السبت، 13 أبريل 2013

"عِقْدُ اللُّؤلُؤِ" قصّةٌ للأَطفَال بقلم: عبد الله لالي



عِقْدُ اللُّؤلُؤِ..
عبد الله لالي
كانَ الفَتى محمّد بنُ عبدِ البَاقِي يَمْشِي في مدينة مكّةَ حَزينًا مَهمومًا، يُفكِّرُ كيف يُحَصِّلُ قُوتَ يومِه ليَتفَرَّغَ لطلبِ العلمِ وحفظِ أحاديثِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلّم، وبينما هوَ كذلك لمحتْ عيناه كيسًا صغيرًا على الأرضِ وعليه رباطٌ من حرير أخضرَ سندسيِّ، فانْحنىَ والتَقَطَ ذلك الكيسَ وفتحَه فإِذا بداخِلِه عقدُ لؤلؤٍ من أبدعِ وأروعِ ما يوجدُ من لؤلؤٍ في الأرضِ، فقالَ في نفسِه:" لا شكَّ أنَّ هذا العقدَ يُساوِي مبلغًا عظيمًا من المالِ، سأحتفظُ به عندي حتّى أجدَ صاحبَه."

ثمّ ذهبَ إلى بيتِه وجَلسَ يقرأُ القرآنَ، فسمعَ مُناديًا يُنادِي بأعلى صوتِه:

-       مَنْ وجدَ كيسًا مختومًا بخيطٍ من حريرٍ فلَه 500 دينارٍ.. 

فخرجَ الفتىَ محمّد بنُ عبدِ الباقي ينظرُ الأمرَ فوجدَ المناديَ قريبًا من بيتهِ فقالَ لَه:

-       ما هِيَ صفةَ كيسِكَ..؟

فقالَ المنادِي: " إنّه كيسٌ صغيرُ مختومٌ برباطٍ مِن حَرير وفيه عِقْدُ لؤلؤٍ لا يقدَّرُ بثمنٍ.. "

فقالَ له الفَتىَ: 

 - هذا هو كيسُك فخُذْه..

أخذَ الرّجلُ الكيسَ وأخرجَ منْ جيْبِهِ 500 دينارٍ وقدَّمَها له قائِلاً:

- هذهِ هيَ مكافأَتُكَ خُذُهَا حلالاً طيبًا.. 

فقَالَ الفَتىَ بعزَّةِ نفسٍ وقنَاعَةِ:  

- لا..لا أريدُ هذَا المالَ، فأنا لا آخذُ أجرًا على أمَانَتِي.. !

ثمّ رجعَ إلى بيتِه مستعينًا باللهِ، وبقيَ يقرأُ الكتبَ ويتعلّمُ العلمَ في مكّةَ، وبعد عدّةِ أيّامٍ ظهرَ له أن يسافرَ إلى مدينةٍ أخرى طلبًا لمزيدٍ منَ العلمِ والمعرفةِ..

ركبَ سَفِينَةً مع جماعةٍ منَ المسافرين فلمَّا أبحرَت بهم مدّةً منَ الزّمنِ وكان يسودُ البَحرَ خلالهَا الهدوءُ والسَّكينةُ وكانتِ الشّمسُ مشرقةً، والجوُّ معتدلاً والهواءُ يُرسِلُ نَسمَاتٍ عليلةً، فجأةً وعندَ حُلولِ الظّلامِ هبَّت عاصفةٌ هوجاءُ، واضطربَ البحرُ وهاجَتِ الأمواجُ ورَفَعَتِ السَّفينةَ إلى أعلى ثمّ هَوَت بها إلى الأسفلِ بقوَّةٍ، ثمَّ جَعلت تهزُّها هَزًّا عَنيفًا.. وقاومتِ السّفينةُ ورُكّابُها بِكلِّ قوّةٍ وإصرارٍ ولكنَّها في النِّهايةِ تحطّمتْ وانقَسَمت إلى أجزاءَ عديدةِ، تحتَ ضَربَاتِ الأمواجِ المدمّرة.. وغرِقَ كلُّ من كان على ظهرِ السّفينةِ في البحرِ..

لكنّ الفَتى محمّدًا بنَ عبدِ البَاقِي استطاعَ التعلُّقَ بِخَشبَةٍ كبيرةٍ، فحمَلَته الأمواجُ إلى جزيرةٍ منعزلةٍ وقذفَت به على شاطئِها الرّمليِّ، وظلَّ مدّةً منَ الوَقتِ ملقىً على الشّاطِئ بلا حَرَاك، حتّى استرجعَ بعضَ قوّّته، فتحاملَ على نفسِه وسارَ داخلَ الجزيرةِ إلى أَنْ وجدَ مَسجدًا مفتوحًا فدخلَه وارْتمى هناك مِنْ شدّةِ التّعبِ والإرهاقِ..

وعندما جاءَ النّاسُ لصلاةِ الفجرِ وجدُوه هناكَ، فسَقَوه الماءَ وقدّموا له الطّعامَ، وعندما ذهب عنه التَّعبُ والإرهاقُ سأَلُوه إنْ كان يَحفَظُ القرآنَ فأَخبَرَهم أنّه يَحفَظُ القرآنَ كلَّه، فطلبُوا منه أن يصيرَ إمَامًا لهم مقابلَ مبلغٍ من المالِ يدفعونَه له، فقبِلَ بذلِك مَسرُورًا وصارَ عندَه ما ينفقُ منه ويسدُّ به حاجتَه.

ودخلَ عليه شيخٌ مِنْ تلك الجزيرةِ فوجَدَه يقرأُ القرآنَ في المصحَفِ فقال له:

-       وتعرف القراءةَ أيضَا ..؟

فقالَ الفَتى محمّدُ بنُ عبدِ البَاقي:

 - نَعم.. !

فقالَ له: نريدك إذاً أن تعلِّمَنا القرآنَ ونُعطِيك أجرًا جَزِيلاً على ذلِك..

فوافقَ الفَتى على عَرضِ الشّيخِ وصارَ عندَه دَخْلٌ لا بأسَ به من المالِ، فأرادَ أَن يُغَادِرَ الجزيرةَ ويواصلَ طلبَ العلمِ والبَحثَ عنِ المعرفةِ.. فقال له سكَّان الجزيرةِ:

-       لنْ نُفرِّطَ فِيك ولنْ نَترُكَكَ تَذهبُ منْ جزيرتِنا، بل نَرجوكَ أن تبقَى معنَا، ونُزوِّجَك بإحدَى بنَاتِنا..

وعَرضُوا عليه الزّواجَ منْ فتاةٍ يتيمةٍ ذاتَ أخلاقٍ عاليةٍ وتربيةٍ حسنةٍ، ماتَ أبوهَا وتركَها وحيدةً، فَقَبِلَ بذلِك العرضِ مِنهم، وتزوَّجَ منَ الفتاةِ ، وفي ليلةِ العُرسِ كانت المُفَاجأَةُ الكبرَى..

دخل الفتى محمّدُ بنُ عبدِ الباقِي على زوجتِه فلمَّا نظرَ إليهَا وقفَ مندهشًا مبهورًا ، فقدْ رأَى بِجِيدِها[1] عِقْدَ اللّؤلؤِ الّذي كانَ وجَدَه في مكّةَ المكرّمةِ ثمّ سلَّمه للمُنادِي، وظلَّ كلَّ يومٍ يَنظُر إلى ذلِك العِقدِ وهو يتعجَّبُ في نَفسِه، فغضِبَتْ منه عَرُوسُه واشتَكَته إلى شيخِ الجزيرةِ قائلةً إنّه لا يهتمُّ بيَ أبدًا وإنَّما هُوَ كلَّ يومٍ يَنظُرُ إلى عِقْدِ اللّؤلؤِ.. فذهبَ إليه شيخُ الجزيرةِ وعاتَبَه على ذلِك، فأخبَره الفَتى بقصَّةِ العِقدِ وما جَرى له في شأنِه، فقالَ الشّيخُ:

-       إنّه لأَمرٌ عجِيبٌ حقًّا، وقصّةٌ غَريبةً مُدهشةٌ، ولكنَّك لا تَعرِفُ بقيّةَ القِصَّةِ.

فقالَ الفَتَى مُستَغرِبًا:

 - وما بقيّةُ القصَّةِ.. وهل لها بقيَّةٌ ؟ !

فقالَ الشَّيخُ: " نَعَم للقصَّةِ بقيّةٌ جميلةٌ وغريبةٌ، فإنَّ وَالدَ هذِه الفَتاةِ قَبْلَ أن يموتَ قالَ:" لَو أنَّنِي أعرِفُ الفَتى الّذِي وَجَدَ عِقْدَ اللُّؤلؤِ لَزوَّجتُه مِنِ ابنَتي.. "

فاندَهَشَ الفَتى لِهذَا الخبرِ العَجِيبِ وعرَفَ أنَّ الله له حكمةٌ في كلّ شيءٍ في هذهِ الدّنيَا..

ورُزِقَ الفَتى محمّدٌ بنُ عبدِ الباقي من تلك المرأةِ بولدَينِ جَمِيلَين، لكنَّها سُرعانَ ما ماتَتْ وتركَتْه، ثمّ ماتَ الوَلَدَانِ أيضًا، وَورِثَ الفتى عِقْدَ اللُّؤلؤِ الّذِي وجَدَه في مكّةَ من قَبْلُ، فقالَ في نفسِه:

-       ما أَغرَبَ هذِه الحياةَ وما أعجَبَ أحدَاثَها.   




[1]  - جِيدُها: عُنقُها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق