، وأصرعه .
مضيت إلى شبلي ، في شيء من الفرح ، وكأني يمكن أن أراه يقبل راكضاً نحوي ، كما كان يفعل دائماً ، وهو يصيح : ماما .. جائع .
لم أجد شبلي في مكانه ، ورفعت عينيّ الغارقتين بالحزن والدموع ، ورأيت الضباع تقف فوق التل ، تنظر إليّ من بعيد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق