فارس مارس
مصطفى بن بولعيد
كتاب أحلام شهد
منيرة بوكحيل/ فرنسا
ما إن حل الظلام و بعد
تناول العشاء غسلت شهد أسنانها بالمعجون و الفرشاة و يديها بالصابون مثل كل
الأطفال المهذبين حتى سارعت الصغيرة إلى فراشها لتستقبل كتاب أحلامها لتسمع
حكاية اليوم و ما خاب ظنها ما إن أغلقت عينيها الجميلتان حتى جاء صديقها الوفي و
هو يبتسم رحبت به كالعادة بلهفة الصغار الأبرياء , ثم خاطبها قائلا : اعرف انك
متشوقة لسماع المزيد عن تاريخ بلادك الطاهرة , لا أطيل عليك اضغطي يا حلوتي
بإصبعك الناعم على رقم 3 في هذه الصفحة و استمعي للحكاية الثالثة عن فوارس مارس
و الفارس الأول سوف يكون الشهيد مصطفى
بن بو لعيد
في شهر مارس إرتوت ارض الشرفاء
بفوارس عدة و على رأسهم الفارس الشهيد مصطفى بن
بولعيد والذي تشرفت قرية /إنركب / بأريس ولاية باتنة بولادة فارسها الشهيد مصطفى بن بولعيد في الخامس من فبراير 1917 م .
حيث بدأ مشواره الدراسي بمسقط رأسه
و بعدها انتقل إلى مدينة باتنة لمواصلة دربه العلمي , ثم التحق بالمدرسة العليا
الإعدادية و نظرا لسياسة فرنسا الواضحة في قمع اللغة العربية و استئصال الهوية
الجزائرية من أعماق جذورها و محو التعاليم الدينية اضطر والد مصطفى بن بولعيد
توقيفه عن الدراسة خوفا على هذا الصغير أن يتأثر بثقافتها المتعفنة .
و شاءت الأقدار أن يختطف الموت
والده , و بكل ثقة و عزم و ثبات تمكن الفارس مصطفى من تسيير شؤون أسرته و كم كان
قويا على تحمل حجم هذه المسؤولية الكبيرة , لا و بل كانت له القدرة الكافية
لتوسيع أعماله الخيرية .
و بما أن الاستعمار الظالم له سياسة
فاشلة عن طريق " فرق تسد " لقمع هذا الشعب الطيب الرافض للإنحاء للأحذية القدرة استطاع مصطفى بن بولعيد بفضل مكانته الاجتماعية أن يمحي آثار نار الفتنة و سوى
الكثير من المشاكل و النزاعات التي تحدث بين أهل المنطقة و إتباع تعاليم الدين
الحنيف و سنة خير المرسلين ( محمد صلى الله عليه
وسلم ) و روح الوطنية المزروعة في فؤاد كل فرد من هذا البلد
الحبيب , ضاربين عرض الحائط تلك المشاكل للرجوع إلى الهدف الأصلي و هو طرد
المعمر المغتصب الذي يحاول أن يلهيهم عنه بفتنته الفاشلة .
إن الظروف القاسية تحت سقف
الاستعمار أجبرت الفارس الشهيد مصطفى بن بولعيد على مغادرة وطنه ليس حبا في جمع
المال أو الهروب من مخالب العدو لا بل سافر إلى فرنسا سنة 1937 بحثا عن مناخ
ملائم لتجديد أفكاره ليعود بعدها .
و ما إن افتك الفارس مصطفى بن
بولعيد من الخدمة العسكرية الإجبارية حتى بدأ يعزز نشاطه السياسي و العسكري , و
في أوائل الأربعينات انضم إلى صفوف حزب الشعب الجزائري فكان عضوا
فعالا بزرع و نشر أفكاره الممجدة للاستقلال و الحرية , و
تقلد مناصب عدة ليقوم بالتخطيط لضربات موجعة للعدو و معارك شرسة و تضحيات جسام ,
كان يواجه الخطر بكل شجاعة و صبر و الموت يطارده و هذا ما
برز في مؤتمر حركة الانتصار للحريات الديمقراطية في فبراير 1947
بالجزائر حين تم تأسيس جناحها العسكري المعروف بالمنظمة الخاصة كما كان من بين
الأوائل اللذين أسندت إليهم مهمة تشكيل نواة هذا التنظيم السري
في منطقة الأوراس الشامخة .
كثف الفارس الشهيد مصطفى بن بولعيد
من نشاطاته الفعالة بجدية و عزم و ثبات أكثر من أي وقت مضى و عمل رفقة زملائه
بيد واحدة على جمع الشمل و توحيد الصفوف بين المناضلين و المناضلات و قد
توجت هذه النشاطات بقرار حاسم خلال اجتماع ال22 أكتوبر 1954 بتفجير ثورة الفاتح
نوفمبر المجيدة كموعد و قرار لا رجعة فيه من اجل استئصال المعمر الفرنسي من
جذوره من ارض هذا الوطن الحبيب .
لقد اشرف مصطفى بن بولعيد على
انطلاق الثورة في الأوراس الشامخة و ذلك بسهره على سلسلة من الاجتماعات
التحضيرية التي كانت تتعقبها توجيهات و أوامر صارمة للحاضرين للقيام بعملية
الانتقاء الدقيق للمناضلين و تصنيفهم ضمن قوائم حسب الشروط التي كان يحددها لهم كالتحلي بكتمان السر و القدرة على تحمل
الصعاب و روح الإخلاص و اللياقة البدنية.................الخ .
الليلة في ساعة الصفر من أول نوفمبر
1954 هي نقطة البداية
المضيئة لطريق الثورة و منهجها السليم في وقت يعاني فيه الشعب الجزائري الحرمان
و مرارة الاستعمار الظالم و تصفياته العشوائية و الغير إنسانية , الليلة بالذات قدمت
ثلاثون عملية شرسة كهدية لفرنسا
النائمة في سبات غرورها
العميق ظانة منها أنها استطاعت أن تكبل عزيمة الشرفاء بوحشيتها و أساليبها
الحمقاء و هذا تفكير الجبناء و
قد زلزلت هذه الليلةكيان فرنسا المعزز بالدبابات و الأسلحة الفتاكة و الذخيرة
الوفيرة و كانت ضربة موجعة و مولعة دون سابق إنذار من أيادي طاهرة شريفة بأدوات
بسيطة لا تحمل سوى بندقيات الصيد و الخناجر و العصي ممزوجة
بالعزيمة الفولاذية و
روح الوطنية الملتهبة في الفؤاد و نيل الحرية من ذلك المستعمر الجلاد .
بهذه الضربة المؤلمة كشرت فرنسا عن أنيابها و حشدت جنودها و
معداتها الحربية في كل صوب و كل مكان و عززتها بسياستها القمعية , و ما خاب ظن
القائد مصطفى بن بولعيد فيها , و بالرغم من كل هذه الظروف
القاهرة التي تحاول أن
تكبل هيجان الثورة المجيدة إلا
أن المجاهدين البواسل لم يستسلموا و تسلحوا بسلاح الصبر و الثبات بالرغم من عدم
التكافؤ في العدد و العتاد و هذا لأنهم آمنوا بعدالة و شرعية قضيتهم .
كان الفارس الشهيد دائما يحرص على
تدعيم الثورة بالذخيرة و الأسلحة و في يوم اسود مثل
سواد قلب ذلك المعمر الظالم اعتقل في 11
فيفري 1955 في قرية " ابن قردان " و قدم له هدية بمناسبة تضحياته الجسام لأمه الغالية و حكم عليه بالإعدام
بتهمة الإخلال بالنظام العام و كان هذا دليلا كافيا ليثبت العدو انه ديكتاتوري
بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني .
و ظل ذلك العصفور
يراوده حلم العصافير العاشقة لسماء الحرية و الهروب
من هذا القفص المعزز
بالتحصينات المتشابكة و المعقدة ,
و فعلا تحقق حلمه و فر رفقة زملائه لينقض بن بولعيد على عمله الثوري بشراسة و
دون توقف بل بعزيمة لا تعرف الهزيمة و إرادة أكثر من قبل و ذلك السجن كان وسام
شرف على صدره لأنه اثبت للعدو انه ضعيف أمام تعزيزاته العسكرية المدججة بأنواع
الأسلحة الفتاكة و التعقيدات المتشابكة
و في 22 ماس 1956 أصيبت
الثورة الجزائرية بضربة مؤلمة هزت كيانها و روحها لأنها فقدت أهم و أقوى ركائزها
, و كان ذلك " بالجبل الأزرق
استشهد الفارس مصطفى بن
بولعيد رفقة فوارس مارس و موته كان ميلاد شهيد لم يعرف التاريخ مثله أبدا , و
رغم هذا بقيت الثورة صامدة
أبية رافضة ذل ذلك الذليل كما رسم لها فارس مارس .
و بهذه الكلمات العذبة التي تطرب
الأذن و تريح النفس و في هذه اللحظة بالذات
استيقظت شهد على صبح منير و سارعت دون تردد إلى طاولتها و بدأت تكتب أسطورة فارس
مارس التي تفيض من أعماق فؤادها المولع بهذه البطولات الحافلة بالتضحيات الجسام
.
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق