الثلاثاء، 23 يوليو 2013

"مذكرات فانوس" قصة للأطفال بقلم: سماح أبوبكر عزت

مذكرات فانوس مذكرات فانوس
سماح أبوبكر عزت 
 
فى هذا المكان ومنذ تسعة أعوام كنت أقف هنا وحدى، غرفة جميلة نظيقة، مرتبة الأثاث والحوائط ألوانها زاهية تبعث على البهجة وكأنها حديقة تزينها الزهور المختلفة الأشكال والألوان، وكان أجمل ما فى هذه الغرفة صديقى هشام، كم كنت سعيداً عندما رآنى لأول مرة، فى يوم عيد ميلاده الأول فى أول ليلة من ليالى شهر رمضان، أطفأ والده نور الغرفة، بكى هشام لكن سرعان ما تبدل بكاؤه بابتسامة جميلة عندما حملنى بيديه الصغيرتين وأضأت المكان.. اتسعت الابتسامة من فم صغير لا تسكنه سوى سنة واحدة.
هل عرفتم من أنا؟ أنا الفانوس القديم الذى صار منسياً وكلما مر عام من عمر هشام، يشترى له والده فانوساً جديداً مع أول ليلة من ليالى رمضان. واليوم أكمل هشام عشرة أعوام وصرنا عشرة فوانيس بالتمام والكمال، اختلفت الأشكال والنغمات، وكل عام يظهر فانوس جديد يغنى أحدث الأغنيات، يغنى معه هشام ويصبح هو البطل طوال شهر رمضان ثم يقف فى الطابور وينضم لباقى الفوانيس ليعلوه الغبار.. وكلما مر عام من عمر هشام يكبر ونكبر معه، يعتنى به أبواه، ويهمل هو فى العناية بنا بل ويعتبرنا لعباً قديمة لا تستحق أن يحافظ عليها، لذلك فكل زملائى من الفوانيس واللعب يحتاجون لإصلاح ما أفسدته يد هشام.. فى هذا العام، وقبل أيام من قدوم شهر رمضان، قرر والد هشام أن يتبرع بملابس ولعب هشام لأحد دور الأيتام المجاورة لمنزله، طلب الأب من هشام مساعدته فى جمع بعض اللعب والملابس والألوان، ليسعد بها الأطفال فى شهر الخير، شهر رمضان، سمعت كل اللعب ما قاله والد هشام ورفضت بإصرار أن تترك المكان الذى تنعم فيه بالراحة والكسل، فهى لا تتحرك من مكانها بعد أن أصبحت لعباً قديمة فى نظر هشام وجاء الدور على الفوانيس، من دون تفكير مد هشام يده لآخر الطابور حيث أقف يعلو الغبار جبهتى، نظر إلىّ وقال: ياه كنت نسيتك، برغم أنك أقدم فانوس لكنك لم تتكسر مثل بقية الفوانيس، بقدر حزنى لأنى سأفارق هشام وجيرانى من اللعب، كانت سعادتى أنى سأرسم البهجة على ملامح طفل صغير يفرح بى وأشعر معه بوجودى فأى كائن يشعر بوجوده وأهميته بقدر ما ينفع ويسعد الآخرين، سخرت منى كل اللعب واتهمتنى بالحماقة، لأنى سأترك مكانا مريحا لا أمارس فيه أى عمل وأذهب لمكان يشتاق فيه الأطفال للعبة يلهون بها، وربما تقع أو تتكسر وتشعر بالألم.. تركت منزل هشام وذهبت لدار الأطفال الأيتام، كم كانت سعادتهم بى، يلهون بى ويغنون أغنية اشتقت كثيراً لسماعها.. وحوى يا وحوى.. ياه.. الفوانيس صارت تغنى أغانى غريبة الآن.. بقدر سعادة الأطفال، كان حرصهم على سلامتى والعناية بى، وكنت أقف على رف قديم بجوار النافذة، وفى أحد أيام رمضان توقفت سيارة جمع أكياس القمامة أمام منزل هشام، رأيت رفاقى الفوانيس وبعض اللعب القديمة تطل برأسها من أحد الأكياس، ليتها وافقت أن تأتى معى، أنا هنا أشعر بالحب وسط الأطفال، أشعر بالحياة وأنا أرى ابتسامتهم، لم أعد أرى الغبار الذى كان يلتصق بى طوال العام، أحيانا أشعر بالتعب والإجهاد وأنا بين يدى الأطفال يلهون بى لكنى فى منتهى الرضا والسعادة، كل ما يحزننى هو أننى لن أرى زملائى الذين سخروا منى يوماً ما، وأحن لرؤية هشام، فأنا لم ولن أنسى وجهه الجميل البرىء وفرحته بى منذ عشرة أعوام.

هناك تعليق واحد: