الخميس، 9 يناير 2014

"كوكب الفقاعة الصغير" قصة للأطفال بقلم: أحمد طوسون



كوكب الفقاعة الصغير
من كتاب "الصندوق والكنز"
أحمد طوسون
رسوم: رشا سالم 

هناك في مجرة بعيدة، عن مجرتنا درب التبانة، حيث لا أحد من البشر يعيش هناك، أو هكذا يخيل لنا..
 كان يوجد كوكب صغير.
 في الحقيقة هو صغير جدا.
 حيث لا يمكننا تخيل كوكب بهذا الصغر، فهو لا يزيد عن حجم كرة "بنج بونج" بيضاء صغيرة، وأبيض أيضا مثلها، لكنه يختلف عنها في أن مضرب أمهر اللاعبين يعجز عن الوصول إليه!

ولأنه كان صغيرا وأبيض اللون فهو كان يشعر بالتميز عن الكواكب الكبيرة الهائلة التي تدور حوله ويدور حولها.
 فهي تشغل حيزا كبيرا في الفضاء بينما هو لا يشغل أكثر من مساحة تشغلها فقاعة!
ورغم ذلك كان يشعر أنهما متساويان.
هو كوكب..
 وهم كواكب مثله حتى وإن كانوا في ضخامة فيل فضائي.. فالأفيال الفضائية لا بد أنها بحجم كوكب ولكن ليس ككوكبنا الصغير!
 أيضا هي كواكب مظلمة بينما هو كان أبيض ومنيرا.
وهو كان مخطئا في اعتقاده الأخير، فاللون لا يصلح أبدا لتفضيل مخلوق على آخر!
والإسلام خاتم الديانات السماوية لم يفرق بين عبد أبيض وعبد أسود إلا بالعمل والتقوى.
 والكواكب كلها تقريبا تقوم بعمل واحد.. الدوران حول نفسها، والدوران حول الكواكب الأخرى وهي تسير في مداراتها دون كلل أو ملل!
إذن فالكواكب كلها متساوية..
 لا فرق فيها بين كبير أو صغير..
 أبيض أو أسود..
 منير أو مظلم!

ولسبب غير مفهوم كان الكوكب الصغير دائم الغضب!
 رغم أن الله أعطاه كل ما يتمناه كوكب صغير مثله.. يدور حوله عدد هائل من إخوته الكواكب الذين لا يكفون عن السؤال عنه والاطمئنان على أحواله.
 لكنه كلما سأله أحد عن أحواله تغير لونه من الغضب، ورد بعصبية لا مبرر لها:
-        وماذا سيحدث لكوكب مثلي
    يدور في مداره في دورات لا نهائية؟!  

تعقب الكواكب بشيء من الحرج:
-        إننا فقط نطمأن عليك!
فيرد بعصبية أكبر:
-        أنا لا أحب أن يطمئن عليّ أحد!
تنصرف الكواكب إلى عملها وهي تتعجب من سوء طباع الكوكب الصغير الذي يجعله يسبب الحرج لها بردوده السخيفة!
فالبعض أحيانا لا يستشعرون ما يحدث لهم من أشياء جيدة!
***
وهناك في المجرة البعيدة شموس كثيرة تشبه شمسنا التي نراها على الأرض.
 لكنها بعيدة جدا عن الكوكب الصغير، باستثناء شمس صغيرة مثله تدور في مدار قريب منه.

 تطل بوجهها الصبوح حين تقترب من مداره وتقول:
-        صباح الخير
لكنه يتمتم في سره بكلمات لا تفهمها قبل أن يرد عليها بفتور:
-        صباح الخير!
وهو يقول لنفسه: ( يا لحظي العسر.. الكواكب الأخرى تمر إلى جوارها شموس كبيرة، أكثر نورا ودفئا، بينما لا تقترب من مداري إلا تلك الشمس الصغيرة التي لا يساوي نورها نور شمعة!)
وهو لا يعرف أن كواكب كثيرة تعيش في ظلام الفضاء والصقيع دون أن تقترب من مدارها شمس ولو بحجم شمسه الصغيرة!
كما أن الشمس الكبيرة لو مرت في مدار قريب منه ستحرقه شعاعاتها الساخنة!
تتعجب الشمس الصغيرة التي تحرص على الدوران في فلكها لتصل إليه في موعدها، لتبدد الظلمة وتنير الفضاء الشاسع من حوله.
فرغم صغر حجمها كان لإشعاعاتها قدرة هائلة على إضاءة ما حوله من فضاء ليستمتع بجمال الطبيعة ومنحه الدفء اللازم حتى لا يتجمد من الصقيع.
تستشعر الشمس الصغيرة الحرج ويزداد وجهها احمرارا من لا مبالاة الكوكب الصغير وفتور ترحيبه بها.
وتقول بغضب:
-        بدلا من أن تشكرني
    على أنني أنير لك ما حولك
   وأمنحك الدفء..
    تقابلني بجفاء..
    وتقطب جبينك في وجهي!
لكنه يرد عليها باستعلاء:
-        ولِمَ أشكرك
    وأنتِ تقومين فقط بعملك؟!

تستاء الشمس الصغيرة وتقول:
-        على الأقل، ابتسم في وجهي
    أو قل كلمة طيبة
    تجعلني سعيدة ..
    وأنا أقوم بعملي!
لكن الكوكب الصغير لا يعبأ بمشاعر أحد.
يظل حانقا على كل شيء من حوله..
وتبقى الشمس تواصل عملها..
 لكنها تستعجل الدقائق واللحظات حتى تبتعد عن الكوكب الصغير الغاضب دائما.
 تحين لحظة غروبها لتقترب بمدارها من كوكب صغير آخر تهبه النور والدفء.
 ويهبها ابتسامة جميلة..
 وكلمات شكر لا تنتهي طوال أداء عملها.
***
وحين تغيب الشمس الصغيرة يحل الظلام فيصبح الكوكب الصغير أكثر غضبا.
 فهو يخاف أكثر من الظلام الذي يجعله يتخيل أشياء مخيفة تدور حوله في الفضاء!
 وتتوارد على رأسه أفكار غريبة عن لصوص ملثمين يخطفونه عن مداره إلى مدار بعيد لا يعرف له طريقا من أجل فدية كبيرة من المال!

ولا أحد يعرف من أين تأتي تلك الأفكار الغريبة إلى رأس الكوكب الصغير، وهو يعيش في مجرة بعيدة جدا لم يصل إليها البشر.
 ولا أعتقد أن بإمكان كوكب صغير فيها الحصول على فرصة عمل واكتساب بعض المال.
 لكن ربما كانت الكواكب في المجرات البعيدة مغرمة بمشاهدة الأفلام البوليسية التي تجعلها تفكر بمثل تلك الطريقة الغريبة!
على أي حال يظل الكوكب الصغير يتأفف في الظلام حتى يلوح من بعيد قمر أبيض صغير بنوره الفضي الجميل.
وبدلا من أن يسعد الكوكب الصغير بضياء القمر الذي بدَّد ظلمة الفضاء من حوله، يصب جام غضبه على القمر الصغير، ويصيح عليه:
-        لماذا تأخرت أيها الكسول..
    ألا تعلم أنني لا أحب الظلام؟!
يتعجب القمر الصغير من اتهام الكويكب له بالتأخر عن موعده!
 فهو يسير وفق نظام كوني واحد مع الكواكب والشموس والنيازك والشهب وكافة مخلوقات الفضاء، ولا يستطيع أن يتأخر أو يتقدم عن موعده لحظة واحدة.
فلا مجال له للهروب أو التكاسل.
لكن الكويكب الصغير هكذا دائما!
يغضب لأتفه الأسباب..
ويغضب بدون أسباب!
يتفوه بما يخطر بباله من كلمات، دون أن يفكر لحظة إن كانت ألفاظه التي يتفوه بها ستسيء لأحد، أو تسبب الإيذاء لأحد أم لا.
فالكلمة إما تكون بناءة أو هدامة!
فالكلمة الطيبة تزرع الحب والوئام..
والكلمة الخبيثة لا نحصد من ورائها إلا الضغينة والخصام.. تفرق ولا تجمع.
لكنه غاضب دائما..
والغضب يعمي العيون عن رؤية الحقيقة، والتصرف بشكل لائق.
القمر الصغير ابتسم في هدوء، وقال:
-        هون على نفسك يا صديقي..
-        لقد آتيت في موعدي
     ولو سمعك الليل وأنت تقول إنك لا تحب الظلام..
     سيغضب منك.
لكن الكوكب الصغير لا يعبأ بمشاعر أحد، ولا يعمل حسابا لشيء!
لذا ردد باستهانة:
-        يغضب أو لا يغضب؟
-        ....................
-        أنا لا أحب الظلام..
   ولا يشغلني إن كان سيغضب الليل أم لا.
بينما كان الليل يسمع كلمات الكويكب الصغير، وعيناه تغرورقان بالدموع.
 فالظلام مظلوم دائما، رغم أهميته لكافة المخلوقات لاستعادة نشاطها.
 فهو هام للنوم والراحة بعد العمل والنشاط بالنهار.
 كما أن الظلام يساعد جسم الإنسان على فرز هرمونات تقوي المناعة وتقاوم الأمراض.
والضوء يساعد على فرز هرمونات أخرى تقوي المناعة أيضا.
ويحمي الظلام الكائنات من التعرض للضوء والإشعاعات لفترات طويلة وما ينتج عن ذلك من مخاطر.
كما يساعد في تزهير النباتات.
لكن كيف لكوكب غاضب دائما أن يعرف تلك الأشياء الهامة؟!
***

مع الوقت لاحظ الكوكب الصغير أن فقاعة شفافة رقيقة بدأت تحيط به من كل جانب.
ولم تفلح كل محاولاته مع الفقاعة لإبعادها عنه!
بالطبع كان غضبه يزداد ثورة.
وجرب معها كل الألفاظ السيئة التي من الطبيعي أن تجعلها تنفر منه وتبتعد عنه.
لكن الفقاعة لم تشغل بالها بما يقول من كلمات غاضبة.
وكأن الأمر لا يعنيها في شيء!
وهو ما كان يغيظ الكويكب أكثر وأكثر.
بعد أيام.. اكتشف الكوكب الصغير أن غلاف الفقاعة الشفاف_الذي يحيط بجسده_ لم يعد شفافا..
 وأصبح يميل إلى الاصفرار قليلا!

ثم بدأ يزداد قتامه يوما بعد يوم.
قلق الكويكب كثيرا..
وخشي أن تكون الفقاعة التي تحيط به مرضا يصيب الكواكب والنجوم السيارة.
في هذه الحالة سيحتاج إلى من يرشده ويساعده في الوصول إلى طبيب ليتلقى العلاج على يديه.
وهو لم يعط لنفسه فرصة لتكون علاقته طيبة بمن حوله ليستطيع أن يستشيرهم أو يطلب مساعدتهم!
لكنه عاد وقال لنفسه: ( حتى وإن كان مرضا فلن أطلب مساعدة من أحد.)
وفكر أنه ربما كان مرضا يصيب الكويكبات الصغيرة في مواسم تغير الفصول المناخية..
 وسرعان ما يزول!
وربما كان تأثيره الأكبر على العيون بفعل الغبار الفضائي.
تأكدت ظنون الكويكب حين لم يعد يرى الفضاء بنفس صفائه القديم، ولم يعد يرى الكواكب والنجوم من حوله بالوضوح الذي كان يراه من قبل!
مع ذلك ازداد مزاجه سوءا، وأصبح يرد بعصبية أكبر على جيرانه من النجوم والنيازك والشهب.
وازداد غلاف الفقاعة قتامه..
حتى بات حالك السواد!
ولم يعد بإمكان الكوكب الصغير رؤية شيء مما حوله.
كما لم يعد يسمع أحدا من أخوته الكواكب الكبيرة أو جيرانه النجوم والشموس والأقمار يلقون السلام عليه..
 أو يسألون عن أحواله.
فعاش وحيدا، حزينا، ومكتئبا.
لا يستمتع بشيء في الحياة.
***

وفي أحد الأيام مر نيزك حكيم بجوار الكوكب الصغير، وشاهده حزينا ومكتئبا.
 اقترب منه وألقى عليه التحية وقال:
-        كيف حالك أيها الكوكب الصغير؟
كعادته رد الكوكب بتهور وعصبية دون أن يعرف حتى من يكلمه، وقال:
-        وما شأنك أنت؟
كاد النيزك الحكيم ينسحب مبتعدا، لولا أن الكوكب الصغير تدارك نفسه بسرعة وقال:
-        انتظرْ
-        أرجوك..
    هل قلت شيئا؟
فقد ظن الكوكب الصغير أنه لم يعد يسمع كما أنه لم يعد يرى شيئا من حوله!
ابتسم النيزك الحكيم وقال:
-        كنت أسألك عن أحوالك
   لكن من الواضح أنك لا تحب أن يزعجك أحد.
فرح الكوكب الصغير بعدما اطمأن أنه مازال يسمع، وقال بلهفة:
-        أرجوك.. انتظرْ
    هل بإمكانك أن تراني؟
النيزك الحكيم قال مندهشا:
-        بالطبع أراك!
تساءل الكوكب الصغير باستغراب:
-        والفقاعة السوداء..
    ألا تمنعك من رؤيتي؟
تعجب النيزك الحكيم وتساءل عن أي فقاعة يتحدث الكوكب الصغير؟
الكوكب الصغير صاح غاضبا:
-        الفقاعة السوداء التي تحيط بي
    وتجعلني لا أرى شيئا.
صمت النيزك الحكيم للحظات وهو يرثي لحال الكوكب الصغير، فلا أحد يحب أن يغضب أحد في وجهه، حتى ظن الكوكب الصغير أنه تركه ورحل.
صاح بأعلى صوته مناديا:
-        أرجوك لا ترحل..
    أنا آسف
    لم أقصد أن أصيح في وجهك!
النيزك الحكيم قال بهدوء:
-        أنا لم أرحل.
الكوكب الصغير قال بأسى ودمعة متحجرة في عينيه:
-        لكنني لا أراك..
    تلك الفقاعة السوداء اللعينة..   
    جعلتني لا أرى شيئا من حولي!
ربت النيزك الحكيم على كتف الكويكب وقال:
-        لا توجد أي فقاعة حولك
-        السواد الذي جعلك لا ترى ما حولك وتستمتع به
    هو سوء طباعك
    وكرهك لما حولك
    وغضبك الدائم بلا مبرر!
    أحبْ ما حولك..
   وعامل أخوانك وأصحابك وجيرانك بوجه حسن..
    ساعتها ستعود لك القدرة على رؤية الأشياء بصورتها الجميلة.
    فالكلمة الطيبة
    قادرة على إزالة أي فقاعة سوداء تحجب الرؤية عنك.
ثم تركه وانصرف إلى طريقه في الفضاء الشاسع الرحيب.
***
ظل الكوكب الصغير يفكر في كلمات النيزك الحكيم.
 واكتشف كم كان مخطئا حين كان يعامل كل من حوله بغلظة وقسوة وفتور حتى انصرفوا عنه لطباعه السيئة.
 وصار وحيدا وحزينا.
قرر الكوكب الصغير من اليوم أن يبدأ حياة جديدة لا مكان فيها إلا للحب والكلمة الطيبة.
فحين يستشعر في الصباح دفء الشمس الجميل، يقول:
-        صباحك جميل أيتها الشمس الزاهية
   ما أجمل شعاعاتك الذهبية.
تبتسم الشمس الصغيرة في سعادة..
 وتقول فرحة:
-        ما أجمل صباحك يا صديقي الكوكب الصغير
وهي لا تصدق أن الكويكب الغاضب دائما تخلى عن سوء طباعه.
وإذا غابت الشمس وحل الليل قال مرحبا:

-        مرحبا بصديقي الليل الجميل ونجومه الزاهية
   الذي يجعل الحياة هادئة
   وساكنة من حولنا..
   لنستمتع بالراحة من تعب النهار..
   لنستيقظ نشيطين
   ونؤدي عملنا على خير وجه.
يفرح الليل بشدة ويقول:
-        أشكرك يا صديقي الصغير
   لقد تغيرت حقا
   كما وصفتك الشمس!
وحين يطل القمر بوجهه الجميل، يفرح الكوكب الصغير ويغني على ضوئه الفضي أغنية جميلة.
أصبح الكوكب الصغير يسأل على أخوته الكواكب الكبيرة، ويشكرها على سؤالها عنه واهتمامه بها حتى زالت الفقاعة السوداء التي كانت تحيط به.
 وأصبح يرى السماء جميلة..
 صافيه وزرقاء في زرقة أزهار الحنطة.
 والشمس مشرقة كزهرة زاهية.
 والقمر جميلا كطبق من الفضة الخالصة.
وأصبح يحب الحياة ويستمتع بها.
 فأحبته الحياة ووهبته سرها المكنون.
 بات سعيدا مع أخوته وأصحابه وجيرانه يستمتعون بالكون الواسع من حولهم.
 ويشكرون الله الخالق على عظمته وقدرته.


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق