السبت، 11 يناير 2014

"أُسَامَةُ صَيَّادُ الجَرَاد.. !" قصة للأطفال بقلم: عبد الله لالي



أُسَامَةُ صَيَّادُ الجَرَاد.. !
بقلم: عبد الله لالي 
جلس أسامةُ الفَتَى المحبُّ للحكاياتِ والمغامراتِ يَستمِعُ إلى قصّةِ جدِّه الغريبةِ المدهشةِ، عن ( عام الجراد )؛ قال الجَدُّ وفي صَوتِه حزنٌ عَميقٌ:
-       مَرَّ علينا عامٌ – زمنَ الاستعمارِ الفَرنسيّ – هو مِن أشدِّ الأعوامِ التي مَرّت بنا، قَلَّ فيه الطّعامُ والغذاء وصار النّاسُ في فقرٍ شديد وكانوا جِياعا إلى درجة أنّهم أكلوا الجراد؛ الذي يُهاجِم المزروعاتِ في تلك السّنة، وقد سمّى النّاسُ ذلك العامِ ( عام الشرّ ) أي عام الجوعِ الشديد أو ( عام الجراد ).
كنّا نخرج ليلاً مع عائلات كثيرة فقيرة نحملُ في أيدِينا أكياسَ الدّقيقِ الفارغةِ، ونَتَلمّس طريقَنا في الظَّلام الحالك[1] حتى نَعثُر على جماعاتِ الجرادِ المتراكم بعضُها فوق بعضٍ؛ فنملأُ منها أكياسَنا ونعود بغنيمة كبيرة تسدّ جوعَنا بضعةَ أيّام..
قال أسامةُ:
-       كيف تأكلون الجرادَ يا جَدّي..؟ !
قال الجدّ:
-       هو لذيذُ الطّعم فعلاً لمن جرّبَه، وكنّا نأكلُه مطبوخًا أو مشويّا وربّما أكلَه بعضُ النّاس مَقليّا..
وذاتَ يوم بينما كان أسامةُ مع جدِّه في البستانِ اصطادَ الجدّ جرادةً أنثى، وأراها لأسامةَ قائلاً:
-        كان الجرادُ الذي هاجم الأرضَ (عام الشرّ ) أكبرَ من هذه الجرادةِ بمرّتين، إنّها جرادةٌ أنثى ولذلك تراها سمينةً بعضَ الشّيء، بينما الجرادُ الذكرُ هزيلُ البدنِ قليلُ اللَّحم، فلا يصلح للأكل..
ثمّ أوقد نارًا من حطب البستانِ اليابس وشوى الجرادةَ فيها، ثمّ قال لأسامةَ:
-       تعالَ يا أسامةُ اُنظرْ كيف تُؤكَلُ الجرادةُ.. !
وقام الجدّ بنزع رأسِ الجرادةِ وأرجلِها ورماها بعيدًا، ثمّ شقَّ صدرَها واستخرجَ منه شيئا يسيرًا من اللّحمِ، لا يتجاوز  رأسَ الإصبعِ الخِنصَرِ وقدَّمَه لأسامةَ قائلاً:
-       تَذوّقْ .. ! ألَا يُشبِه طَعمُه طعمَ لحمِ الخروف..؟
نظر أسامةُ مَشدُوهًا إلى اللّحم وقال:
-       إنّه يا جدِّي يُشبِه لحمَ السَّمَكِ المقدَّد[2].. وتردَّدَ قليلاً ثمّ أخذَه مِن يَدِ جَدِّه وراحَ يَتَذَوَّقُه بِحذَرٍ، ثمّ هَمْهَمَ قائِلاً:
-       هَمممم..إنّه طيّبٌ ولذيذٌ حقّا يا جدّي، لولا أنّ كمّيتَه قليلةٌ، فلَو كانَ حَجْمُه أكبرَ لكانَ أحسَن..
فقالَ الجدُّ:
-       ذلِكَ ما يَجعلُ طعمَه لا يُنسَى.. !
ثمّ أضافَ وهو يَنزع الجِلدَ الرّقيقَ عن بطنِ الجرادَةِ المشويّ:
-       تَذَوّق هذا البيضَ الّذي في بطنِها أيضًا؛ إنّه ألذّ طعمًا وأروعُ مذاقًا..
كان حَجمُ بطنِ الجرادةِ أكبرُ مِن لَحم الصّدرِ بكثيرٍ ولذلِك استطاع أسامةُ  أن يتلذَّذَ بأكلِه بشكلٍ أفضلَ..وقال:
-       إنّه رائعٌ يا جدِّي ..كأنّه بيضُ الدّجاجِ..
ومنذُ ذلك الحينِ صار أسامةُ صيّادًا بارعًا للجراد، يخرجُ هو وأصدقاؤُه مع بزوغِ الشّمسِ فيَتَجَوَّلُون في البساتين حتّى ارتفاعِ الضّحى[3]، لأنَّ الجرادَ ينامُ ليلاَ بين الحشائشِ والأعشابِ على الأرضِ، فإذا طَلعَ النّهارُ واشتدَّ حرّ الشمسِ طارَ وحطَّ فوق أغصانِ وفروعِ الأشجارِ..
وكان شجر التّين في الرّبيع يزهو ويبسط أوراقه خضراء فتّانة، تغطّي أغصان ( الكَرْمَةِ )، وعلى تلك الأغصان والأفرع الصّغيرةِ يتوارى الجرادُ ويظلُّ يأكلُ من الأوراقِ الطريّةِ طولَ النّهارِ..
ويأتي أسامة في خفّة بالغة مستعرضًا خبرته وذكاءَه أمامَ أصدقائِه، ويُمسك بالجراد ببراعةٍ عجيبةٍ دون أن تتمكّن جرادةٌ واحدةٌ من الفرار، ويَضع ما يَصطادُه منها في علبِ الطماطم الفارغةِ حتى إذا امتلأتِ العلبةُ رجع إلى البيتِ فرحًا مسرورا، ويظلُّ طول الطريق يقصُّ على أصدقائِه قصصَ مغامراتِه مع صيدِ الجرادِ، وكان بعضُ أصدقائِه يخشى مجرّدَ الاقترابِ من الجراد، ويَظنُّ أنّه يَعُضّ، فإذا شُوِيَ وقُدِّم له عافَه وتقزّز من أكلِه..
لكنَّ أسامةَ تَسحَرُه دومًا مغامرةُ صيدِ الجراد وسط البساتين أيّامَ الرّبيع الفتّانةِ حيث تُرسلُ الشّمسُ شلالا ذهبيّا ينشر أنوارَه  فوق الأرضِ وعلى قممِ الأشجار التي تحرّكها النّسائمُ في خفّةٍ مدهشة..      وتعزف الطبيعةُ بقدرةِ خالقِها أبدعَ موسيقى عرفَها الإنسان، هي مزيجٌ من حَفيفِ الأوراق وهفيف الرياح وتغريدِ الطُيور وسَقسقة العصافير، سَمفونيّةٌ بديعة ساحرةٌ على أنغامها يمارس أسامةُ هوايتَه في جَذَلِ ومَرَحٍ مُشرق..
وتنتهي الرّحلةُ كلُّها بأُكلةٍ لذيذة من لحم الجراد، الّذي كان وسيلةً للبقاء على قيد الحياة للنّاس، زمن الاستعمار الفرنسي ( عام الشرّ ) أو عامَ الجراد..               


[1]  - الحالك: الظلام الشديد.
[2]  - المقدّد: الجاف او اليابس.
[3]  - ارتفاع الضّحى: هو شدّةُ سُطوعِ الشمسِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق