عمـلاق المعارك
عبادة بن الصامت رضى الله عنه
عبادة بن الصامت رضى الله عنه
بقلم: محمد عبد الظاهر المطارقى
( رجل يعد بألف رجل )
متى قيلت هذه الكلمة ؟ وفي حق من ؟ بل من الذي قالها ؟ إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أجرى الله الحق على لسانه ، فلا يقول إلا حقاً ، ولا ينطق إلا صدقاً .
وقد قيلت في حق صحابي صنديد ، أسلم في بدء الدعوة ، وحسن إسلامه ، وظل حاملاً سيفه ، يلازم النبي أينما ذهب ، فشهد المشاهد جميعها ، وأبلى فيها البلاء الحسن ، حتى قبض رسول الله وهو عنه راض ، وفي عهد الخليفة الأول ( أبي بكر الصديق ) أظهر من القوة والشجاعة ما دفع به في أتون المعارك ، فحمل حسامه الذي كان يذب به عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ها هو يذهب به ليحمي بيضة الإسلام من هؤلاء المرتدين ، وأدعياء النبوة ، ومانعي الزكاة ، فكان نعم البطل الشجاع ، المؤمن بربه ، التواق إلى جنة الخلد وملاقاة الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه .
ها هو أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه يبعث به ضمن ثلاثة من الرجال ، على رأس جيش قوامه أربعة آلاف ، لينطلقوا باسم الله إلى بلاد النيل ، ليحرروا مصر من أغلال الروم .
لقد أرسلهم الخليفة العادل رضي الله عنه بعد أن وصلته رسالة من القائد الهمام ( عمرو بن العاص ) يشرح له الموقف في مصر ، وكثافة جند الروم ، ومعهم المصريين ، ولما فرغ الأمير من قراءة الرسالة ، واقتنع بما فيها ، هز رأسه علامة الإيجاب ، ثم كتب إلى القائد عمرو بن العاص رسالة قصيرة قال فيها :
( إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام ألف ) وكان بطلنا العملاق صاحب البشرة الداكنة ، والعينان الحادتان ، والصوت الجهوري ، هو أحد هؤلاء الأربعة رضي الله عنه ، وأرضاه ،
كانت عيون المقوقس قد استطاعت أن تندس بين جنود المسلمين ، تنظر إليهم ، وتتأملهم وتدرس أحوالهم ريثما تقوم بتبليغ المقوقس بمدى قوة هؤلاء المسلمين ، ومناطق الضعف التي تعتري حركتهم ، حتى يستطيع ملكهم أن يحتاط.
ما إن وطأت أقدام الأربعة آلاف الذين بعث لهم أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) حتى التحموا ببقية إخوانهم من الجنود وراحوا جميعاً يهتفون في صوت واحد ، صوت هادر يسقط جدران المدينة .
الله أكبر ، الله أكبر .
ما كادت الكلمة تنطلق في قوة ، حتى أصابت عيون ، المقوقس وجواسيسه ، وكادت قلوبهم أن تخرج من حناجرها من شدة الهلع والخوف ، الله أكبر ، الله أكبر ، كادوا أن يصعقوا من هول قوتها ، فإذا بهم يفرون كالجرذان المذعورة ، لينقلوا الأخبار إلى المقوقس .
رما هم المقوقس بنظرات غاضبة ، وصاح في وجوههم : ما بكم ، ماذا رأيتم ؟
قالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا مهمة ، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد .
يغسلون أطرافهم بالماء ، ويخشعون في صلاتهم .
صمت المقوقس ، وراحت عيناه تنظران إلى بعيد ، إلى عالم لا يراه سواه ، ثم هز رأسه وقال : والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد .
ولئن لم نغنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض ، وقووا على الخروج من موضعهم .
أرسل المقوقس إلى أمير الجيوش ( عمرو بن العاص ) بنفر من خاصيته ليتفاوضوا معه .
وينظرون أي طريقة ممكنة تصلح لإجراء الصلح .
لكن قائد المسلمين لم يسمح لهؤلاء الرسل بالعودة إلا في اليوم الثالث من ذهابهم إليه ، مما أصاب المقوقس بالقلق ، والترقب ، وضرب أخماس في أسداس .
ولما عاد رجاله تنفس الصعداء ، وابتسم في اطمئنان .
سألهم عن هذا التأخير ، فراحوا يصفون له حال هؤلاء الجنود ، كيف يأكلون ، وكيف يتعاملون فيها بينهم ، تمسكهم بدينهم وحبهم لنبيهم ، واشتياقهم للموت في سبيل الجنة التي أعدها ربهم لهم .
إنهم والله لأناس يحبون الموت ويسعون إليه طواعية ، كما نحب نحن الحياة ونتعلق بها ، ثم رفعوا إليه المطالب التي قدمها قائدهم ، وهي :
إما الإسلام ، ويكون لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم .
وإما الجزية يدفعونها عن يد وهم صاغرون .
وإما القتال .
بعد أيام أرسل عمرو بن العاص نفراً من أصحابه على رأسهم هذا الصحابي العملاق عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وأميرهم .
لما دخلوا على المقوقس ، ارتعدت فرائصه ، وخاف من رؤية عبادة بن الصامت رضى الله عنه ، قال لهم :
نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني .
قالوا له :
إن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً ، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا ، ونرجع جميعأً إلى قوله ورأيه ، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه قوله .
حدق المقوقس في وجه الصحابي عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وقال في تأفف واستياء : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم ، وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم ؟
قالوا :
إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه أفضلنا موضعاً ، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأياً ، وليس ينكر السواد فينا .
قال المقوقس :
- تقدم يا أسود ، وكلمني برفق ، فإنني أهاب سوادك ، وإن أشتد كلامك علي ازددت لك هيبة .
تقدم إليه الصحابي العملاق ، ورماه بنظرات حادة قاسية ، ثم هز رأسه مبتسماً وقال : ( قد سمعت مقالتك ، وأن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل ، كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ، لو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني ، وأنا قد وليت ، وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد لله ما أهاب أحداً ولو كانوا مائة أو ألفاً من الأعداء ) .
هناك انكفأت رأس المقوقس على صدره ، وأحس أنه أمام أسود عملاقة في هيئة رجال من البشر ، فعلم أنها النهاية المحتومة ، ولو اجتمعت لهم كل جيوش الأرض .
===============================
من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم
كتبه /محمد عبد الظاهر المطارقي .
( رجل يعد بألف رجل )
متى قيلت هذه الكلمة ؟ وفي حق من ؟ بل من الذي قالها ؟ إنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أجرى الله الحق على لسانه ، فلا يقول إلا حقاً ، ولا ينطق إلا صدقاً .
وقد قيلت في حق صحابي صنديد ، أسلم في بدء الدعوة ، وحسن إسلامه ، وظل حاملاً سيفه ، يلازم النبي أينما ذهب ، فشهد المشاهد جميعها ، وأبلى فيها البلاء الحسن ، حتى قبض رسول الله وهو عنه راض ، وفي عهد الخليفة الأول ( أبي بكر الصديق ) أظهر من القوة والشجاعة ما دفع به في أتون المعارك ، فحمل حسامه الذي كان يذب به عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ها هو يذهب به ليحمي بيضة الإسلام من هؤلاء المرتدين ، وأدعياء النبوة ، ومانعي الزكاة ، فكان نعم البطل الشجاع ، المؤمن بربه ، التواق إلى جنة الخلد وملاقاة الأحبة محمد صلى الله عليه وسلم وحزبه .
ها هو أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه يبعث به ضمن ثلاثة من الرجال ، على رأس جيش قوامه أربعة آلاف ، لينطلقوا باسم الله إلى بلاد النيل ، ليحرروا مصر من أغلال الروم .
لقد أرسلهم الخليفة العادل رضي الله عنه بعد أن وصلته رسالة من القائد الهمام ( عمرو بن العاص ) يشرح له الموقف في مصر ، وكثافة جند الروم ، ومعهم المصريين ، ولما فرغ الأمير من قراءة الرسالة ، واقتنع بما فيها ، هز رأسه علامة الإيجاب ، ثم كتب إلى القائد عمرو بن العاص رسالة قصيرة قال فيها :
( إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام ألف ) وكان بطلنا العملاق صاحب البشرة الداكنة ، والعينان الحادتان ، والصوت الجهوري ، هو أحد هؤلاء الأربعة رضي الله عنه ، وأرضاه ،
كانت عيون المقوقس قد استطاعت أن تندس بين جنود المسلمين ، تنظر إليهم ، وتتأملهم وتدرس أحوالهم ريثما تقوم بتبليغ المقوقس بمدى قوة هؤلاء المسلمين ، ومناطق الضعف التي تعتري حركتهم ، حتى يستطيع ملكهم أن يحتاط.
ما إن وطأت أقدام الأربعة آلاف الذين بعث لهم أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) حتى التحموا ببقية إخوانهم من الجنود وراحوا جميعاً يهتفون في صوت واحد ، صوت هادر يسقط جدران المدينة .
الله أكبر ، الله أكبر .
ما كادت الكلمة تنطلق في قوة ، حتى أصابت عيون ، المقوقس وجواسيسه ، وكادت قلوبهم أن تخرج من حناجرها من شدة الهلع والخوف ، الله أكبر ، الله أكبر ، كادوا أن يصعقوا من هول قوتها ، فإذا بهم يفرون كالجرذان المذعورة ، لينقلوا الأخبار إلى المقوقس .
رما هم المقوقس بنظرات غاضبة ، وصاح في وجوههم : ما بكم ، ماذا رأيتم ؟
قالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا مهمة ، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد .
يغسلون أطرافهم بالماء ، ويخشعون في صلاتهم .
صمت المقوقس ، وراحت عيناه تنظران إلى بعيد ، إلى عالم لا يراه سواه ، ثم هز رأسه وقال : والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد .
ولئن لم نغنم صلحهم اليوم وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض ، وقووا على الخروج من موضعهم .
أرسل المقوقس إلى أمير الجيوش ( عمرو بن العاص ) بنفر من خاصيته ليتفاوضوا معه .
وينظرون أي طريقة ممكنة تصلح لإجراء الصلح .
لكن قائد المسلمين لم يسمح لهؤلاء الرسل بالعودة إلا في اليوم الثالث من ذهابهم إليه ، مما أصاب المقوقس بالقلق ، والترقب ، وضرب أخماس في أسداس .
ولما عاد رجاله تنفس الصعداء ، وابتسم في اطمئنان .
سألهم عن هذا التأخير ، فراحوا يصفون له حال هؤلاء الجنود ، كيف يأكلون ، وكيف يتعاملون فيها بينهم ، تمسكهم بدينهم وحبهم لنبيهم ، واشتياقهم للموت في سبيل الجنة التي أعدها ربهم لهم .
إنهم والله لأناس يحبون الموت ويسعون إليه طواعية ، كما نحب نحن الحياة ونتعلق بها ، ثم رفعوا إليه المطالب التي قدمها قائدهم ، وهي :
إما الإسلام ، ويكون لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم .
وإما الجزية يدفعونها عن يد وهم صاغرون .
وإما القتال .
بعد أيام أرسل عمرو بن العاص نفراً من أصحابه على رأسهم هذا الصحابي العملاق عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وأمره عمرو أن يكون متكلم القوم وأميرهم .
لما دخلوا على المقوقس ، ارتعدت فرائصه ، وخاف من رؤية عبادة بن الصامت رضى الله عنه ، قال لهم :
نحوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني .
قالوا له :
إن هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً ، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا ، ونرجع جميعأً إلى قوله ورأيه ، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا ألا نخالف رأيه قوله .
حدق المقوقس في وجه الصحابي عبادة بن الصامت رضى الله عنه، وقال في تأفف واستياء : وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم ، وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم ؟
قالوا :
إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه أفضلنا موضعاً ، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأياً ، وليس ينكر السواد فينا .
قال المقوقس :
- تقدم يا أسود ، وكلمني برفق ، فإنني أهاب سوادك ، وإن أشتد كلامك علي ازددت لك هيبة .
تقدم إليه الصحابي العملاق ، ورماه بنظرات حادة قاسية ، ثم هز رأسه مبتسماً وقال : ( قد سمعت مقالتك ، وأن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل ، كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ، لو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني ، وأنا قد وليت ، وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد لله ما أهاب أحداً ولو كانوا مائة أو ألفاً من الأعداء ) .
هناك انكفأت رأس المقوقس على صدره ، وأحس أنه أمام أسود عملاقة في هيئة رجال من البشر ، فعلم أنها النهاية المحتومة ، ولو اجتمعت لهم كل جيوش الأرض .
===============================
من كتاب : 100 قصة وقصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم
كتبه /محمد عبد الظاهر المطارقي .

هناك تعليق واحد:
guuifiing15
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
golden goose outlet
إرسال تعليق