الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

"جئت إلى أدب الأطفال، من أدب الكبار" شهادة أدبية بقلم: طلال حسن



جئت إلى أدب الأطفال، من أدب الكبار
شهادة

  طلال حسن
  
    يختلف الكثير من النقاد والباحثين والأدباء ، حول ماهية وأهمية أدب وأدباء الأطفال وفنانيهم ، كما اختلفوا ويختلفون حول العديد من أنماط الأدب عند الكبار .
وعلى هذا ، فأن البعض منهم ، وهم لحسن الحظ الأغلبية العظمى ، يرون أن أدب الأطفال ـ قصة ، شعر ، مسرحية ، رواية ـ له أهميته الكبيرة ، ودوره الأساس في تربية الأطفال وتعليمهم ، وتنمية أحاسيسهم الجمالية في شتى المجالات ، وإعدادهم للمراحل اللاحقة من أعمارهم ، وصولاً إلى سن الرشد .
وبالعكس من ذلك ، يرى البعض الآخر ، وهم لحسن الحظ قلة قليلة ، لا تكاد تذكر ، بأن أدب الأطفال أكذوبة ، ووهم وخداع ، وأن أدباء الأطفال ، فشلوا في الكتابة للكبار ، فلجأوا إلى " السهل غير الممتنع " وهو أدب الأطفال ، وهم كما يقول البعض ، أطفال أدب لا غير .
ووسط هذه الآراء المتضاربة ، يتقدم أدب الأطفال ، وكذلك فنون الأطفال المختلفة ، ليس في العالم المتقدم فقط ، بل في عالمنا العربي نفسه ، رغم ما يعتريه من هزات وتراجع ، على شتى الصعد ، منها ، وفي الأساس ، الصعيد الثقافي .
ومن الطريف ، أن أديبين أخوين ، في إحدى الدول الأوربية ، وربما في القرن التاسع عشر ، أحدهما شاعر ، والآخر كاتب أطفال ، دُعيا إلى حفل أدبي ، وفي الطريق ، قال كاتب الأطفال لأخيه الشاعر : لا تنسَ ، قدمني لهم ، وقل لهم ، هذا أخي ، إنه كاتب أطفال .
وحين وصلا مكان الحفل ، التف العديد من المحتفلين بأديب الأطفال ، يحيونه ويرحبون به ، فاقترب منه أخوه الشاعر ، وهمس له : قدمني لهم ، قل لهم ، هذا أخي ، إنه شاعر .
ومن المؤكد أن الكتابة للأطفال ، كما الكتاب للكبار ، أساسها الموهبة ، فالكاتب النرويجي هانز اندرسن ، وهو من أشهر كتاب الأطفال في العالم ، كتب أول الأمر الشعر والقصة والمسرحية والرواية ، لكنه لم يحقق النجاح المطلوب في أيّ منها ، لكنه عندما كتب للأطفال ، كتب البلبل وملابس الإمبراطور وبائعة الثقاب والحورية الصغيرة ووو.. وصار هانز اندرسن .. الذي يعرفه العالم كله .
وهذا ما حدث لي ، ولابني الفنان التشكيلي عمر ، فقد كان عمر في البداية ، يحاول السير على خطى الفنانين التشكيلين الكبار عربياً وعالمياً ، وذات يوم ، أعطيته قصة للأطفال من تأليفي ، وطلبت منه أن يجرب ، ويرسمها لي .
أخذ عمر القصة على مضض ، لكنه ذهب إلى أمه ، وقال لها : إن أبي يريد أن أرسم له بطة .
ورسم ابني " البطة " ، وهو منذ ذلك الحين ، وبشغف وإبداع كبيرين ، لا يرسم غير " البطة " ، وقد رسم لأفضل المجلات ودور النشر العراقية والعربية ، العشرات من القصص والسيناريوهات والكتب .
وأنا نفسي ، جئت إلى أدب الأطفال ، من أدب الكبار ، فقد كتبت في بداياتي ، منذ أوائل الستينيات ، القصة والرواية والمسرحية ، وكذلك المقالة النقدية ، وخاصة حول المسرح ، كما عملت في الصحافة سنين عديدة ، لكني لم أبدأ خطواتي الأولى إلى النجاح والتقدم ، إلا عندما بدأت الكتابة للأطفال .   

وأولى خطواتي على طريق الألف ميل ، بدأت بخطوة مشجعة ، ففي أوائل السبعينيات كتبتُ مسرحيتي الأولى للأطفال بعنوان " الأطفال يمثلون .. " وقد نشرت فيما بعد في مجلة " النبراس " التي كانت تصدر عن مديرية التربية في الموصل ، أعقبتها بمسرحية حول القضية الفلسطينية بعنوان " الوسام " ، وقد مثلت هذه المسرحية مرات عديدة ، في المدارس المتوسطة والثانوية داخل الموصل وخارجها ، وكذلك في العديد من مراكز الشباب ، بل وعرضت مرتين من تلفزيون الموصل ، وخلال هذه الفترة كتبت العديد من مسرحيات الأطفال منها " المؤتمر الأول للسلام في الغابة " والأسد والثور " و" الصخرة " التي أخرجها الفنان التشكيلي المعروف ستار الشيخ .
وفي عام " 1975 " نشرت أول قصتين للأطفال في مجلة " المزمار " وكانتا على التوالي " العكاز " و " البطة الصغيرة " وكانتا حول القضية الفلسطينية ، كما نشرت عدة قصص في صفحة " مرحباً يا أطفال " في جريدة " طريق الشعب " ، وفي السنة التالية " 1976 " نشرت لي دار ثقافة الأطفال كتابي الأول " الحمامة " ، وكان أيضاً حول القضية الفلسطينية ، ورسمها لي الفنان المبدع صلاح جياد .
ومنذ ذلك التاريخ ، منذ بداية السبعينيات ، وأنا منغمر في أتون الكتابة ، الممتعة والصعبة والعذبة والمعذبة ، للأطفال ، حتى إنني أحلت نفسي على التقاعد عام " 1986 ، و" لأسباب صحية " كي أتفرغ للكتابة للأطفال .
ووراء إحالتي على التقاعد حكاية طريفة ، فقد رفض مدير عام التربية وقتها طلب إحالتي على التقاعد ، إلا بتقرير طبي ، فذهبت إلى طبيب أخصائي في الفقرات ، وقلت له إنني أعاني من آلام في الظهر .
وفحصني الطبيب ، وقال لي : فقراتك سليمة .
فصارحته بأني في الحقيقة ، وإن كنت أعاني فعلاً من آلام في ظهري ، إلا أن هدفي الأساس أن أحال على التقاعد لأتفرغ للكتابة للأطفال ، وتعاطف الطبيب مع طموحي ، فكتب تقريراً أكد فيه إنني أعاني من مرض شيرمان ، وعلى هذا الأساس أحلت على التقاعد ، والفضل في ذلك يعود إلى الطبيب المختص و " مرض شيرمان " ، الذي فهمت أنه يعني ، انحناء في العمود الفقري .
في مسيرتي ، التي استغرقت حتى الآن ، ما يزيد على الأربعة عقود ، واجهت الكثير من العنت والصعوبات ، لكني أيضاً حققت الكثير من النجاح والتقدم داخل العراق وخارجه .
لقد رفضت لي الكثير من القصص والمسرحيات ، وكذلك العديد من الكتب ، بحجة أو أخرى ، داخل العراق وخارجه ، لكن هذا لم يحبطني ، بل زادني إصراراً على المواصلة ، والكتابة المستمرة ، مهما كانت الظروف .
ففي عام " 1979 " سُحب كتابي " الزهرة " من ا0لطبع ، بعد أن رسُم وصُمم ، بل ودفعت لي مكافأته ، وقال لي الأستاذ الراحل شريف الراس ، أنه أرسل الكتاب للنشر في بيروت ، ويبدو أنه احترق مع ما احترق في الحرب الأهلية اللبنانية في ذلك الوقت ، وفي أواخر أعوام الحصار ، طبع لي كتاب بعنوان " وردة من بلاط الشهداء " ، يتناول الجوانب المأساوية للحرب ، لكنه لم يوزع بأمر من أحد المسؤولين ، وفي عام " 1999 " طبع لي كتاب في عمان في دار كنده ، بعنوان " حكايات ليث " ، ويضم أكثر من " 30 " قصة حول الانتفاضة ، لكن مكتبات عمان جميعها رفضت توزيعه ، بسبب التطبيع مع " اسرائيل "  .
لكني مع كلّ ذلك ، استطعت أن أنشر داخل العراق وخارجه ، حوالي  " 35 " كتاباً للأطفال ، وأكثر من " 1700 " قصة وسيناريو ومسرحية ورواية للأطفال والفتيان ، بينها أكثر من " 270 " مسرحية للأطفال والفتيان ، ولي تحت الطبع ، في دار البراق لثقافة الأطفال " ، التي أصدرت لي ستة كتب عام " 2013 " ، وأصدرت لي ستة كتب أخرى هذا العام " 2014 " ، رشحت في القائمة الطويلة لنيل جائزة الشيخ زايد لكتاب الطفل ، ولدي في دار " البراق " عشرة كتب ، ستة للأطفال ، وأربعة روايات للفتيان .
كما أنني ، وبفخر واعتزاز ، أستطيع أن أقول ، إنني وضعت اللبنات الأولى لأساس واعد لصحافة الأطفال في محافظة نينوى ، ابتدأت بزاوية ـ نصف صفحة ـ للأطفال في جريدة " نينوى " عام " 200 " ، وفي تموز عام " 2003 " بعد التغيير ، أصدرت أول مجلة للأطفال في العراق ، بالتعاون مع مطبعة الزهراء في الموصل ، وتلاها ملحق جريدة عراقيون " براعم عراقيون " الشهري عام " 2004 " ، وتتالت زوايا متعددة في صحف ومجلات موصلية منها ، جريدة الحقيقة ، وجريدة المسار ، وجريدة دجلة ، ومجلة الأسرة والطفل ، ومجلة زرقاء ـ نت ،وغيرها ، وفي عام " 2010 " أصدرت مجلة " ينابيع " بالتعاون مع جريد عراقيون ، والآن ، وعن المركز الثقافي والاجتماعي ، تصدر مجلة واعدة للأطفال بعنوان " بيبونة " ، يعمل معي فيها نخبة من أدباء الموصل ، المعنيين بأدب الأطفال ، من بينهم الكاتب المسرحي الكبير ناهض الرمضاني ، والأستاذ فارس السردار ، والدكتور أحمد جار الله ، مع نخبة من الفنانين يأتي في مقدمتهم حكم الكاتب ، وليث عقراوي ، ومحمد العدواني ، وعمر طلال .
وخلال مسيرتي الطويلة هذه ، حصلت على العديد من الجوائز العربية والعراقية ، في مجال السيناريو والمسرح ، كما كرمت مرات كثيرة ، من أطراف عديدة ، من داخل مدينتي الموصل ، ومن بغداد ، كتبت عني وعن أعمالي الكثير من المقالات والبحوث ، كما اهتم بها طلبة وطالبات الدراسات العليا ، فكتبت عن أعمالي القصصية ومسرحياتي للأطفال والفتيان العديد من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه .
وما أقوله في النهاية ، إنني كنت وسأبقى سعيداً ، لكوني واحداً من كتاب أدب الأطفال في العراق ، وسأبقى كذلك حتى النهاية .   





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق