الأحد، 12 أغسطس 2012

"ليلة القدر .. " قصة للأطفال بقلم: عبد التواب يوسف


ليلة القدر
من كتاب ” حياة محمد صلى الله عليه وسلم في عشرين قصه ”
عبد التواب يوسف

غربت الشمس عن الدنيا ، وحل الظلام ، وتناثرت النجوم في السماء ، ولم يظهر القمر ؛لأني ليلة من الليالي الأخيرة لشهر رمضان المبارك.

واستقبلني الناس في مكة مثل أي ليلة ،

فسهر البعض يسمُرُ ويلهو ، ونام البعض إلى أن يطلُعَ النهار.

والحقيقة أن الدنيا منذ خلقت كانت تنتظرني ..

لأني ليلة لي قدْري ولي ذِكْري ولي أثَري ! ؛

ولأني ليلة كلها نور ..
وهو ليس نوراً من الشمس ولا من القمر ولا من الكهرباء .. وإنما هو ( نور الله ) ..

أضاء الأرض وأضاء السماء.

وبفضل هذا النور، وبسبب ما حدث بعده ..

أصبحت خيراً من ألف شهر ..

أي خيراً من أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة !

أنا ليلة القدر ..

جئتُ في شهر رمضان .. سنة 610 ميلادية ،

أي قبل أن يبدأ التاريخ العربي الهجري بنحو ثلاثة عشر عاماً ؛

وكان خارج مكة غارٌ يسمى غار حِراء ..

كان محمد بن عبد الله يذهب إليه كثيراً ،

ويقيم فيه طويلاً ،
يناجي ربه ويصلي له ويعبده وحده ..

بينما كان أهل قريش يعبدون الأصنام.

وعندما جئتُ ..

كان محمدٌ – صلى الله عليه وسلم –

قد بلغ الأربعين من عمره ،
وكان في الغار يتعبد ويتهجد ، ويدعو ربه ويناجيه ويناديه

ويقول له ما معناه :

" يارب هذا الكون ، يا خالق هذه السماوات ،
يا خالق الشمس والقمر والنجوم ، يا خالق هذه الأرض وهذه الجبال ،
ياربي وخالقي ، وخالق الكائنات .. أريد وجهك .. أريد وجهك ! "

وبينما هو يردد الدعاء ، ويكرر هذا النداء ؛

تمتلئُ الدنيا بالنور .. نورٍ في الأرض ونورٍ في السماء ،

وينزل مَلَكٌ من السماء بأعظم كلمات سمعتها الدنيا ،
ويقول هذا المَلَك ..
الذي هو جبريل – عليه السلام –

يقول لمحمدٍ :

- اقرأ -

فيرد عليه الصلاة والسلام :

ــ ما أنا بقارئ.

فلم يكن الرسول يعرف القراءة والكتابة.

فيتقدم منه جبريل ،

ويضمه إلى صدره ثلاث مرات ، وفي كل مرة يقول له :

ــ اقرأ ــ

ويرد محمد في كل مرة :

ــ ما أنا بقارئ.

ثم أخذ جبريل يتلو على محمدٍ ، ومحمدٌ يردد من بعده :

{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ* }

[ الآيات (1-5) .. سورة العلق ]

وانصرف جبريل ، وشعر محمد بالخوف ،

وأسرع إلى بيته ، ودخل إلى زوجته خديجة ، وكان يرتعشُ وعلى جبينه حباتُ عَرَقٍ ؛

فأسرعت به إلى الفراش ووضعت فوقه الغطاء.

وعندما بدأ محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – يدفأ ويهدأ ..

حكى لزوجته ما حدث ، وذكر لها كيف غمره النور رغم الظلام في غار حِراء ،

وروى لها كيف جاء جبريل وطلب منه أن يقرأ ،
وبماذا ردَّ عليه في الأول ،
ثم كيف ردد وراءه ما كان يتلوه عليه ..

وتلاه مرة أخرى عليها.

فحاولت السيدة خديجة أن تطمئن الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فقالت له :

ــ إن الله معك ، فأنت إنسانٌ طيبٌ كريم ،

تحب أهلك ولا تكذبُ على أحد ، وتساعد كل الناس ، وتعطي الحق لصاحبه ..

إنك كريمُ الأخلاق صادقٌ أمين.

ورغبت السيدة خديجة في أن تطمئنَّ أكثر ..

فصحبت الرسول إلى ابن عمها

( ورقة بن نوفل )
وكان شيخاً عاقلاً وحكيماً ، قرأ كتباً كثيرة وصَاحَبَ أهل الإنجيل والتوراة ،
وعرف كثيراً من أمور الدين ؛

ولذلك كرِهَ الأصنام ولم يعد يعبدها.

سمع ( ورقة بن نوفل ) من سيدنا محمد ما حدث في غار حراء ؛
فقام من مكانه واحتضن سيدنا محمداً وهو يقول له :
ــ إن الذي نزل عليك هو وحيُ السماء ؛
فأنت نبيٌّ .. نبي أمة العرب ، بل نبي الدنيا كلها ..
إنك مثل ( موسى وعيسى ) عليهما السلام ..
اختاركَ اللهُ وأرسلكَ لتهدِيَ الناس إلى الخيرِ والحب والرحمة ..
والناسُ لن يصدقوك في أول الأمر ، وسوف يخرجونكَ من بلدك
؛ ولكنك في النهاية سوف تنتصر عليهم بعد أن تقاتلهم
وتحاربهم .. وكم أتمنى أن يطول بي العمر ، فأعيشَ حتى أدافع عنكَ وعن رسالتك.

هدأ سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – تماماً ،

وارتاحَ إلى كلام ( ورقة بن نوفل )

وتمنى أن تأتي ليالٍ كثيرة مثلي
- أنا ليلة القدر - ..

كي يسمعُ فيها صوتَ الوحي ينزلُ عليه ، وكان يخرج إلى الجبال وإلى الغار ، وينتظر الوحي في شوقٍ كبير.

وتحقق له ما تمنى .. فذات ليلةٍ .. شعر بنفسه يرتعدُ ويرتجفُ .. فنادى زوجته خديجة لكي تضع فوقه الغطاء .. قائلاً :

ــ دثريني .. دثريني ( أي ضعي الغطاء عليَّ ) !

فغطته السيدة خديجة في فِراشِهِ .. وإذا به يسمع صوت جبريل عليه السلام يقرأ عليه بصوتٍ لا يسمعه أحدٌ غيرهُ :

{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ* }
[ الآيات (1-7) .. سورة المدثر ]

ثم توالىَ بعد ذلك نزول الوحي على النبيِّ – صلى الله عليه وسلم - ،
ونزل القرآن الكريم آياتٍ بعد آيات ..

وسأبقى أفخرُ أنا بأن بداية نزول الوحي ، ونزول القرآن ..

كانت في ليلتي – أنا ليلة القدر - ،

وقد كرمني الله ، وذكرني في القرآن وعظم قدري وشأني ، وجعلني ليلةً مباركةً.

ومن هنا .. ينتظرني المسلمون كل عامٍ في أيامِ رمضان الأخيرة ..

لأنهم يعلمون أن أبواب السماء تُفتَحُ حين أصلُ ، وأن الله يستجيب في ليلتي كل دعاءٍ.

{ حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم *
أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * }

[ الآيات (1- 6) .. سورة الدخان ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق