الجمعة، 26 أبريل 2013

"أناس قاع البحر " حكاية للأطفال بقلم: خليل كلفت




أناس قاع البحر
 خليل كلفت
 قريبا جدا من البحر, عاش ميجيل حياة متواضعة, لأنه لم يكن صياد سمك ولم يكن يملك سوى بضعة أفدنة من الأرض كان يزرع فيها القمح. 
وكان يكدح بجد على هذه التربة غير الخصبة, ولم يكن حصاده وفيرا دائما.
 غير أنه من كثرة ما أحضر من الطحالب التي جرها من المحيط, وروث الخيل المتجمع على الطريق, نجح في إخصاب التربة إلى حد أنه في سنة أمطرت فيها السماء كثيرا, بدا حصاده ممتازا. 
وكان يذهب كل يوم للعناية بزرعه وهو ينضج, وينتظر متلهفا موسم الجني. 
 وجاء هذا الموسم, وعندئذ اكتشف ذات صباح أن نصف محصوله من القمح اختفى أثناء الليل.
 غضب وثار, وعندما أتى المساء, أخذ عصا ضخمة واختبأ بين شجر كثيف يحيط بالطريق.
 كان القمر قد اكتمل بدرا وكان يسطع على الأرض بنور كوضح النهار. والجو هادئا, وتلاطم الأمواج على الشاطيء القريب هو الصوت الوحيد الذي يسمعه في هذه الليلة. 
وانتظر ميجيل, وهو يقاوم النعاس. وعند منتصف الليل, رأى امرأة ترتدي ثوبا أبيض طويلا, تدخل أرضه وبدأت تجني المحصول.
 أسرع ميجيل إليها. 
وعندما رأته, انطلقت تجري نحو الشاطيء, إلا أن ثوبها الطويل أعاقها وذلك الوعاء الكبير الذي لم تشأ أن تتخلى عنه فسقطت على الرمل حيث قام ميجيل بشل حركتها.
 ودار صراع قصير, كان الرجل قويا وبسرعة استسلمت المرأة. 
 وعندئذ رآها ميجيل كانت شابة وجميلة. سأل: مَنْ أنت؟
 قالت بصوت جاف:
 ـ لن تعرف.
 ـ أنتِ لستِ من هذا البلد.
 لم أركِ أبدا هنا. 
 لم تجب, وتفحص ميجيل الوعاء واكتشف أنه مجدول من سيقان طحالب رفيعة جدا. 
 (من أين أنتِ إذن؟ لأن وعاءك ليس مصنوعا من القش مثل كل الناس عندنا).
 ظلت الشابة مترددة طويلا, ثم عندما رأت أن الفلاح لن يتركها, انتهت إلى القول: (اسمي كونشيتا. وأنا من الناس الذين يعيشون في قاع البحار).
 كان ميجيل قد سمع الأهالي يتكلمون عن هؤلاء الناس الغامضين, لكنه كان يرفض دائما تصديق وجودهم.
 ومضطربا, تذكر المرة التي قالت له أمه فيها ذات يوم: (بنات قاع البحار لهن عيون لونها أزرق مخضر وجلودهن لها طعم الملح).
 أجبر ميجيل الشابة على أن تدير نظرتها إلى اتجاه القمر, واستطاع أن يتأكد من أن عينيها كان لهما حقا هذا اللون الجميل الأخضر الذي لا مثيل له. 
وأعجب بها ميجيل فطلب منها الزواج, فقبلت كونشيتا على شرط ألا يلعن أهل تحت الماء لأي سبب من الأسباب. 
 أنجبت هذه الفتاة الآتية من قاع البحر ثلاثة أطفال لطافا للفلاح الذي كان سعيدا بهم. ومع هذا, لم يكن من الممكن أن تكون سعادة ميجيل كاملة, لأن زوجته كانت تفكر في زينتها هي أكثر من زينة أطفالها. 
ولم تكن تعرف كيف تطبخ, وكانت تهمل الغسيل وتنظيف البيت. 
وكان على ميجيل المسكين أن يعتني بالبيت ويستمر في العمل في حقل القمح. وبعد خمس سنوات من الحياة المشتركة, وفي يوم كان ميجيل متعبا فيه بوجه خاص, انفجر غاضبا وهو يقول لها: (لا أنتِ أم جيدة ولا أنت زوجة جيدة, أنا لا أعلم كيف كانت تربيتك, لكنني لا أعرف أي بنت من بلدي في مثل إهمالك وكسلك)!
 صرخت كونشيتا:
 ـ أنا أحتقر بنات بلدك, في رأيي, الناس الوحيدون الذين لهم اعتبار, هم أولئك الذين يعيشون في قاع البحر. 
 اقترب منها ميجيل, وقد أعماه الغضب, قائلا: (إذن, من ناحيتي, أنا أحتقر ناس تحت الماء. أنا احتقرهم, وألعنهم!). 
 وبمجرد أن نطق بهذه الكلمة, تركت كونشيتا البيت.
 واعتقد ميجيل للحظة أنها ذاهبة لتغضب في مكان ما. 
وعندما رأى أطفاله يخرجون وراءها, بدأ يقلق. 
غير أن قلقه استحال إلى ذهول, عندما أخذ كل شيء يحذو حذو كونشيتا: المنضدة, المقاعد, الموقد, البوفيه, الأسرة, القدور.. 
وأخيرا كل ما كان أثاثا في البيت.
 خرج ميجيل الحزين التعيس ليحاول الإمساك على الأقل ببغله الذي كان يرحل أيضا, وفي تلك اللحظة أخذ المنزل نفسه يتحرك, ونزل نحو البحر. 
 كان على ميجيل أن يسند ظهره إلى شجرة حتى لا يسقط فقد كانت ساقاه ترتجفان بشدة. وهكذا رأى أسرته وكل ممتلكاته وهي تختفي في الماء. 
ظل حزيناً وحيدا, مجردا من كل شيء. 
حتى أدوات عمله اختفت وكان على أحد جيرانه أن يقرضه فأساً ليعزق حقله. 
ولأنه كان شجاعا فقد استأنف العمل. وكدح كثيرا, ولم يحصد دائما ما كان يستحقه, ولم يعد أحد يخرج أبدا من المحيط ليأتي ويسرق منه القمح. 
http://3arabimag.com/Little/WriterArticle.asp?ID=372

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق