الخميس، 23 أغسطس 2012

"كُن جميلاً يا صديقي!.."قصة للأطفال بقلم: د .صفاء رفعت


كُن جميلاً يا صديقي....!


د .صفاء رفعت

عندما .... داعبت الريح وجه النهر الجميل

بدأت موجاته تتراقص
و بللت ريش عصفور صغير كان يغني
و قد توقف ليشرب متمسكا بحافة فرع صفصافة متدلٍ نحو النهر,
تفاجأ العصفور الصغير برشة الماء الباردة فانتفض مبتعداً عن النهر, و بدا حزيناً و هو يحاول تمشيط جناحيه
بطرف منقاره الأحمر المدبب في ظل الشجرة,
و عندما لاحظت أزهار الشمس أنه قد توقف عن الغناء
قالت له : كيف تبدو حزينا و أشعة الشمس الذهبية الرائعة تمتد بحنان
لتحيط بكل شيء و تمنح من دفئها للجميع
تأمل معي كم هي جميلة و هي تضيء المرج فتزيد اخضراره بهاءاً
و تتلألأ على مويجات النهر المرتحلة في طريقها الطويل إلى البحر العميق البعيد .
و هنا توقف العصفور الصغير
و تطلع بعينيه لأزهار الشمس الزاهية الألوان
وقال لها : نعم نعم , لقد رأيت البحر منذ أيام عندما حلقت عالياً خلف الوادي
عند نهاية مجرى النهر,
إنه يشبه السماء التي تتمدد في زرقة متناهية.

فتبسمت الأزهار و تعجبت من جديد
و سألته: كيف تبدو حزينا و لديك جناحان
تحلق بهما في زرقة السماء الممتدة خلف البحار؟؟
فأخبرها بأنه قد شعر بالبرد عندما بلل جناحاه ماء النهر,

فضحكت منه أزهار المرج كله
و طلبت منه أن يتوقف عن الاختباء في الظل
و أن يمد جناحيه في وجه الشمس ليمتد إليه دفئها فتجف...
و عندما بدء العصفور الصغير يشعر بالدفء بدأ يغرد و يغني :

أنا العصفور الصغير
في سماء الكون أعلو
و أغني و أطير
فأنا أحلى الطيور

فتملك الكل الفرح و الطرب و تراقصت معه الأغصان و الأزهار
و حتى النحلة المجتهدة توقفت عن جمع الرحيق
و بدأت ترقص مع الفراشات البيضاء و الأرجوانية و الزرقاء
التي تناثرت على أوراق الأزهار المشرعة في وجه الشمس
و اخذ العصفور الصغير يصفق بجناحيه سعيدا لهذه البهجة
التي استولت على الجميع . لكنه.... بدا حزينا من جديد
عندما وجد أن الجميع بدأوا يراقبون الفراشات الراقصة بسعادة و إعجاب
و عندما سمع النحلة المجتهدة و هي تمتدح الفراشات الجميلة
و تخبرها بأنها أرشق الكائنات على الإطلاق
و زاد من ضيقه أن أحداً لم يشعر بغيابه عندما توقف عن الرقص و عن الغناء
و انزوى على غصن بعيد وحيداً شارداً...

و أخذ يفكر ملياً ... 
و قرر فجأة أن يريهم جميعاً أنه أكثر رشاقة من الفراشات الراقصة
فأخذ يطير متنقلا بين الأغصان و بدأ يحلق عالياً في السماء
و يدور حول نفسه محاولا تقليد الفراشات الصغيرة في رقصاتها
لكنه بدا غريبا و يبالغ في حركاته المندفعة
حتى.... اصطدم بأحد الأغصان و ترنح ساقطاً على الأعشاب الخضراء
و قد أصابه الدوار... و ضحكت منه الأزهار و الفراشات و الأغصان
و النحلة المجتهدة و السيد دبدوب ....

شعر العصفور الصغير بالخجل الشديد
و بدأ يحس بأنه غبي و قبيح و نزق... 
و كان على وشك البكاء حين سمع صوت النملة الذكية تتحدث إليه
و قد توقفت عن جمع الحبوب عندما وجدته قد سقط بين الأعشاب,
قالت له صديقته النملة الذكية
لماذا تصرفت بهذا الشكل الغريب أيها العصفور الجميل؟
فقال لها : لست عصفورا جميلاً ولا مميزاً أبداً
فالفراشات الملونة أكثر رشاقة مني
فهي تستطيع أن ترقص و تحلق ببراعة في السماء
دون أن تصطدم مثلي بالأغصان و تسقط كدب بدين,, 
وهنا قالت له النملة: أخفض صوتك كي لا يغضب منك السيد دبدوب الطيب,, 
ثم من قال بأنك لست عصفورا جميلاً؟
دعك من رشاقة الفراشات
أليس لك هذا الصوت العذب الجميل الذي علّم كل من في المرج الرقص و الغناء معك
و أدخل البهجة علينا جميعا
حتى أنني كدت أتوقف عن العمل لأستمع لك و أنت تغني بسعادة,
دعك من هذا و لتعد لتحلق في السماء مغرداً للجميع لتزيد من بهجة هذا الصباح الجميل
و لتحاول أن تقوم بعمل مفيد بينما تغني بصوتك العذب
فما أجمل العمل مع الغناء و ما أسوأ أن يضيع منا يومٌ دون عمل مفيد..

و بالفعل , ابتهج العصفور الصغير بكلام النملة الذكية
فقد أكتشف أنه يستطيع وحده أن يغرد بهذا الصوت العذب
بينما لا تفعل ذلك الفراشات الرشيقة أو النحلة المجتهدة
و لا حتى الأزهار الملونة..
فأخذ يغني مبتهجا من جديد :

أنا العصفور الصغير
و أنا وحدي أغني,
و أغرد و أطير,
فأنا أحلى الطيور..

و أخذ العصفور يجمع بعض عيدان القش الذهبية ليغزل منها عشه

كما نصحته النملة الذكية بأن لا يجعل يومه يضيع في اللعب و الرقص فقط ..

و بعد قليل.. عندما آذنت شمس النهار بالغروب,
سمع الجميع صوتاً جميلا صادحا كأنما جاء من أرض الأحلام
حتى أن صديقنا العصفور كفَّ عن التغريد لينصت له ,
لقد ذلك هو صوت الكروان الحالم و كان صوتا جميلا بالفعل ...
حتى إن السيد دبدوب الذي لا يتحدث كثيراً في العادة
توقف عن لعق العسل العالق بأصابعه ليحيي طائر الكروان الطيب القلب
و قال بأن له لحناً ندياً حالماً و أنه أجمل أصوات الطيور على الإطلاق...
و عندما حاول عصفورنا الصغير أن يصدح مادا صوته ليقلد لحن الكروان
نظر له السيد دبدوب بغضب و استياء
ليكف عن إصدار هذا الصوت الذي لم يكن متناغما بأي حال.

و هنا أدرك العصفور أنه لم يعد مميزاً من جديد ,,
فهناك من يملك صوتاً أعذب من صوته ,,,
و توقف عن جمع أعواد القش الذهبية و انزوى شارد الذهن في ظل شجرة الصفصاف.

و عندما لاحظت النملة الذكية عبوسه و شروده قالت له :
لماذا تبدو عابساً حزينا يا صديقي ؟
فهز رأسه بأن لا شيء... 
ثم سألها بعد قليل: هل سمعت صوت الكروان ؟
و هنا فهمت النملة الذكية ما حدث فقالت له : نعم ,
يا لجمال صوته الحزين الحالم ,
إنه يشعرك عندما يصدح في سكون الليل منفردا وحيدا
بأنه آتٍ من عالم ملائكي السمات و أنه يخبيء وراءه حكايات لا تحكى ...
. انه شاعر الطيور و طائر ليل العابدين و العشاق .. هل أحببت صوته؟؟
فهز رأسه مجيبا بنعم,,
و بقي حزينا لبرهة ,
بينما وقفت النملة تراقبه في هدوء و حكمة
ثم قطع الصمت قائلا لها :
لكنك قلت لي أنني عصفور مميز لأن باستطاعتي أن أغرد مغنيا بصوت عذب ,,
و ها هو الكروان الحالم يتغنى بلحنٍ أجمل من كل صوت آخر ,
لقد سمعت السيد دبدوب يقول إن صوته هو أجمل الأصوات على الإطلاق,
وأراد مني أن أصمت حتى يتسنى له الاستمتاع بلحنه ..

فقالت له النملة: نعم يا صديقي ,
إن صوت الكروان هو أجمل أصوات الطيور لكنه يصدح بالليل , و أنت تغرّد بالنهار,,
و أنت لديك ما يميزك كذلك حتى إن كان صوت الكروان أجمل من صوتك ,
فمثلا لديك هذا الريش الملوّن البديع
و الذي يملأ العيون بالبهجة عندما يتلألأ تحت أشعة الشمس أو ضوء القمر,
و بإمكانك أن تكون أجمل و أكثر تميزاً بقلبك الجميل الطيب
حتى إن لم يكن لديك هذا الريش الملون الجميل..

و يبدو أن صديقنا قد أعجبه كلام النملة
و بدا و كأنما اكتشف شيئاً جديدا لم يكن يعرفه,,
فبدأ يفرد جناحيه تحت ضوء القمر الفضي ليتأمل كم هما جميلين فعلاً
و نام في عشه الصغير الدافئ و هو ينتظر بفارغ الصبر
أن يرى ألوان جناحيه في شمس الصباح..

و في الصباح الجميل,,

كان العصفور سعيدا باكتشافه الجديد , و كان يتنقل بين الأغصان و بدأ يساعد الطيور الأخرى في جمع الطعام لإطعام الصغار الذين لم يتعلموا الطيران بعد, و يحمل الماء في منقاره ليسقي صاحباته الأزهار و بدأ يدل النملة الذكية على مكان الحبوب التي رآها و هو يطير فوق المرج...كان سعيدا بكل شيء و بدأ يغني من جديد:

أنا العصفور الجميل
بجناحاي أحلق,,
في سماء الكون وحدي,,
و أغني و أغرد,,
و أحب كل صحبي,,
فأنا أحلى الطيور...

و بعد قليل ... حط الهدهد الحكيم على غصنٍ بعيد ,,

فتوجهت إليه كل الأنظار و بدأوا في الإحتفاء به
و أبدوا سعادتهم بمروره على مرجهم الصغير... 
و أخذت الطيور تستشيره و تسترشد بحكمة رأيه في عدة أمور
و كان الهدهد يجيب عليهم جميعا في تواضع و ثقة
و قد بدا ملكاً متوجاً بتاج الحكمة,,

و أخذ صديقنا ينظر إليه ملياً...
و ظل صامتاً لوقت طويل,,
فقد شعر مرة أخرى بأن هناك من هو أهم و أكثر تميزا منه..

و بعد أن انتصف النهار خرج العصفور إلى المرج من جديد
و قد انتزع بضع ريشات من ذيله و علقها فوق رأسه
و وقف فوق غصن مرتفع مزهواً بنفسه
و أجاب من سأله عن ذلك بأنه " تاج الحكمة
فتعجب الجميع منه ضاحكين و تركوه وحده على غصنه,
و هبت نسمة عابرة فأسقطت ريشات تاج الحكمة عن رأسه
فأخذ يلاحقها و هي تطير بعيدا بعيدً
ثم تهوي على الأعشاب الخضراء في ظل الشجرة,,

و هنا وجد صديقته النملة الذكية
فسألته لماذا انتزع هذه الريشات من ذيله ليعلقها فوق رأسه ؟؟
فقال لها : لقد سقط تاج الريش من على رأسي,,
ألم تري السيد هدهد؟
أجابت : هل تقصد الهدهد الحكيم؟
فقال لها و هو يبكي :
ألم تخبريني بأنني عصفور مميز لأن لي ريش بديع ليس لأحد غيري ؟
لكني اكتشفت أنني لست مميزا أبدا
فالهدهد الحكيم له ريش أكثر بهاءاً و وجاهة من ريشي
حتى أن له تاج فوق رأسه لا تسقطه الريح
و قد التفت حوله كل أسراب الطيور لتشيد به و تستشيره....
أما أنا فعصفور تعس بلا قيمة و لا أهم أحداً.
فقالت له النملة: الهدهد الحكيم هو وحده من يحمل هذا التاج فوق رأسه ,
و كل الطيور تحبه و تسترشد برأيه لأنه أكثر الحيوانات حكمة على الإطلاق
و ليس لأن له تاجا فوق رأسه ,
في الحقيقة لقد منحه الله هذا التاج مكافئة له على جمال حكمته و رجاحة رأيه
و هو يستحقه فعلا ..
ألا تعتقد ذلك أنت أيضاً.
فأجابها: بلى.

قالت النملة الذكية : و لكنك أيضا جميل ورائع و مميز و لا مثيل لك يا صديقي.

و هنا نظر لها العصفور الباكي متعجباً..

فأكملت النملة الذكية : نعم ,, لا يوجد أحد مثلك على الإطلاق ,
فأنت وحدك صديقي العصفور الصغير,, 
لست بحاجة لأن تكون أكثر رشاقة من الفراشات الراقصة
أو أعذب صوتاً من الكروان الحالم
و لا أن يكون لك تاج من الريش الجميل كالهدهد الحكيم
لكي تكون جميلا و متميزا و منفردا.... 
حاول أن تكون كما خلقك الله تعالى
و كما أراد لك أن تكون عصفورا نشيطا جميل اللون عذب الصوت
له قلب طيب يحب الجميع و يساعدهم
أن تحب الجميع و أن تكون سعيدا بتميزهم و مستمتعا بالجمال الذي منحه الله لهم جميعا ,
و تأكد بأنه لا يمكن لأي منهم أن يحل مكانك ,, 
فأنت وحدك صديقي.... العصفور المغرد الصغير...
فقط ابحث في أعماقك عنك , و كن أنت.

يبدو أن كلام النملة الذكية
كان كافيا لجعل صديقنا العصفور يتوقف عن نزقه و يتخلى عن كآبته ,
و بسط لها جناحيه و قال لها في سعادة و هو يتقمص دور أمير أسطوري :
دعيني أحملك في جولة قصيرة حول المرج أيتها الأميرة ....
و بدأ يحلق سعيداً مغرداً
و هو يغني :

كن جميلا يا صديقي,
و تمتع بالجمال,
فجمال الله يعلو,
سامياً فوق الخيال,

كن حنونا يا صديقي,
و اكتسب خير الخصال,
بنقاء القلب تبقى,
رائعاً في كل حال,

كن صدوقاً يا صديقي,
هاديا درب الجلال,
بإتباع الخير تغدو,
عاليا فوق الجبال...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق