اللبوة الحسناء
حسيبة بن بوعلي
من سلسلة حكايات كتاب
أحلام شهد
منيرة بوكحيل /فرنسا .
ما إن حل الظلام و بعد تناول
العشاء غسلت أسنانها بالمعجون و الفرشاة و يديها بالصابون مثل كل الأطفال المهذبين
حتى سارعت شهد الصغيرة إلى فراشها لتستقبل كتاب أحلامها لتسمع حكاية اليوم و ما
خاب ظنها ما إن أغلقت عينيها الجميلتان حتى جاء صديقها الوفي و هو يبتسم رحبت به
ثم خاطبها قائلا -هل زال غضبك أيتها الصغيرة فردت بهدوء : نعم , نعم و لكن أريد
المزيد أريد المزيد , ضحك طويلا و قال دائما الصغار هكذا يحبون كل ما هو جميل
اضغطي يا حلوتي بإصبعك الناعم على رقم 2 في هذه الصفحة و استمعي للحكاية الثانية
عن اللبوة الحسناء الشهيدة حسيبة بن بو علي:
إن سجيل الحرية يشهد لكفاح نساء رائدات ركع
لهم العدو و التاريخ معا و من يؤمن بغير هذا فهو ليس من هذا الوطن إطلاقا , لأنهن
قد تصدرن القوائم الأولى في سجيل تاريخ الحروب على مدى العصور و تعاقب
الأزمنة و لولاهن لكان تاريخ الثورة ناقصا أو مشوها . فهي الأم المربية و الأخت
المناضلة و الممرضة الباسلة المجاهدة الكاملة و المرأة العاملة .
و بالرغم من ظلام
الاحتلال الفرنسي الظالم , و في هذا اليوم بالذات من شهر جانفي عام 1938 م أشرقت الشمس محتفلة بولادة
اللبـوة الحسنـاء *حسيبة بن
بو علي * بمدينة الشلف (
الأصنام سابقا ) .
من أسرة ريفية
ميسورة الحال لما بلغت سن السادسة التحقت بالتعليم فيما
حرم الآلاف من أترابها من التعليم و ذلك كان
من سياسة القمع الفرنسي , لتخلق شعبا أميا لا يفقه لشيء ظانة أنها ستكسب
الرهان و أن قوة العتاد تمحي سلالة الأمجاد و أن علم الأوغاد يزرع الفتنة و
الأحقاد في قلوب من وحدهم رب العباد
واصلت تعليمها بدرجات عالية من التفوق
انخرطت في صفوف الكشافة الجزائرية و رغم صغر سنها إلا أنها كانت على دراية كافية
بجميع تفاصيل عذاب و مرارة و معاناة أبناء وطنها الغالي لا تؤمن إلا بدواء يشفي
جروح قلبها الفتي سوى طرد الاستعمار المغتصب من ارض أمها الطاهرة الشريفة و نيل
الحرية و السيادة .
نعم لقد كان حلما ورديا و
أرادته حقيقة و ليس سرابا و انخرطت في جنود صفوف الثورة التحريرية عام 1955 م عملت كمساعدة اجتماعية
,
بروحها الطاهرة الزكية و بأيديها الناعمة
الطرية كانت تساعد كل ضرير و فقير و كانت تسهر ليالي طويلة تخفف معاناة الأسرة الجزائرية
المنعزلة الفقيرة في كنف العجوز الحمقاء حين كانت تفكر تفكير الجبناء بأننا شعب
اعزل و ضعفاء .
و ببروز عام
1956 م
برزت اللبوة الحسناء عنصرا فعالا في صفوف الفدائيين الجزائريين بعدما تركت دورها
كمساعدة اجتماعية لغيرها و أرضت طموحها لتصبح من أكفأ الفدائيين المكلفين بصنع
القنابل و نقلها إلى مناطق مختلفة يتواجد فيها المعمر الحقير.
مستغلة فرصة عملها الذهبية بمستشفى ( مصطفى
باشا الجامعي ), و قد كانت مناضلة بدرجة
الامتياز رفقة إخوانها الفدائيين في ( معركة
الجزائر ) و قد الحقوا بالأوغاد ضربة موجعة في الأرواح و العتاد تمهيدا لهم بالرحيل
من البلاد بإذن من رب العباد .
و لم
ترتاح أبدا يوما و شيء اسمه الاستعمار مغتصب لأمها الطاهرة الشريفة محاولا دفن
تاريخها الذي لم يوجد في امة سوى امة الجزائر , تركت بيتها العائلي و كم كان ذلك
القلب الصغير النابض بالحياة و الأمل العاشق لشمس الحرية يعتصر ألما و يتمزق حزنا
لذلك الفراق القاسي بقسوة المستعمر الظالم الغاشم
.
و استبدلت نهائيا بذلك البيت السعيد ببيتها
الجديد مع إخوانها المجاهدين بحي القصبة العتيق , و هناك و بين ذكريات الطفولة
الجميلة
و حنينها إلى بيتها الجميل و بين أحلام شروق
شمس الحرية و انتصار الجزائر حرة أبية لا ترضى بأي ظالم أو غريب لتعيش هنيئة كشرت
الحسناء الجميلة عن أنيابها و أطلقت صرخة في الفضاء نشاطها الفدائي بثبات في قلب
شوارع العاصمة و ذلك بوضع المتفجرات في محلات تواجد الاستعمار الفرنسي و قد تفننت
في طرق عدة لتظلل المعمر المغرور الذي تعب في تتبع خطواتها محاولا
اقتلاع هويتها الجزائرية و يطفئ فؤاده العطشان من مجاهدة لم يصادفها من قبل لا
التاريخ و لا الزمان , لكن تلك اللبوة كانت تخفي أظافرها الناعمة
تحت حائك أو لباس تقليدي أو تظهر بصورة
عصرية مقلدة لباس المرأة الغربية لتظلل نظره متغابية بأنها تأثرت بلباس الحضارة
الفرنسية و أنها لا تبالي بشيء اسمه الوطنية و هكذا حين تسدي له ضربة قوية تثبت له
و للتاريخ معا انه أغبى مستعمر عرفه
التاريخ حين آمن أنها امرأة غبية
انسلخت من هويتها الجزائرية الطالبة للحرية و الديمقراطية.
و كما
تزخر الجزائر برجال و نساء شرفاء صنعوا التاريخ و جعلوا من أمهم الغالية نجمة حرة
في السماء مضيئة بنور الحرية طول البقاء هناك خونة أثقلوا أرضها الصافية
النقاء بأجسادهم الجوفاء و اعتقلت على يد الكلاب المدربة اللبوة الحسناء
حسيبة بن بوعلي و قد أثمرت تلك المشادات العنيفة بالرصاص بنسف المنزل و حوله
الاستعمار إلى حطام على رؤوسهم جميعا ليثبت كل مرة انه اضعف بقوة عتاده .
و في ذلك اليوم التعيس من الثامن أكتوبر 1957 م رفرفت روح اللبوة الحسناء الطاهرة في
الفضاء رفقة كل الأصدقاء معلنة عن أسطورة الشهداء وسط ضوضاء الهتافات و الزغاريد
تملأ كل جوانب السماء . في هذه اللحظة بالذات استيقظت شهد على صبح منير و سارعت
إلى طاولتها و بدأت تكتب هذه الأسطر التي تفيض من أعماق فؤادها المولع بهذه
البطولات الحافلة بالتضحيات الجسام : " كم هي محظوظة هذه الأم الطيبة و هي
تحتضنها في ثرائها المقدس رفقة رشاشتها و كم نحن محظوظون حين قرئنا هذه الأسطر و
هؤلاء الأبطال من رحم أمنا و بهم في كل العالم نفتخر لأن تاريخهم كتب بدم القلب
الأحمر و لم يكتب أبدا بقلم الحبر " و بعدها دونت ما سمعته عن اللبوة الحسناء
من صديقها الوفي لكي تلقيها اليوم على مسامع زملاءها و زميلاتها في المدرسة كم هي
محظوظة شهد الصغيرة بهذا الصديق الوفي الذي يعطيها دروسا خالدة تدعمها لتبني
مستقبلا واعدا
قصة واقعيةفي غاية الروعة،صورة نقاطا من الذاكرة بأسلوب متميز بالصدق والنقاء،
ردحذفمشكورة يابنت الأصول.