السبت، 8 مارس 2014

"عمـلاق المعارك- عبادة بن الصامت" قصة للأطفال بقلم: محمد عبد الظاهر المطارقى

عمـلاق المعارك
عبادة بن الصامت رضى الله عنه
بقلم: محمد عبد الظاهر المطارقى
( رجل يعد بألف رجل )

متى قيلت هذه الكلمة ؟ وفي حق من ؟ بل من الذي قالها ؟ إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أجرى الله الحق على لسانه ، فلا يقول إلا حقاً ، ولا ينطق إلا صدقاً .
وقد قيلت في حق صحابي صنديد ، أسلم في بدء الدعوة ، وحسن إسلامه ، وظل حاملاً سيفه ، يلازم النبي أينما ذهب ، فشهد المشاهد جميعها ، وأبلى فيها البلاء الحسن ، حتى قبض رسول الله وهو عنه راض ، وفي عهد الخليفة الأول ( أبي بكر الصديق ) أظهر من القوة والشجاعة ما دفع به في أتون المعارك ، فحمل حسامه الذي كان يذب به عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ها هو يذهب به ليحمي بيضة الإسلام من هؤلاء المرتدين ، وأدعياء النبوة ، ومانعي الزكاة ، فكان نعم البطل الشجاع ، المؤمن بربه ، التواق إلى جنة الخلد وملاقاة الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه .
ها هو أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه يبعث به ضمن ثلاثة من الرجال ، على رأس جيش قوامه أربعة آلاف ، لينطلقوا باسم الله إلى بلاد النيل ، ليحرروا مصر من أغلال الروم .
لقد أرسلهم الخليفة العادل رضي الله عنه بعد أن وصلته رسالة من القائد الهمام ( عمرو بن العاص ) يشرح له الموقف في مصر ، وكثافة جند الروم ، ومعهم المصريين ، ولما فرغ الأمير من قراءة الرسالة ، واقتنع بما فيها ، هز رأسه علامة الإيجاب ، ثم كتب إلى القائد عمرو بن العاص رسالة قصيرة قال فيها :
( إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام ألف ) وكان بطلنا العملاق صاحب البشرة الداكنة ، والعينان الحادتان ، والصوت الجهوري ، هو أحد هؤلاء الأربعة رضي الله عنه ، وأرضاه ،

كانت عيون المقوقس قد استطاعت أن تندس بين جنود المسلمين ، تنظر إليهم ، وتتأملهم وتدرس أحوالهم ريثما تقوم بتبليغ المقوقس بمدى قوة هؤلاء المسلمين ، ومناطق الضعف التي تعتري حركتهم ، حتى يستطيع ملكهم أن يحتاط.
ما إن وطأت أقدام الأربعة آلاف الذين بعث لهم أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) حتى التحموا ببقية إخوانهم من الجنود وراحوا جميعاً يهتفون في صوت واحد ، صوت هادر يسقط جدران المدينة .
الله أكبر ، الله أكبر .
ما كادت الكلمة تنطلق في قوة ، حتى أصابت عيون ، المقوقس وجواسيسه ، وكادت قلوبهم أن تخرج من حناجرها من شدة الهلع والخوف ، الله أكبر ، الله أكبر ، كادوا أن يصعقوا من هول قوتها ، فإذا بهم يفرون كالجرذان المذعورة ، لينقلوا الأخبار إلى المقوقس .
رما هم المقوقس بنظرات غاضبة ، وصاح في وجوههم : ما بكم ، ماذا رأيتم ؟
قالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا مهمة ، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد .
يغسلون أطرافهم بالماء ، ويخشعون في صلاتهم .
صمت المقوقس ، وراحت عيناه تنظران إلى بعيد ، إلى عالم لا يراه سواه ، ثم هز رأسه وقال : والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد .
ولئن لم نغنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض ، وقووا على الخروج من موضعهم .
أرسل المقوقس إلى أمير الجيوش ( عمرو بن العاص ) بنفر من خاصيته ليتفاوضوا معه .
وينظرون أي طريقة ممكنة تصلح لإجراء الصلح .
لكن قائد المسلمين لم يسمح لهؤلاء الرسل بالعودة إلا في اليوم الثالث من ذهابهم إليه ، مما أصاب المقوقس بالقلق ، والترقب ، وضرب أخماس في أسداس .
ولما عاد رجاله تنفس الصعداء ، وابتسم في اطمئنان .
سألهم عن هذا التأخير ، فراحوا يصفون له حال هؤلاء الجنود ، كيف يأكلون ، وكيف يتعاملون فيها بينهم ، تمسكهم بدينهم وحبهم لنبيهم ، واشتياقهم للموت في سبيل الجنة التي أعدها ربهم لهم .
إنهم والله لأناس يحبون الموت ويسعون إليه طواعية ، كما نحب نحن الحياة ونتعلق بها ، ثم رفعوا إليه المطالب التي قدمها قائدهم ، وهي :
إما الإسلام ، ويكون لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم .
وإما الجزية يدفعونها عن يد وهم صاغرون .
وإما القتال .
بعد أيام أرسل عمرو بن العاص نفراً من أصحابه على رأسهم هذا الصحابي العملاق عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وأميرهم .
لما دخلوا على المقوقس ، ارتعدت فرائصه ، وخاف من رؤية عبادة بن الصامت رضى الله عنه ، قال لهم :
نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني .
قالوا له :
إن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً ، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا ، ونرجع جميعأً إلى قوله ورأيه ، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه قوله .
حدق المقوقس في وجه الصحابي عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وقال في تأفف واستياء : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم ، وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم ؟
قالوا :
إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه أفضلنا موضعاً ، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأياً ، وليس ينكر السواد فينا .
قال المقوقس :
- تقدم يا أسود ، وكلمني برفق ، فإنني أهاب سوادك ، وإن أشتد كلامك علي ازددت لك هيبة .
تقدم إليه الصحابي العملاق ، ورماه بنظرات حادة قاسية ، ثم هز رأسه مبتسماً وقال : ( قد سمعت مقالتك ، وأن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل ، كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ، لو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني ، وأنا قد وليت ، وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد لله ما أهاب أحداً ولو كانوا مائة أو ألفاً من الأعداء ) .
هناك انكفأت رأس المقوقس على صدره ، وأحس أنه أمام أسود عملاقة في هيئة رجال من البشر ، فعلم أنها النهاية المحتومة ، ولو اجتمعت لهم كل جيوش الأرض .
===============================
من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم
كتبه /محمد عبد الظاهر المطارقي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق