الأحد، 31 مارس 2013

"وحدي في الصندوق" قصة للأطفال بقلم: سماح أبوبكر عزت


وحدي في الصندوق
سماح أبوبكر عزت
كنا ثلاثة فى الصندوق، شمعة قديمة وقطعة صغيرة من الصابون.. وأنا.. ذابت الشمعة، وتلاشت قطعة الصابون ولم يبق إلا أنا.. أعيش فى وحدة قاسية لم أكن أتصورها ولم أعد أتحملها برغم أننى قادر على تحمل كل الأخطار بما فيها النار.
انتهت قصتى وعرفت فى النهاية أننى مجرد مسمار!
ليست ميزة أن أترك علامة فى أى جدار، أثرى باق لا يستطيع الزمن أن يمحوه، بينما كل من حولى صاروا فى طى النسيان لكن أثرهم باق فى كل ركن من أركان الصندوق.. صندوق الصياد العجوز الذى لا يفارقه مثل شبكته وسنارته وقاربه الصغير الذى يتسع له ولصندوقه الصغير وسكانه الثلاثة.
تفتحت عيناى لأجدنى مثبتاً فى قاع قارب صيد صغير يملكه الصياد، حولى الكثير من المسامير كل فى مكانه يؤدى عمله بصبر وثبات.. بمرور الوقت مللت من هذا الثبات وتمنيت أن أتحرر، أرى البحر الواسع الذى تتلاطم أمواجه ليل نهار دون توقف وتصطدم بالقارب.
كم حلمت بأن ألمس الموج الذى يحاصرنى هديره.. وكلما بحت بأمنيتى لجيرانى من المسامير كان أكبرها يقول لى فى هدوء وثقة..
أنت لا تعرف قيمة أن تكون مسماراً تترك علامة وبصمة فى أى جدار، لا بد أن تثق فى نفسك وفى قيمتك.
وفى يوم من الأيام اشتدت العواصف واصطدم القارب الصغير بصخرة عنيدة حطمته، حزن الصياد العجوز لكنه لم يستسلم ويشعر باليأس فبدأ يعمل ويقطع الأخشاب ليصنع قارباً جديداً، علمه البحر الصبر على الشدائد والرضا والقناعة بما يهبه له الله.. ولم ينس الصياد أن يحمل معه شبكته وسنارته من القارب القديم الذى نزع منه بعض المسامير ليستخدمها فى صنع قاربه الجديد.
وبدأت حياتى فى مكان جديد وقارب جديد، لكنى فى هذه المرة لم أكن مثبتاً على الجدار ولأول مرة أشعر بالحرية والانطلاق، ومن أخشاب القارب القديم، صنع الصياد صندوقاً صغيراً ليضع فيه ما يحتاجه من أشياء صغيرة.. وتعرفت على جيرانى الذين لم أشعر معهم فى البداية بأى ألفة، شمعة بيضاء، وقطعة من الصابون.. اقتربت من الشمعة فوجدتها ضعيفة يمكننى أن أفتتها فى لحظة، أما قطعة الصابون المسكينة ما إن اقتربت منها قليلاً حتى بكت من الخوف وانهمرت دموعها فى شكل فقاعات صغيرة.. ضحكت من السعادة بصوت عال وتعجبت.. قائلاً: لا أفهم لماذا جمعنى الصياد بهذه الأشياء التافهة فى مكان واحد؟! وكلما اشتدت العواصف وارتطم الموج بعنف فى القارب يتدحرج الصندوق ونصطدم ببعض من دون قصد، وفى يوم اصطدمت بالشمعة فأحدثت بها ثقباً صغيراً ولدهشتى تلاشى هذا الثقب عندما أمسكت بها يد الصياد لتوقدها، لم أكن أتصور أن الشمعة الصغيرة يمكنها أن تبعث النور فى المكان، كنت أرتجف من البرد فشعرت بجوارها بالدفء والأمان.. تتساقط دموعها ويصغر حجمها لكنها لم تشك يوماً ما.. أما قطعة الصابون فيمسكها الصياد ويغسل يديه، فتتلاشى رائحة السمك النفاذة وينتشر أريج الورد والفل وأشعر كأن الصندوق قد صار بستاناً، وتعجبت كيف تسكنها كل هذه الزهور! برغم ذلك كنت أشعر أننى أفضل منهما، أبحث عن أى ثقب ربما أكون قد تركته على أى جدار لم يستطع الموج أن يمحوه ولم تقدر العواصف أن تعبث به.
ومرت الأيام، ويوماً بعد يوم تذوب الشمعة وتتساقط دموعها تلمسها النار فتتألم لكنها تمنح الآخرين النور ولا تزال قادرة على العطاء، وقطعة الصابون تلمسها الماء فتغسل الكون كله وتغمره بعطرها، وما زلت أشعر بالفخر لأنى لم أتناقص مهما لمست الماء أو مستنى النار.. من ثقب صغير فى الصندوق كنت أتأمل البحر الواسع بأسماكه وأصدافه التى كانت تتجمع حول ضوء الشمعة ورائحة الصابون لكنها لم تشعر يوماً بوجودى، وذابت الشمعة تلاشت ولم يبق منها إلا دموعها تحيط بى كعقد من اللؤلؤ الأبيض فى قاع الصندوق، وكلما اندفعت قطرات الماء من ثقب فى الصندوق تتجدد رائحة الفل والزهور حتى بعد أن تلاشت قطعة الصابون، لم أعد أبحث عن ثقب فى أى جدار، فقد تعلمت أن وجودى وأهميتى هو بما أتركه من أثر فى نفوس من حولى، بعطائى وتضحيتى من أجل أن أمنحهم السعادة، لا أشعر بوجودى برغم أنى لم أتلاش مثل جيرانى، ما أهمية أن أترك ثقباً فى جدار، المهم أن أترك أثرا فى النفس يبقى نابضاً بالحياة ليل نهار.

السبت، 30 مارس 2013

"كرة ملونة" قصة للأطفال بقلم: يوسف أبو رية


كرة ملونة 
 يوسف أبو رية
 رسوم: هدى وصفي 
 وقف الولد أمام دكان اللعب.
 اختار الولد كرة ملونة.
 قال له البائع: هذه كرة كبيرة وأنت صغير.
 دفع الولد الكرة أمامه, ولكن الكرة تركته وقفزت نحو الرصيف, ثم تركته وقفزت إلى نافذة البيت المرتفع.
 قال السائرون في الشارع: هذه كرة كبيرة يمشي وراءها ولد صغير. 
 حزن الولد وقال للسائرين في الشارع: أنا كبير. 
 قالوا له: نحن نراها ولا نراك. 
عاد الولد إلى بائع اللعب وقال له: أريد كرة صغيرة ملونة. 
 سار في الشارع يدفع الكرة بقدميه.
 قال السائرون في الشارع: هذا ولد يلعب الكرة. 
فرح الولد لأنه امتلك كرة تنط وتقفز حوله, وفرح الولد لأن الكرة تسمع كلامه, ولا تبتعد عنه قافزة حيث نافذة البيت. 
http://3arabimag.com/Little/WriterArticle.asp?ID=1083

الخميس، 28 مارس 2013

"هديتي لأمي" قصة للأطفال بقلم: سماح أبوبكر عزت

هديتي لأمي
سماح أبوبكر عزت 
 
هل يمكن أن تشرق الشمس بالليل ويظهر القمر فى الصباح؟ بالطبع لا، هل يمكن أن نشعر بالبرد فى الصيف، ويصبح الجو شديد الحرارة فى الشتاء؟ بالطبع لا.
هل يمكن أن يكون الأسد رمز القوة والشجاعة جباناً يخاف من كل الأشياء؟ للأسف نعم، فهذه كانت صفات أسامة الشبل الصغير، كانت كل حيوانات الغابة تبحث عن الطعام والأمان وكان أسامة يبحث عن شىء آخر فى كل مكان، كان يبحث عن الشجاعة التى يسمع عنها، ولكنه أبداً لم يشعر بها، كان يريد أن يصبح شجاعاً مثل والده الأسد ملك الغابة الذى دافع عن غابته بكل شجاعة فى الحرب بينها وبين الغابة المجاورة ودفع حياته ثمناً لشجاعته.
يقول له النمر صديقه: تعالَ معنا يا أسامة عند شاطئ النهر نصطاد، يرفض أسامة ويقول: لا أنا أخاف من التمساح.
يقول له الدب: تعال معنا إلى الحديقة لنشاهد مباراة كرة القدم، يرفض أسامة ويقول: أخاف أن يلسعنى النحل.
تطلب منه والدته أن يذهب معها لزيارة جدته المريضة، يرد أسامة: آسف يا أمى لن أستطيع، أنا أخاف من الظلام ومن البومة والخفاش، تقول والدته فى حزن: أنت تخاف من كل شىء متى ستكون شجاعاً يا أسامة؟
قرر أسامة أن يبحث عن الشجاعة فى كل مكان بالغابة.
كان القرد الشقى يجلس فوق شجرة كبيرة يأكل ثمار جوز الهند ويلقى بها على الأرض، وقعت الثمرة على رأس أسامة فتألم ووقع، ضحك القرد، بكى أسامة من شدة الألم وقال للقرد: لماذا لا تلقى ثمرة جوز الهند فى سلة المهملات بدلاً من أن تلقيها على الأرض وتؤذى الآخرين؟
رد القرد فى ثقة: لأننى شجاع لا أخاف من أحد، لست مثلك جباناً.
سار أسامة فى الغابة وهو يفكر فى كلام القرد وقال: هذه ليست شجاعة إنها حماقة، ثم سمع ضوضاء مزعجة، كانت الضفدعة والغراب يتنافسان فى الغناء، سألهما أسامة: ألا تخافان أن يزعج صوتكما بقية الحيوانات؟ رد الغراب: نحن لا نخاف، هيا اسمع واحكم من منا أعلى صوتاً فى الغناء، قالت الضفدعة: الشجاعة هى أن تفعل ما تريد.
قال أسامة: ليست الشجاعة هى أن أفعل ما أريد دون أن أفكر فى الآخرين، هذه أنانية، يبدو أن الشجاعة شىء مستحيل، بحثت كثيراً عنها ولم أجدها ثم نظر للسماء وقال: لا بد أن أعود الآن قبل أن تغرب الشمس ويأتى الظلام، غداً عيد الأم ولابد أن أفكر فى هدية جميلة أقدمها لوالدتى الحبيبة.
وصل أسامة للمنزل ووجد والدته مريضة وحرارتها مرتفعة قال لها: هيا يا أمى لنذهب للطبيب قالت والدته وهى تتألم: لا أستطيع لننتظر للصباح ربما أتحسن وأذهب للطبيب. قال أسامة: لن أستطيع الانتظار سأذهب أنا للطبيب ليصف لك الدواء.
كان الطريق لبيت الجمل الطبيب بعيداً ولابد أن يمر بجانب النهر، فى البداية تردد.. لكن حبه لأمه وخوفه عليها كانا أقوى من خوفه من النهر والظلام.
سمع صوت البومة وشاهد الخفاش ولكن صوت أمه المريضة وهى تتألم كان يدفعه للسير بسرعة دون توقف.. وأخيراً وصل لبيت الجمل الطبيب الذى اندهش وسأله: هل أنت مريض يا أسامة وأين والدتك؟
رد أسامة: والدتى مريضة من فضلك تعال معى لتصف لها الدواء.
وفى الطريق قال أسامة للجمل: أنا آسف إذا كنت قد أزعجتك، رد الجمل الطبيب: أنا سعيد بشجاعتك يا أسامة.
قفز أسامة قائلاً بفرحة: شجاعتى التى بحثت عنها كثيراً ولم أجدها؟ رد الجمل: أنت اليوم وجدتها يا أسامة، تغلبت على شعورك بالخوف ومشيت فى الظلام، قال أسامة: لا أحب كلمة الخوف.
قال الجمل: الخوف كان سبباً فى شجاعتك، خوفك على والدتك جعلك تفعل كل ما كنت تخاف منه، قال أسامة باندهاش: الخوف دائماً عكس الشجاعة، قال الجمل: الخوف شعور طبيعى عند كل الكائنات، الخوف ليس دائماً شعوراً سلبياً، خوفك على كل من تحب من أهلك وأصدقائك هو شعور جميل، خوفك من الفشل يزيد من إصرارك على النجاح، هذا هو الخوف الطبيعى الذى شعرت به اليوم يا أسامة.
وصل أسامة عند والدته ومعه الطبيب الجمل الذى وصف لها الدواء ولكنها قالت له: أشكرك لقد شفيت الآن، قال الجمل ضاحكاً: شجاعة أسامة جعلتك تنسى كل الآلام، قَبّل أسامة رأس والدته قائلاً لها فى حنان: اليوم عيد الأم كل سنة وأنتِ طيبة يا أمى، كنت أفكر فى الهدية التى أقدمها لك، ردت والدته فى سعادة: شجاعتك هى أجمل هدية تمنيتها يا أسامة، الآن تستحق أن تصبح ملك الغابة مثل والدك.
قال أسامة: لا أريد أن أصبح الملك الذى تخافه كل الحيوانات، قالت والدته: ستكون ملكاً عادلاً تحبه جميع الحيوانات وتخاف عليه من أى خطر يؤذيه.. لا تخاف منه وتؤذيه.

رحلة بالمرعى! قصة علمية بقلم: محمود سلامة الهايشة



رحلة بالمرعى!

محمود سلامة الهايشة
اتَّفقَت البقرة مع صديقتها النعجة بأن يقوما يوم الغدِ برِحلة تنزُّهيَّة في مناطق المرعى، مع شقشقَة النهار، بدأتا رحلتهما فقابَلا الفرس.
 فسألتهما:إلى أين أنتما ذاهبتان؟!
فردَّتا بصوت واحد:
سنذهب للتنزُّه.
هل تسمحان لي بأن أصحبَكما؟
فابتسمت النعجة، وقالت البقرة:
على الرُّحبِ والسَّعَة.
فانطلقن في سرور، اقتربن من الترعة التي تشقُّ المرعى بالعَرض، فشربا فشربن وارتوين، فنظرت إليهما البقرة:

لم تجوعا؟ هل تناولتما غذاء الإفطار قبل خروجكما مِن حظائركما ؟!
فقالت النعجة:

فعلاً أنا جائعة جدًّا.
صاحت الفرس بصهيلها:
لا أبدًا، فأنا لم آكلْ شيئًا منذ عصر الأمس عندما أنهيتُ العمل في الإسطبل، هيا بنا، هناك في نهاية هذا الطريق المرعى الأخضر المزروع بالبرسيم الحجازي.
فصاحت البقرة:

ما أحلى البرسيمَ الأخضر الشهي!
عندما وصلن لأول المرعى، اتفقن على أن يَظللن بجوار بعضهن البعض؛ حتى يأكلن من مكان واحد ولا يُهدرن في أكل البرسيم، أو يُخربن مساحة كبيرة مِن المرعى؛ لتركه بصورة جيدة لباقي حيوانات المزرعة.
بدأن في الْتِهام البرسيم، فوقفت النعجة والفرَس تنظران للبقرة وهي تمدُّ لسانها الطويل القوي ذا السطحِ الخَشِن، تمدُّه خارج فمها وتسحب به البرسيم بكميات كبيرة لداخل الفم. فتوقَّفت البقرة عن الأكل، وسألتهما:
لماذا لا تأكلان وتَنظران إليَّ هكذا؟!
فسألتها الفرس:

لأنكِ تلتهمين البرسيم  بكميات ضخمة وبسُرعة!!
آه، هذا صحيح؛ لأني أمتلِك فكَّين قويَّين يتمُّ قفلهما وتقطيع النباتات، ثم البل بعد الخلط باللعاب، كما تتميز جميع حيوانات الفصيلة البقرية (Bovidae) بوجود وسادة لحمية في الفك العُلوي.
وقبل أن تَنتهي البقرة من حديثها، كانت النعَجة تُواصِل أكلَها، فوجدتاها تأكل البرسيم من مسافات قريبة جدًّا من الأرض، فقالت الفرس:
أكيد النعجة يُمكنها الرعي على مسافات قريبة من الأرض؛ لأن أرجلها قصيرة ورأسها قريبة من الأرض؟!
فردَّت البقرة:
هذا غير صحيح، فأنا وأنتِ نستطيع أن نلمس الأرض برأسنا وفمنا، ونلحس الأرض بألسنتنا، هنا شيء آخر غير ذلك!!

فرفعت النعجة رأسها تاركةً البرسيم:

كلامك صحيح يا بقرتي العزيزة، فقد حبا الله الفصيلة الغنمية (Ovidae) بشقٍّ في الشفَة العُليا؛ أي: شفاه مَشقوقة، تُمكّنها من الرعي لمسافات قريبة من الأرض، وفي تناول الغذاء، خصوصًا المواد المركزة والنباتات المُقطَّعة.
فقالت الفرس:

سبحان الله الخالق! فتتميَّز الفصيلة الخيليَّة (Equidae) التي أنتمي إليها - ومنها بالطبع الحمير - بشفاه غليظة، نجمع بها المواد الغذائية، خصوصًا الموادَّ المطحونة أو النباتات المقطعة.

فقاطعتْها البقرة:
وهل لديكِ وسادة لحميَّة في الفكِّ العُلوي مثلي؟
لا؛ لديَّ قواطع على الفكِّ السُّفلي والعُلوي، تُمكِّنني من تقطيع النباتات قبل تناوُلها أثناء الرعْي، الشفاه تَندفع للخَلف فتتمكَّن الأسنان مِن قَطعِ الحشائش قرب قاعدتها.
فقالت لهما النعجة:

عمومًا نحن الثلاث مِن الحيوانات آكلة العُشْب (herbivorous).


الأربعاء، 27 مارس 2013

"الأمير الحزين" قصة للأطفال بقلم: مينا عليّان حمّود

الأمير الحزين
مينا عليّان حمّود  
 في مَدِيْنَةِ الْمُرْجانِ كانَ يَعِيشُ الأَمِيرُ عُمَرُ وَزَوْجَتَهُ وَوَالَداهُ حامِدٌ وَصالِحٌ.
ذاتَ يَوّمِ رَبيعٍ، خَرَجَ الأَمِيرُ وَعائِلَتُهُ لِلتَّنَزُّهِ فِي الْحُقُولِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْمَناظِرِ الْجَمِيلَةِ.
على ضَفَّةِ النَّهْرِ، كانَ الصَّغِيرانِ حامِدٌ وَصالِحٌ يَرْكُضانِ فَرِحَيْنِ بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ الْمُنْعِشَةِ، وَفَجْأَةً تَعَثَّرَ حَامِدٌ بِحَجَرٍ أَمامَهُ وَسَقَطَ في النَّهْرِ. حاوَلَ صَالِحٌ أَنْ يَمْسِكَ بِهِ فَسَقَطَ هُوَ الآخَرُ. صَرَخَتِ الأَميرَةُ وَرَكَضَ الأَمِيرُ لإِنْقاذِهِما لكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ، لأَنَّ مِياهَ النَّهْرِ كانَتْ غَزِيرَةً جِدًا فَكُلَّما اقْتَرَبَ الأَمِيرُ مِنْهُما، أَبْعَدَتْهُما الْمِياهُ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَعُدْ يَراهُما، فَظَنَّ انَّهُما ماتا.
بَكى الأَمِيرُ وَزَوْجَتُهُ عَلَيْهما كَثِيرًا، وَعادا إِلى الْقَصْرِ وَالْحُزْنُ وَالأسى يَمْلأُ قَلْبَيْهِما، وَلَمْ يَعُدْ  يُبْهِجُهُما شَيءْ.
أَمّا حَامِدٌ وَصالِحٌ فَقَدْ حَمَلَتْهُما الْمِياهُ بَعِيدًا، وَوَصَلا إِلى بُسْتانٍ. رآهُما فَلاَّحٌ كانَ يَسْقِي الأَشْجارَ، فَأَنْقَذَهُما وَحاوَلَ أَنْ يَعْرِفَ مَنْ هما لكِنَّ الصَّغِيرَين لا يَعْرِفانِ إِلاَّ اسْمَيْهِما، فاشفَقَ عَلَيْها وَأَخَذَهُما إِلى بَيْتِهِ.
فَرِحَتِ الزَّوْجَةُ بِهِما وَشَكَرَتِ الله عَلى هَذِهِ الْهَدِيَّةِ الثَّمِينَةِ الّتِي بَعَثَها لَها.
فَطُوْلَ عُمْرها تَمَنَّتْ أَنْ يَرْوُقََها بِوَلَدٍ، وَها هُو يَبْعَثُ لَها اثْنَيْنِ! اعْتَنَى الفَلاَّحُ وَزَوْجَتُهُ بِالْوَلَدَيْنِ وَرَبَّيَاهُما أَفْضَلَ تَرْبِيَةٍ، وَلَمْ يَبْخَلا عَلَيْهِما بِشَيْءٍ.
في أَحَدِ الأَيَّامِ سَمِعَ حامِدٌ وَصالِحٌ مِنْ أَصْدِقائِهِما أَنَّهُ سَتُقَامُ بِمُناسَبَةِ الْعيدِ حَفْلَةٌ كَبِيرَةٌ فِي مَدينَةِ الْمُرْجانِ. فاسْتَأْذَنا وَالِدَهُما الفَلاَّحُ وَسافر إِلى مَدينَةِ المُرْجانِ الّتي ُزيِّنَتْ شَوارِعُها وَبُيُوتُها بِأَجْمَلِ الزِّينَةِ وَالأَلْوانِ، وَازْدَحَمَتْ ساحاتُها وَأَسْوَاقُها بِالنَّاسِ اْْلفَرِحينَ بِقُدُومِ الْعِيدِ. وَبَيْنَما هُما يَتَجَوَّلانِ، سَمِعا جَماعَةً مِنَ النَّاسِ يَتَحَدَّثونَ عَنْ حُزْنِ الأَمِيرِ وَكَآبَتِهِ، وَيُشِيرُونَ إِلى مَكانٍ يَجْلِسُ فِيهِ مَعَ حاشِيَتِهِ، لِيُهَنِّئَ أَهْلَ الْمَدينَةِ بِالعِيدِ، وَعَنْ زَوْجَتِهِ الّتِي لا تُفارِقُ غُرْفَتَها مِنْ شِدَّةِ حُزْنِها على وَلَدَيْها.
تَأَثَّرَ صَالِحٌ وَحامِدٌ بِقِصَّةِ الأَميرِ عُمَرَ، وَقَرَّارا أَنْ يُدْخِلا الْبِهْجَةَ إِلى قَلْبِهِ، فَذَهَبا حَيْثُ يَجْلِسُ، وَراحا يُداعِبانِهِ وَيُلاطِفانِهِ، يُقَلِّدانِ أَصْواتَ الْحَيَواناتِ وَحَركاتِها، كَمُهَرِّجَيْنِ رَائعيْنِ، حَتَّى اْنفَرَجَتْ أَسارِيرُهُ، فَأَعْجَبَتْهُ خِفَّةُ دَمِهِما وَحَنَّ قَلْبُهُ لَهُما، وَنادَى عَلَيْهِما وَأَرادَ مُكافأَتَهُما.
بَعْدَ أَن سَمِعَ اسْمَيْهما، خَفَقَ قَلْبُهُ بِشِدَّةٍ، وَتَذَكَّرَ وَلَدَيْهِ حامِداً وَصالِحًا اللَّذَيْنِ غَرِقا في النَّهْرِ قَبْلَ سِنين، فَهُما الآن في عُمْرِهِما، فَسَأَلَهُما عَنْ وَالدِهِما وَأَمَرَ بِإِحْضارِهِ.

حَضَرَ الفَلاَّحُ وَهُوَ مُسْتَغْرِبٌ لِدَعْوَةِ الأَمِيرِ. وَبَعْدَ أَنِ اسْتَقبَلَهُ الأَمِيرُ وَأَكْرَمَهُ، اسْتَدعاهُ لِمَجْلِسِهِ وَسَأَلَهُ:
- ((أَيُّها الْفَلاَّحُ، هَلْ هذانِ الْوَلَدانِ هُما وَلَداكَ؟))
خَغَقَ قَلْبُ الْفَلاَّحِ وَأَجابَ بِخَوْفٍ:
-(( أَجَلْ أَيُّها الأَمِيرُ. هَلْ فَعَلا شَيْئًا أَغْضَبَكَ؟))
-(( لا، لا أَيُّها الْفَلاَّحُ، عَلى العَكْسِ. لَقَدْ أَعادا الْفَرْحَةَ إِلى قَلْبِي، لِذلِكَ سَأَطْلُبُ مِنْكَ طَلَباً أَرْجُو أَنْ تُوافِقَ عَلَيْهِ)).
-((خَيْرٌ أَيُّها الأَمِيرُ، ما هُوَ طَلَبُكَ؟))
-((أَنا، أَيُّها الفَلاَّحُ، كانَ لِي وَلَدانِ وَهُما اليَوْمَ فِي عَمْرِ وَلَدَيْكَ الآنَ، وَذَاتَ يَوْمٍ أَخَذَهُما النَّهْرُ وَلَمْ يَرْجِعا، فَهَلْ تُوافِقُ أَنْ يَبْقَيا عِنْدِي فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ؟))
-((لا أُريدُ أَنْ أَرْفُضَ طَلَبَكَ أَيُّها الأَميرُ، وَلكِنْ حامِدٌ وَصَالِحٌ أَمانَةٌ عِنْدِي وَلا أَسْتَطِيعُ أَن أُهْمِلَ الأَمانَةَ)). أَجابَ الْفَلاَّحُ بِحَيْرَةٍ.
-((أَمانَةٌ عِنْدَكَ؟!))
سَأَلَ الأَمِيرُ بِتَعَجُّبٍ وَدَهْشَةٍ.
فَقَصَّ الفَلاَّحُ عَلى الأَمِيرِ قِصَّةَ الْوَلَدَيْنِ وَكَيْفَ أَنْقَذَهُما وَحَافَظ عَلَيْهِما حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُما أَحَدٌ، فَهُما أَمانَةٌ عِنْدَهُ.
دَهِشَ الأَمِيرُ وَكادَ لا يُصَدِّقُ ما يَسْمَعُ وَقالَ بِصَوْتٍ أَشْبَهَ بِالصُّراخِ:
-(( هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هذا، أَوْلادِي أَمامِي بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين؟!
ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ، ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ...))
فَرَّتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ، وَقامَ إِلى وَلَدَيْهِ، حَضَنَهُما وَقَبَّلَهُما وَهُوَ يَصْرُخُ بِفَرَحٍ:
-(( وَلَدايَ أَنْتُما وَلدايَ!))
لَمْ يُصَدِّقِ الْفَلاّحُ ما يَسْمَعُ، وَدُهِشَ النَّاسُ جَمِيعًا، وَأَخَذُوا يَنْظُرُونَ إِلى الأَمِيرِ بِاسْتِغْرابٍ وَتَساؤُلٍ، هَلْ جُنَّ الأَمِيرُ وَهَلِ الْمَيِّتُ يَعُودُ؟!
أَمَّا الفَلاَّحُ فَنَظَرَ إِلى الأَمِيرِ مُتَسائِلاً:
-(( أَوْلادُكَ أَيُّها الأَمِيرُ؟))
فَقَصَّ الأَمِيرُ حِكايَتَهُ عَلى الْفَلاَّحِ وَشَكَرَهُ لأَنَّهُ أَنْقَذَ وَلَدَيْهِ وَحافَظَ عَلَيْهِما، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِبَ زَوْجَتَهُ وَيَعِيشوا جَمِيعًا فِي الْقَصْرِ، فَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مِنَ الصَّعْبِ عَلى الْفَلاّحِ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَفْتَرِقا عَنْ حامِدٍ وَصالِحٍ بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين. 

"من الأقوى؟" قصة للأطفال بقلم: فاطمة المعدول


من الأقوى؟
 فاطمة المعدول 
رسوم: محسن رفعت
 وقف الحمار ينهق ويغني في الغابة ويقول: إني أستطيع حمل أشياء كثيرة لا يستطيع أن يحملها غيري, وصوتي عال وأقوى الأصوات. 
إذن أنا ملك الغابة.
 جرى الثعلب إلى الأسد ليخبره بما يقوله الحمار. 
غضب الأسد من الحمار, ونظر إليه نظرة قاسية وزأر زئيرا مخيفا. 
جرى الحمار من أمام الأسد وهو يرتعد من الذعر.
 وقف الأسد يقول بصوت عال مخيف: أنا الأقوى.. أنا الأعظم.
 بالقرب منه, كانت هناك زرافة جميلة رشيقة معتدة بنفسها, فقالت بصوت خفيض ضاع في الهواء: كيف يكون هو الأقوى وهو لا يستطيع أن يصل إلى رأسي.. ولا يستطيع أن يتذوق ثمار الأشجار العالية اللذيذة التي أتذوقها كل يوم؟
 كان الثعلب يجلس بجانب الأسد في ذل ومسكنة, ويضع فمه في أذن الأسد طوال اليوم ليحكي له النوادر المسلية ويفشي أسرار الغابة ويؤلف حكايات وهمية عن الحيوانات, وبذلك يعاقب الأسد الحيوانات التي لا يحبها الثعلب.
 ولأن الثعلب ناجح في هذه الحيلة قال لنفسه: إن أقوى حيوانات الغابة رهن إشارتي, فالأسد لا يتحرك إلا بأمر مني, فهو يستشيرني في كل كبيرة وصغيرة. أنا أسيطر عليه بحيلتي ومكري.. إذن أنا الأقوى. 
 على شجرة جميز كبيرة, وقف عصفور صغير مندهشا, وقال: كيف يكون الأسد الأقوى وهو لا يستطيع الطيران والتحليق في الفضاء, ولا يستطيع الانتقال من شجرة إلى شجرة مثلي.
 إنه حبيس الغابة لا يرى ما أراه.
 ثم غرد العصفور بصوت رفيع وجميل قائلا: أنا الأقوى.. أنا الأقوى.
 وكانت السحلية ترقد تحت رجل الأسد, وتقوم بتدليكها طوال اليوم, فقالت وفمها في الطين: أنا الأقوى, فأنا أدلك له قدميه وأنظفهما من الحشرات, ولا يستطيع أن ينهض من دون إذني. 
وفي كل مرة يسمع فيها الفيل هذا الكلام يتعجب دائما, ويتساءل: لماذا يحاول الجميع أن يثبت لنفسه أو للآخرين أنه الأقوى؟
 أخذ الفيل أولاده وخرج في رحلته اليومية المعتادة. 
وكان اليوم مقسماً, فهناك وقت للعمل ووقت للعب ووقت للمذاكرة ووقت للتدريبات. 
 كان العمل يتضمن: النظافة, وتحضير الطعام. 
واللعب يتضمن: التسلية, والرقص, والغناء. 
والتدريب يتضمن: تدريبات حركية, وتدريبات على الإنقاذ في كل المجالات. 
 وفي آخر اليوم, كان الجميع يجلس في حلقة واسعة عند الجدة الكبيرة فتحكي لهم حكايات مسلية.
 ثم يقرأ لهم الفيل الجد عن أمجاد الأجداد والمستقبل الآتي, ويتناقش الجميع فيما سمعوه وعرفوه. 
 ورويدا رويدا.. أصبح الفيل هو الملك غير المتوج في الغابة, فإذا مرض أحد الحيوانات ذهب إلى الفيل حتى يحدد له الدواء الذي يجب أن يتعاطاه.
 وإذا حدثت منازعات بين الحيوانات كان الفيل يستطيع, بعلمه وحكمته, أن يفصل بينهم. 
وكان الجميع بحكمه راضين, حتى جاء يوم رهيب حيث شبت في الغابة النيران.
 ارتبك الأسد, وأخذ يبكي. 
وكانت الحيوانات تجلس من حوله وهي تبكي خوفاً على صغارها. 
ولكن الفيل استطاع أن ينظم صفوف الجميع, فقسم حيوانات الغابة وطيورها إلى مجموعات: مجموعة تجلب الماء لتطفئ به النيران, ومجموعة تنقذ الصغار وتبعدها عن مكان الخطر, ومجموعة تعالج المصابين, ومجموعة تجمع الطعام والأغطية للحيوانات المصابة. 
 وحينما استطاعت الحيوانات أن تتغلب على الحريق, بفضل عقل الفيل وشجاعته, وقفت كل الحيوانات بما فيها الأسد تشكره وتصفق له. 
 لقد اعترفت الحيوانات كلها بأنه ملك الغابة الحقيقي, فالملك ليس بالقول, ولكن بالعمل والحكمة والمعرفة. 
http://3arabimag.com/Little/WriterArticle.asp?ID=548

الأحد، 24 مارس 2013

"ليلى الحمراء في الشوارع والأحياء" قصة للأطفال بقلم: نبيهه راشد جبارين

ليلى الحمراء في الشوارع والأحياء 
لؤي دوخي
 كانْ يا ما كانْ، كانَتْ بِنْتٌ صَغيرةٌ تَعيشُ مَعَ والِدَيْهَا، وَكَانَتْ دَائِمًا تَخْتارُ اللَّوْنَ الأَحْمَرَ لـِمَلابِسِهَا، فَسَمَّوْها «لَيْلَى الْحَمْرَاء». 
فِي الصَّباحِ، قالَتْ أُمُّ لَيْلَى: 
- انْهَضِي يا حَبِيبَتِي مِنْ نَوْمِكِ، وَخُذِي هذِهِ السَّلَّةَ مَلِيئَةً بِالْحَلْوَيَاتِ لِجَدَّتِكِ. 
وَبِسُرْعَةٍ جَهَّزَتْ لَيْلَى نَفْسَها، وَقالَتْ لِولِدَتِها: 
 - أَعْطِنِي يا أُمِّي سَلَّةَ الْحَلْوَيات، لآخُذَهَا لأحْلَى الْجَدَّات.
 قالَتْ الأُمُّ:
 - انْتَبِهِي يَا لَيْلَى في الطَّرِيق، حَتَّى لا تَقَعِي فِي ضِيقٍ.
 أَجَابَتْ لَيْلَى:
 - لا تَخَافِي يَا أُمِّي، فَقَدْ أَصْبَحْتُ كَبِيرَةً. 
 اِنْطَلَقَتْ لَيْلَى فِي الطَّرِيقِ، وَأَخَذَتْ تَمْشِي وَتَمْشِي... لكنَّ بَيْتَ جَدَّتِهَا بَعيدٌ... بَعِيد، وَالْحَرُّ شَدِيدٌ شَدِيد!
 وَقَفَتْ لَيْلَى في حَافَّةِ الطَّرِيقِ؛ نَظَرَتْ إلى جَمِيعِ الْجِهَات، وَأَنْصَتَتْ؛ فَلَمْ تَسْمَعْ صَوْتَ سَيّارَاتٍ، فَعَبَرَتِ الطَّرِيقَ بِخُطى سَرِيعَةٍ وَمُسْتَقِيمةٍ، وَتَابَعَتْ سَيْرَهَا... في الحاراتِ الجديدةِ والقديمة. 
وَهُناكَ نَسِيَتْ لَيْلَى نَفْسَهَا، وَأخَذَتْ تَتَأمَّلُ السَّيّارَاتِ وَتَعُدُّهَا: 
 - وَاحِدَة.. اثْنَتَان.. ثَلاث.. 
ثم اِنْتَبَهَتْ لَيْلَى أَنَّها ما زالَتْ وَاقِفَةٌ في الطَّرِيقِ، وَأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ بَعْدُ إِلى بَيْتِ جَدَّتِهَا. وَدُونَ أَنْ تُفَكِّرَ، انْدَفَعَتْ إِلَى الشّارِعِ كَيْ تَعْبُرَهُ، لكنَّ صَفّاراتِ السَّيّاراتِ أَخَافَتْهَا، وَصَاحَ بِهَا أَحَدُ السّائِقينَ قَائِلاً:
 - لا تَعْبُرِي مِنْ هُنَا يا صَغِيرَة! 
رَجَعَتْ لَيْلَى الْحَمْرَاءُ إلَى مَكَانِها، وَسَمِعَتْ أَصْوَاتَ أَطْفَالٍ يُنَادُونَهَا..
 - اِذْهَبِي مِنْ هُنَا يَا لَيْلَى الْحَمْرَاء، إنَّكِ تَسْكُنِينَ الْغَابَات، وَلا تَعْرِفِينَ قَوانِينَ السَّيرِ وَالإشارَاتِ.
 خَافَتْ لَيْلَى، وَقَالَتْ:
 - مِنْ أيْنَ أعْبُرُ الشّارِعَ إِذًا؟!
 أَعَادَتِ الـْمُحاوَلَةَ عِدَّةَ مَرّات، وَلَمْ تَتَوَقَّفِ السَّيّارات.
 خَافَتْ وَصَرَخَتْ: 
- أَيْنَ أَذْهَبُ؟ أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ إلَى جَدَّتِي؟ لَقَدْ بَدَأْتُ أَتْعَبُ! 
 اقْتَرَبَ مِنْها رَجُلٌ يَلْبَسُ قُبَّعَةً، وَقالَ:
 - لا تَخَافِي يا لَيْلَى الْحَمْرَاء! اِتْبَعِينِي.
 قَالَتْ لَيْلَى:
 - مَنْ أنْتَ؟ إِلَى أَيْنَ سَتَأْخُذَنِي؟ لا.. لَنْ أَتْبَعَكَ..! 
قَالَ: 
- لا تَخَافِي يا لَيْلَى! أَنا مُراقِبُ السَّيْر، وَاسْمِي الْعَمُّ خَيْر. 
أَجابَتْ ليلى:
 - أَرْشِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ، مِنْ أَيْنَ أَعْبُرُ هذا الشّارِعَ.
 مَسَكَ الْعَمُّ خَيْر يَدَ لَيْلَى الْحَمْرَاء، وَمَشَى مَعَهَا حَتَّى وَصَلا الْخُطُوطُ الْبَيْضَاء، وَقَال:
 - كَيْ تَصِلِي الْجِهَة الأُخْرَى سَلِيمةً، يَجِبُ أَنْ تَعْبُرِي الشّارع عندَ هذِهِ الْخُطُوطَ الْبَيْضَاء؛ فَلاحَظَتْ أنَّ السَّيّاراتِ تَقِفُ عَلَى جَانِبَيْهَا، دُونَ أَنْ يَصْرُخَ أَحَدٌ عَلَيْهَا. 
تَابَعَتْ لَيْلَى سَيْرَهَا بِرِفْقَةِ الْعَمِّ خَيْر، حَتّى وَصَلَتْ إِشَارَةً عَلَيْهَا صُورَةُ إنْسَانٍ بِاللّونِ الأَحْمَر، فَصَاحَتْ لَيْلَى:
 - إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّونَ الأَحْمَرَ مِثْلِي، الطَّرِيقُ إِذًا لِي وَحْدِي!
 أُعْبُرِي الآنَ يَا لَيْلَى الْحَمْراء، فَالطَّرِيقُ لَكِ وَحْدَكِ.
 اِنْدَفَعَتْ لَيْلَى إِلى الأَمامِ دونَ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ الْعَمّ خَيْر أَيَّ كَلامٍ، سَمِعَتْ ضجَّةً حَوْلَهَا، فَخَافَتْ وَاحْتَارَتْ، وَعَادَتْ إلى الرَّصِيفِ.
 اِقْتَرَبَ خَيْر مِنْها، وَهَمَسَ فِي أُذْنِهَا:
 - فَقَطْ عِنْدَمَا تَظْهَرُ صُورَةُ الإِنْسانِ الْخَضْرَاء، اعْبُرِي الشّارِعَ يَا لَيْلَى الْحَمْرَاء!
 انْتَظَرَتْ لَيْلَى، حَتّى أَصْبَحَتْ صورَةُ الإِنْسانِ خَضْراَءَ، فَعَبَرَتِ الشّارِعَ بِأَمَانٍ، بَعْدَ أَنْ وَقَفَتْ كُلُّ السَّيّارَات.
 - وَالآنَ قَالَتْ لَيْلَى، كَيْفَ نَنْتَقِلُ مِنْ هذا الشّارِعِ إِلى خُطُوطً بَيْضاءَ، وَلا شَارَةً خَضْراءَ! 
 قَال الْعَمُّ خَيْر:
 - نَعْبُرُ مِنْ فَوْقِ الْجِسرِ الأَزْرَقِ. 
قَالَتْ لَيْلَى:
 - يَا عَمُّ خَيْر! ها نَحْنُ وَصَلْنَا إِلى الـْميدَانِ الْوَاسِع، الآنَ إلى أَيِّ جِهَةٍ سَنُتَابِع؟
 قالَ الْعَمُّ خَيْر:
 إِصْبِرِي يَا لَيْلَى وَاتْبَعِينِي أَنا، سَنَسِيُر فِي الطَّرِيقِ الذّي يُوصِلُنَا.
 عَبَرا الطَّرِيق وَنَزَلا إلى النَّفَقِ، واخْتَصَرَا كُلَّ الطُّرُقِ. وَفِي النِّهايَةِ وَصَلا بَيْتَ الْجَدَّةِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُما بِفَرَحٍ.
 اسْتَدَارَ الْعَمُّ خَيْر يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ، فَقَالَتْ لَيْلَى: 
- شُكْراً شُكْراً يا عَمُّ خَيْر؛ عِنْدَمَا أَعُودُ، سَأَحْكِي لأَصْدِقَائِي عَنْ قَوَانِينِ السَّيْر.

السبت، 23 مارس 2013

"ملك الجزر قصير النظر" قصة للأطفال بقلم: سماح أبو بكر عزت

ملك الجزر قصير النظر
 سماح أبو بكر عزت
«صديقى الوحيد هو الجزر، أحبه لأنه سبب قوتى، لكن بسببه فقدت قوتى واهتزت صورتى وصار اسمى.. سارق الجزر قصير النظر» 
 أملك جوهرتين ليس لهما مثيل، بهما أقترب من أجمل وأبعد نجمة تنير السماء فى ليالى الشتاء، أطارد أصغر فراشة تتلون بكل ألوان الطيف، وتطير فى الفضاء.
 أنا أقوى أرنب فى الغابة منذ صغرى، أحب الجزر الذى منحنى التفرد فصرت ملكاً على كل الأرانب وأصبح اسمى.. ملك الجزر حاد البصر. 
ولكنى للأسف برغم بصرى الحاد هزمنى طائر صغير ضعيف البصر، رأى ما لم أستطع رؤيته، لأكتشف أننى طوال حياتى لم أرَ ولم أفكر إلا فى نفسى فقط، لم أنظر يوماً أبعد من صورتى التى كنت أعشق رؤيتها تتلألأ على صفحة مياه البحيرة الصغيرة. صديقى الوحيد هو الجزر أحبه لأنه سبب قوتى، لكن بسببه فقدت قوتى واهتزت صورتى وصار اسمى.. سارق الجزر قصير النظر! 
بدأت حكايتى يوم أن قرر الأسد الملك أن يقسم الأرض التى تقع بجانب البحيرة بالتساوى على كل الطيور والحيوانات ليتغلب على مشكلة نقص الغذاء، وقال: «ليزرع كل منكم ما يحبه من الثمار فى أرضه، وبقدر ما يعتنى بأرضه ويعطيها من الجهد ستعطيه الأرض الخير الذى يكفيه ويزيد»
 وقال الوزير النمر: «وليضع كل منكم فى البداية لافتة باسمه على حقله حتى يميزه عن غيره من الحقول، وبمرور الوقت سيميز كل حقل صاحبه وسيظهر جهد من اجتهد وزرع وحصد أجمل الثمار».
 تحمست جميع الحيوانات وبدأت العمل بنشاط، كنت أراهم يمسكون بالفأس يقلبون الأرض، وينقونها من الحشائش والحشرات الضارة.
 وبدلاً من أن أقلب أرضى مثلهم انشغلت بأن أبحث وأقلب فى صورى لأختار منها أجمل صورة أضعها على اللافتة فى أرضى، اهتم جيرانى باختيار البذور الجيدة الصالحة للزراعة، وكان اهتمامى باختيار الألوان التى سأكتب بها اسمى على اللافتة.
 ومرت الأيام، وكسا اللون الأخضر كل الأراضى، كنت أمر على الحقول الخضراء، فأجد الفيل يسقى الأرض بخرطومه يتحرك بنشاط ويساعده القرد، وبالمثل كان الفيل يساعد القرد فى رى حقله الذى زرعه بالفول السودانى.
 انتهيت من رسم وتلوين لافتة حقلى، كانت أجمل لافتة فى كل الحقول، أنظفها كل يوم وأقف بجانبها حتى لا يقترب منها أى طائر أو حيوان يشوه جمالها، واكتشفت أننى نسيت أن أزرع حقلى بالجزر، ماذا سأفعل؟ لا بد أن أجد حلاً، وفى يوم كنت أسير بجانب أحد الحقول فجذبتنى رائحة الجزر الشهية فى حقل تسكنه أجمل الألوان، ولكن للأسف كانت لافتته صغيرة كتب عليها بخط ردىء: «حقل الأصدقاء الخمسة».. 
وفجأة رأيتهم حولى، ديكا صغيرا وعصفورا وضفدعة وبومة ومن داخل شجرة صغيرة خرج نقّار الخشب، كانوا سعداء يعملون بنشاط. 
قال الديك: «أهلا بك يا ملك الجزر، ما رأيك فى حقلنا الصغير؟»
 سألته فى دهشة: «لماذا زرعت الجزر؟»
 قال الديك: «لا أملك بصراً حادا مثلك يا ملك الجزر، لكنى ملكت البصيرة التى جعلتنى أتعاون مع أصدقائى ونعمل معا بحب وصبر وإخلاص، فأثمر حقلنا بالخير الوفير، الذى سيكفينا، والفائض نبيعه ونشترى أجود البذور لنزرعها من جديد»
 قلت له ساخراً: «وملكت حماقة ستفقدك كل ما زرعته، الطيور التى سمحت لها أن تشاركك حقلك ستأكل المحصول»
 قال الديك بثقة: «لا أحد يستطيع أن يقوم بكل شىء وحده، لكل واحد منا عمل يؤديه؛ نقار الخشب يأكل الديدان التى تؤذى الشجرة، والعصفور ينقل البذور»
 قالت الضفدعة: «وأنا ألتهم الحشرات الضارة التى تأكل أوراق النبات»
 وقال الديك: «ولا أنسى صديقتى البومة الساهرة بالليل تحمى الحقل من الفئران التى تأكل المحصول». 
غادرت حقل الأصدقاء الخمسة وقد قررت أن يكون هذا الحقل ملكى أنا وحدى، ذهبت لحقلى وبسرعة انتزعت لافتتى، وعندما حل الظلام جريت حتى وصلت إلى حقل الأصدقاء الخمسة وخلعت لافتته لأضع مكانها لافتة ملك الجزر حاد البصر.
 أصر الأصدقاء على ملكيتهم للحقل، وبكل ثقة أصررت أنا على ملكيتى له وها هى لافتتى دليل على صدقى. 
قرر الأسد الملك أن يعقد محاكمة فى الحقل المتنازع عليه؛ وقف الديك وحوله أصدقاؤه، ووقفت أنا فى منتهى الثقة، سألنى الملك: «بماذا زرعت حقلك يا ملك الجزر؟»
 قلت دون تردد: «بالجزر»
 قال: «الجزر فقط؟»
 قلت: «طبعا فهو مصدر قوتى»
 وعندما سأل الديك قال: «قسمت حقلى أربعة أجزاء، وزرعت الجزر والذرة والبطاطا والفول السودانى، وها هى أوراق البطاطا الخضراء وأعواد الذرة»
 ضحك الأسد ساخراً وقال: «هذا ليس حقلك يا أرنب»
 قلت: «كيف؟! ها هى لافتتى»
 رد الأسد بعتاب: «أنت يا أرنب لم تهتم سوى باللافتة، لم تنظر إلا للمظاهر فقط، أهملت حقلك وأردت أن تسرق مجهود الديك وأصدقائه، صحيح أنك حاد البصر لكنك للأسف قصير النظر، لم تتأمل الحقول من حولك وتعرف أنواع المحاصيل التى زرعها جيرانك، لذلك لم تميز أوراق البطاطا والفول السودانى وبالطبع لم تعرف أن ثمارها تنمو تحت الأرض، لم ترَ فى الحقل سوى الجزر الذى تحبه وبسببه كذبت وسرقت وأصبحت.. سارق الجزر قصير النظر».

الخميس، 21 مارس 2013

"حنتوش" قصة للأطفال بقلم الطفلة: صالحة حمدين

حنتوش
 القصة الفائزة بجائزة هانز كريستيان الدولية للقصة الخيالية 
صالحة حمدين

 اسمي "صالحة"، أنا من مدرسة (عرب الجهالين)، أعيش في خيمة صغيرة في (وادي أبو هندي)، عمري 14 سنة. 
في النهار أدرس في مدرسة القصب، وقد صنعوها من القصب لأن الجنود أعلنوا أن أرضنا منطقة عسكرية مغلقة، حيث يتدربون على إطلاق النار في منطقة الزراعة.
 يعيش معنا... في الخيمة سبعون نعجة، وأقوم أنا بحلبها بعد أن أعود من المدرسة، وأصنع الجُبن ثم أبيعه لأهل المدينة. 
الطريق هنا وعرة لأن الجنود يمنعونا من تعبيد الطريق، ويتدربون على إطلاق النار في الليل، وأنا أكره صوت الرصاص، أكاد أجن منه، فأهرب، نعم أهرب!
 لا يوجد لديَّ دراجة هوائية، لأن الطريق وعرة، ولا سيارة عندي ولا طيارة، لكن عندي شيء أستخدمه للهروب.
 اقتربوا، اقتربوا، سأوشوشكم سراً، عندي خروف يطير اسمه "حنتوش"، لونه أسود وأُذناه طويلتان، له جناحان سريّان يُخبئهما داخل الصوف، ويُخرجهما حين أهمس في أذنيه "يا حنتوش يا خروف أطلع جناحيك من تحت الصوف" أغني في أذنيه، فيما يبدأ الجنود بالتدرب على إطلاق الرصاص، وأركبه ويطير بي...، والبارحة هربنا إلى برشلونة!
 سنقول لكم شيئاً، في (وادي أبو هندي) لا يوجد ملاعب أصلاً، لأن الأرض مزروعة بالألغام.
 وفي (برشلونة) قابلنا "ميسي" صاحب الأهداف الكبيرة، لعبنا معه لساعات طويلة، خروفي "حنتوش" كان واقفاً حارساً للمرمى، وأنا أُهاجم "ميسي" وفريقه...، أدخلنا في مرماهم خمسة أهداف!
 أراد "ميسي" أن يضمني أنا و"حنتوش" إلى فريق (برشلونة) لكننا رفضنا، نريد أن نعود إلى (أبو هندي) لأن الأغنام هناك تنتظرني، فلا يذهب أحد غيري ليحلبها، فأبي في السجن منذ ست سنوات وبقي له تسع عشرة سنة.
 سأقول لكم سراً: أخبرني "ميسي" أنه سيزور (وادي أبو هندي) بعد سنتين! سنُقيم مونديال 2014 في (وادي أبو هندي)، سنُنظف معاً الأرض من الألغام، وسنبني أكبر ملعب في العالم، وسنُسميه "ملعب حنتوش"، وسيكون الخروف شعار المونديال! وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في (وادي أبو هندي)، نحن جميعاً بانتظاركم!

"العُصْفُورُ والشَّجَرَةُ"قصة للأطفال بقلم: لبنى صفدي عباسي

العُصْفُورُ والشَّجَرَةُ
 لبنى صفدي عباسي 
 عَلَى إِحْدَى التِّلالِ الْبَعِيدَة، نَبَتَتْ شَجَرَةٌ وَحِيدَة، اِمتَدَّتْ جُذُورُهَا عَميقًا فِي التُّرَاب، وَشَمَخَتْ عَالِيًا نَحْوَ السَّحَاب. تَمَتَّعَ بِظِلِّها الزُّوَّار، وَعَانَقَتْ أَغْصَانَهَا الأَطْيَار... لكِنِّها كَانَتْ تَتَسَاءَلُ وَتَحْتَار، وتُفَكِّرُ فِي أَمْرِهَا لَيْلَ نَهَار: - لِمَاذَا أَقْضِي عُمْرِي فِي هَذا الْمَكَان؟ أُرِيدُ الانْطِلاقَ كَالطَّيْرِ وَالإِنْسَان! ذَاتَ يَوْمٍ، وَبَيْنَمَا كَانَتِ الشَّجَرَةُ مُسْتَغْرِقَةً فِي التَّفْكِير، حَطَّ عَلَى غُصْنِهَا عُصْفُورٌ صَغِير. قَالَ الْعُصْفُورُ: - مَا بَالُكِ أَيَّتُهَا الشَّجَرَة؟ أَرَاكِ مَهْمُومَةً وَمُتَحَيِّرَة! تَنَهَّدَتِ الشَّجَرَةُ، وَقَالَتْ: - حَيَاتِي تَخْلُو مِنَ التَّغْيِير، وَأَشْعُرُ بِقَلَقٍ كَبِير، أَرْغَبُ فِي التَّنَقُّلِ وَالسَّفَر، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْوِحْدَةِ وَالضَّجَر! صَمَتَتِ الشَّجَرَةُ قَلِيلاً، ثُمَّ قَالَتْ: -وَأَنْتَ أَيُّهَا الْعُصْفُور، لِمَاذَا أَراكَ مُتَأَلِّمًا وَغَيْرَ مَسْرُور؟ أَجَابَ الْعُصْفُور: - لا أَعْتَقِدُ بِأَنَّنِي أَحْسَنُ مِنْكِ حَالاً، وَلاَ أَهْدَأُ مِنْكِ بَالاً! قَالت الشَّجَرَةُ: - وَلكِنَّكَ عَلَى الأَقَلِّ تَتَمَتَّعُ بِنِعْمَةِ الطَّيَرَان، وَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ مَكَان! نَزَلَ الْعُصْفُورُ إِلَى جِذْعِ الشَّجَرَةِ، وَقَالَ: -لَمْ أَعُدْ قَوِيّا كَالأَمْسِ، وَكُلَّ يَوْمٍ يَزْدَادُ عَجْزِي. اِبْتَعَدَ الْعُصْفُورُ عَنِ الشَّجَرَةِ، وَأَخَذَ يُفَكِّرُ... وَبَعْدَ لَحَظَاتٍ، رَفْرَفَ بِجَنَاحَيْهِ وَحَلَّقَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ سَأَلَهَا: - هَلْ تَسْمَحِينَ لِي بِأَنْ آخُذَ مِنْكِ بِضْعَةَ بُذُور؟ أَجَابَتِ الشَّجَرَةُ: - بِكُلِّ سُرُور. تَنَاوَلَ الْعُصْفُورُ بِذْرَةً بِمِنْقَارِهِ، وَطَارَ بِهَا إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَ التَّلَّةِ، وَأَلْقَى بِهَا فِي الأَرْضِ. ثُمَّ رَجَعَ وَالْتَقَطَ بِذْرَةً أُخْرَى، وَحَمَلَهَا إِلَى الْبُحَيْرَةِ، وَأَلْقَى بِهَا قَرِيبًا مِنْ إِحْدَى ضِفَافِهَا. عَادَ الْعُصْفُورُ لِيَجْمَعَ بُذُورًا أُخْرَى مِنَ الشَّجَرَةِ، وَيَنْثُرَهَا فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ... مَرَّتِ الأَيَّامُ، وَشَقَّتِ الْبُذُورُ طَرِيقَهَا مِنْ تَحْتِ التُّرَابِ، وَنَمَتْ شُجَيْرَاتِ صَغِيرَةً، وَأَخَذَتْ تَكْبُرُ وَتَكْبُرُ حَتَّى أَصْبَحَتْ شَجَرَاتٍ كَبِيرَةً. كَانَ الْعُصْفُورُ يَزُورُ الشَّجَرَاتِ جَمِيعَهَا كُلَّ يَوْمٍ، وَيَعُودُ لِيُخْبِرَ الشَّجَرَةَ عَنْ فُرُوعِهَا الَّتِي انْتَشَرَتْ فِي التِّلالِ وَالْجِبَالِ وَالْوِدْيَانِ... مُنْذُ ذلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَشْعُرِ الْعُصْفُورُ بِالتَّعَبِ أَوْ الْعَجْزِ، وَلَمْ تَعُدِ الشَّجَرَةُ وَحِيدَةً لأَنَّهَا وَجَدَتْ نَفْسَهَا فِي كُلِّ مَكَان...

الثلاثاء، 19 مارس 2013

"فايقة" و"نعسان" قصة للأطفال بقلم: ميسون أسدي

"فايقة" و"نعسان" 
ميسون أسدي
كان يا مكان في قديم الزمان، في قرية عربية تقع على سفح جبل المغر. هواءها منعش، تلتقي أعاليها مع قبة السماء الصافية الخالية من الغيوم السوداء.
عاشت في إحدى الحارات الفقيرة في هذه القرية، صبية جميلة جدا ممشوقة القوام، سمراء مثل حبة التين العسلية، تشع منه الحرارة والشقاوة وطيبة القلب وعلى شفتيها مرسومة ابتسامة جميلة لا تفارقها أبدا، نشيطة تعمل ليلاً ونهاراً، تنظف البيت وتغسل الملابس، وتكنس الدار، وتسقي الزرع وتذهب إلى الحقل لتحويش الأعشاب الصالحة للطبخ وأخرى طعاما للحيوانات، وتعتني بوالديها العاجزين، تطعمهما وتغسلهما وتحضر لهما الطعام، وتجلس معهما لتحادثهما وتسليهما لتنسيهما همومهما.
أسم هذه الصبية "فايقة"، وكان لها أخ واحد، تعتني به وتنفق عليه ما استطاعت، واعتنت أيضا بتربية بضع حيوانات بيتية في حظيرتها: بقرة وعنزتين، وبضع دجاجات وحمار، وقامت "فايقة" ببيع البيض والحليب.
أصبحت الحياة في القرية صعبة جدا، إذ لم تسقط الأمطار لمدة سنتين، فلم تنبت الأعشاب والزهور في الحقول، ولم تجد الأبقار والماعز حشيشا تأكله وحتى دجاجات "فايقة" أعطت بيضا قليلا لا يكفي لأهل بيتها.
لم يعد يقطف الأطفال زهور البرقوق وعصا الراعي والصفير، ورأس البقرة مثلما اعتادوا في الماضي. 
باختصار لم تعطي الأرض من خيراتها لأهل القرية المساكين.
غطت سماء القرية غيوم من الحزن ، فالعصافير هاجرت إلى أماكن بعيدة، تبحث عن بيت جديد، بعد أن اعتادت إيقاظ سكان القرية كل يوم على صوت صدحها.
لم ينبت ما زرعه الفلاحون من قمح وبصل وشعير وغيره، بسبب الجفاف، فجفت آبار المياه ، و ماتت كثير من الحيوانات.
أما عجائز القرية: أم لطفي وأم درويش وأم إبراهيم، فقد جلسن يندبن الوضع الذي لم يعد يطاق، فها هي أم لطفي تشتم وتلعن أولادها وأم درويش حزينة تبكي عنزتها الشامية التي ماتت لقلة الطعام، وأم إبراهيم ذهبت إلى دار أهلها لان أبا إبراهيم ترك العمل في الحقل، ويقضي وقته في البيت حزينا.
نظرت "فايقة" بحزن إلى القرية الجميلة والى أهلها الحزانى.  
فكرت قليلا وقالت لنفسها: يجب أن ابحث عن عمل في المدينة، فالوضع هنا لا يطاق ولا يستطيع احد أن يساعد الآخر.. سأجد عملا ارتزق منه من اجل أبي وأمي وأخي ، يجب أن احضر لهم المال ليشتروا طعاما لهم ولحيواناتهم.
تركت "فايقة" أهلها وأقاربها وأخيها الذي حل محلها في الاعتناء بوالديهما، تركت القرية الجبلية التي تحبها وجبل ألمغر العالي.
سافرت إلى المدينة الكبيرة التي لا تنام، حيث الأنوار المضيئة والحوانيت الكثيرة، والملابس الفاخرة، والحلويات اللذيذة بأشكالها المختلفة على جنبات الطرق.
لم تعرف "فايقة" أحدا في المدينة، مشت في الشوارع كئيبة لأنها لم تعتد العيش بعيد عن أهلها، في المدينة لا أصدقاء لها كما هو الحال في القرية.
 بحثت عن عمل ليلا نهارا سائلة كل شخص تصادفه، سألت أصحاب الحوانيت، طرقت أبواب البيوت لتشتغل في التنظيف، بحثت كثيرا إلى أن وجدت عملا في مصنع الشوكلاطة.  
فرحت "فايقة" بعملها الجديد.
 واشتغلت ثماني ساعات كل يوم، وتنام في ساعات الليل لتريح جسمها التعبان.
مضت أيام وتلتها شهور و"فايقة" على نفس الحال، تعمل وتبعث بجزء كبير مما تكسبه من مال إلى أهلها في القرية.. ولأن الوضع في بيتها تحسن، قامت أم لطفي وأم درويش وأم إبراهيم بإرسال أولادهن للعمل في المدينة وآخرون عملوا مثلهم، وهكذا تحسن حالهم أيضا فوجدوا طعاما لأنفسهم، منتظرين سقوط المطر.
أتمت "فايقة" واجبها وجلبت لأهلها السعادة، الآن جاء دورها لتسعد بنفسها، خاصة بعد أن تعرفت على شاب وسيم، في نفس سنها، يعمل معها في المصنع، بهي الطلعة، جميل الهيئة وشقاوة أبناء القرى، تفوح من عينيه الواسعتين البنيتين، وكان اسمه "نعسان"، جاء من قريته البعيدة، إلى المدينة ليعمل ويعيل أمه العجوز التي تركها برعاية شقيقتها.
لم يعثر هذا الشاب في قريته على حبيبة يحبها من كل قلبه ويتزوجها، يعمل لأجلها ليل نهار ليقدم لها أطيب الأطعمة ويشتري لها أجمل الهدايا وأحلى الملابس وتكون أما لأولاده وشريكة حياته في السراء والضراء.
من هنا يا أحبائي الصغار بدأت قصة "فايقة" الحلوة والشاب الجميل "نعسان". 
ففي المدينة الكبيرة التقى الغريبان، أحب "نعسان" "فايقة"، و"فايقة" أحبت "نعسان"، تزوجا وأقاما حفل في قرية "نعسان" وحضر أهل "فايقة" من قريتهم البعيدة يركبون على الحمير.
قررا "فايقة" و"نعسان" السكن معا في المدينة، بالقرب من مكان عملهما في المصنع.
كان "فايقة" و"نعسان" يعودان من العمل في ساعات المساء، وتقوم "فايقة" بتحضير الطعام، وفي ساعات المساء تطبخ وتغسل وتكنس وتجلي، و"نعسان" زوجها وحبيبها يستلقي على السرير يقرأ كتاب لمحو الأمية.
 كان يقضي أغلب أوقاته بعد إنهاء عمله نائما أو مستلقيا.
كانت "فايقة" تنهي عملها المنزلي وتذهب إلى السرير لتنام بجانب زوجها، لتحتضنه وتقبله وتنام بين ذراعيه، لكنها للأسف كانت تبقى حزينة والدمعة تترقرق في عينيها، إذ تجده نائما على ظهره كملاك طاهر، خال البال من كل المتاعب والمشاكل فلا ترضى أن تزعجه.
كانت "فايقة" كالنار الملتهبة نشيطة تحب أن ترقص، وتغني، لا تهدأ ولا تنام، تريد أن تملأ الدنيا حبا. 
كانت تحاول أن توقظه من نومه بقبلاتها ومداعبتها، إلا أن محاولاتها كانت تفشل ويظل "نعسان" زوجها غارقا في نومه.  
عندها تنطفئ الحرارة في داخلها، فتحزن وتكتفي بضمه إلى صدرها وتقول بينها وبين نفسها:
آه يا ربي
محرومة أنا من الحب الدافئِ
لماذا أنا "فايقة" وهو "نعسان"؟
لماذا لم أولد أنا "فايقة" وهو فايقُ؟
أو أنا "نعسانةٌ" وهو "نعسان"؟