الذئب والحمار المغفل..
أوباها حسين*
أنهى
الحمار عمله ووجهه مالكه بالعصا نحو جهة في حقله ليأكل البرسيم ..أحنى
الحمار عنقه المجروح ببقع يبس دمها تقريبا.. تناوب الذباب عليها... لعق
القليل منها ..حمار منحوس ساقته رياح تجارة البهائم إلى فلاح لا يعرف الرفق بالحيوانات لأنه يعشق المال ..
الذئب : هيه ..اسمع يا حمار ..
الحمار : ماذا تريد ؟!
الذئب : جئت لأساعدك كي تتخلص من سيدك الذي يعذبك كل يوم
الحمار : أنا لا أثق في من يكرهه الناس ويخافون منه على نعاجهم
الذئب : الناس يدافعون عن خيراتهم ونحن ندافع عن بطوننا وأنت القانع الخانع لا يحميك أحد ..أصغ إلي لتستفيد من ذكائي وخبرتي ..
الحمار
: أرجوك ..لن تغير حياتي .. مصيري ضرب ..ونقل الخضر ..وأتحمل ركوب الكبار
تنقلا والصغار مرحا يكمل تعبي , كرهت نفسي ولكن لا حيلة لدي لأنجو من هذا
التحقير ..
الذئب : لدي طريقة ستخيف مالكك ويخلدك إلى الراحة التامة
الحمار : اتركني لأكمل العلف ..
الذئب
: انظر إلى حالك ..كلك كدمات وجلدك مشرط بالسياط ولا تهتم بكلام ذئب يتمنى
لك الحرية والراحة قبل وبعد العمل..كن طموحا لغد أفضل ..إياك أن تتمسك
بالقهر ..
الحمار : هذا دوري ولدت حمارا وسأبقى حمارا ورث النهيق من من سبقوه ..اشتراني صاحب الحقل لأخدمه وأخضع له ..فمن أين سأعيش إن تركته ؟ لن يقبل أحد هذا الجسد المدبوغ بالعنف ..
الذئب : إن تراجعت عن عنادك ..سأنتظرك غدا قرب جبل عند ضفة النهر ..ففي كل يوم سأترقب مجيئك وفي أي وقت تشاء ..
الحمار : أنا مرتبط بمصيري.. ولا شيء يشجعني لتقودني معك إلى المستحيل ..
الذئب : ستعجبك الفكرة فإن رفضتها سأتخلى عن حيلتي معك لألقنها لغيرك ..
الحمار : إذا فكرتك حيلة ..! وإن كشفها صاحب الحقل سيقتلني ..
الذئب : حيلة ترفع من قيمتك وسيحترمك المالك ويوقرك لتنعم بالهدوء وينتهي الضرب الموصوف في حقك..
الحمار : سأفكر في الموعد ..والآن ابتعد لأكمل علفي قبل أن أرغم على النوم مع رفاقي في النتانة
الذئب : لا تنس الموعد ..
أكمل الحمار علفه ونام في الزريبة يحلم بالحرية والراحة... اللتان وصفهما مفترس اللحوم ..نهق وأزعج الآخرين ..نهق ليعبر عن سروره فالحلم
قادم ليثني مالكه عن تعذيبه ..ودع في منامه صوت السوط وأحس أنه سيشفى
ويحزن الذباب وتبكي الحشرات الأخرى بسبب النظافة التي حرمتها من المص
..تخيل اليوم الذي سيلاقي فيه الذئب مفتاح الخلاص من الإهانة ..وفي اليوم
المقرر مشى الحمار بخطوات مترددة نحو المنقذ ..
الذئب : هنيئا لنا ..أخيرا جئت لتعرف عبقريتي ..
الحمار : نعم ..وقبل الاتفاق ارني حيلتك
الذئب : وهل ستنفذها ؟؟
الحمار : إن أعجبتني !
الذئب : اسمع وفكر ..سأتعلم صوتك لأنهق مثلك وعليك أن تدربني كما يتدرب أهل الغناء ..
الحمار : من المستحيل أن تقلد صوت حمار
الذئب
: لا وجود للمستحيل ..نحن لا نملك الشجاعة لنغير أنفسنا كالبشر ..تمسكنا
بالحيوانية إلى درجة أننا لا نتطور ألا تعلم أن الببغاء يقلد أصوات البشر
؟؟! .
الحمار : هل تريد أن تتطور على حسابي ؟
الذئب يبتسم : لا بأس ..أما أنت فستقلد صوتي لتعوي وإن سمعك صاحب الحقل سيهرب و يظنك مسحورا أو ركبك عفريت ..
الحمار : فكرة جهنمية ..لا تخطر على بال أحد من أذكياء الحيوانات
الذئب : أعجبتك الحيلة ..فبعوائك ستفزع الظالم وترتاح من الضرب والعمل الشاق
الحمار : أتصور الآن أنني أعوي أمام صاحب الحقل وهو يجري ويسقط على أرضه , طالبا النجدة من مشعوذ أو طبيب بيطري في القرية ..
الذئب : أما نهيقي فلن ينفعني لأنه من حمار مغلوب على أمره وممقوت عند سماعه
الحمار : يعني أنا المستفيد من الحيلة
الذئب : نعم ..وهنيئا لك
الحمار : أخاف أن تصبح بنصيحتك هته .أضحوكة بين أمثالك
الذئب
: لا عليك سأبرر نهيقي بأنه مرض في حنجرتي ( وفي نفسه) : مغفل ..لن أنهق
إلا ليلا فهل من المعقول أن أشوه سمعتي ؟؟) ( وللحمار ) ..فلا تقلق من أجلي
..لأن المهم هو أن تصبح حمارا محترما وذا شخصية بين الحيوانات الأليفة ..
الحمار : أنت شهم وذو مروءة
وبدأ
التدريب وتقليد النهيق والعواء ..واستمر أياما ..بعيدا عن الحقل وعن كل
الحيوانات الموجودة في القرية وعن سكانها ..خوفا من افتضاح سرهما ..أتقن
الحمار عواء الذئب بسرعة مذهلة لأنه في أمس الحاجة لترهيب صاحب الحقل
..وتأخر تقليد الذئب لنهيق الحمار ..أخيرا جرى النهيق والعواء عبر
الحنجرتين إلى مرحلة الإتقان ..تبادلا التهاني ..وراح كل واحد منهما إلى
سبيله ....عاد الحمار إلى الحقل وفي طريقه يعوي ليتيقن من الصوت المرعب وهو
يراقب المنطقة كي لا يسمعه فضولي أو نمام
الحمار
: يا سلام ..أصبحت ذئبا بالصوت لكن الجسم حمار ..لا بأس ..علي أن أحمي
نفسي وأرعب عدوي وأتقي شره ..( يعيد عواء منخفضا ) هائل ..عواء متقون لكنه
غليظ بسبب حنجرتي الحمارية
وصل
إلى الحقل ..ووجد عملا شاقا ينتظره ..تخلف عنوة عن الواجب ..نهره صاحب
الحقل ليتبعه ..امتنع الحمار ..رفض وأبدى ما يثير غضب مالكه الذي عاد إلى
بيته فجلب الهراوة ثم تقدم نحو الحمار العنيد.. وبمجرد أن رفعها عوى الحمار عواء جمد صاحب الحقل وأخرسه ليتراجع ويهرب كالذي أصيب بجنون ..
الزوجة : يا للهول ..! ما بك يا رجل ؟؟!
صاحب الحقل : ال..أل ..الحما...الحمار ..يع ..يع ..يعوي ك..ك...كالذئب ..
الزوجة : أجننت ..؟ حمار يعوي ..! مستحيل ..يبدو أنك فقدت وعيك
صاحب الحقل : قلت لك ..سمعت حماري يعوي كالذئب ..
الزوجة : يا لطيف ..هل مسخت الحيوانات لتتبادل الأصوات
صاحب الحقل : سآتي بمشعوذ أو أعرضه على طبيب بيطري يفهم نفسية الحمير
الزوجة : إياك أن تقترب منه ..فربما تحول الحمار إلى ذئب متوحش لينتقم منك
صاحب الحقل : أنت مغفلة ..لا أعتقد أن الحمار يعرف الانتقام !
احتفظ
الحمار بالعواء لنفسه ولا يطلقه إلا في وجه صاحب الحقل الذي اتهم بالحمق
وأصبح مسخرة بين سكان القرية ..أتقن الحمار دوره فارتاح من صاحب الحقل
..وهدأت عاصفة القيل والقال والتساؤل حول عواء الحمار لم يقنع أحدا ..خلد
الحمار للراحة ..شبع ونام ..تمرغ كالمنتصر على أرض الفلاح المذعور الصامت
..شعت النظافة على جسمه ..ارتاح من الذباب والحشرات ..وفي يوم سمع أهل
القرية يتحدثون عن ضياع شاة أو دجاجة خلال الأسبوع ..اعتقد الحمار أنها
سرقات عابرة.. ولما تكرر الضياع اتهم صاحب الحقل الحمار وأشاع خبره.. لأن
عواءه يدل على تصرفاته الذئبية ويكشر أسنانه تشبها بأنياب الذئب ..نجحت التهمة ..هيج سكان القرية ودعاهم ليروا الحقيقة بأم أعينهم.. اجتمعوا
لاتخاذ موقف ضد الحمار إن ثبت الاتهام ..شهر صاحب الحقل عصاه أمام الحمار
مهددا بضربه ..عوى المغفل معتقدا أنه سينجح كمتقمص للذئب ..جرى القرويون
نحوه والذئب ينظر إليه من بين الأشجار ..ومع أول ضربة انهالت عليه فطن
وتيقن أنه الحيلة نفسها وأنه ضحية لعبة أودت بحياته لكن ذكاءه عاد إليه متأخرا وتوالت الضربات ..قتلوا الحمار .. وبقي صوته في حنجرة ذئب متعه كل أسبوع أو شهر بفريسة أثناء ظلام الليالي مدى الحياة ...
*المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق