الخميس، 5 يوليو 2012

"الأصدق مع نفسه" قصة للأطفال بقلم: لطيفة بطي


الأصدق مع نفسه
لطيفة بطي

كان الملك قلقًا بشأن مملكته, فقد كبر وازدادت الأعباء عليه, وكان لديه ثلاثة من الأبناء يتوسم فيهم رجاحة العقل والعدل بين الناس في المملكة التي كانت تنعم بالرخاء والحرية في ظل الملك العادل, استشار الملك صديقه الحكيم فيمن يمكن أن يحكم البلاد من بعده, فكر الحكيم وقال بعد حين: من يحكم البلاد من بعدك يا مولاي هو الأصدق من أبنائك لأن الصادق لا يخشى شيئا فما يضمره في نفسه هو ما يظهره لمن حوله, لذا ستكون ثقة الناس به كبيرة وسيحظى بمحبتهم...

قال الملك: ولكن كيف ستعرف من هو الأصدق بين أبنائي الثلاثة وكلهم حبيب إلى قلبي ولا أستطيع التفرقة بينهم?

         
رد الحكيم: إذا سمحت لي يا مولاي بامتحانهم فسيتبين لك من هو الأصدق بينهم والذي سيصبح الحاكم من بعدك.

         
فكر الملك وقال اعمل ما شئت أيها الحكيم, ففي النهاية ما يهمني هو أمر الناس وشئونهم لأن حريتهم وراحتهم هو ما تقوم عليه المملكة.

         
عرض الحكيم فكرة الامتحان على الملك, فوافق عليها وطلب أبناءه الثلاثة وأوصاهم بالاستماع إلى الحكيم.

         
قال الحكيم للأمير الكبير: الليلة ستجد في غرفتك شيئًا يتعين عليك أخذه وتنميته حتى يزداد عدده وتعود إلينا بعد ثلاث سنوات من الآن لنرى ما صنعت.

         
وفي الليلة الثانية قال الحكيم للأمير الأوسط: ستجد أيها الأمير الليلة شيئا في غرفتك خذه وغب عنا ثلاث سنوات وعد في مثل هذا اليوم لنرى كيف نما وازداد عدد الشيء الذي أخذته!

         
أما في الليلة الثالثة, فقد قال للأمير الصغير: أيها الأمير الشاب ستجد الليلة في غرفتك شيئًا خذه ونمه حتى يكثر ويزداد عدده وعد إلينا بعد ثلاث سنوات من الآن لنرى ما صنعت.

         
غاب الأبناء الثلاثة في تلك الليالي حاملين معهم ما وجدوا في غرفهم من أشياء متأملين أن تنتهي السنوات الثلاث بأسرع وقت حتى يعودوا إلى لقاء أبيهم والحكيم.

         
انتهت المدة التي ضربها الحكيم للأبناء وعاد في اليوم الأول الأمير الكبير يسوق أمامه قطيعًا ممتدًا من الأغنام وكان الفرح والبشر يرتسمان على وجهه عندما التقى بأبيه والحكيم وقال: لقد أنجزت المهمة, أرجو أن أكون قد نجحت يا والدي الملك في ذلك.

         
لكن الحكيم سأله: خبرنا أيها الأمير كيف أصبح لديك كل هذا القطيع?!

         
فرد الأمير بحماس: عندما أخذت الخروف الذي تركته لي في الغرفة ذهبت إلى السوق واشتريت نعجة, وبعد أشهر وضعت لي حملين صغيرين فأخذتهما بعد مدة وبعتهما في السوق, واشتريت بثمنهما نعجة جديدة, فوضعت لي حملان جديدة وأخذت أبيع وأشتري حتى ازداد ونما القطيع بفضل الخروف الذي تركتماه لي!

         
بدا الاستياء وعدم الرضا على وجه الملك وسأل الأمير: ولكن كيف يزداد ويتكاثر الخروف الذي وضعناه في غرفتك, ألم يكن الخروف ميتا?! كنت أرجو أن تكون أكثر صدقا مع نفسك ومعنا!

         
شعر الأمير بالحرج واعتذر عمّا بدر منه وتولى يسوق قطيعه أمامه مرددًا, كنت أعتقد أن الخروف قد مات بعد ما تركتماه!

         
في اليوم التالي عاد الأمير الأصغر وكان يدفع أمامه عربة تمتلئ بالخضراوات الطازجة والنظيفة قدمها لوالده والحكيم قائلا: أرجو أن تتذوقا نتاج حقلي الطيب وتثنيا على الطريقة التي نميت بها البذور التي وجدتها في غرفتي!

         
غضب الملك وقال: ولكن أيها الأمير كيف تنمو البذور وتطرح كل هذا المحصول من الخضراوات وهي قد كانت بذورا تالفة ومحمصة ولا تصلح للزراعة أبدا!

         
شعر الأمير بالأسف لافتضاح أمره وساق عربته أمامه مبتعدا وهو يردد, كنت أعتقد أن أحد الخدم الأغبياء وضع تلك البذور المهملة ولست أنت أيها الحكيم!

         
أما الأمير الأوسط, فقد عاد بعد أيام خالي الوفاض ولم يكن يحمل أو يدفع شيئا أمامه مما أثار استغراب الملك والحكيم معا, وسألاه بصوت واحد: أين ما نميته في هذه السنوات أيها الأمير?!

         
أطرق الأمير الأوسط برأسه وقال: ولكن كيف أنمّي شيئا من لا شيء أيها الوالد الكريم ويا أيها الحكيم?! كان كيس النقود الذي وجدته في غرفتي فارغًا تمامًا, واعتقدت أنك أيها الحكيم نسيت أن تترك لي ولو فلسًا واحدًا به لزيادة عدده, وضعت كيس النقود في جيبي وسرت حزينًا, لكنني فكرت وقررت تنمية شيء آخر أملكه لم تمنحه لي أنت يا والدي ولم يتركه لي الحكيم في غرفتي!

         
دُهش الملك والحكيم وقالا: وما هذا الشيء أيها الأمير?

         
ردّ الأمير: لقد عملت في الأسواق وعند الناس مرة في التجارة ومرة في الزراعة ومرة في الرعي وأخرى في الصيد. عملت في الحراسة والحدادة والتجارة وفي الكثير من المهن الأخرى, صحبت الكثير من الناس واستفدت من خبراتهم وأفكارهم, رأيت كم يبذلون من الجهد والتعب لإنجاز أعمالهم لينجحوا فيها وتستمر حياتهم, لقد نما عقلي وازدادت المعارف لدي, قوي جسمي وأصبح قادرا على مواجهة أمور الحياة الصعبة والشاقة, وهذا ما كان في رحلتي!

         
سر الملك والحكيم بما سمعا وقاد الملك الأمير من يده وأجلسه على الكرسي, وقال أنت الملك من بعدي, وقال الحكيم للأمير, أنت الملك الحكيم الذي كان الأصدق مع نفسه
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق