السبعون جنيهاً
صبحي سليمان
أخيراً
استكملت المبلغ.
هكذا قالها
الصغير وهو يُحصي قروشه القليلة.
مزق قطعة
قماش من ملابسه المُهلهلة وضع فيها قروشه وأطبق عليها بكل ما أوتي من قوة؛ وضمها
لصدره واتجه ناحية واجهة محل الملابس الذي أوشك علي غلق أبوابه.
ووسط جمهرة
من المارة الذين يتخيرون ما يُناسبهم من ملابس تسمر هذا الصغير أمام قطعة ملابس
صوفية شعر فيها بالدفء الذي يبحث عنه كثيراً ولا يجده.
دخل المحل بهدوء؛ وما أن شاهده صاحب المحل
حتى تأفف بغضب قائلاً :
ـ ما الذي أدخلك هنا أيها الولد.
أشار
الصغير دون تردد لقطعة الملابس الصوفية وأعطاه صرة النقود بابتسام.
ما أن شاهد صاحب المحل النقود في يده حتى
بدا الاهتمام علي وجهه وبدأ يعد النقود ... واحد ... اثنان ... ها ها ها ... لقد
قرأتها سبعون قرشاً ... إنها سبعون جنيهاً أيها التعس.
رد الرجل
النقود للصغير الذي خرج علي الفور من المحل وهو ينظر لمحبوبته التي انتزعت منه ولا
يستطيع ارتدائها.
أمسك
الصغير الصرة التي معه؛ وأخرج منها النقود؛ وأمسك بقطعة القماش وحاول استرجاعها
لمكانها في ملابسه البالية؛ إلا أنه لم يستطع.
ووسط البرد
القارص الذي يعيش فيه هذا الصغير انفتح ثقب جديد بملابسه لا يستطيع إغلاقه إلا بعد
استكمال السبعون جنيهاً.
هُنا أغلق الأب كتاب الحكايات ونظر لصغاره
وهو يقول :
ـ والآن يا صغاري يوجد عدد كبير من
المحتاجين يعيشون حولنا ولكننا لا نشعر بهم؛ فمن منكم سيتبرع بملابسه المُستعملة ليكسى
هؤلاء المحتاجين ويرحمهم من برد الليل القارص ؟
رفع جميع الصغار أيديهم علي الفور وقالوا
جميعاً :
ـ أنا يا أبي ... أنا يا أبي.
فابتسم الأب وهو يقول :
ـ هيا انتقوا لهم أفضل ما لديكم.
ذهب الصغار علي الفور ليتخيروا الملابس التي
سيتبرعون بها للمحتاجين ... وفي هدوء قال الأب :
ـ
الحمد لله لقد أثمرت قصتي وشعر صغاري بمعاناة الآخرين.
وبالفعل تبرع الصغار بعدد كبير من ملابسهم
الصوفية لكثير من المحتاجين.
والآن جاء دورك أنت يا صغيري لتفعل بالمثل
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق