السبت، 1 نوفمبر 2014

مسرحية "القلم المغرور" بين الثوب القيمى وخصائص الأداء الإبداعي للطفل بقلم: خالد جوده أحمد



مسرحية "القلم المغرور" بين الثوب القيمى وخصائص الأداء الإبداعي للطفل
خالد جوده أحمد
يرمي الشاعر: عبده الزراع من خلال مسرحيته الشعرية المكتوبة للأطفال (القلم المغرور) إلي تحقيق أهداف تربوية وتعليمية في آن واحد، ويستهدي بذلك بطائفة من الأدوات والوسائل الفنية، ونوضح ذلك من خلال البنود التالية :
·   شخوص المسرحية مفردات متصلة بالطالب الصغير، وهنا أنسنة أو شخصنة الأشياء، وهي فكرة مشهوده وشهيرة في ميدان الكتابة للطفل، إذن القرب للطفل يكون من خلال الحديث حول بيئة يحياها وأدوات يتعامل معها، بما في ذلك الأدوات الحديثة كالحاسب الآلي .
·   المشهد الغنائي وهو القالب الفني الذي أراده الأديب ليكون أقرب لذهن الطفل، وألصق بوجدانه، وهو يبدأ منظره الأول ص 6 من المسرحية بأن تقوم كل أداه من الأدوات الهندسية بتعريف نفسها، وفي إطار هذا التعريف توضح كل أداه مهمتها وفي ذلك تمهيد  لما معناه فريق العمل أو تكامل الأدوار، وهي ذات الفكرة الإدارية الهامة التي يقوم عليها علم الإدارة الحديثة بالانتقال من الهيكل الإداري التنظيمي التقليدي إلي الهيكل المفرطح باختصار عددا من المستويات الإدارية، إلي اللاهيكل أو طريقة فرق العمل وهي السائدة في عالمنا المعاصر لكل الشركات الكبرى الناجحة، لذلك تغرس تلك المسرحية من خلال نسقها الغنائي وفكرتها الأساسية نحو تأكيد هذه القيمة ليخرج لنا جيل جديد للمستقبل يؤمن بتلك الأفكار التي تحقق النجاح والتقدم.
·        ومن خلال التعريف أيضا نجد اللمسة الوجدانية للوطن والتي تغرس قسمة مؤداها في فؤاد الطفل قيمة الوطن :
القلم : أنا القلم : / بسني بارسم ف الخطوط / أرسم بيوت تبقي وطن / ارسم شموس وأرسم علم (ص 7:6)
·   الحوار بين الفرد والجماعة والتي تقوم بدور تربوي هام بعزل والضغط عن المفارق لقيمها حتى يعود مرة أخري إلي طريق الصواب ويقارب قيمها الثابتة، وتلك الفكرة في غاية الأهمية إذ عنها مدار الإصلاح جميعه، بمعني أن غرس طائفة من القيم الراقية في نفوس أطفالنا وفي وسائل التدريس تؤدي بذاتها دورا ذاتيا في إصلاح العطب من خلال الضغط الجمعي، سواء من خلال السخرية من المجموع بالقلم المغرور، أو بالتوضيح والإفهام له من الأدوات الأخرى، أو بالتجربة المشاهدة، والتي تحمل البرهان مثل المباراة والتحدى للقلم بالقيام بمهام أدوات أخرى (ص 13:12)، ثم الصياح عليه
الجميع : (يضحكون) ها ها ها ها هاي يادي الفشل يادي الفشل
وفكرة الضغط الجمعي لتصويب الخطأ من أوضح ما يكون ما  يكون في نسق الفكرة.
·   اما عن العبارة الكاشفة أو المضيئة للنص، فالنص كالبيت له نوافذ ترشد عنه، واسميها العبارات اللافتات أو العبارات الملخصة، وفي المسرحية بين يدنا نجد أن تلك اللافتات تغرس قيما تربوية تؤكد علي أخلاق رفيعة مثل العطاء
المسطرة : لأ يا جماعة مش كده .. الموضوع مش مين أحسن من الثاني .. المهم إننا كلنا بنكمل بعضنا . (ص 10)
ويتكرر مفهوم إحنا بنكمل بعض (ص11)، البرجل : (..) مفيش غنا عن بعضنا (ص12)، واعتقد أن هذه من أهم القيم التربوية التي تقوم المسرحية بتأكيدها نحو العطاء والتعاون والتي نحن في أشد الحاجة اليوم لغرسها في أجيالنا الناشئة.
·   أيضا التناص الدائر في أفاق المسرحية والذي يأخذ عبارات مباشرة من أغاني شهيرة جدا، يجعل الفكرة والداء قريبين جدا من الطفل ومن نماذج ذلك :
البرجل : أيوه وتقعد تغني لنا (يغني بصوت غليظ) بتسأل ليه على .. ما لكش دعوى بيا .. وتقول وحشاك عنيا .. ما لكش دعوي بيا .. (ص18)
وأيضا، الويندوز : زعيم إيه اللى أنت جاى تقول عليه !! إنت تعرف قبله معني
الزعامه إيه !! (ص39)
لكن في مجال هذا التناص توقفت رافضا (وأرجو أن يسمح لي الأديب بممارسة هذا الحق كقارئ) علي المستوي القيمي لمشهد مغازلة البرجل للكىيورد صفحة 40 وهو مشهد طالما جرى ابتذاله علي شاشة التليفزيون من خلال عشرات الأفلاموالمسرحيات، لكننا هنا في مجال نفي للقيم السلبية وتأكيد قيم إيجابية للطفل، صحيح أن الأديب قصد بذلك تحقيق الطرافة وإسعاد الطفل، لكن الغزل المقدم في الأفلام 
مستقر في ذهن الطفل بمعني أن يقوم الشاب بمعاكسة الفتاة .
وعلي نفس الوتيرة رفضت أن تقوم الأم بتقديم كوبين من الشاي للأستاذ والطفل (ص  25) إذ أنه لا يجب أن يشرب الطفل (السن من 8 – 12 سنه) شايا، وهو من المنبهات التي يجب أن يبتعد عنها الطفل.
·   أيضا الاختيار المباشر لاسم البطل (فهمان) يدل علي الخطاب المناسب للطفل، وتأكيد أهمية الفهم والذي يرقي عن الذكاء بتوظيف الأفكار لإدراك جوهر الأمور ، ورعاية مناسبة الحال.
·   تناقش المسرحية أيضا فكرة الغرور وتتوغل داخل شخصية المتكبر، وتنبين تهافت ما بستند عليه من تعظيم ذات والاستعلاء بها علي الآخرين فهنا منحي نفسي، يقدم للطفولة بلغة سهله واضحة قريبه من وجدانه .
·   هناك أيضا مسحة فكاهية لتقترب جدا من أفاق الطفل الذي يعشق الضحك والتسلية، من خلال أداء كوميدي لبعض الأدوات أو من خلال حركات كوميدية أو مشهد الأستاذ خلوصي والذي اختار له الأديب اسم له جناس ناقص مع خصوصي، والتي تؤكد علي معني إدانة ظاهرة الدروس الخصوصية وجشع بعض المدرسين الخصوصيين، كما تلمح من طرف خفي لتهافت العملية التعليمية وانهيارها في بلدنا اليوم. 
وبرع الأديب في استخدام تقنية التكرار للخطأ في اسم المدرس بين الطفل (فهمان) وأمه، وقد تبدو قضية التكرار من التوابل الفنية والتي يجب استخدمها بحذر في أدب الكبار، بينما جاءت هنا باحتراف وفهم لطبيعة الطفل والذي كلما تكررت كلما زادت من سعادة الطفل وتفاعله مع المسرحية.
·   تزخر المسرحية كما ذكرنا بطائفة من القيم التربوية الرئيسة في تناول الفكرة، لكن لم يمنع هذا الأديب من التلميح لشئون وقيم أخرى هامة تتصل بالعملية التعليمية (الدروس الخصوصية، التحفيز للطالب من خلال تقديم الوعد له بمكافئتة حال تحقيقه مستوي دراسي معين، وبالطبع هي من ألزم الأفكار التربوية منذ القدم)، وقيم التطور (مثال : العولمة والحاسب الآلي، وعلاقة الرقمي بالورقي والتكامل بينهما في فهم صحيح لتكامل الأدوار وطبيعة التطور)، أيضا اللغة العربية وأهمية التحدث بها وتأكيد تنقية الحديث من شوائب لا تتصل بها، والحقيقة أن هذه القضية شغلتني، حيث طالما نلتقي بمن يبتكر لغة جديدة مشوهه (هجين) بين اللغة العربية واللغة الإنجليزية في بحث نحو الجدارة وتأكيد الأهمية، وسوف أسرد تلك الفقرة من المسرحية :
فهمان            : ياريت يا أستاذ، خلوصا .. قصدي خصوصا لأني في بعض الدروس محتاج نعمل عليها (استرس).
أ. خلوصي       : (بغضب) استـ .. إيه يا أخويا.
فهمان            : (بخوف) استرس يا أستاذ .. يعنى نركز عليها.
أ. خلوصى       : اسمها نركز عليها .. مش (استرس) .. خلاص كلكلوا بقيتوا خواجات .. لسانكوا اتعوج .. مالها اللغة العربية .. دى لغة البيان والقرآن .. لازم نحافظ عليها .. وخلوصا .. قصدي (بنرفزة) وخصوصا في عصر المدعوكه دي اللى اسمها العولمة.
ولعل إيراد كلمة العولمة لا ترقي لفهم الطفل، لكنها تعطيه مفتاحا لمعرفة عصره، وموقف الأستاذ من وجوب التمسك بلغتنا لعله الموقف الإيجابي الوحيد لهذا الأستاذ المنغلق الذي يرفض التطوير ويحارب التقدم متمثلا في الحاسب الآلي، لكن هنا تناقضا لا أحبذه حيث أن معناها أن من ينادى بلغتنا الجليلة يكون منغلقا منفعلا !!، وحيث انه يحارب التطوير رغبة منه في الحفاظ علي مكاسبه، لذلك انقلب الأمر إلي عداوة مستحكمة بينه وبين الحاسب الآلي.
الأم      : سيبك منه يا فهمان .. د باين عليه عدو التقدم .. ( .. )
فهمان  : (يبكي) يا ماما هو كل المدرسين بالشكل ده .
الأم      : لا يا حبيبي ده نوعيه من المدرسين الجشعين اللى ضد العلم والتطور .. لكن فيه مدرسين كويسين بيخافوا عليك ( ص 29)
وهنا ملمح آخر بإرساء قاعدة للفهم السليم بخطيئة التعميم والتي تقود للتعصب المشين.
كما نجد بعدا تشكيلي من خلال تلك الصورة صفحة 27 للأستاذ الأشعث والذي يمثل الماضي المتعثر، وفهمان الطفل الأنيق النظيف الذي يمثل المستقبل.
·   إيقاع المسرحية متوازن بحيث لم يمكن تقسيمها مناصفة بين حوار وتفاعل بين الأدوات الهندسية، ثم طارئ حديث بورود الحاسب الآلي بمكوناته، والتفاعل بينها وبين الأدوات الهندسية من ناحية أخرى، وكما بدأت الأدوات الهندسية بالتعريف بذواتها في مطلع المسرحية من خلال استعراض غنائي، نجد أن الحاسب الآلي بمكوناته يقدم استعراضا غنائيا للتعريف أيضا، وهذا الاستعراض الذي يقدم مكونات الحاسب الآلي هو عبر تفاصيله مضمون الدرس لطلاب الصف الخامس الإبتدائي  وهذا يدفعنا للحديث حول الجانب التعليمي في أدب الطفل، حيث يجب أن يزخر الأدب الذي يقدم له بجوانب معرفية مقدمه بطريقة مشوقة، بل لعل الهدف التعليمي يكون رئيسيا في هذا الأدب، كما يجب أن يكون مباشرا سهلا، قريبا من بيئته وذهنه ويطرق علي وجدانه لينقش فيه القيم التي تصنع جيل المستقبل، وتغير وجه الحياة في مصرنا الحبيبة، وهذا جميعه لمسناه في تلك المسرحية الشعرية التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن شاعرنا مسيطرا علي أدواته فاهما لتقنيات ووسائل الكتابة للطفل والتأثير فيه.
·   وفي آخر صفحة من المسرحية عرضا لقضية لا تمس أدوات الهندسة ومواجهتها لخطر إحلالها بالحاسب الآلي، بل تمس حتى عشاق الخط العربي الذين واجهوا اضمحلالا مع التكنولوجيا الحديثة، لكن يبق للخطاط وأدائه الخطي المبدع حضوره علي المستوي الفني والجمالي، وإن تراجع دوره علي المستوي الاستعمالى، وهي بالضبط قصة الأدوات الهندسية مع الحاسب الآلي.
·   أما من ناحية الرسوم فهي لطيفة ومعبرة، وإن افتقد الغلاف رسوما لمكونات من الحاسب الآلي حتى يكون الغلاف معبرا بالمماثلة لفكرة المسرحية ككل.
·   وبقي أخيرا أن نشير أنه رغم مرور قرابة الست سنوات علي تقديم المسرحية في ثوبها الأصيل عبر مجمع الفنون (المسرح)، لكن حسنا فعل الأديب بنشرها ورقيا لأنها تحقق هدفا رائعا وهو غرس القيمة الأدبية في ذاتها، وعشق الطفل لمطالعة الآثار الأدبية بصورتها الورقية، والتي أصبحت موضع للرثاء في عصر تدهور القيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق